عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 18 محرم 1440هـ/28-09-2018م, 09:35 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (180) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({كذّب أصحاب الأيكة المرسلين (176) إذ قال لهم شعيبٌ ألا تتّقون (177) إنّي لكم رسولٌ أمينٌ (178) فاتّقوا اللّه وأطيعون (179) وما أسألكم عليه من أجرٍ إن أجري إلا على ربّ العالمين (180)}
هؤلاء -أعني أصحاب الأيكة- هم أهل مدين على الصّحيح. وكان نبيّ اللّه شعيبٌ من أنفسهم، وإنّما لم يقل هنا أخوهم شعيبٌ؛ لأنّهم نسبوا إلى عبادة الأيكة، وهي شجرةٌ. وقيل: شجرٌ ملتفٌّ كالغيضة، كانوا يعبدونها؛ فلهذا لمّا قال: كذّب أصحاب الأيكة المرسلين، لم يقل: "إذ قال لهم أخوهم شعيبٌ"، وإنّما قال: {إذ قال لهم شعيبٌ}، فقطع نسبة الأخوّة بينهم؛ للمعنى الّذي نسبوا إليه، وإن كان أخاهم نسبًا. ومن النّاس من لم يتفطّن لهذه النكتة، فظن أن أصحاب الأيكة غير أهل مدين، فزعم أنّ شعيبًا عليه السّلام، بعثه اللّه إلى أمّتين، ومنهم من قال: ثلاث أممٍ.
وقد روى إسحاق بن بشرٍ الكاهليّ -وهو ضعيفٌ- حدّثني ابن السّدّيّ، عن أبيه -وزكريّا بن عمر، عن خصيف، عن عكرمة قالا ما بعث اللّه نبيًا مرّتين إلّا شعيبًا، مرّةً إلى مدين فأخذهم اللّه بالصّيحة، ومرّةً إلى أصحاب الأيكة فأخذهم اللّه بعذاب يوم الظّلّة.
وروى أبو القاسم البغويّ، عن هدبة، عن همّام، عن قتادة في قوله تعالى: {وأصحاب الرّسّ}. [ق:12] قوم شعيبٍ، وقوله: {وأصحاب الأيكة}. [ق:14] قوم شعيبٍ.
قال إسحاق بن بشرٍ: وقال غير جويبر: أصحاب الأيكة ومدين هما واحدٌ. واللّه أعلم.
وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة "شعيبٍ"، من طريق محمّد بن عثمان بن أبي شيبة، عن أبيه، عن معاوية بن هشامٍ، عن هشام بن سعدٍ، عن سعيد بن أبي هلالٍ، عن ربيعة بن سيفٍ، عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ قوم مدين وأصحاب الأيكة أمّتان، بعث اللّه إليهما شعيبًا النّبيّ، عليه السّلام".
وهذا غريبٌ، وفي رفعه نظرٌ، والأشبه أن يكون موقوفًا. والصّحيح أنّهم أمّةٌ واحدةٌ، وصفوا في كلّ مقامٍ بشيءٍ؛ ولهذا وعظ هؤلاء وأمرهم بوفاء المكيال والميزان، كما في قصّة مدين سواءً بسواءٍ، فدلّ ذلك على أنّهم أمّةٌ واحدةٌ). [تفسير ابن كثير: 6/ 158-159]

تفسير قوله تعالى: {أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين (181) وزنوا بالقسطاس المستقيم (182) ولا تبخسوا النّاس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين (183) واتّقوا الّذي خلقكم والجبلّة الأوّلين (184)}.
يأمرهم تعالى بإيفاء المكيال والميزان، وينهاهم عن التّطفيف فيهما، فقال: {أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين} أي: إذا دفعتم إلى النّاس فكمّلوا الكيل لهم، ولا تخسروا الكيل فتعطوه ناقصًا، وتأخذوه -إذا كان لكم- تامًّا وافيًا، ولكن خذوا كما تعطون، وأعطوا كما تأخذون). [تفسير ابن كثير: 6/ 159]

تفسير قوله تعالى: {وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وزنوا بالقسطاس المستقيم}: والقسطاس هو: الميزان، وقيل: القبّان. قال بعضهم: هو معرّبٌ من الرّوميّة.
قال: مجاهدٌ: القسطاس المستقيم: العدل -بالرّوميّة. وقال قتادة: القسطاس: العدل). [تفسير ابن كثير: 6/ 159]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ولا تبخسوا النّاس أشياءهم}: أي: تنقصوهم أموالهم، {ولا تعثوا في الأرض مفسدين} يعني: قطع الطّريق، كما في الآية الأخرى: {ولا تقعدوا بكلّ صراطٍ توعدون [وتصدّون عن سبيل اللّه من آمن به]} [الأعراف:86]). [تفسير ابن كثير: 6/ 159-160]

تفسير قوله تعالى: {وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {واتّقوا الّذي خلقكم والجبلّة الأوّلين}: يخوّفهم بأس اللّه الّذي خلقهم وخلق آباءهم الأوائل، كما قال موسى، عليه السّلام: {ربّكم وربّ آبائكم الأوّلين} [الصّافّات:126]. قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، والسّدّي، وسفيان بن عيينة، وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: {والجبلّة الأوّلين} يقول: خلق الأوّلين. وقرأ ابن زيدٍ: {ولقد أضلّ منكم جبلا كثيرًا} [يس:62] ). [تفسير ابن كثير: 6/ 160]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قالوا إنّما أنت من المسحّرين (185) وما أنت إلا بشرٌ مثلنا وإن نظنّك لمن الكاذبين (186) فأسقط علينا كسفًا من السّماء إن كنت من الصّادقين (187) قال ربّي أعلم بما تعملون (188) فكذّبوه فأخذهم عذاب يوم الظّلّة إنّه كان عذاب يومٍ عظيمٍ (189) إنّ في ذلك لآيةً وما كان أكثرهم مؤمنين (190) وإنّ ربّك لهو العزيز الرّحيم (191)}.
يخبر تعالى عن جواب قومه له بمثل ما أجابت به ثمود لرسولها -تشابهت قلوبهم- حيث قالوا: {إنّما أنت من المسحّرين} يعنون: من المسحورين، كما تقدّم). [تفسير ابن كثير: 6/ 160]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (186) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وما أنت إلا بشرٌ مثلنا وإن نظنّك لمن الكاذبين} أي: تتعمّد الكذب فيما تقوله، لا أنّ اللّه أرسلك إلينا). [تفسير ابن كثير: 6/ 160]

تفسير قوله تعالى: {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فأسقط علينا كسفًا من السّماء}: قال الضّحّاك: جانبًا من السّماء. وقال قتادة: قطعًا من السّماء. وقال السّدّيّ: عذابًا من السّماء. وهذا شبيهٌ بما قالت قريشٌ فيما أخبر اللّه عنهم في قوله تعالى: {وقالوا لن نؤمن لك حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا}، إلى أن قالوا: {أو تسقط السّماء كما زعمت علينا كسفًا أو تأتي باللّه والملائكة قبيلا} [الإسراء:90-92]. وقوله: {وإذ قالوا اللّهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارةً من السّماء أو ائتنا بعذابٍ أليمٍ} [الأنفال:32]، وهكذا قال هؤلاء الكفرة الجهلة: {فأسقط علينا كسفًا من السّماء إن كنت من الصّادقين}). [تفسير ابن كثير: 6/ 160]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (188) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (189)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قال ربّي أعلم بما تعملون} يقول: اللّه أعلم بكم، فإن كنتم تستحقّون ذلك جازاكم به غير ظالمٍ لكم، وكذلك وقع بهم كما سألوا، جزاءً وفاقًا؛ ولهذا قال تعالى: {فكذّبوه فأخذهم عذاب يوم الظّلّة إنّه كان عذاب يومٍ عظيمٍ} وهذا من جنس ما سألوا، من إسقاط الكسف عليهم، فإنّ اللّه، سبحانه وتعالى، جعل عقوبتهم أن أصابهم حرٌّ شديدٌ جدًّا مدّة سبعة أيّامٍ لا يكنّهم منه شيء، ثم أقبلت إليهم سحابةٌ أظلّتهم، فجعلوا ينطلقون إليها يستظلّون بظلّها من الحرّ، فلمّا اجتمعوا [كلّهم] تحتها أرسل اللّه تعالى عليهم منها شررًا من نارٍ، ولهبًا ووهجًا عظيمًا، ورجفت بهم الأرض وجاءتهم صيحةٌ عظيمةٌ أزهقت أرواحهم؛ ولهذا قال: {إنّه كان عذاب يومٍ عظيمٍ}.
وقد ذكر اللّه تعالى صفة إهلاكهم في ثلاثة مواطن كلّ موطنٍ بصفةٍ تناسب ذلك السّياق، ففي الأعراف ذكر أنّهم أخذتهم الرّجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين؛ وذلك لأنّهم قالوا: {لنخرجنّك يا شعيب والّذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودنّ في ملّتنا} [الأعراف:88]، فأرجفوا بنبيّ اللّه ومن اتّبعه، فأخذتهم الرّجفة. وفي سورة هودٍ قال: {وأخذت الّذين ظلموا الصّيحة} [هودٍ:94]؛ وذلك لأنهم استهزؤوا بنبيّ اللّه في قولهم: {أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنّك لأنت الحليم الرّشيد} [هودٍ:87]. قالوا ذلك على سبيل التّهكّم والازدراء، فناسب أن تأتيهم صيحةٌ تسكتهم، فقال: {وأخذت الّذين ظلموا الصّيحة} وهاهنا قالوا: {فأسقط علينا كسفًا من السّماء إن كنت من الصّادقين} على وجه التّعنّت والعناد، فناسب أن يحقّ عليهم ما استبعدوا وقوعه.
{فأخذهم عذاب يوم الظّلّة إنّه كان عذاب يومٍ عظيمٍ}.
قال قتادة: قال عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنه: إنّ اللّه سلّط عليهم الحرّ سبعة أيّامٍ حتّى ما يظلّهم منه شيءٌ، ثمّ إنّ اللّه أنشأ لهم سحابةً، فانطلق إليها أحدهم واستظلّ بها، فأصاب تحتها بردًا وراحةً، فأعلم بذلك قومه، فأتوها جميعًا، فاستظلّوا تحتها، فأجّجت عليهم نارًا.
وهكذا روي عن عكرمة، وسعيد بن جبير، والحسن، وقتادة، وغيرهم.
وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، بعث اللّه إليهم الظّلّة، حتّى إذا اجتمعوا كلّهم، كشف اللّه عنهم الظّلّة، وأحمى عليهم الشّمس، فاحترقوا كما يحترق الجراد في المقلى.
وقال محمّد بن كعبٍ القرظيّ: إنّ أهل مدين عذّبوا بثلاثة أصنافٍ من العذاب: أخذتهم الرّجفة في دارهم حتّى خرجوا منها، فلمّا خرجوا منها أصابهم فزعٌ شديدٌ، ففرقوا أن يدخلوا إلى البيوت فتسقط عليهم، فأرسل اللّه عليهم الظّلّة، فدخل تحتها رجلٌ فقال: ما رأيت كاليوم ظلًّا أطيب ولا أبرد من هذا. هلمّوا أيّها النّاس. فدخلوا جميعًا تحت الظّلّة، فصاح بهم صيحةً واحدةً، فماتوا جميعًا. ثمّ تلا محمّد بن كعبٍ: {فأخذهم عذاب يوم الظّلّة إنّه كان عذاب يومٍ عظيمٍ}.
وقال ابن جريرٍ: حدّثني الحارث، حدّثني الحسن، حدّثني سعيد بن زيدٍ -أخو حمّاد بن زيدٍ -حدّثني حاتم بن أبي صغيرة حدّثني يزيد الباهليّ: سألت ابن عبّاسٍ، عن هذه الآية {فأخذهم عذاب يوم الظّلّة إنّه كان عذاب يومٍ عظيمٍ} قال: بعث اللّه عليهم ومدةً وحرا شديدا، فأخذ بأنفاسهم [فدخلوا البيوت، فدخل عليهم أجواف البيوت، فأخذ بأنفاسهم] فخرجوا من البيوت هرابًا إلى البرّيّة، فبعث اللّه سحابةً فأظلّتهم من الشّمس، فوجدوا لها بردًا ولذّةً، فنادى بعضهم بعضًا، حتّى إذا اجتمعوا تحتها أرسلها اللّه عليهم نارًا. قال ابن عبّاسٍ: فذلك عذاب يوم الظّلّة، إنّه كان عذاب يومٍ عظيمٍ). [تفسير ابن كثير: 6/ 160-162]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (190) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (191) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّ في ذلك لآيةً وما كان أكثرهم مؤمنين. وإنّ ربّك لهو العزيز الرّحيم}: أي: العزيز في انتقامه من الكافرين، الرّحيم بعباده المؤمنين). [تفسير ابن كثير: 6/ 162]

رد مع اقتباس