عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 25 ذو القعدة 1438هـ/17-08-2017م, 12:13 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

الفصل الأول: في حد الحرف



قال الحسن بن قاسم بن عبد الله بن عليّ المرادي المصري المالكي (ت: 749هـ): لفصل الأول: في حد الحرف
قال بعض النحويين: لا يحتاج في الحقيقة إلى حد الحرف، لأنه كلم محصورة. وليس كما قال. بل هو مما لابد منه، ولا يستغنى عنه، ليرجع عند الإشكال إليه، ويحكم عند الاختلاف بحرفية ما صدق الحد عليه.
وقد حد بحدود كثيرة. ومن أحسنها قول بعضهم: الحرف كلمة تدل على معنى، في غيرها، فقط. فقوله كلمة جنس يشمل الاسم والفعل والحرف. وعلم من تصدير الحد به أن ما ليس بكلمة فليس بحرف: كهمزتي النقل والوصل، وياء التصغير. فهذه من حروف الهجاء، لا من حروف المعاني. فإنها ليست بكلمات بل هي أبعاض كلمات. وهذا أولى من تصدير الحد ب ما، إبهامها.
واعترض بأن تصدير حد الحرف بالكلمة لا يصح، من جهة
[20]
أنه يخرج عنه، من الحروف، ما هو أكثر من كلمة واحدة، نحو: إنما وكأنما. والجواب أنه ليس في الحروف ما هو أكثر من كلمة واحدة. وأما نحو: إنما وكأنما، مما هو كلمتان، فهو حرفان، لا حرف واحد، بخلاف نحو كأن مما صيره التركيب كلمة واحدة، فهو حرف واحد.
وقوله تدل على معنى في غيرها فصل، يخرج به الفعل، وأكثر الأسماء، لأن الفعل لا يدل على معنى في غيره. وكذلك أكثر الأسماء.
وقوله فقط فصل ثان، يخرج به من الأسماء، ما يدل على معنى في غيره، ومعنى في نفسه. فإن الأسماء قسمان: قسم يدل على معنى في نفسه، ولا يدل على معنى في غيره، وهو الأكثر. وقسم يدل على معنيين: معنى في نفسه، ومعنى في غيره: كأسماء الاستفهام، والشرط. فإن كل واحد منها يدل، بسبب تضمنه معنى الحرف، على معنى في غيره، مع دلالته على المعنى الذي وضع له. فإذا قلت مثلاً: من يقم أقم معه، فقد دلت من على شخص عاقل بالوضع، ودلت مع ذلك على ارتباط جملة الجزاء بجملة الشرط، لتضمنها معنى إن الشرطية. فلذلك زيد في الحد فقط، ليخرج به هذا القسم.
[21]
واعترض الفارسي قول من حد الحرف بأنه ما دل على معنى في غيره بالحروف الزائدة، نحو ما في قولهم: إنك ما وخيراً، لأنها لا تدل على معنى في غيرها. وأجيب بأن الحروف الزائدة تفيد فضل تأكيد وبيان، للكثرة، بسبب تكثير اللفظ بها. وقوة اللفظ مؤذنة بقوة المعنى، وهذا معنى لا يتحصل إلا مع كلام.
فإن قيل: ما معنى قولهم الحرف يدل على معنى في غيره فالجواب: معنى ذلك أن دلالة الحرف على معناه الإفرادي متوقفة على ذكر متعلقه، بخلاف الاسم والفعل. فإن دلالة كل منهما، على معناه الإفرادي، غير متوقفة على ذكر متعلق؛ ألا ترى أنك إذا قلت الغلام فهم منه التعريف. ولو قلت أل مفردة لم يفهم منه معنى. فإذا قرن بالاسم أفاد التعريف. وكذلك باء الجر فإنها لا تدل على الإلصاق، حتى تضاف إلى الاسم الذي بعدها، لأنه يتحصل منها مفردة. وكذلك القول في سائر الحروف.
[22]
وقال السيرافي: المراد من قولنا في الاسم والفعل إنه يدل على معنى في نفسه أن تصور معناه في الذهن غير متوقف على خارج عنه؛ ألا ترى أنك إذا قلت: ما الإنسان؟ فقيل لك: حي ناطق، وإذا قلت: ما معنى ضرب؟ فقيل لك: ضرب في زمان ماض أدركت المعنيين باللفظ المذكور في التفسير. وقولنا في الحرف يدل على معنى في غيره، نعني به أن تصور معناه متوقف على خارج عنه: ألا ترى أنك إذا قلت: ما معنى من، فقيل لك: التبعيض، وخليت وهذا، لم تفهم معنى من إلا بعد تقدم معرفتك بالجزء والكل، لأن التبعيص أخذ جزء من كل.
وقد قيل غير ذلك، ممالا حاجة هنا إلى ذكره. والله الموفق). [الجنى الداني:20-23]


رد مع اقتباس