عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 7 جمادى الأولى 1434هـ/18-03-2013م, 11:41 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13) لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (14) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (15)}


تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {هو الّذي يريكم البرق خوفاً وطمعاً...}:
خوفاً على المسافر وطمعاً للحاضر.
وقوله: {وينشئ السّحاب الثّقال} السحاب وإن كان لفظه واحداً فإنه جمع، واحدته سحابة. جعل نعته على الجمع كقوله: {متّكئين على رفرفٍ خضرٍ وعبقري حسانٍ} ولم يقل: أخضر، ولا حسن، ولا الثقيل، للسحاب. ولو أتى بشيء من ذلك كان صواباً؛ كقوله: {جعل لكم من الشّجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون} فإذا كان نعت شيء من ذا يرجع إلى صغر أو كبر لم تقله إلاّ على تأويل الجمع. فمن ذلك أن تقول: هذا تمر طيّب، ولا تقول تمر
صغير ولا كبير من قبل أن الطّيب عامٌّ فيه، فوحّد، وأن الصغر والكبر والطول والقصر في كل تمرة على حدتها). [معاني القرآن: 2/60-61]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يريكم البرق خوفاً وطمعاً} أي ترهبونه وتطمعون أن يحييكم وأن يغيثكم.
{وينشىّ السّحاب} أي يبدأ السحاب، ويقال: إذا بدأ نشأ). [مجاز القرآن: 1/325]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {يريكم البرق خوفا}: ترهبونه {وطعما} لحياتكم وعيشكم.
{ينشئ السحاب}: يبدأ). [غريب القرآن وتفسيره: 191-192]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يريكم البرق خوفاً} للمسافر، {وطمعاً} للمقيم). [تفسير غريب القرآن: 225]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {هو الّذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشئ السّحاب الثّقال}
خوفا للمسافر، لأن في المطر خوفا على المسافر، كما قال الله تعالى: {إن كان بكم أذى من مطر}.
وطمعا للحاضر لانتفاعه بالمطر.
ويجوز أن يكون - واللّه أعلم - {خوفا وطمعا} خوفا لمن يخاف ضرّ المطر، لأنه ليس كل بلد ينتفع فيه بالمطر نحو مصر وما أشبهها، وطمعا لمن يرجو الانتفاع به.
{وينشئ السّحاب الثّقال} أي التي قد ثقلت بالماء). [معاني القرآن: 3/142-143]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا}
قال الحسن ومجاهد وقتادة أي خوفا للمسافر وطمعا للحاضر
والمعنى أن المسافر يخاف من المطر ويتأذى به
قال الله تعالى: {أذى من مطر}
والحاضر المنتفع بالمطر يطمع فيه إذا رأى البرق
ثم قال تعالى: {وينشئ السحاب الثقال}
قال مجاهد التي فيها المطر). [معاني القرآن: 3/481]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {خوفا وطمعا} أي خوفا للمسافر، وطمعا للمقيم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 118]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {خَوْفًا}: ترهبونه
{وَطَمَعًا}: يرجون مطره
{يُنْشِئُ}: يبدؤه). [العمدة في غريب القرآن: 166]

تفسير قوله تعالى: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ويسبّح الرّعد بحمده} إما أن يكون اسم ملك قد وكّل بالرّعد وإما أن يكون صوت سحاب واحتجوا بآخر الكلام:
{والملائكة من خيفته} يقال: ألا ترى أن العرب تقول:
جون هزيمٌ رعده أجشّ
ولا يكون هكذا إلا الصوت.
{شديد المحال} أي العقوبة والمكر والنكال، قال الأعشى:
فرع تبعٍ يهتزّ في غصن المجد غزير النّدى شديد المحال
إن يعاقب يكن غراماً وإن يع= ط جزيلاً فإنه لا يبالي
غرام: هلاك وفي القرآن: (إنّ عذابها كان غراماً) أي هلاكاً وقد فسرناه في موضعه، وقال ذو الرّمّة:

أبرّ على الخصوم فليس خصمٌ= ولا خصمان يغلبه جدالا
ولبسٍ بين أقوامٍ فكلٌ=أعدّ له الشّغازب والمحالا
والشّغزبة الالتواء). [مجاز القرآن: 1/325-326]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله عز وجل {شديد المحال} يقال: ماحله محالاً، ومماحلة؛ أي قاواه؛ كأنه يقول شديد المقاواة إذا قووي). [معاني القرآن لقطرب: 769]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {شديد المحال}: من المماحلة وهي المجادلة وفي الحديث" إن هذا القرآن شافع فمشفع وماحل فمصدق ومنه
" اللهم لا تجعل القرآن بنا ماحلا"). [غريب القرآن وتفسيره:192-193]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وهو شديد المحال} أي الكيد والمكر. وأصل المحال: الحيلة. والحول: الحيلة.
قال ذو الرّمة:
وليس بين أقوام فكلّ أعدّ له الشغازب والمحالا).
[تفسير غريب القرآن: 226]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والصاعقة: نار من السحاب، قال الله تعالى: {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ}.
وأراها سمّيت صاعقة، لأنها إذا أصابت قتلت، يقال: صعقتهم، أي: قتلتهم). [تأويل مشكل القرآن: 501]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ويسبّح الرّعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصّواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في اللّه وهو شديد المحال}
جاء في التفسير أنه ملك يزجر السحاب، وجائز أن يكون صوت الرعد تسبيحه لأن صوت الرعد من أعظم الأشياء.
وقد قال اللّه عزّ وجلّ: {وإن من شيء إلّا يسبّح بحمده}.
وخص ذكر الرعد لعظم صوته - واللّه أعلم.
{ويرسل الصّواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في اللّه}.
جائز أن يكون الواو واو حال.
فيكون المعنى فيصيب بها من يشاء في حال جداله في اللّه، وذلك أنه أتى في التفسير أن رجلا من الجاهلية يقال له " اربد " سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال أخبرني عن ربنا أمن نحاس أم حديد؟ فأنزل اللّه عليه صاعقة فقتلته، فعلى هذا يجوز أن يكون الواو واو حال. ويجوز أن يكون: لما تمم الله أوصاف ما يدل على توحيده وقدرته على البعث قال بعد ذلك {وهم يجادلون في اللّه وهو شديد المحال} أي شديد القدرة والعذاب.
ويقال في اللغة ماحلته محالا، إذا قاويته.
حتى يتبين له أيكما أشدّ. والمحل في اللغة الشدة، واللّه أعلم). [معاني القرآن: 3/143]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته}
روى سفيان عن سالم عن أبي صالح قال الرعد ملك يسبح
وروى عثمان بن الأسود عن مجاهد قال الرعد ملك يسمى الرعد ألا تسمع إلى قوله: {ويسبح الرعد بحمده}
وروى سفيان عن الحكم بن عتيبة عن مجاهد قال الرعد ملك يزجر السحاب بصوته
وقال عكرمة الرعد ملك يصوت بالسحاب كالحادي بالإبل
وروي أن ابن عباس كان إذا سمع صوت الرعد قال سبحان الذي سبحت له
وروى مالك عن عامر بن عبد الله عن أبيه كان إذا سمع صوت الرعد لهي من حديثه وقال سبحان من سبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ثم يقول إن هذا وعيد لأهل الأرض شديد
ثم قال تعالى: {ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله}
يجوز أن تكون الواو واو حال أي يصيب بها من يشاء في حال مجادلته
لأنه يروى أن أربد سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال أخبرنا عن ربنا أهو من نحاس أو من حديد فأرسل الله صاعقة فقتلته
ويجوز أن يكون قوله: {وهم يجادلون في الله} منقطعا من الأول
ثم قال تعالى: {وهو شديد المحال}
قال ابن عباس أي الحول
وقال قتادة أي الحيلة
وقال الحسن المكر
وروي عن الحسن أنه قال أي الهلاك
وهذه أقوال متقاربة وأشبهها بالمعنى والله أعلم أنه الإهلاك لأن المحل الشدة فكأن المعنى شديد العذاب والإهلاك
وقد قال جماعة من أهل اللغة منهم أبو عبيدة وأبو عبيد هو المكر من قولهم محل به وأنشد بيت الأعشى:
فرع نبع يهتز في غصن المجد = غزير الندى شديد المحال
وقال أبو عبيد الشبه بقول ابن عباس أن يكون قرأ شديد المحال بفتح الميم
فأما الأعرج فالمعروف من قراءته المحال بفتح الميم
ومعناه كمعنى الحول من قولهم لا حول ولا قوة إلا بالله
فأما معنى المكر من الله فهو إيصال المكروه إلى من يستحقه من حيث لا يشعر). [معاني القرآن: 3/482-485]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} قال: والمحال: المكر، والمكر من الله - جل وعز: التدبير بالحق). [ياقوتة الصراط: 280]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {شديد المحال} أي الكيد والمكر، وأصله من الحول، وقيل: من ''محل'' إذا مكر، وفيه اختلاف). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 119]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الْمِحَالِ}: العقاب). [العمدة في غريب القرآن: 166]

تفسير قوله تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (14)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قوله: {له دعوة الحقّ...}
لا إله إلا الله {والّذين يدعون من دونه} يعني الأصنام لا تجيب داعيها بشيء إلا كما ينال الظمآن المشرف على ماء ليس معه ما يستقى به.
وذلك قوله عزّ وجلّ: {إلاّ كباسط كفّيه إلى الماء} ثم بيّن الله عزّ وجلّ ذلك: {ليبلغ فاه وما هو ببالغه}). [معاني القرآن: 2/61]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {والّذين يدعون من دونه} مجازه: والذين يدعون غيره من دونه، أي يقصرون عنه. (يدعون) من الدعاء، ومجاز دونه مجاز عنه قال:
أتوعدوى وراء بني رياحٍ= كذبت لتقصرنّ يداك دوني
أي عنّي.
{لا يستجيبون} مجازه: لا يجيبون،
وقال كعب:
وداعٍ دعا يا من يجيب إلى النّدى= فلم يستجبه عند ذاك مجيب
). [مجاز القرآن: 1/326]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {لا يستجيبون لهم بشيءٍ إلّا كباسط كفّيه إلى الماء ليبلغ فاه} أي لا يصير في أيديهم منه إذا دعوهم إلّا ما يصير في يدي من قبض على الماء ليبلغه فاه. والعرب تقول لمن طلب ما لا يجد: هو كالقابض على الماء.
قال الشاعر:
فإني وإيّاكم وشوقا إليكم كقابض ماء لم تسقه أنامله
لم تسقه: أي لم تحمله، والوسق: الحمل). [تفسير غريب القرآن: 226]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومن الاختصار قوله: {إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ} أراد: كباسط كفيه إلى الماء ليقبض عليه فيبلّغه فاه.
قال ضابئ:
فإنّي وإياكم وشوقاً إليكم = كقابضِ ماءٍ لم تَسِقْهُ أناملُه
و(العرب) تقول لمن تعاطى ما لا يجد منه شيئا: هو كالقابض على الماء). [تأويل مشكل القرآن: 224]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {له دعوة الحقّ والّذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلّا كباسط كفّيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلّا في ضلال}
جاء في التفسير: دعوة الحق شهادة أن لا إله إلّا اللّه، وجائز – واللّه أعلم - أن تكون دعوة الحقّ أنه من دعا اللّه موحّدا استجيب له دعاؤه.
{والّذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء}.
ثم بين الله عزّ وجلّ كيف استجابة الأصنام لأنّهم دعوا الأصنام من دون اللّه فقال: {إلّا كباسط كفّيه إلى الماء}، إلا كما يستجاب الذي يبسط كفّيه إلى الماء يدعو الماء إلى فيه.
والماء لا يستجيب، فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أن دعاءهم الأصنام كدعاء العطشان الماء إلى بلوغ فيه، {وما هو ببالغه}.
وقال بعضهم: إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه كإنسان على شفير بئر يدعو الماء من قرار البئر ليبلغ فاه، والتفسيران واحد). [معاني القرآن: 3/143-144]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {له دعوة الحق}
روى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال لا إله إلا الله
وكذلك قال قتادة والضحاك
ثم قال تعالى: {والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه}
قال مجاهد أي يشير إلى الماء بيده ويدعوه بلسانه
وقال غيره أي الذي يدعو الأصنام بمنزلة القابض على الماء لا يحصل له شيء). [معاني القرآن: 3/485-486]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ} قال: معناه: أن يأتي إلى بئر فيها ماء لا ينال إلا بحبل ودلو، فيمد هو يده إلى الماء، فلا يقدر عليه، فضربه الله مثلا للكفار). [ياقوتة الصراط: 281]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه} أي لا يصير في أيديهم منه إذا دعوهم إلا ما يصير في يدي من قبض على الماء ليبلغ فاه).
[تفسير المشكل من غريب القرآن: 119]

تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (15)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وللّه يسجد من في السّماوات والأرض طوعاً وكرهاً...}
فيقال: من الساجد طوعاً وكرهاً من أهل السموات والأرض؟ فالملائكة تسجد طوعاً، ومن دخل في الإسلام رغبة فيه أو ولد عليه من أهل الأرض فهو أيضاً طائع. ومن أكره على الإسلام فهو يسجد كرهاً (وظلالهم) يقول: كل شخصٍ فظلّه بالغداة والعشي يسجد معه. لأن الظلّ يفيء بالعشيّ فيصير فيئاً يسجد.
وهو كقوله: {عن اليمين والشّمائل} في المعنى والله أعلم. فمعنى الجمع والواحد سواء). [معاني القرآن: 2/61]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إلاّ كباسط كفّيه إلى الماء ليبلغ فاه} مجازه: إن الذي يبسط كفّه ليقبض على الماء حتى يؤديه إلى فيه لا يتم له ذلك ولا تسقه أنامله أي تجمعه، قال ضابيّ بن الحارث البرجميّ:
فإني وإيّاكم وشوقاً إليكم= كقابض ماءٍ لم تسقه أنامله
يقول: ليس في يدي من ذلك شيء كما أنه ليس في يد القابض على الماء شيء.
وقال:
فأصبحت مما كان بيني وبينها= من الودّ مثل القابض الماء باليد
{بالغدوّ والآصال} أي بالعشىّ. واحدها: أصل وواحد الأصل أصيل وهو ما بين العصر إلى مغرب الشمس،
وقال أبو ذؤيب:
لعمري لأنت البيت أكرم أهله= وأقعد في أفيائه بالأصائل
وقال النّابغة:
وقفت فيها أصيلالاً أسائلها= عيّت جواباً وما بالرّبع من أحد
أصيلال: تصغير آصال). [مجاز القرآن: 1/327-328]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وللّه يسجد من في السّماوات والأرض طوعاً وكرهاً وظلالهم بالغدوّ والآصال}
وقال: {بالغدوّ والآصال} و{بالعشيّ والإبكار} فجعل "الغدوّ" يدل على الغداة وإنما "الغدوّ" فعلٌ، وكذلك "الإبكار" إنما هو من "أبكر" "إبكاراً"، والذين قالوا (الأبكار) احتجوا بأنهم جمعوا "بكراً" على "أبكار". و"بكرٌ" لا تجمع لأنه اسم ليس بمتمكن وهو أيضاً مصدر مثل "الإبكار" فأما الذين جمعوا فقالوا إنما جمعنا "بكرةً" و"غدوةً". ومثل "البكرة" و"الغدوة" لا يجمع هكذا. لا تجيء "فعلةٌ" و"أفعال" وإنما تجيء "فعلةٌ" و"فعل"). [معاني القرآن: 2/56]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وللّه يسجد من في السّماوات والأرض طوعاً وكرهاً} أي يستسلم وينقاد ويخضع. وقد بينت هذا في تأويل «المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 226]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقوله: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ}، أي يستسلم من في السموات من الملائكة، ومن في الأرض من المؤمنين طوعا، ويستسلم من في الأرض من الكافرين كرها من خوف السيف.
{وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ} مستسلمة). [تأويل مشكل القرآن: 418] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله - عز وجل: {وللّه يسجد من في السّماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدوّ والآصال}
جاء في التفسير أن المؤمن يسجد طوعا، والكافر يسجد كرها، وجاء أن من النّاس من دخل في الإسلام طوعا ومنهم من لم يدخل حتى فحص عن رأسه بالسيف، أي فسجد ودخل في الإسلام في أول أمره كرها.
وجائز - واللّه أعلم - أن يكون {طوعا وكرها} أن يكون السّجود الخضوع للّه، فمن الناس من يخضع ويقبل أمر اللّه فيما سهل عليه، ومنهم من تقبّله وإن كان عليه فيه كره.
{وظلالهم بالغدوّ والآصال} أي وتسجد ظلالهم. وجاء في التفسير أن الكافر يسجد لغير اللّه، وظله يسجد للّه، وقيل وظلالهم أشخاصهم، وهذا مخالف للتفسير). [معاني القرآن: 3/144]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها}
قيل من أسلم طوعا ومن لم يسلم حتى فحص عن رأسه بالسيف فكان أول دخوله كرها
وقيل إنما وقع هذا على العموم لأن كل من عبد غير الله فإنما يقصد إلى ما يعظم في قلبه والله العظيم الكبير
والسجود في اللغة الخضوع والانقياد وليس شيء إلا وهو يخضع لله وينقاد له
ثم قال تعالى: {وظلالهم بالغدو والآصال}
يروى أن الكافر يسجد لغير الله وظله يسجد لله وهذا من الانقياد والخضوع
وقيل الظلال ههنا الأشخاص). [معاني القرآن: 3/486-487]


رد مع اقتباس