عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 07:30 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (100) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدثني ابن مهدي، عن الثوري في قول الله: {ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا}، قال: متحولا، قال: {وسعة}، قال: سعةً من الرزق). [الجامع في علوم القرآن: 1/88]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة قال لما نزلت إن الذين توفهم الملائكة ظالمي أنفسهم قال رجل من المسلمين وهو مريض يومئذ والله مالي من عذر إني لدليل بالطريق وإني لموسر فاحملوني فحملوه فأدركه الموت في الطريق فنزل فيه ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله). [تفسير عبد الرزاق: 1/170] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا ابن عيينة عن عمرو قال سمعت عكرمة يقول كان الناس من أهل مكة قد شهدوا أن لا إله إلا الله قال فلما خرج المشركون إلى بدر أخرجوهم معهم فقتلوا فنزلت فيهم إن الذين توفهم الملائكة ظالمي أنفسهم إلى فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا قال فكتب بها المسلمين الذين بالمدينة إلى المسلمين الذين بمكة قال فخرج ناس من المسلمين حتى إذا كانوا ببعض الطريق طلبهم المشركون فأدركوهم فمنهم من أعطى الفتنة فأنزل الله تعالى ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله فكتب بها المسلمون الذين بالمدينة إلى المسلمين الذين بمكة فقال رجل من بني ضمرة وكان مريضا أخرجوني إلى الروح فأخرجوه حتى إذا كان بالحصحاص مات فأنزل الله فيه ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله الآية وأنزل في أولئك الذين كانوا أعطوا الفتنة ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا إلى رحيم). [تفسير عبد الرزاق: 1/171] (م)

قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغمًا كثيرًا وسعةً} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان يقول في قوله: {يجد في الأرض مراغمًا كثيرًا وسعة} قال: متزحزحًا). [سنن سعيد بن منصور: 4/1361]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله ثمّ يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورًا رحيمًا} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبيرٍ، أنّ رجلًا من خزاعة كان بمكّة، فمرض - وهو ضمرة بن العيص، أو العيص بن ضمرة بن زنباع -، فأمر أهله، ففرشوا له (على سريرٍ)، وحملوه، وانطلقوا به متوجّهًا إلى المدينة، فلمّا كان بالتّنعيم مات، فنزلت: {ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى اللّه ورسوله ثمّ يدركه الموت فقد وقع أجره على الله}.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا جريرٌ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، عن (أبي) عيّاش الزّرقي، قال: كنّا مع رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بعسفان، وعلى المشركين خالد بن الوليد، فصلّينا الظّهر، فقال المشركون: لقد أصبنا غرّة، لقد أصبنا غفلة، لو كنّا حملنا عليهم وهم في الصّلاة، فنزلت آية القصر فيما بين الظّهر والعصر، فلمّا حضرت العصر، قام رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم مستقبل القبلة والمشركون أمامه، فصفّ خلف رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم صفٌّ، وبعد ذلك الصفّ صفٌّ آخر، فركع رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، وركعوا جميعًا، ثمّ سجد وسجد الصّفّ الّذي يلونه، وقام الآخرون يحرسونهم، فلمّا صلّى هؤلاء السّجدتين وقاموا، سجد الآخرون الّذين كانوا خلفهم، ثمّ تأخّر الصّفّ الّذي يليه إلى مقام الآخرين، وتقدّم الأخير إلى مقام الأوّلين، ثمّ ركع رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وركعوا (جميعًا)، ثمّ (سجد) وسجد الصّفّ الّذي يليه، وقام الآخرون يحرسونهم، فلمّا جلس رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم والصّفّ الّذي يليه، سجد الآخرون، ثمّ جلسوا جميعًا، فسلّم عليهم جميعًا. قال:فصلّاها بعسفان، وصلّاها يوم بني سليم). [سنن سعيد بن منصور: 4/1361-1368]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (ويذكر عن ابن عبّاسٍ {حصرت} [النساء: 90]:ضاقت، {تلووا} [النساء: 135]:ألسنتكم بالشّهادة وقال غيره: " المراغم: المهاجر، راغمت: هاجرت قومي). [صحيح البخاري: 6/46-47]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال غيره المراغم المهاجر راغمت هاجرت قومي قال أبو عبيدة في قوله تعالى ومن يهاجر في سبيل اللّه يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة والمراغم المهاجر واحدٌ تقول هاجرت قومي وراغمت قومي قال الجعديّ عزيز المراغم والمهرب وروى عبد الرّزّاق عن معمرٍ عن الحسن في قوله مراغمًا قال متحولا وكذا أخرجه بن أبي حاتمٍ من طريق عليّ بن أبي طلحة عن بن عبّاسٍ). [فتح الباري: 8/256]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وقال غيره المراغم المهاجر راغمت هاجرت قومي
أي: وقال غير ابن عبّاس لفظ المراغم في قوله تعالى: {ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة} وكأنّه أراد بالغير: أبا عبيدة، فإن هذا لفظه حيث قال: المراغم والمهاجر واحد. تقول: هاجرت قومي وراغمت قومي، وقال الزّمخشريّ: مراغما مهاجرا وطريقا يراغم بسلوكه قومه أي: يفارقهم على رغم أنوفهم، والرغم الذل والهوان وأصله لصوق الأنف بالرغام وهو التّراب، يقال: راغمت الرجل إذا فارقته وهو يكره مفارقتك، وفي (تفسير ابن كثير) المراغم مصدر تقول العرب، راغم فلان قومه مراغما ومرغمة، وقال ابن عبّاس المراغم المتحول من أرض إلى أرض، وكذا روي عن الضّحّاك والربيع بن أنس والثّوري، وقال مجاهد: مراغما يعني متزحزحا عمّا يكره). [عمدة القاري: 18/179]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (وقال غيره) أي غير ابن عباس في قوله تعالى: {مراغمًا كثيرًا} [النساء: 100] وسعة (المراغم) بفتح الغين المعجمة هو (المهاجر) بفتح الجيم. قال أبو عبيدة: المراغم والمهاجر واحد تقول: (راغمت) أي (هاجرت قومي) ). [إرشاد الساري: 7/88]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن يهاجر في سبيل اللّه يجد في الأرض مراغمًا كثيرًا وسعةً ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى اللّه ورسوله ثمّ يدركه الموت فقد وقع أجره على اللّه وكان اللّه غفورًا رحيمًا}
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {ومن يهاجر في سبيل اللّه} ومن يفارق أرض الشّرك وأهلها هربًا بدينه منها ومنهم إلى أرض الإسلام وأهلها المؤمنين {في سبيل اللّه} يعني في منهاج دين اللّه وطريقه الّذي شرعه لخلقه، وذلك الدّين القيّم. {يجد في الأرض مراغمًا كثيرًا} يقول: يجد هذا المهاجر في سبيل اللّه مراغمًا كثيرًا، وهو المضطرب في البلاد والمذهب، يقال منه: راغم فلانٌ قومه مراغمًا ومراغمةً مصدران، ومنه قول نابغة بني جعدة:
كطودٍ يلاذ بأركانه = عزيز المراغم والمهرب
وقوله: {وسعةً} فإنّه يحتمل السّعة في الرزق ويحتمل السعه مما كان القوم فيه من تضيق المشركين عليهم في أمر دينهم بمكّة، وذلك منعهم إيّاهم من إظهار دينهم وعبادة ربّهم علانيةً ثمّ أخبر جلّ ثناؤه عمّا لمن خرج مهاجرًا من أرض الشّرك فارًّا بدينه إلى اللّه وإلى رسوله إن أدركته منيّته قبل بلوغه أرض الإسلام ودار الهجرة، فقال: من كان كذلك فقد وقع أجره على اللّه، وذلك ثواب عمله وجزاء هجرته وفراق وطنه وعشيرته إلى دار الإسلام وأهل دينه. يقول جلّ ثناؤه: ومن يخرج مهاجرًا من داره إلى اللّه وإلى رسوله، فقد استوجب ثواب هجرته وإن لم يبلغ دار هجرته باخترام المنيّة إيّاه قبل بلوغه إيّاها على ربّه.
{وكان اللّه غفورًا رحيمًا} يقول: ولم يزل اللّه تعالى ذكره غفورًا يعني: ساترًا ذنوب عباده المؤمنين بالعفو لهم عن العقوبة عليها، رحيمًا بهم رفيقًا.
وذكر أنّ هذه الآية نزلت بسبب بعض من كان مقيمًا بمكّة وهو مسلمٌ، فخرج لمّا بلغه أنّ اللّه أنزل الآيتين قبلها، وذلك قوله: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} إلى قوله: {وكان اللّه عفوًّا غفورًا} فمات في طريقه قبل بلوغه المدينة.
ذكر الأخبار الواردة بذلك:
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: {ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى اللّه ورسوله} قال: كان رجلٌ من خزاعة يقال له ضمرة بن العيص أو العيص بن ضمرة بن زنباعٍ قال: فلمّا أمروا بالهجرة كان مريضًا، فأمر أهله أن يفرشوا له على سريره ويحملوه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ففعلوا، فأتاه الموت وهو بالتّنعيم، فنزلت هذه الآية.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ قال: حدّثنا شعبة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ أنّه قال: نزلت هذه الآية: {ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى اللّه ورسوله ثمّ يدركه الموت فقد وقع أجره على اللّه} في ضمرة بن العيص بن الزّنباع، أو فلان بن ضمرة بن العيص بن الزّنباع، حين بلغ التّنعيم مات فنزلت فيه.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا عمرو بن عونٍ قال: حدّثنا هشيمٌ، عن العوّام التّيميّ بنحو حديث يعقوب، عن هشيمٍ قال: وكان رجلاً من خزاعة.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ومن يهاجر في سبيل اللّه يجد في الأرض مراغمًا كثيرًا وسعةً} الآية قال: لمّا أنزل اللّه هؤلاء الآيات ورجلٌ من المؤمنين يقال له ضمرة بمكّة قال: واللّه إنّ لي من المال ما يبلّغني المدينة وأبعد منها وإنّي لأهتدي، أخرجوني. وهو مريضٌ حينئذٍ. فلمّا جاوز الحرم قبضه اللّه فمات، فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى اللّه ورسوله} الآية.
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة قال: لمّا نزلت: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} قال رجلٌ من المسلمين يومئذٍ وهو مريضٌ: واللّه مالي من عذرٍ إنّي لدليلٌ بالطّريق، وإنّي لموسرٍ، فاحملوني. فحملوه فأدركه الموت بالطّريق، فنزلت فيه: {ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى اللّه ورسوله ثمّ يدركه الموت}.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، قال: سمعت عكرمة، يقول: لمّا أنزل اللّه: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} الآيتين، قال رجلٌ من بني ضمرة وكان مريضًا: أخرجوني إلى الرّوح. فأخرجوه، حتّى إذا كان بالحصحاص مات، فنزل فيه: {ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى اللّه ورسوله} الآية.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن المنذر بن ثعلبة، عن علباء بن أحمر اليشكريّ، قوله: {ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى اللّه ورسوله ثمّ يدركه الموت فقد وقع أجره على اللّه} قال: نزلت في رجلٍ من خزاعة.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو عامرٍ، قال: حدّثنا قرّة، عن الضّحّاك، في قول اللّه جلّ وعزّ: {ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى اللّه ورسوله ثمّ يدركه الموت فقد وقع أجره على اللّه} قال: لمّا سمع رجلٌ من أهل مكّة أنّ بني كنانة قد ضربت وجوههم وأدبارهم الملائكة قال لأهله: أخرجوني. وقد أدنف للموت. قال:أحملنى فاحتمل حتّى انتهى إلى عقبةٍ قد سمّاها فتوفّي، فأنزل اللّه: {ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى اللّه ورسوله} الآية.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: لمّا سمع بهذه، يعني بقوله: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} إلى قوله: {وكان اللّه عفوًّا غفورًا}، ضمرة بن جندبٍ الضّمريّ قال لأهله وكان وجعًا: أرحلوا راحلتي، فإنّ الأخشبين قد غمّاني، يعني: جبلي مكّة، لعلّي أن أخرج قبل التنعم فيصيبني روحٌ. فقعد على راحلته ثمّ توجّه نحو المدينة فمات بالطّريق، فأنزل اللّه: {ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى اللّه ورسوله ثمّ يدركه الموت فقد وقع أجره على اللّه} وأمّا حين توجّه إلى المدينة، فإنّه قال: اللّهمّ مهاجرٌ إليك وإلى رسولك.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عكرمة، قال: لمّا نزلت هذه الآية، يعني قوله: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة} قال جندب بن ضمرة الخذاعيّ: اللّهمّ أبلغت في المعذرة والحجّة، ولا معذرة لي ولا حجّة. قال: ثمّ خرج وهو شيخٌ كبيرٌ فمات ببعض الطّريق، فقال أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: مات قبل أن يهاجر، فلا ندري أعلى ولايةٍ أم لا؟ فنزلت: {ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى اللّه ورسوله ثمّ يدركه الموت فقد وقع أجره على اللّه}.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج قال: سمعت أبا معاذٍ يقول: اخبرنا عبيد بن سليمان قال: سمعت الضّحّاك يقول: لمّا أنزل اللّه في الّذين قتلوا مع مشركي قريشٍ ببدرٍ: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} الآية، سمع بما أنزل اللّه فيهم رجلٌ من بني ليثٍ كان على دين النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مقيمًا بمكّة، وكان ممّن عذر اللّه كان شيخًا كبيرًا وصبًا، فقال لأهله: ما أنا ببائتٍ اللّيلة بمكّة. فخرج به مريضًا حتّى إذا بلغ التّنعيم من طريق المدينة أدركه الموت، فنزل فيه: {ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى اللّه} الآية.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {ومن يهاجر في سبيل اللّه يجد في الأرض مراغمًا كثيرًا وسعةً} قال:وهاجر رجلٌ من بني كنانة يريد النّبيّ، صلّى اللّه عليه وسلّم، فمات في الطّريق. فسخر به قومه واستهزءوا به، وقالوا: لا هو بلغ الّذي يريد، ولا هو أقام في أهله يقومون عليه ويدفن. قال: فنزل القرآن: {ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى اللّه ورسوله ثمّ يدركه الموت فقد وقع أجره على اللّه}.
- حدّثنا أحمد بن منصورٍ الرّماديّ، قال: حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ، قال: حدّثنا محمد بن شريكٌ، عن عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال:لما نزلت هذه الآية: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} وكان بمكّة رجلٌ يقال له ضمرة من بني بكرٍ وكان مريضًا، فقال لأهله: أخرجوني من مكّة، فإنّي أجد الحرّ. فقالوا: أين نخرجك؟ فأشار بيده نحو المدينة. فنزلت هذه الآية: {ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى اللّه ورسوله} إلى آخر الآية.
- حدّثني الحارث بن أبي أسامة، قال: حدّثنا عبد العزيز بن أبان، قال: حدّثنا قيسٌ، عن سالمٍ الأفطس، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: لمّا نزلت هذه الآية: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر} قال: رخّص فيها قومٌ من المسلمين ممّن كان بمكّة من أهل الضّرر حتّى نزلت فضيلة المجاهدين على القاعدين، فقالوا: قد بيّن اللّه فضيلة المجاهدين على القاعدين ورخّص لأهل الضّرر. حتّى نزلت: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} إلى قوله: {وساءت مصيرًا}
قالوا: هذه موجبةٌ. حتّى نزلت: {إلاّ المستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلاً} فقال ضمرة بن العيص الزّرقيّ أحد بني ليثٍ، وكان مصاب البصر: إنّي لذو حيلةٍ لي مالٌ ولي رقيقٌ، فاحملوني. فخرج وهو مريضٌ، فأدركه الموت عند التّنعيم، فدفن عند مسجد التّنعيم، فنزلت فيه هذه الآية: {ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى اللّه ورسوله ثمّ يدركه الموت} الآية.
واختلف أهل التّأويل في تأويل المراغم، فقال بعضهم: هو التّحوّل من أرضٍ إلى أرضٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {مراغمًا كثيرًا} قال: المراغم: التّحوّل من الأرض إلى الأرض.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {مراغمًا كثيرًا} يقول: متحوّلا.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {يجد في الأرض مراغمًا كثيرًا} قال: متحوّلا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ قال: حدّثنا أبو سفيان، عن معمرٍ، عن الحسن، أو قتادة: {مراغمًا كثيرًا} قال: متحوّلا.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ: {يجد في الأرض مراغمًا كثيرًا} قال: مندوحةً عمّا يكره.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قول الله: {مراغمًا كثيرًا} قال: مزحزحًا عمّا يكره.
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {مراغمًا كثيرًا} قال: متزحزحًا عمّا يكره.
وقال آخرون: مبتغى معيشةٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {يجد في الأرض مراغمًا كثيرًا} يقول: مبتغًى للمعيشة.
وقال آخرون: المراغمه: المهاجرة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {مراغمًا} المراغم: المهاجر
قال أبو جعفرٍ: وقد بيّنّا أولى الأقوال في ذلك بالصّواب فيما مضى قبل.
واختلفوا أيضًا في معنى السّعة الّتي ذكرها اللّه في هذا الموضع فقال: {وسعةً} فقال بعضهم: هي السّعة في الرّزق.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {مراغمًا كثيرًا وسعةً} قال: السّعة الرّزق.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {مراغمًا كثيرًا وسعةً} قال: السّعة في الرّزق.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيد بن سلمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {وسعةً} يقول: سعةً في الرّزق.
وقال آخرون في ذلك ما:
- حدّثني بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {يجد في الأرض مراغمًا كثيرًا وسعةً} قال أي واللّه من الضّلالة إلى الهدى، ومن العيلة إلى الغنى.
قال أبو جعفرٍ: وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب أن يقال: إنّ اللّه أخبر أنّ من هاجر في سبيله يجد في الأرض مضطربًا ومتّسعًا؛ وقد يدخل في السّعة، السّعة في الرّزق، والغنى من الفقر؛ ويدخل فيه السّعة من ضيق الهمّ، والكرب الّذي كان فيه أهل الإيمان باللّه من المشركين بمكّة، وغير ذلك من معاني السّعة الّتي هي بمعنى الروح والفرج من مكروه ما كره اللّه للمؤمنين لمقامهم بين ظهراني المشركين وفي سلطانهم. ولم يضع اللّه دلالةً على أنّه عنى بقوله: {وسعةً} بعض معاني السّعة الّتي وصفنا، فكلّ معاني السّعة هي الّتي بمعنى الروح والفرج ممّا كانوا فيه من ضيق العيش وغمّ جوار أهل الشّرك وضيق الصّدر بتعذّر إظهار الإيمان باللّه وإخلاص توحيده وفراق الأنداد والآلهة، داخلٌ في ذلك.
وقد تأوّل قومٌ من أهل العلم هذه الآية، أعنّي قوله: {ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى اللّه ورسوله ثمّ يدركه الموت فقد وقع أجره على اللّه} أنّها حكم في الغازي يخرج للغزو فيدركه الموت بعد ما يخرج من منزله فاصلا فيموت، أنّ له سهمه من المغنم وإن لم يكن شهد الوقعة. كما:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا يوسف بن عديٍّ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيبٍ، أنّ أهل المدينة، يقولون: من خرج فاصلاً وجب سهمه؛ وتأوّلوا قوله تبارك وتعالى: {ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى اللّه ورسوله}). [جامع البيان: 7/391-403]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ومن يهاجر في سبيل اللّه يجد في الأرض مراغمًا كثيرًا وسعةً ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى اللّه ورسوله ثمّ يدركه الموت فقد وقع أجره على اللّه وكان اللّه غفورًا رحيمًا (100)
قوله تعالى: ومن يهاجر في سبيل اللّه
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، أنبأ محمّد بن مزاحمٍ عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان قوله: ومن يهاجر في سبيل اللّه يعني: من هاجر إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بالمدينة.
قوله تعالى: يجد في الأرض مراغماً كثيراً. [الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: مراغماً كثيراً قال: المراغم: التّحوّل من الأرض إلى الأرض.
وروي عن الضّحّاك، والرّبيع بن أنسٍ، والثّوريّ نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ
قوله: يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعةً قال: متزحزحاً عمّا يكره.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا عبد العزيز بن المغيرة، أنبأ يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٍ، ثنا قتادة قال: يجد في الأرض مراغماً كثيراً قال: أي واللّه من الضّلالة إلى الهدى، ومن العيلة إلى الغنى.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: يجد في الأرض مراغماً كثيراً يقول: مبتغا المعيشة.
والوجه الخامس:
- حدّثنا عليّ بن الحسن الهسنجانيّ، ثنا ابن أبي مريم، أنبأ مفضّل بن فضالة، حدّثني أبو صخرٍ: يجد في الأرض مراغماً كثيراً قال: منفسحاً كثيرةً وسعةً.
والوجه السّادس:
- حدّثنا محمّد بن يحيى الواسطيّ، حدّثني خبّاب بن نافعٍ قال سفيان يعني ابن عيينة: يجد في الأرض مراغما كثيرا قال: المراغم: البروح.
قوله تعالى: وسعة.
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قال: السّعة: الرّزق. وروي عن الضّحّاك، والرّبيع بن أنسٍ، ومقاتل بن حيّان مثل ذلك.
والوجه الثّاني:
- أخبرنا العبّاس بن الوليد بن مزيدٍ البيروتيّ قراءةً، أنبأ محمّد بن شعيبٍ، أخبرني عثمان بن عطاءٍ، عن أبيه قوله: وسعةً قال: ورخاءً.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا عليّ بن الحسين قال: قريء على الحارث بن مسكينٍ وأنا أسمع أنا ابن القاسم قال: سئل مالكٌ عن قول اللّه تعالى وسعةً قال والسّعة: سعة البلاد.
قوله تعالى: ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى اللّه ورسوله.
[الوجه الأول]
- حدّثنا أحمد بن منصورٍ الرّماديّ، ثنا أبو أحمد الزّبيريّ، ثنا محمّد بن شريكٍ، عن عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: كان بمكّة رجلٌ يقال له: ضمرة من بني بكرٍ، وكان مريضاً، فقال لأهله: اخرجوني من مكّة، فإنّي أجد الحرّ. فقالوا: أين نخرجك؟ فأشار بيده نحو المدينة يعني. فمات، فنزلت هذه الآية:
ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى اللّه ورسوله ثمّ يدركه الموت فقد وقع أجره على اللّه.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عبد الرّحمن بن عبد الملك بن شيبة الحزاميّ، حدّثني عبد الرّحمن بن المغيرة بن عبد الرّحمن الحزاميّ، عن المنذر بن عبد اللّه، عن هشام بن عروة، عن أبيه أنّ الزّبير بن العوّام قال: هاجر خالد بن حزامٍ إلى أرض الحبشة، فنهشته حيّةٌ في الطّريق فمات، فنزلت فيه: ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى اللّه ورسوله ثمّ يدركه الموت فقد وقع أجره على اللّه وكان اللّه غفورًا رحيماً قال الزّبير:
وكنت أتوقّعه وأنتظر قدومه وأنا بأرض الحبشة، فما أحزنني شيءٌ حزني وفاته حين بلغني، لأنّه قلّ أحدٌ من هاجر من قريشٍ إلا معه بعض أهله أو ذي رحمه، ولم يكن معي أحدٌ من بني أسد بن عبد العزّى ولا أرجو غيره.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا سليمان بن داود مولى عبد اللّه بن جعفرٍ، ثنا سهل بن عثمان، ثنا عبد الرّحمن بن سليمان، عن أشعث، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: خرج ضمرة ابن جندبٍ إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فمات في الطّريق قبل أن يصل إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فنزلت: ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى اللّه ورسوله ثمّ يدركه الموت فقد وقع أجره على الله الآية.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد اللّه بن رجاءٍ، أنبأ إسرائيل، عن سالمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن أبي ضمرة بن العيص الزّرقيّ الّذي كان مصاب البصر وكان بمكّة، فلمّا نزلت: إلا المستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان لا يستطيعون حيلةً فقلت: إنّني لغنيّ وإنّي لذو حيلةٍ، قال: فتجهّز يريد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فأدركه الموت بالتّنعيم، فنزلت هذه الآية: ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى اللّه ورسوله ثمّ يدركه الموت فقد وقع أجره على اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 3/1048-1051]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا المبارك بن فضالة عن الحسن قال خرج رجل من مكة يريد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فمات في الطريق فقال المشركون ما أدرك هذا شيئا فأنزل الله عز وجل ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله). [تفسير مجاهد: 170]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد يجد في الأرض مراغما كثيرا يعني متزحزحا عما يكره). [تفسير مجاهد: 171]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى اللّه ورسوله} [النساء: 100]
- عن ابن عبّاسٍ - رضي اللّه عنهما - قال: «خرج ضمرة بن جندبٍ من بيته مهاجرًا فقال لأهله: احملوني فأخرجوني من أرض المشركين إلى رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - فمات في الطّريق قبل أن يصل إلى النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - فنزل الوحي: {ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى اللّه ورسوله ثمّ يدركه الموت} [الفاتحة: 100 - 32267] حتّى بلغ: {وكان اللّه غفورًا رحيمًا} [النساء: 100]».
رواه أبو يعلى، ورجاله ثقاتٌ). [مجمع الزوائد: 7/10]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال أبو يعلى الموصليّ: ثنا عبد اللّه بن عمر بن أبانٍ، ثنا عبد الرّحمن، عن أشعث، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ- رضي اللّه عنهما- قال: "خرج ضمرة بن جندبٍ من بيته مهاجرًا فقال لأهله: احملوني فأخرجوني من أرض المشركين إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فمات في الطّريق قبل أن يصل إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فنزل الوحي: (ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى اللّه ورسوله ثمّ يدركه الموت) حتى بلغ (وكان الله غفوراً رحيماً) ). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/198]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (حدثنا عبد اللّه بن عمر بن أبان، ثنا عبد الرّحمن، (عن) أشعث، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما قال: خرج ضمرة بن جندبٍ رضي الله عنه، من بيته مهاجرًا، فقال لأهله: احملوني فأخرجوني من أرض المشركين إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فنزل الوحي: {ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى اللّه} الآية). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/595]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله {مراغما كثيرا وسعة} قال: المراغم التحول من أرض إلى أرض، والسعة الرزق.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد {مراغما} قال: متزحزحا عما يكره.
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله {مراغما} قال: منفسحا بلغة هذيل، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت قول الشاعر:
واترك أرض جهرة إن عندي = رجاء في المراغم والتعادي.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: المراغم المهاجر.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي مراغما قال: مبتغى للمعيشة
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي صخر مراغما قال منفسحا.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة {يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة} قال: متحولا من الضلالة إلى الهدى ومن العيلة إلى الغنى.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في قوله {وسعة} قال: ورخاء.
وأخرج عن ابن القاسم قال: سئل مالك عن قول الله {وسعة} قال: سعة البلاء.
وأخرج أبو يعلى، وابن أبي حاتم والطبراني بسند رجاله ثقات عن ابن عباس قال: خرج ضمرة بن جندب من بيته مهاجرا فقال لأهله: احملوني فأخرجوني من أرض المشركين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات في الطريق قبل أن يصل إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فنزل الوحي {ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله} الآية.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن عباس قال: كان بمكة رجل يقال له ضمرة من بني بكر وكان مريضا فقال لأهله: أخرجوني من مكة فإني أجد الحر، فقالوا أين نخرجك فأشار بيده نحو طريق المدينة فخرجوا به فمات على ميلين من مكة فنزلت هذه الآية {ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت}.
واخرج أبو حاتم السجستاني في كتاب المعمرين عن عامر الشعبي قال: سألت ابن عباس عن قوله تعالى {ومن يخرج من بيته مهاجرا} الآية، قال: نزلت في أكثم بن صيفي قلت: فأين الليثي قال: هذا قبل الليثي بزمان وهي خاصة عامة.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير والبيهقي في "سننه" عن سعيد بن جبير أن رجلا من خزاعة كان بمكة فمرض وهو ضمرة بن العيص أو العيص بن ضمرة بن زنباع فلما أمروا بالهجرة كان مريضا فأمر أهله أن يفرشوا له على سريره ففرشوا له وحملوه وانطلقوا به متوجها إلى المدينة فلما كان بالتنعيم مات فنزل {ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله}.
وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن أبي ضمرة بن العيص الزرقي الذي كان مصاب البصر وكان بمكة فلما نزلت (إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة) (النساء الآية 97) فقال: إني لغني وإني لذو حيلة، فتجهز يريد النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأدركه الموت بالتنعيم فنزلت هذه الآية {ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله}.
وأخرج ابن جرير من وجه آخر عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت هذه الآية (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر) (النساء الآية 96) رخص فيها لقوم من المسلمين ممن بمكة من أهل الضرر حتى نزلت فضيلة المجاهدين على القاعدين ورخص لأهل الضرر حتى نزلت (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم) إلى قوله (وساءت مصيرا) (النساء الآية 96) قالوا: هذه موجبة حتى نزلت (إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا) (النساء الآية 98) فقال ضمرة بن العيص أحد بني ليث وكان مصاب البصر: إني لذو حيلة لي مال فاحملوني فخرج وهو مريض فأدركه الموت عند التنعيم فدفن عند مسجد التنعيم فنزلت فيه هذه الآية {ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت} الآية.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة قال لما أنزل الله هؤلاء الآيات ورجل من المؤمنين يقال له ضمرة ولفظ عبد سبرة بمكة قال: والله إن لي من المال ما يبلغني إلى المدينة وأبعد منها وإني لاهتدي إلى المدينة فقال لأهله: أخرجوني - وهو مريض يومئذ - فلما جاوز الحرم قبضه الله فمات فأنزل الله {ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله} الآية.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير من وجه آخر عن قتادة قال: لما نزلت (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم) (النساء الآية 97) قال رجل من المسلمين يومئذ وهومريض: والله ما لي من عذر إني لدليل بالطريق وإني لموسر فاحملوني فحملوه فأدركه الموت بالطريق فنزل فيه {ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله}.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن عكرمة قال: لما أنزل الله (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم) (النساء الآية 97) الآيتين، قال رجل من بني ضمرة - وكان مريضا - أخرجوني إلى الروح فأخرجوه حتى إذا كان بالحصحاص مات فنزل فيه {ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله} الآية.
وأخرج ابن جرير عن علباء بن أحمر قوله {ومن يخرج من بيته} الآية، قال: نزلت في رجل من خزاعة
وأخرج ابن جرير عن السدي قال: لما سمع - هذه يعني (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم) (النساء الآية 97) الآية - ضمرة بن جندب الضمري قال لأهله - وكان وجعا -: أرحلوا راحلتي فإن الأخشبين قد غماني - يعني جبلي مكة - لعلي أن أخرج فيصيبني روح فقعد على راحلته ثم توجه نحو المدينة فمات في الطريق فأنزل الله {ومن يخرج من بيته مهاجرا} الآية.
وأمّا حين توجه إلى المدينة فإنه قال: اللهم إني مهاجر إليك وإلى رسولك.
وأخرج سنيد، وابن جرير عن عكرمة قال: لما نزلت (إن الذين توفاهم الملائكة) (النساء الآية 97) الآية، قال ضمرة بن جندب الجندعي: اللهم أبلغت المعذرة والحجة ولا معذرة لي ولا حجة، ثم خرج وهو شيخ كبير فمات ببعض الطريق فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مات قبل أن يهاجر فلا ندري أعلى ولاية أم لا فنزلت {ومن يخرج من بيته} الآية.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن الضحاك قال: لما أنزل الله في الذين قتلوا مع مشركي قريش ببدر (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم) (النساء الآية 97) الآية، سمع بما أنزل الله فيهم رجل من بني ليث كان على دين النّبيّ صلى الله عليه وسلم مقيما بمكة وكان ممن عذر الله كان شيخا كبيرا فقال لأهله: ما أنا ببائت الليلة بمكة، فخرجوا به حتى إذا بلغ التنعيم من طريق المدينة أدركه الموت فنزل فيه {ومن يخرج من بيته} الآية
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة في الآية قال: نزلت في رجل من بني ليث أحد بني جندع.
وأخرج ابن سعد، وابن المنذر عن يزيد بن عبد الله بن قسيط أن جندع بن ضمرة الجندعي كان بمكة فمرض فقال لبنيه: أخرجوني من مكة فقد قتلني غمها، فقالوا إلى أين فأومأ بيده نحو المدينة يريد الهجرة فخرجوا به فلما بلغوا اضاة بني غفار مات فأنزل الله فيه {ومن يخرج من بيته} الآية.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: هاجر رجل من بني كنانة يريد النّبيّ صلى الله عليه وسلم فمات في الطريق فسخر به قوم واستهزؤوا به وقال: لا هو بلغ الذي يريد ولا هو أقام في أهله يقومون عليه ويدفن، فنزل القرآن {ومن يخرج من بيته} الآية.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: خرج رجل من مكة بعد ما أسلم وهو يريد النّبيّ وأصحابه فأدركه الموت في الطريق فمات فقالوا: ما أدرك هذا من شيء، فأنزل الله {ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله} الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق هشام بن عروة عن أبيه أن الزبير بن العوام قال: هاجر خالد بن حزام إلى أرض الحبشة فنهشته حية في الطريق فمات فنزلت فيه {ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما}، قال الزبير: وكنت أتوقعه وأنتظر قدومه وأنا بأرض الحبشة فما أحزنني شيء حزني لوفاته حين بلغني لأنه قل أن هاجر أحد من قريش إلا ومعه بعض أهله أو ذي رحمه ولم يكن معي أحد من بني أسد بن عبد العزى ولا أرجو غيره.
وأخرج ابن سعد عن المغيرة بن عبد الرحمن الخزاعي عن أبيه قال: خرج خالد بن حزام مهاجرا إلى أرض الحبشة في المرة الثانية فنهش في الطريق فمات قبل أن يدخل أرض الحبشة فنزلت فيه {ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله} الآية.
وأخرج ابن جرير من طريق ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن أهل المدينة يقولون: من خرج فاصلا وجب سهمه وتاولوا قوله تعالى {ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله} يعني من مات ممن خرج إلى الغزو بعد انفصاله من منزله قبل أن يشهد الوقعة فله سهمه من المغنم.
وأخرج ابن سعد وأحمد والحاكم وصححه عن عبد الله بن عتيك سمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: من خرج من بيته مجاهدا في سبيل الله - وأين المجاهدون في سبيل الله - فخر عن دابته فمات فقد وقع أجره على الله أو لدغته دابة فمات فقد وقع أجره على الله أو مات حتف أنفه فقد وقع أجره على الله - يعني بحتف أنفه على فراشه والله إنها لكلمة ما سمعتها من أحد من العرب قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم - ومن قتل قعصا فقد استوجب الجنة.
وأخرج أبو يعلى والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من خرج حاجا فمات كتب له أجر الحاج إلى يوم القيامة ومن خرج معتمرا فمات كتب له أجر المعتمر إلى يوم القيامة ومن خرج غازيا في سبيل الله كتب له أجر الغازي إلى يوم القيامة). [الدر المنثور: 4/641-650]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (101) )
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا عبد بن حميدٍ، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن جريجٍ، قال: سمعت عبد الرّحمن بن عبد الله بن أبي عمّارٍ، يحدّث عن عبد الله بن باباه، عن يعلى بن أميّة، قال: قلت لعمر بن الخطّاب: إنّما قال اللّه: {أن تقصروا من الصّلاة إن خفتم أن يفتنكم} وقد أمن النّاس، فقال عمر: عجبت ممّا عجبت منه. فذكرت ذلك لرسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم. فقال: صدقةٌ تصدّق اللّه بها عليكم فاقبلوا صدقته.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ). [سنن الترمذي: 5/93]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله عزّ وجلّ: {فليس عليكم جناحٌ أن تقصروا من الصّلاة}
- أخبرني شعيب بن يوسف، عن يحيى وهو ابن سعيدٍ القطّان، عن ابن جريجٍ، عن عبد الرّحمن بن عبد الله بن أبي عمّارٍ، عن عبد الله بن باباه، عن يعلى بن أميّة، قال: قلت لعمر: إقصار الصّلاة، قال الله عزّ وجلّ: {إن خفتم أن يفتنكم الّذين كفروا} [النساء: 101] وقد ذهب ذلك الآن، قال: عجبت ممّا عجبت منه، سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «صدقةٌ تصدّق الله عليكم، فاقبلوا صدقته»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/71]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناحٌ أن تقصروا من الصّلاة إن خفتم أن يفتنكم الّذين كفروا إنّ الكافرين كانوا لكم عدوًّا مّبينًا}
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {وإذا ضربتم في الأرض} وإذا سرتم أيّها المؤمنون في الأرض، {فليس عليكم جناحٌ} يقول: فليس عليكم حرجٌ ولا إثمٌ {أن تقصروا من الصّلاة} يعني أن تقصروا من عددها، فتصلّوا ما كان عدده منها في الحضر وأنتم مقيمون أربعًا، اثنتين، في قول بعضهم.
وقيل: معناه: لا جناح عليكم أن تقصروا من الصّلاة التي عددها في حال ضربكم في الأرض، اثنتان إلى واحدةٍ في قول آخرين.
وقال آخرون: معنى ذلك: لا جناح عليكم أن تقصروا من حدود الصّلاة إن خفتم أن يفتنكم الّذين كفروا. يعني: إن خشيتم أن يفتنكم الّذين كفروا في صلاتكم وفتنتهم إيّاهم فيها حملهم عليهم وهم فيها ساجدون، حتّى يقتلوهم أو يأسروهم، فيمنعوهم من إقامتها وأدائها، ويحولوا بينهم وبين عبادة اللّه وإخلاص التّوحيد له. ثمّ أخبرهم جلّ ثناؤه عمّا عليه أهل الكفر فقال لهم: {إنّ الكافرين كانوا لكم عدوًّا مّبينًا} يعني: الجاحدون وحدانيّة اللّه {كانوا لكم عدوًّا مّبينًا}، يقول: عدوًّا قد أبانوا لكم عداوتهم، بمناصبتهم لكم الحرب على إيمانكم باللّه وبرسوله وترككم عبادة ما يعبدون من الأوثان والأصنام، ومخالفتكم ما هم عليه من الضّلالة.
واختلف أهل التّأويل في معنى القصر الّذي وضع اللّه الجناح فيه عن فاعله، فقال بعضهم في القصر: في السّفر من الصّلاة الّتي كان واجبًا تمامها في الحضر أربع ركعاتٍ، وأذن في قصرها في السّفر إلى اثنتين.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عبيد بن إسماعيل الهبّاريّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن إدريس، عن ابن جريجٍ، عن ابن أبي عمّارٍ، عن عبد اللّه بن بابيه، عن يعلى بن أميّة، قال: قلت لعمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه: {فليس عليكم جناحٌ} أن تقصروا من الصّلاة إن خفتم وقد أمن النّاس. فقال: عجبت ممّا عجبت منه حتّى سألت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن ذلك، فقال: صدقةٌ تصدّق اللّه بها عليكم فاقبلوا صدقته.
- حدّثنا أبو كريبٍ قال: حدّثنا ابن إدريس، عن ابن جريجٍ، عن ابن أبي عمّارٍ، عن عبد اللّه بن بابيه عن يعلى بن أميّة، عن عمر، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، مثله.
- حدّثنا سعيد بن يحيى الأمويّ قال: حدّثنا محمّد بن أبي عديٍّ، عن ابن جريجٍ قال: سمعت عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن أبي عمّارٍ يحدّث عن عبد اللّه بن بابيه، يحدّث عن يعلى بن أميّة قال: قلت لعمر بن الخطّاب أعجب من قصر النّاس الصّلاة وقد أمنوا، وقد قال اللّه تبارك وتعالى: {أن تقصروا من الصّلاة إن خفتم أن يفتنكم الّذين كفروا} فقال عمر: عجبت ممّا عجبت منه، فذكرت ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: صدقةٌ تصدّق اللّه بها عليكم فاقبلوا صدقته.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا هشام بن عبد الملك، قال: حدّثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن أبي العالية، قال: سافرت إلى مكّة، فكنت أصلّي ركعتين، فلقيني قرّاءٌ من أهل هذه النّاحية، فقالوا: كيف تصلّي؟ قلت: ركعتين، قالوا: أسنّةٌ أم قرآنٌ؟ قلت: كلّ ذلك سنّةٌ وقرآنٌ، قلت: صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ركعتين، قالوا: إنّه كان في حربٍ. قلت: قال اللّه: {لقد صدق اللّه رسوله الرّؤيا بالحقّ لتدخلنّ المسجد الحرام إن شاء اللّه آمنين محلّقين رءوسكم ومقصّرين لا تخافون} وقال: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناحٌ أن تقصروا من الصّلاة} فقرأ حتّى بلغ: {فإذا اطمأننتم}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن هاشمٍ، قال: أخبرنا سيف عن أبي روقٍ، عن أبي أيّوب، عن عليٍّ، قال: سأل قومٌ من التّجّار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالوا: يا رسول اللّه، إنّا نضرب في الأرض، فكيف نصلّي؟ فأنزل اللّه: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناحٌ أن تقصروا من الصّلاة} ثمّ انقطع الوحي. فلمّا كان بعد ذلك بحولٍ، غزا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فصلّى الظّهر، فقال المشركون: لقد أمكنكم محمّدٌ وأصحابه من ظهورهم هلا شددتم عليهم. فقال قائلٌ منهم: إنّ لهم أخرى مثلها في أثرها. فأنزل اللّه تبارك وتعالى بين الصّلاتين: {إن خفتم أن يفتنكم الّذين كفروا إنّ الكافرين كانوا لكم عدوًّا مبينًا وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصّلاة فلتقم طائفةٌ منهم معك} إلى قوله: {إنّ اللّه أعدّ للكافرين عذابًا مهينًا} فنزلت صلاة الخوف.
قال أبو جعفرٍ: وهذا تأويلٌ الآية حسنٌ لو لم يكن في الكلام إذا، ولكن قوله وإذا تؤذن بانقطاع ما بعدها عن معنى ما قبلها، ولو لم يكن في الكلام إذا كان معنى الكلام على هذا التّأويل الّذي رواه سيفٌ، عن أبي روقٍ: إن خفتم أيّها المؤمنون أن يفتنكم الّذين كفروا في صلاتكم، وكنت فيهم يا محمّد، فأقمت لهم الصّلاة، فلتقم طائفةٌ منهم معك، الآية.
وبعد، فإنّ ذلك فيما ذكر في قراءة أبيّ بن كعبٍ: وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناحٌ أن تقصروا من الصّلاة أن يفتنكم الّذين كفروا.
- حدّثني بذلك الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا الثّوريّ، عن واصل بن حيّان، عن عبد اللّه بن عبد الرّحمن بن أبزى، عن أبيه، عن أبيّ بن كعبٍ، أنّه كان يقرأ: فاقصروا، من الصّلاة أن يفتنكم الّذين كفروا، ولا يقرأ: {إن خفتم}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا بكر بن شرودٍ، عن الثّوريّ، عن واصلٍ الأحدب، عن عبد اللّه بن عبد الرّحمن، عن أبيه، عن أبيّ بن كعبٍ، أنّه قرأ: أن تقصروا، من الصّلاة أن يفتنكم قال بكرٌ: وهي في مصحف الإمام عثمان رحمه اللّه: {إن خفتم أن يفتنكم الّذين كفروا}.
وهذه القراءة تنبئ على أنّ قوله: {إن خفتم أن يفتنكم الّذين كفروا} مواصلٌ قوله: {فليس عليكم جناحٌ أن تقصروا من الصّلاة} وأنّ معنى الكلام: وإذا ضربتم في الأرض فإن خفتم أن يفتنكم الّذين كفروا فليس عليكم جناحٌ أن تقصروا من الصّلاة، وأنّ قوله: {وإذا كنت فيهم} قصّةٌ مبتدأةٌ غير قصّة هذه الآية. وذلك أنّ تأويل قراءة أبيٍّ هذه الّتي ذكرناها عنه: وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناحٌ أن تقصروا من الصّلاة أن لا يفتنكم الّذين كفروا، فحذفت لا لدلالة الكلام عليها، كما قال جلّ ثناؤه: {يبيّن اللّه لكم أن تضلّوا} بمعنى: أن لا تضلّوا ففيما وصفنا دلالةٌ بيّنةٌ على فساد التّأويل الّذي رواه سيفٌ، عن أبي روقٍ.
وقال آخرون: بل هو القصر في السّفر، غير أنّه إنّما أذن جلّ ثناؤه به للمسافر في حال خوفه من عدوٍّ يخشى أن يفتنه في صلاته.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني أبو عاصمٍ، عمران بن محمّدٍ الأنصاريّ قال: حدّثنا عبد الكبير بن عبد المجيد قال:حدثنا محمد بن عبد اللّه بن محمّد بن عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ الصّدّيق قال: سمعت أبي يقول: سمعت عائشة، تقول في السّفر: أتمّوا صلاتكم. فقالوا: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يصلّي في السّفر ركعتين؟ فقالت: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان في حربٍ وكان يخاف، هل تخافون أنتم؟.
- حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، قال: حدّثنا ابن أبي فديكٍ، قال: حدّثنا ابن أبي ذئبٍ، عن ابن شهابٍ، عن أميّة بن عبد اللّه بن خالد بن أسيدٍ، أنّه قال لعبد اللّه بن عمر: إنّا نجد في كتاب اللّه قصر الصّلاة الخوف، ولا نجد قصر صلاة المسافر؟ فقال عبد اللّه: إنّا وجدنا نبيّنا صلّى اللّه عليه وسلّم يعمل عملاً عملنا به.
- حدّثنا عليّ بن سهلٍ الرّمليّ، قال: حدّثنا مؤمّلٌ، قال: حدّثنا سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أنّ عائشة، كانت تصلّي في السّفر أربعا
- حدّثنا سعيد بن يحيى، قال: حدّثني أبي قال: حدّثنا ابن جريجٍ، قال: قلت لعطاءٍ: أيّ أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يتمّ الصّلاة في السّفر؟ قال: عائشة وسعد بن أبي وقّاصٍ.
وقال آخرون: بل عنى بهذه الآية: قصر صلاة الخوف في غير حال المسايفة، قالوا: وفيها نزلت.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ، في قوله: {فليس عليكم جناحٌ أن تقصروا من الصّلاة} قال: يوم كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه بعسفان والمشركون بضجنان، فتواقفوا، فصلّي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بأصحابه صلاة الظّهر ركعتين أو أربعًا، شكّ أبو عاصمٍ، ركوعهم وسجودهم وقيامهم معًا جميعًا. فهمّ بهم المشركون أن يغيروا على أمتعتهم وأثقالهم، فأنزل اللّه عليه: {فلتقم طائفةٌ منهم معك} فصلّى العصر، فصفّ أصحابه صفّين، ثمّ كبّر بهم جميعًا، ثمّ سجد الأوّلون سجدةً والآخرون قيامٌ، ثمّ سجد الآخرون حين قام النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ثمّ كبّر بهم وركعوا جميعًا، فتقدّم الصّفّ الآخر، واستأخر الأوّل، فتعاقبوا السّجود كما فعلوا أوّل مرّةٍ وقصر العصر إلى ركعتين.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {فليس عليكم جناحٌ أن تقصروا من الصّلاة} قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه بعسفان والمشركون بضجنان، فتواقفوا، فصلّى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بأصحابه صلاة الظّهر ركعتين ركوعهم وسجودهم وقيامهم جميعًا، فهمّ بهم المشركون أن يغيروا على أمتعتهم وأثقالهم، فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {فلتقم طائفةٌ منهم معك} فصلّى بهم صلاة العصر، فصفّ أصحابه صفّين، ثمّ كبّر بهم جميعًا، ثمّ سجد الأوّلون لسجوده والآخرون قيامٌ لم يسجدوا، حتّى قام النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ كبّر بهم وركعوا جميعًا، فقدّم الصّفّ الآخر واستأخر الصّفّ المقدّم، فتعاقبوا السّجود كما دفعلوا أوّل مرّةٍ، وقصرت صلاة العصر إلى ركعتين.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، عن أبي عيّاشٍ الزّرقيّ، قال: كنّا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعسفان، وعلى المشركين خالد بن الوليد. قال: فصلّينا الظّهر، فقال المشركون:لقد كانوا على حالٍ لو أردنا لأصبنا غرّةً، لأصبنا غفلةً. فأنزلت آية القصر بين الظّهر والعصر، فأخذ النّاس السّلاح، وصفّوا خلف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مستقبلي القبلة والمشركون مستقبلهم، فكبّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وكبّروا جميعًا، ثمّ ركع وركعوا جميعًا، ثمّ رفع رأسه فرفعوا جميعًا، ثمّ سجد وسجد الصّفّ الّذي يليه وقام الآخرون يحرسونهم، فلمّا فرغ هؤلاء من سجودهم سجد هؤلاء. ثمّ نكص الصّفّ الّذي يليه وتقدّم الآخرون فقاموا في مقامهم، فركع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فركعوا جميعًا، ثمّ رفع رأسه فرفعوا جميعًا، ثمّ سجد وسجد الصّفّ الّذي يليه، وقام الآخرون يحرسونهم. فلمّا فرغ هؤلاء من سجودهم، سجد هؤلاء الآخرون، ثمّ استووا معهم، فقعدوا جميعًا، ثمّ سلّم عليهم جميعًا، فصلاها بعسفان، وصلاها يوم بني سليمٍ.
- حدّثنا أبو كريبٍ قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، عن شيبان النّحويّ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، عن أبي عيّاشٍ الزّرقيّ وعن إسرائيل، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، عن أبي عيّاشٍ قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعسفان، ثمّ ذكر نحوه.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا معاذ بن هشامٍ، قال: حدّثنا أبي، عن قتادة، عن سليمان اليشكريّ، أنّه سأل جابر بن عبد اللّه عن إقصار الصّلاة، أيّ يومٍ أنزل؟ أو أيّ يومٍ هو؟ فقال جابرٌ: انطلقنا نتلقّى عير قريشٍ آتيةً من الشّام، حتّى إذا كنّا بنخلٍ، جاء رجلٌ من القوم إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا محمّد. قال: نعم قال: هل تخافني؟ قال: لا قال: فمن يمنعك منّي؟ قال: اللّه يمنعني منك. قال: فسلّ السّيف ثمّ هدّده وأوعده. ثمّ نادى بالرّحيل وأخذ السّلاح، ثمّ نودي بالصّلاة، فصلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بطائفةٍ من القوم، وطائفةٌ أخرى يحرسونهم، فصلّى بالّذين يلونه ركعتين، ثمّ تأخّر الّذين يلونه على أعقابهم، فقاموا في مصافّ أصحابهم، وجاء الآخرون فصلّى بهم ركعتين والآخرون يحرسونهم، ثمّ سلّم، فكانت للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أربع ركعاتٍ، وللقوم ركعتين ركعتين فيومئذٍ أنزل اللّه في إقصار الصّلاة، وأمر المؤمنين بأخذ السّلاح.
وقال آخرون: بل عنى بها قصر صلاة الخوف في حالٍ غير شدّة الخوف، إلاّ أنّه عنى به القصر في صلاة السّفر، لا من صلاة الإقامة. قالوا: وذلك أنّ صلاة السّفر في غير حال الخوف ركعتان تمامٌ غير قصرٍ، كما أنّ صلاة الإقامة أربع ركعاتٍ في حال الإقامة، قالوا: فقصرت في السّفر في حال الأمن غير الخوف عن صلاة المقيم، فجعلت على النّصف، وهي تمامٌ في السّفر، ثمّ قصرت في حال الخوف في السّفر عن صلاة الأمن فيه، فجعلت على النّصف ركعةً.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال، حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناحٌ أن تقصروا} إلى قوله: {عدوًّا مبينًا} إنّ الصّلاة إذا صلّيت ركعتين في السّفر فهي تمامٌ، والتّقصير لا يحلّ إلاّ أن تخاف من الّذين كفروا أن يفتنوك عن الصّلاة والتّقصير ركعةٌ، يقوم الإمام، ويقوم جنده جندين، طائفةٌ خلفه، وطائفةٌ يوازون العدوّ، فيصلّي بمن معه ركعةً ويمشون إليهم على أدبارهم حتّى يقوموا في مقام أصحابهم، وتلك المشية القهقرى، ثمّ تأتي الطائفة الأخرى، فتصلّي مع الإمام ركعةً أخرى، ثمّ يجلس الإمام فيسلّم، فيقومون فيصلّون لأنفسهم ركعةً ثمّ يرجعون إلى صفّهم، ويقوم الآخرون فيضيفون إلى ركعتهم ركعةً، والنّاس يقولون: لا، بل هي ركعةٌ واحدةٌ، لا يصلّي أحدٌ منهم إلى ركعته شيئًا، تجزئه ركعة الإمام، فيكون للإمام ركعتان، ولهم ركعةٌ، فذلك قول اللّه: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصّلاة} إلى قوله: {وخذوا حذركم}.
- حدّثني أحمد بن الوليد القرشيّ، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن سماكٍ الحنفيّ، قال: سألت ابن عمر عن صلاة السّفر،؟ فقال: ركعتان تمامٌ غير قصرٍ إنّما القصر صلاة المخافة. فقلت: وما صلاة المخافة؟ قال: يصلّي الإمام بطائفةٍ ركعةً، ثمّ يجيء هؤلاء مكان هؤلاء ويجيء هؤلاء مكان هؤلاء، فيصلّي بهم ركعةً، فيكون للإمام ركعتان ولكلّ طائفةٍ ركعةً ركعةً.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا يحيى، قال: حدّثنا سفيان، عن سالمٍ الأفطس، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: كيف تكون قصرًا وهم يصلّون ركعتين؟ إنّما هي ركعةٌ.
- حدّثني سعيد بن عمرٍو السّكونيّ، قال: حدّثنا بقيّة، قال: حدّثنا المسعوديّ، قال: حدّثني يزيد الفقير، عن جابر بن عبد اللّه، قال: صلاة الخوف ركعةٌ.
- حدّثني أحمد بن عبد الرّحمن، قال: حدّثني عمّي عبد اللّه بن وهبٍ قال: أخبرني عمرو بن الحارث قال: حدّثني بكر بن سوادة أنّ زياد بن نافعٍ حدّثه، عن كعبٍ، وكان من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قطعت يده يوم اليمامة: أنّ صلاة الخوف لكلّ طائفةٍ ركعةٌ وسجدتان.
واعتلّ قائلو هذه المقالة من الآثار بما:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، قال: حدّثنا سفيان، قال: حدّثني أشعث بن أبي الشّعثاء، عن الأسود بن هلالٍ، عن ثعلبة بن زهدمٍ اليربوعيّ، قال: كنّا مع سعيد بن العاص بطبرستان، فقال: أيّكم يحفظ صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في الخوف؟ فقال حذيفة: أنا. فأقامنا خلفه صفًّا وصفٌّا موازي العدوّ، فصلّى بالّذين يلونه ركعةً، وذهب هؤلاء إلى مصافّ أولئك، وجاء هؤلاء أولئك فصلّى بهم ركعةً.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا يحيى، وعبد الرّحمن قالا: حدّثنا سفيان، عن الرّكين بن الرّبيع، عن القاسم بن حسّان، قال: سألت زيد بن ثابتٍ عنه، فحدّثني بنحوه.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن الأشعث، عن الأسود بن هلالٍ، عن ثعلبة بن زهدمٍ اليربوعيّ، عن حذيفة، بنحوه.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثني يحيى قال: حدّثنا سفيان، قال: حدّثنا أبو بكر بن أبي الجهم عن عبيد اللّه بن عبد اللّه، عن ابن عبّاسٍ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صلّى بذي قردٍ فصفّ النّاس خلفه صفّين: صفًّا خلفه، وصفًّا موازي العدوّ؛ فصلّى بالّذين خلفه ركعةً، ثمّ انصرف هؤلاء إلى مكان هؤلاء، وجاء أولئك فصلّى بهم ركعةً، ولم يقضوا.
- حدّثنا تميم بن المنتصر قال: أخبرنا إسحاق الأزرق، عن شريكٍ، عن أبي بكر بن صخيرٍ، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه، عن ابن عبّاسٍ، مثله.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا أبو عوانة، عن بكير بن الأخنس، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: فرض اللّه الصّلاة على لسان نبيّكم عليه الصّلاة والسّلام في الحضر أربعًا، وفي السّفر ركعتينٍ، وفي الخوف ركعةً.
- حدّثنا ابن بشّارٍ قال: حدّثنا عبد الرّحمن قال: حدّثنا أبو عوانة، عن بكير بن الأخنس، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، مثله.
- حدّثنا نصر بن عبد الرّحمن الأوديّ قال: حدّثنا المحاربيّ، عن أيّوب بن عائذٍ الطّائيّ عن بكير بن الأخنس، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، مثله.
- حدّثنا يعقوب بن ماهان قال: حدّثنا القاسم بن مالكٍ، عن أيّوب بن عائذٍ الطّائيّ، عن بكير بن الأخنس، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، مثله.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن الحكم، عن يزيد الفقير، عن جابر بن عبد اللّه: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صلّى بهم صلاة الخوف، فقام صفٌّ بين يديه وصفٌّ خلفه، فصلّى بالّذين خلفه ركعةً وسجدتين، ثمّ تقدّم هؤلاء حتّى قاموا مقام أصحابهم وجاء أولئك حتّى قاموا مقام هؤلاء، فصلّى بهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ركعةً وسجدتين ثمّ سلّم، فكانت للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ركعتين ولهم ركعةً.
- حدّثنا أحمد بن عبد الرّحمن بن وهبٍ، قال: حدّثني عمّي عبد اللّه بن وهبٍ قال: أخبرني عمرو بن الحارث، أنّ بكر بن سوادة حدّثه، عن زيادة بن نافعٍ، حدّثه عن أبي موسى أنّ جابر بن عبد اللّه، حدّثهم: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صلّى بهم صلاة الخوف يوم محاربٍ وثعلبة، لكلّ طائفةٍ ركعةً وسجدتين.
- حدّثني أحمد بن محمّدٍ الطّوسيّ، قال: حدّثنا عبد الصّمد، قال: حدّثنا سعيد بن عبدٍ الهنائيّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن شقيقٍ، قال: حدّثنا أبو هريرة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نزل بين ضجنان وعسفان، فقال المشركون: إنّ لهؤلاء صلاةً هي أحبّ إليهم من أبنائهم وأبكارهم، وهي العصر، فأجمعوا أمركم، فميلوا عليهم ميلةً واحدةً. وإنّ جبريل أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأمره أن يقيم أصحابه شطرين، فيصلّي ببعضهم وتقوم طائفةٌ أخرى وراءهم فيأخذوا حذرهم وأسلحتهم، ثمّ تأتى الأخرى فيصلّوا معه ويأخذ هؤلاء حذرهم وأسلحتهم فتكون لهم ركعةً ركعةً مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ولرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ركعتين.
وقال آخرون: بل عنى به القصر في السّفر، إلاّ أنّه عنى به القصر في شدّة الخوف وعند المسايفة، فأبيح عند التحام الحرب للمصلّي أن يركع ركعةً إيماءً برأسه حيث توجّه بوجهه. قالوا: فذلك معنى قوله: {ليس عليكم جناحٌ أن تقصروا من الصّلاة إن خفتم أن يفتنكم الّذين كفروا}.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {وإذا ضربتم في الأرض} الآية، قصر الصّلاة إن لقيت العدوّ وقد حانت الصّلاة أن تكبّر اللّه وتخفض رأسك إيماءً راكبًا كنت أو ماشيًا.
قال أبو جعفرٍ: وأولى هذه الأقوال الّتي ذكرناها بتأويل الآية قول من قال: عنى بالقصر فيها القصر من حدودها، وذلك ترك إتمام ركوعها وسجودها، وإباحة أدائها كيف أمكن أداؤها مستقبل القبلة فيها ومستدبرها وراكبًا وماشيًا، وذلك في حال السلة والمسايفة والتحام الحرب وتزاحف الصّفوف، وهي الحالة الّتي قال اللّه تبارك وتعالى: {فإن خفتم فرجالاً أو ركبانًا} وأذن بالصّلاة المكتوبة فيها راكبًا إيماءً بالرّكوع والسّجود على نحو ما روي عن ابن عبّاسٍ من تأويله ذلك.
وإنّما قلنا ذلك أولى التّأويلات بقوله: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناحٌ أن تقصروا من الصّلاة إن خفتم أن يفتنكم الّذين كفروا} لدلالة قول اللّه تعالى: {فإذا اطمأننتم فأقيموا الصّلاة} على أنّ ذلك كذلك؛ لأنّ إقامتها إتمام حدودها من الرّكوع والسّجود وسائر فروضها دون الزّيادة في عددها الّتي لم تكن واجبةً في حال الخوف.
فإن ظنّ ظانٌّ أنّ ذلك أمرٌ من اللّه بإتمام عددها الواجب عليه في حال الأمن بعد زوال الخوف، فقد يجب أن يكون المسافر في حال قصره صلاته عن صلاة المقيم غير مقيمٍ صلاته لنقص عدد صلاته من الأربع اللاّزمة كانت له في حال إقامته إلى الرّكعتين، وذلك قولٌ إن قاله قائلٌ مخالفٌ لما عليه الأمّة مجمعةً من أنّ المسافر لا يستحقّ أن يقال له: إذا أتى بصلاته بكمال حدودها المفروضة عليه فيها، وقصّر عددها عن أربعٍ إلى اثنتين أنّه غير مقيمٍ صلاته.
وإذا كان ذلك كذلك، وكان اللّه تعالى قد أمر الّذي أباح له أن يقصر صلاته خوفًا من عدوّه أن يفتنه، أن يقيم صلاته إذا اطمأنّ وزال الخوف، كان معلومًا أنّ الّذي فرض عليه من إقامة ذلك في حال الطّمأنينة، عين الّذي كان أسقط عنه في حال الخوف، وإذ كان الّذي فرض عليه في حال الطّمأنينة إقامة صلاته، فالّذي أسقط عنه في غير حال الطّمأنينة ترك إقامتها. وقد دلّلنا على أنّ ترك إقامتها، إنّما هو ترك حدودها على ما بيّنّا). [جامع البيان: 7/404-423]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناحٌ أن تقصروا من الصّلاة إن خفتم أن يفتنكم الّذين كفروا إنّ الكافرين كانوا لكم عدوًّا مبينًا (101)
قوله تعالى: وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناحٌ
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: فلا جناح يقول: فلا حرج.
قوله تعالى: أن تقصروا من الصّلاة إن خفتم أن يفتنكم الّذين كفروا
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ والحسن بن عرفة قالا: ثنا عبد اللّه بن إدريس، أنبأ ابن جريجٍ، عن ابن أبي عمّارٍ يعني عبد اللّه بن عبد الرّحمن بن أبي عمّارٍ، عن عبد اللّه بن بابية، عن يعلى بن أميّة قال: قلت لعمر بن الخطّاب: فليس عليكم جناحٌ أن تقصروا من الصّلاة إن خفتم وقد أمن النّاس، فقال: عجبت ما عجبت منه، فسألت عنه، رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: صدقةٌ تصدّق اللّه عليكم فاقبلوا صدقته، والسياق للأشج.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو خالدٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك في قوله: فليس عليكم جناحٌ أن تقصروا من الصّلاة قال: ذاك عند القتال، يصلّي الرّجل الرّاكب (بتكبيرتين) حيث كان وجهه.
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: إذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناحٌ أن تقصروا من الصّلاة إن خفتم الآية. إنّ الصّلاة إذا صلّيت ركعتين في السّفر فهي تمام التّقصير لا يحلّ، إلا أن تخاف من الّذين كفروا أن يفتنوك عن الصّلاة، فالتّقصير ركعةٌ.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: فليس عليكم جناحٌ أن تقصروا من الصّلاة أنزلت يوم كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بعسفان، والمشركون بضجنان، فتوافقوا فصلّى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بأصحابه صلاة الظّهر أربع ركعاتٍ ركوعهم وسجودهم وقيامهم معاً جميعاً فهمّ به المشركون أن يغيروا على أمتعتهم وأثقالهم.
قوله تعالى: إنّ الكافرين كانوا لكم عدوّاً مبيناً. [5896]
حدّثنا يونس بن حبيبٍ، ثنا أبو داود، ثنا ورقاء، عن منصورٍ عن مجاهدٍ، عن أبي عياش الزرقي قال: كنّا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعسفان فحضرت الصّلاة، صلاة الظّهر، وعلى المشركين خالد بن الوليد، قال: فصلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بأصحابه الظّهر، فقال المشركون: إنّ لهم صلاةً بعد هذه أحبّ إليهم من أبنائهم وأموالهم وأنفسهم، يعنون صلاة العصر قال: فنزل جبريل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأخبره بين الظّهر والعصر، ونزلت هذه الآية: وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصّلاة إلى آخرها). [تفسير القرآن العظيم: 3/1051-1052]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة وذلك يوم كان النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان والعدو بضجنان فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه الظهر أربع ركعات ركوعهم وسجودهم وقيامهم وقعودهم جميعا فهم بهم المشركون أن يغيروا على أمتعتهم وأثقالهم إذا قاموا للعصر فأنزل الله عز وجل وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلوات فلتقم طائفة منهم معك إلى آخر فصف رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه خلفه صفين ثم كبر بهم وكبروا جميعا ثم سجد الأولون بسجود النبي والآخرون قيام ثم سجد الآخرون ثم كبر بهم وكبروا جميعا فتقدم الصف الآخر واستأخر الصف الأول فتعاقبوا السجود كما فعلوا أول مرة وقصرت صلاة العصر ركعتين). [تفسير مجاهد: 171-172]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (م ت د س) يعلى بن أمية - رضي الله عنه - قال: قلت لعمر بن الخطاب {فليس عليكم جناحٌ أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} [النساء: 101] فقد أمن النّاس؟ فقال: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال: «صدقةٌ تصدّق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته». أخرجه الجماعة إلا البخاري والموطأ.
وأول حديث أبي داود قال: قلت: لعمر: إقصار النّاس الصلاة اليوم؟ وإنما قال الله... وذكر الحديث). [جامع الأصول: 2/104-105]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (س) [أمية بن] عبد الله بن خالد بن أسيد - رحمه الله - أنه قال لابن عمر: كيف تقصر الصلاة؟ وإنما قال الله -عز وجل-: {فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم} فقال ابن عمر: يا ابن أخي، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتانا ونحن ضلالٌ فعلّمنا، فكان فيما علمنا: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نصلّي ركعتين في السّفر. أخرجه النسائي). [جامع الأصول: 2/105]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد وأحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه، وابن الجارود، وابن خزيمة والطحاوي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه، وابن حبان عن يعلى بن أمية قال: سألت عمر بن الخطاب قلت: {فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} وقد أمن الناس فقال لي عمر: عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد عن أبي حنظلة قال: سألت ابن عمر عن صلاة السفر فقال: ركعتان، فقلت: فأين قوله تعالى {إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} ونحن آمنون فقال: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج عبد بن حميد والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان والبيهقي في "سننه" عن أمية بن عبد الله بن خالد بن أسد أنه سأل ابن عمر أرأيت قصر الصلاة في السفر إنا لا نجدها في كتاب الله إنما نجد ذكر صلاة الخوف فقال ابن عمر: يا ابن أخي إن الله أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم ولا نعلم شيئا فإنما نفعل كما رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل وقصر الصلاة في السفر سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن حارثة بن وهب الخزاعي قال: صليت مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر بمنى أكثر ما كان الناس وآمنه ركعتين.
وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وصححه والنسائي عن ابن عباس قال: صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة ونحن آمنون لا نخاف شيئا ركعتين.
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية قال: سافرت إلى مكة فكنت أصلي ركعتين فلقيني قراء من أهل هذه الناحية فقالوا: كيف تصلي قلت ركعتين قالوا أسنة وقرآن قلت: كل سنة وقرآن صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين، قالوا إنه كان في حرب قلت: قال الله (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون) (الفتح الآية 27) وقال {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة}
فقرأ حتى بلغ (فإذا اطمأننتم) (النساء الآية 102).
وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وصححه والنسائي عن ابن عباس قال: صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة ونحن آمنون لا نخاف شيئا ركعتين.
وأخرج ابن جرير، عن علي، قال: سأل قوم من التجار رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إنا نضرب في الأرض فكيف نصلي فأنزل الله {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} ثم انقطع الوحي فلما كان بعد ذلك بحول غزا النّبيّ صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر فقال المشركون: لقد أمكنكم محمد وأصحابه من ظهورهم هلا شددتم عليهم فقال قائل منهم: إن لهم مثلها أخرى في أثرها فأنزل الله بين الصلاتين {إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك} إلى قوله {إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا} فنزلت صلاة الخوف.
وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال: قال رجل: يا رسول الله إني رجل تاجر أختلف إلى البحرين فأمره أن يصلي ركعتين.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ {أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} ولا يقرأ {إن خفتم} وهي في مصحف عثمان {إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا}.
وأخرج ابن جرير من طريق عمر بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن ابن أبي بكر الصديق قال: سمعت أبي يقول: سمعت عائشة تقول: في السفر أتموا صلاتكم، فقالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في السفر ركعتين فقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في حرب وكان يخاف هل تخافون أنتم
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال: قلت لعطاء أي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتم الصلاة في السفر قال: عائشة وسعد بن أبي وقاص.
وأخرج ابن جرير عن أمية بن عبد الله أنه قال لعبد الله بن عمر: إنا نجد في كتاب الله قصر الصلاة في الخوف ولا نجد قصر صلاة المسافر فقال عبد الله: إنا وجدنا نبينا صلى الله عليه وسلم يعمل عملا عملنا به.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} قال: أنزلت يوم كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعسفان والمشركون بضجنان فتوافقوا فصلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الظهر أربعا ركوعهم وسجودهم وقيامهم معا جمعا فهم به المشركون أن يغيروا على أمتعتهم وأثقالهم فأنزل الله (فلتقم طائفة منهم معك) (النساء الآية 102) فصلى العصر فصف أصحابه صفين ثم كبر بهم جميعا ثم سجد الأولون لسجوده والآخرون قيام لم يسجدوا حتى قام النّبيّ صلى الله عليه وسلم ثم كبر بهم وركعوا جميعا فتقدم الصف الآخر واستأخر الصف المقدم فتعاقبوا السجود كما فعلوا أول مرة وقصر العصر إلى ركعتين.
وأخرج عبد الرزاق، عن طاووس في قوله {أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} قال: قصرها من الخوف والقتال الصلاة في كل وجه راكبا وماشيا قال: فأما صلاة النّبيّ صلى الله عليه وسلم هذه الركعتان وصلاة الناس في السفر ركعتين فليس بقصر هو وفاؤها.
وأخرج عبد الرزاق عن عمرو بن دينار في قوله {إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} قال: إنما ذلك إذا خافوا الذين كفروا وسن النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعد ركعتين وليس بقصر ولكنها وفاء.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في قوله {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} إذا صليت ركعتين في السفر فهي تمام والتقصير لا يحل إلا أن تخاف من الذين كفروا أن يفتنوك عن الصلاة والتقصير ركعة يقوم الإمام ويقوم معه طائفتان طائفة خلفه وطائفة يوازون العدو فيصلي بمن معه ركعة ويمشون إليهم على أدبارهم حتى يقوموا في مقام أصحابهم وتلك المشية القهقرى ثم تأتي الطائفة الأخرى فتصلي مع الإمام ركعة ثم يجلس الإمام فيسلم فيقومون فيصلون لأنفسهم ركعة ثم يرجعون إلى صفهم ويقوم الآخرون فيضيفون إلى ركعته شيئا تجزئه ركعة الإمام فيكون للإمام ركعتان ولهم ركعة فذلك قول الله (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة) إلى قوله (وخذوا حذركم) (النساء الآية 102).
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله {أن يفتنكم الذين كفروا} قال: بالعذاب والجهل بلغة هوزان، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم، أما سمعت قول الشاعر:
كل امرئ من عباد الله مضطهد = ببطن مكة مقهور ومفتون.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن سماك الحنفي قال: سألت ابن عمر عن صلاة السفر فقال: ركعتان تمام غير قصر إنما القصر صلاة المخافة، قلت: وما صلاة المخافة قال: يصلي الإمام بطائفة ركعة ثم يجيء هؤلاء إلى مكان هؤلاء وهؤلاء إلى مكان هؤلاء فيصلي بهم ركعة فيكون للإمام ركعتان ولكل طائفة ركعة ركعة.
وأخرج مالك، وعبد بن حميد والبخاري ومسلم عن عائشة قالت: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في السفر والحضر فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن عائشة قالت: فرضت الصلاة على النّبيّ بمكة ركعتين ركعتين فلما خرج إلى المدينة فرضت أربعا وأقرت صلاة السفر ركعتين.
وأخرج أحمد والبيهقي في "سننه" عن عائشة قالت: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين إلا المغرب فرضت ثلاثا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر صلى الصلاة الأولى وإذا أقام زاد مع كل ركعتين ركعتين إلا المغرب لأنها وتر والصبح لأنها تطول فيها القراءة.
وأخرج البيهقي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أهل مكة لا تقصروا الصلاة في أدنى من أربعة برد من مكة إلى عسفان.
وأخرج الشافعي والبيهقي عن عطاء بن أبي رباح أن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس كانا يصليان ركعتين ويفطران في أربعة برد فما فوق ذلك.
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن ابن عباس أنه سئل أتقصر إلى عرفة فقال: لا ولكن إلى عسفان وإلى جدة وإلى الطائف.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير والنحاس عن ابن عباس قال: فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {وإذا ضربتم في الأرض} الآية، قال:
قصر الصلاة - إن لقيت العدو وقد حانت الصلاة - أن تكبر الله وتخفض رأسك إيماء راكبا كنت أو ماشيا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله {فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} قال: ذاك عند القتال يصلي الرجل الراكب تكبيرة من حيث كان وجهه). [الدر المنثور: 4/650-658]


رد مع اقتباس