عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 21 صفر 1440هـ/31-10-2018م, 09:26 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {أم حسب} الآية قول يقتضي أنه نزل بسبب افتخار كان للكفار على المؤمنين، قالوا: "لئن كانت آخرة كما تزعمون لنفضلن عليكم فيها كما فضلنا في الدنيا". و"أم" هذه ليست بمعادلة، وهي بمعنى "بل" مع ألف الاستفهام، و"اجترحوا" معناه: اكتسبوا، ومنه جوارح الإنسان، وجوارح الصيد، وتقول العرب: "فلان جارحة أهله"، أي: كاسبهم، وقرأ أكثر القراء: "سواء" بالرفع "محياهم ومماتهم" بالرفع، وهذا على أن "سواء" رفع بالابتداء، و"محياهم ومماتهم" خبره، و"كالذين" في موضع المفعول الثاني لـ "نجعل"، وهذا على أحد معنيين: إما أن يكون الضمير في "محياهم" يختص بالكفار المجترحين، فتكون الجملة خبرا عن أن حالهم في الزمنين حال سوء، والمعنى الثاني: أن يكون الضمير في "محياهم" يعم الفريقين، والمعنى: أن محيا هؤلاء ومماتهم سواء، وهو كريم، ومحيا هؤلاء ومماتهم سواء، وهو غير كريم، ويكون اللفظ قد لف هذا المعنى وذهن السامع يفرقه، إذ قد تقدم إبعاد أن يجعل الله تعالى هؤلاء كهؤلاء. قال مجاهد: المؤمن يموت مؤمنا ويبعث مؤمنا، والكافر يموت كافرا ويبعث كافرا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
مقتضي هذا الكلام أن لفظ الآية خبر، ويظهر لي أن قوله تعالى: {سواء محياهم ومماتهم} داخل في المحسبة المنكرة السيئة، وهذا احتمال حسن، والأول أيضا جيد، وقرأ طلحة، وعيسى، بخلاف عنه: "سواء" بالنصب، "محياهم ومماتهم" بالرفع، وهذا يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون قوله تعالى: "كالذين" في موضع المفعول الثاني لـ "نجعل" كما هو في قراءة الرفع، وينصب قوله تعالى: "سواء" على الحال من الضمير في: "نجعلهم"، والوجه الثاني: أن يكون قوله تعالى: "كالذين" في نية التأخير، ويكون قوله تعالى: "سواء" مفعولا ثانيا لـ "نجعل"، وعلى كلا الوجهين: "محياهم ومماتهم" مرتفع بـ "سواء" على أنه فاعل، وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم، والأعمش: "سواء" بالنصب "محياهم ومماتهم" بالنصب، وذلك على الظرف، أو على أن يكون "محياهم" بدلا من الضمير في: "نجعلهم" أي: نجعل محياهم ومماتهم سواء، وهذه الآية متناولة بلفظها حال العصاة من حال أهل التقوى، وهي موقف للعارفين يبكون عنده، وروي عن الربيع بن خيثم أنه كان يرددها ليلة جمعاء، وكذلك عن الفضيل بن عياض، وكان يقول لنفسه: ليت شعري من أي الفريقين أنت؟ وقال الثعلبي: كانت هذه الآية تسمى مبكاة العابدين.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وأما لفظها فيعطي أنه اجتراح الكفر بدليل معادلته بالإيمان، ويحتمل أن تكون المعادلة بين الاجتراح وعمل الصالحات، ويكون الإيمان في الفريقين، ولهذا بكى الخائفون رضي الله عنهم، وإما مفعولا "حسب" فقوله تعالى: "أن نجعلهم" يسد مسد المفعولين. وقوله تعالى: {ساء ما يحكمون} "ما" مصدرية، والتقدير: ساء الحكم حكمهم). [المحرر الوجيز: 7/ 598-599]

تفسير قوله تعالى: {وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (22) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وخلق الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون * أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون * وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون}
المعنى: وخلق الله السماوات والأرض، فإن خلقها حق واجب متأكد في نفسه لما فيه من فيض الخيرات، ولتدل عليه تعالى، ولتكون صنعة حاكمة لصانع، وقيل لبعض الحكماء: لم خلق الله السماوات والأرض؟ فقال: ليظهر جودة صنعه، واللام في قوله سبحانه: "ولتجزى" يظهر أن تكون لام كي، فكأن الجزاء من أسباب خلق السماوات والأرض، ويحتمل أن تكون لام الصيرورة، أي: وصار الأمر فيها من حيث اهتدى بها قوم وضل عنها آخرون لأن يجازى كل أحد بعلمه وبما اكتسب من خير أو شر). [المحرر الوجيز: 7/ 599-600]

تفسير قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله تعالى: "أفرأيت"، سهل بعض القراء الهمزة وحققها قوم، وكذلك هي في مصحف ابن مسعود مخففة، وفي مصحف أبي بن كعب رضي الله عنه: "أفرأيت" دون همز، وهذه الآية تسلية لمحمد صلى الله عليه وسلم عن الكفار المعرضين عن الإيمان، أي: لا تعجل بهم ولا تهتم بأمرهم، فليس فيهم حيلة لبشر لأن الله أضلهم، وقال ابن جبير: "إلهه هواه" إشارة إلى الأصنام; إذ كانوا يعبدون ما يهوون من الحجارة، وقال قتادة: المعنى: لا يهوى شيئا إلا ركبه، لا يخاف الله تعالى، فهذا كما يقال: الهوى إله معبود، وقرأ الأعرج، وابن جبير: "إلهة هواه" على التأنيث في "آلهة"، وهذه الآية وإن كانت نزلت في هوى الكفر فهي متناولة جميع هوى النفس الأمارة، قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما ذكر الله تعالى هوى إلا ذمة، وقال الشعبي: سمي هوى لهوية بصاحبه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله"، وقال سهل التستري: "هواك داؤك، فإن خالفته فدواؤك". وقال وهب: "إذا شككت في خير أمرين، فانظر أبعدهما من هواك فأته"، ومن حكمة الشعر في هذا قول القائل:
إذا أنت لم تعص الهوى قادك الهوى ... إلى كل ما فيه عليك مقال
وقوله تعالى: "على علم" قال ابن عباس رضي الله عنهما: المعنى: على علم من الله سابق، وقالت فرقة: أي: على علم من هذا الضلال فإن الحق هو الذي يترك ويعرض عنه، فتكون الآية -على هذا التأويل- من آيات العناد، نحو قوله تعالى: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم} وعلى كلا التأويلين، فقوله تعالى: "على علم" حال.
وقوله تعالى: {وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة} استعارات كلها، إذ هذا الضال لا ينفعه ما يسمع ولا ما يفهم ولا ما يرى، فكأنه بهذه الأوصاف المذكورة، وهذه الآية لا حجة للجبرية فيها، لأن التكسب فيها منصوص عليه في قوله تعالى: "اتخذ"، وفي قوله تعالى: "على علم" على التأويل الأخير فيه، ولو لم ينص على الاكتساب لكان مرادا في المعنى، وقرأ أكثر القراء: "غشاوة" بكسر الغين. وقرأ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "غشاوة" بفتح الغين، وهي لغة ربيعة، وحكي عن الحسن وعكرمة: "غشاوة" بضم الغين، وهي لغة عكل، وقرأ حمزة، والكسائي: "غشوة" بفتح الغين وإسكان الشين، وقرأ الأعمش، وابن مصرف: "غشوة" بكسر الغين دون ألف، وقوله تعالى: {من بعد الله} فيه حذف مضاف تقديره: من بعد إضلال الله إياه، وقرأ عاصم -وأراه الجحدري-: "تذكرون" بتخفيف الذال، وقرأ جمهور الناس: "تذكرون" على الخطاب أيضا بتشديد الذال، وقرأ الأعمش: "تتذكرون" بتاءين). [المحرر الوجيز: 7/ 600-601]

رد مع اقتباس