عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 14 ذو القعدة 1439هـ/26-07-2018م, 10:15 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وهو الذي سخر البحر} الآية، تعديد نعم الله، وتسخير البحر هو تمكين البشر من التصرف فيه، وتذليله للركوب والأرفاد وغيره.
والبحر: الماء الكثير ملحا كان أو عذبا، كله يسمى بحرا، والبحر هنا اسم جنس، وإذا كان كذلك فمنه أكل اللحم الطري، ومنه استخراج الحلية، وأكل اللحم يكون من ملحه وعذبه، وإخراج الحلية إنما هو -فيما عرف- من الملح فقط، ومما عرف من ذلك اللؤلؤ والمرجان والصدف والصوف البحري، وقد يوجد في العذب لؤلؤ لا يلبس إلا قليلا، وإنما يتداوى به، ويقال: إن في الزمرد بحريا، وقد خطئ الهذلي في قوله في وصف الدرة.
فجاء بها من درة لطمية ... على وجهها ماء الفرات يموج
[المحرر الوجيز: 5/336]
فجعلها من الماء الحلو.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وتأمل قوله: "يموج" على أنه وصف بريقها ومائيتها فشبهه بماء الفرات، ولم يذهب إلى الغرض الذي خطئ فيه. و"اللحم الطري": السمك، و"الحلية": ما تقدم، و"الفلك" هنا جمع، و"مواخر" جمع ماخرة، و"المخر" في اللغة الصوت الذي يكون من هبوب الريح على شيء يشق، أو يصحب في الجملة الماء، فيترتب منه أن يكون "المخر" من الريح، وأن يكون من السفينة ونحوها، وهو في هذه الآية من السفن، ويقال للسحاب: "بنات مخر" تشبيها، إذ في جريها ذلك الصوت الذي هو عن الريح، والماء الذي في السحاب وأمرها يشبه أمر البحر، على أن الزجاج قد قال: "بنات البحر": سحاب بيض لا ماء فيها، وقال بعض اللغويين: المخر في كلام العرب: الشق، يقال: مخر الماء الأرض، فهذا بين أن يقال فيه للفلك: مواخر، وقال قوم: "مواخر" معناه: تجيء وتذهب بريح واحدة، وهذه الأقوال ليست تفسيرا للفظة، وإنما أرادوا أنها مواخر بهذه الأحوال، فنصوا على هذه الأحوال; إذ هي موضع النعم المعددة; إذ نفس كون الفلك ماخرة لا نعمة فيه، وإنما النعمة في مخرها بهذه الأحوال في التجارات، والسفر فيها، وما يمنح الله فيها من الأرباح والمنن، وقال الطبري: "المخر" في اللغة: صوت هبوب الريح، ولم يقيد ذلك بكون في ماء، وقال: إن من ذلك قول واصل مولى أبي عيينة: إذا أراد أحدكم البول فليتمخر الريح؛ أي: لينظر في صوتها في الأجسام من أين تهب، فيتجنب استقبالها لئلا ترد عليه بوله.
وقوله: "ولتبتغوا" عطف على قوله: "تأكلوا"، وهذا ذكر نعمة لها تفاصيل لا تحصى، وفيه ركوب البحر للتجارة وطلب الأرباح، فهذه ثلاثة أسباب في تسخير البحر). [المحرر الوجيز: 5/337]

تفسير قوله تعالى: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وألقى في الأرض} الآية. قال المتأولون: "ألقى" بمعنى خلق وجعل.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
[المحرر الوجيز: 5/337]
وهي عندي أخص من خلق وجعل، وذلك أن ألقى تقتضي أن الله أحدث الجبال ليس من الأرض، لكن من قدرته واختراعه، ويؤيد هذا النظر ما روي في القصص عن الحسن عن قيس بن عباد أن الله تعالى لما خلق الأرض جعلت تمور، فقالت الملائكة: ما هذه بمقرة على ظهرها أحدا، فأصبحت ضحى وفيها رواسيها، و"الرواسي": الثوابت، رسا الشيء يرسو إذا ثبت، ومنه قول الشاعر في صفة الوتد:
وأشعث ترسيه الوليدة بالفهر
و"أن" مفعول من أجله، و"الميد": الاضطراب، وقوله: "أنهارا" منصوب بفعل مضمر، تقديره: وجعل أو خلق أنهارا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وإجماعهم على إضمار هذا الفعل دليل على خصوص "ألقى"، ولو كان "ألقى" بمعنى "خلق" لم يحتج إلى الإضمار. و"السبل": الطرق، وقوله: "لعلكم تهتدون" يحتمل أن يكون: لعلكم تهتدون في مشيكم وتصرفكم في السبل، ويحتمل لعلكم تهتدون بالنظر في هذه المصنوعات على صانعها، وهذا التأويل هو البارع؛ أي: سخر وألقى وجعل أنهارا وسبلا لعل البشر يعتبرون ويرشدون، ولتكون علامات). [المحرر الوجيز: 5/338]

تفسير قوله تعالى: {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وعلامات وبالنجم هم يهتدون أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم والله يعلم ما تسرون وما تعلنون والذين
[المحرر الوجيز: 5/338]
يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون}
"علامات" نصب على المصدر، أي: فعل هذه الأشياء لعلكم تعتبرون بها، وعلامات، أي عبرة وإعلاما في كل سلوك، فقد يهتدى بالجبال والأنهار والسبل، واختلف الناس في معنى قوله: "وعلامات" على أن الأظهر عندي ما ذكرت -فقال ابن الكلبي: العلامات: الجبال، وقال إبراهيم النخعي ومجاهد: العلامات: النجوم، منها ما سمي علامات، ومنها ما يهتدى بها، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: العلامات: معالم الطرق بالنهار، والنجوم هداية الليل.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والصواب -إذا قدرنا الكلام غير معلق بما قبله- أن اللفظة تعم هذا وغيره، وذلك أن كل ما دل على شيء وعلم به فهو علامة، وأحسن الأقوال المذكورة قول ابن عباس رضي الله عنهما لأنه عموم في المعنى فتأمله، وحدثني أبي رحمه الله عنه أنه سمع بعض أهل العلم بالمشرق يقول: إن في بحر الهند الذي يجري فيه من اليمن إلى الهند حيتانا طوالا رقاقا كالحيات في ألوانها وحركتها والتوائها، وأنها تسمى العلامات، وذلك أنها علامة الوصول إلى بلاد الهند، وأمارة إلى النجاة والانتهاء إلى الهند لطول ذلك البحر وصعوبته، وأن بعض الناس قال: إنها التي أراد الله تعالى في هذه الآية، قال أبي رضي الله عنه: وأنا ممن شاهد تلك العلامات في البحر المذكور وعاينها، فحدثني منهم عدد كثير.
وقرأ الجمهور: "وبالنجم" على أنه اسم الجنس، وقرأ يحيى بن وثاب: "وبالنجم" بضم النون وإسكان الجيم على التخفيف من ضمها، وقرأ الحسن بضمها، وذلك جمع، كسقف وسقف، ورهن ورهن، ويحتمل أن يراد به النجوم، فحذفت الواو.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا عندي توجيه ضعيف.
[المحرر الوجيز: 5/339]
وقال الفراء: المراد الجدي والفرقدان، وقال غيره: المراد القطب الذي لا يجري، وقال قوم غير هذا، وقال قوم: هو اسم الجنس، وهذا هو الصواب). [المحرر الوجيز: 5/340]

رد مع اقتباس