الموضوع: غير مصنف
عرض مشاركة واحدة
  #28  
قديم 14 رمضان 1438هـ/8-06-2017م, 07:29 PM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

قوله - صلى الله عليه وسلم- أفضل الكلام أربع

قال أبو سليمان حَمْدُ بن محمد بن إبراهيم الخطابي (ت: 388هـ): ([88] [و] قوله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الكلام أربع هن من القرآن ولسن بقرآن «سبحان الله» و«الحمد لله» و«لا إله إلا الله» و«الله أكبر».
يريد بقوله: «هن من القرآن» أن هذه الكلمات موجودة في القرآن وليست بقرآن من جهة النظم، فيكون آية متلوة. [وهذا يدل على أن إعجاز القرآن إنما هو في لفظه ونظمه معًا لا في لفظه فحسب].
[89] [و] قوله: «لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة». معنى الكنز في هذا: الأجر الذي يحوزه قائله، والثواب الذي يدخر له ومعنى كلمة «لا حول ولا قوة إلا بالله» إظهار الفقر إلى الله جل وعز وطلب المعونة منه على كل ما يزاوله من الأمور، وهو حقيقة العبودية.
وقال ابن الأنباري: الحول معناه في كلام العرب: الحيلة، يقال: ما للرجل حول، وماله، احتيال، وماله محالة، وماله محال؛ بمعنى واحد. يريد: أنه لا حيلة له في دفع شر، ولا قوة له في درك خير إلا بالله، ومعناه: التبرؤ من حول نفسه وقوته، والانقطاع إلى الله عز وجل في جميع الأمور.
وقال أبو الهيثم الرازي قوله: «لا حول» أصله من حال الشيء إذا تحرك، يقول: لا حركة ولا استطاعة إلا بالله. وقد روي عن ابن مسعود أنه قال في تفسيره: «لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله، ولا قوة على طاعة الله إلا بعون الله».
قال أبو سليمان: وهذا أحسن ما جاء فيه.
[90] [و] قوله: «أسألك النعيم يوم العيلة، والأمن يوم الخوف»، العيلة: الفقر، يقال منه: عال الرجل يعيل عيلة، إذا: افتقر، وعال يعول، إذا: جار. وأعال يعيل [إعالة]، إذا: كثر عياله.
[91] [و] قوله: «اللهم عائذ بك من شر ما أعطيتنا ومن شر ما منعتنا». قال أبو سليمان: من رواه «عائذ» بضم الذال كان معناه: أنا عائذ بك، وأضمر الاسم. ومن رواه: «عائذًا بك» - مفتوحة الذال كان معناه: المصدر. كأنه يقول: «أعوذ بك عياذًا» وقد جاء من المصادر على وزن فاعل «العافية» وفلج الرجل «فالجأ» وما باليت به «بالية وبالة».
[92] [و] قوله: «ألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين» خزايا: جمع خزيان. [و] أصل الخزي [الذل] الذي يستحيا من مثله لما يخاف من الفضيحة [فيه. يقال]: خزي الرجل يخزي خزيًا، إذا: هان وذل. وخزي خزاية، إذا: استحيا.
[93] [و] قوله: «اللهم أعني ولا تعن علي، وامكر لي ولا تمكر علي» معناه: أن ينفذ مكره وحيلته في عدوه، ولا ينفذ مكر عدوه وحيلته فيه. وقد يكون معنى المكر: الاستدراج في الطاعات؛ فيتوهم أنها مقبولة منه وهي مردودة عليه، ويحسب أنه محسن وهو مسيء. كقوله سبحانه: {وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا} [الكهف: 104] وكقوله تعالى: {وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون} [الزمر: 47].
[94] وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه قال: «إذا رأيت الله يعطي العبد ما يحب، وهو مقيم على معاصيه، فإنما ذلك منه استدراج»، ثم ترجم بهذه الآية: {فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون}» [الأنعام: 44].
حدثناه ابن الأعرابي، قال: أنبأنا أبو إسماعيل الترمذي، قال: أنبأنا أبو صالح [هو] كاتب الليث، قال: حدثني حرملة بن عمران عن [عقبة] بن مسلم عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[95] [و] قوله: «رب اجعلني [لك] شكارًا، لك ذكارًا، مخبتًا لك أواها، رب تقبل توبتي، واغسل حوبتي، واسلل سخيمة قلبي».
المخبت: الخاشع، ويقال: المخلص في خشوعه. والأواه: الموقن. ويقال: البكاء.
وروي في قوله سبحانه: {إن إبراهيم لحليم أواه منيب} [هود: 75]: أنه كان إذا ذكر النار [ضج وتأوه].
والحوبة: كل ما يتحوب منه، أي: يتحرج من فعله؛ والاسم منه: الحوب والحاب، يقال: حاب الرجل يحوب، قال الشاعر:
وإن مهاجرين تكنفاه
غداة ئذ لقد ظلما وحابا
والسخيمة: غل القلب ونغله.
[96] [و] قوله: «اللهم عافني في سمعي وبصري ما أبقيتني، واجعله الوارث مني» معنى الوارث هاهنا- الباقي، وحقيقة الوارث أنه هو الذي يرث ملك الماضي. سأل الله أن يبقي له قوة هاتين الحاستين إذا أدركه الكبر، وضعف منه سائر القوى؛ ليكونا وارثي سائر الأعضاء والباقيين بعدها.
وقيل: إنه دعا بذلك للأعقاب والأولاد. وقوله: «واجعله الوارث مني» بلفظ الواحد، وقد ذكر قبله السمع والبصر، وهما اثنان، فإنه رد الفعل إلى واحد منهما كقول الشاعر:
إن شرخ الشباب والشعر الأســــ
ـود لم يعاص كان جنونا
ولم يقل: ما لم يعاصيا؛ لأنه أراد: ما لم يعاص كل واحد منهما. وفيه وجه آخر، وهو أن كل شيئين تقاربا في معنييهما، فإن الدلالة على أحدهما دلالة على الآخر.
[97] [و] قوله: «اللهم اغفر لي، وارحمني، وألحقني بالرفيق الأعلى».
الرفيق: الخليط المرفق، فعيل بمعنى مفعل. كقولهم: أليم بمعنى مؤلم، يقال للواحد وللجماعة: رفيق. كما يقال للواحد وللجماعة: صديق. يريد الملائكة المقربين، وهم الملأ الأعلى. كقوله تعالى: {لا يسمعون إلى الملأ الأعلى} [الصافات: 8] يريد الملائكة. والله أعلم.
[98] [و] قوله: «يا كائن قبل أن يكون شيء، والمكون لكل شيء، والكائن بعدها لا يكون شيء» الوجه في حركة الأول ضم النون لأنه نداء مفرد، وفي الثاني نصبها لأنه عطف على موضع المنادي. كقوله جل وعز: {يا جبال أوبي معه والطير} [سبأ: 10] [و] كما قال الشاعر:
ألا يا زيد والضحاك سيرا
فقد جاوزتما خمر الطريق
فعطف على موضع المنادي.
[قوله]: «والكائن بعدما لا يكون شيء» مضموم النون على استئناف النداء؛ إذا طال الكلام قطع، واستؤنف ما بعده، وكأنه أضمر فيه أنت.
[99] [و] قوله: «اللهم اغسل خطاياي بماء الثلج والبرد، ونق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب» [قال أبو سليمان]: معنى ذكره الثلج والبرد توكيد للتطهير، ومبالغة فيه، وذلك أن الثلج والبرد ماءان مفطوران على خلقتهما، لم تمترسهما الأيدي، ولم تخضهما الأرجل كسائر المياه التي قد خالطت تربة الأرض، وجرت في الأنهار والحياض ونحوها؛ فكانا أحق بكمال الطهارة، وكذلك هذا المعنى في قوله: «كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس» إشباع في بيان التطهير، وتوكيد له. والله سبحانه مستغن عن أن يضرب له الأمثال، وأن يظاهر له البيان من طريق التشبيه، والتمثيل، ولكنه عادة الكلام، وبه يحسن البيان، ويقرب الشيء من الأفهام. [والله أعلم].
[100] [و] قوله: «اللهم إني أعوذ بك من طمع يهدي إلى طبع». قال أبو عبيد: الطبع: الدنس، والعيب، وكل شين في دين أو دنيا فهو طبع، يقال منه: رجل طبع، وأنشد الأعشى:
له أكاليل بالياقوت فصلها
صواغها لا ترى عيبا ولا طبعا
[101] قوله: «وأعوذ بك من الغرق والحرق» والحرق مفتوحة الراء -.
[102] [و] قوله: «اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة» فإن جار البادية يتحول. سأل سائل عن هذا فقال: ما معنى هذا الشرط؟ وما وجه التخصيص فيه؟ والمعنى والله أعلم أن حكم الشيء الخاص النادر خلاف حكم الشيء العام الدائم. واليسير من الأذى والمشقة محتمل فلم يستعذ بالله منه لأن في احتماله، والصبر عليه أجرًا ومثوبة وقد أمرنا بالصبر والرضى في المكروه ما احتمله الإنسان، واستقل به، فأما الكثير الدائم منه فغير محتمل ولا مستطاع وإذا ابتلى به الإنسان افتتن في دينه، وخيف عليه الوقوع في المأثم، فاستعاذ بالله منه، وفزع إليه في صرفه عنه. وجوار البوادي جوار نجعة ومقامهم فيها مقام قلعة؛ لأنهم إنما يبتغون مواقع الغيث، فإذا نفدت تلك المياه انتقلوا، وتباينت بهم المحال. وجوار المقام في البلدان جوار يتصل مدى العمر، ويدون ولا ينقطع، ويقال: هذه دار مقام، ودار مقامة، ونظير هذا.
[103] قوله صلى الله عليه وسلم: «أعوذ بك من الصمم، والبكم، والجنون، والجذام، والبرص، وسيء الأسقام» فيقال كيف لم يستعذ من الحمى، والصداع، والرمد ونحوها من العلل والأمراض؟ والجواب في هذا كالأول أو قريب منه، وذلك أن هذه الأمور آفات وعاهات تفسد الخلقة، وتغير الصورة، وتورث الشين، وتؤثر في العقل، والمحنة بها تعظم، والبلاء فيها يجهد ويشتد.
[104] وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم: «يستعيذ بالله من جهد البلاء». فأما الحمى والصداع والرمد ونحوها من الأوجاع فإنها [- وإن كانت أعراضًا مؤلمة -] تزول ولا تدوم وفيها أجر وتكفير للذنوب، فلم يصرف الاستعاذة إليها لخفة الأمر فيها، وإمكان الصبر عليها.
[105] [و] قوله: [اللهم إني] أعوذ بك من الذلة والمسكنة، وأعوذ بك من الفقر. معنى استعاذته من الفقر والمسكنة، إنما هو فقر النفس وما يعتريها من الحرص والجشع، ولم يرد به قلة المال، وعدم اليسار، فقد كان معلوما من أمره صلى الله عليه وسلم أنه كان يؤثر الإقلال من الدنيا ويكره الاستكثار من حطام أعراضها. وقال بعض العلماء قد جاء في الحديث مدح الفقر، وذمه، والاستعاذة منه، وإنما المذموم من الفقر أن يكرهه خوفًا من الذل والصغار وانحطاط القدر عند الناس، فأما ما كره من ذلك لأجل ما يخاف من فتنته. فليس بمذموم؛ لأن سوء احتمال الفقر ربما دعا إلى التقصير في إقامة الفرائض، والذهاب عن الحقوق الواجبة.
[106] [و] قوله: «واجعلني في النداء الأعلى» وقد يروى: «[في] الندى الأعلى».
النداء مصدر ناديته نداء، ومعناه أن ينادي للتنويه به. والرفع منه، وقد يحتمل [أن] يكون أراد بـ«النداء الأعلى» نداء أهل الجنة أهل النار كقوله تعالى: {ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا} [الأعراف: 44] والنداء الأسفل: نداء أهل النار أهل الجنة: {أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله} [الأعراف: 50]. ولهذا قيل: ليوم القيامة: «يوم التنادي» وقيل إنما سمي يوم التنادي، لأن كل واحد يدعى باسمه فيعطى كتابه. وأما الندي: فأصله المجلس الذي قد اجتمع فيه أهله. يقال منه ندوت القوم أندوهم ندوا: إذا جمعتهم. ومنه سميت «دار الندوة» ويقال: فلان في ندي قومه وناديهم. وقال حاتم الطائي:
ودعيت في أولى الندي ولم
ينظر إلي بأعين خزر
فالندى الأعلى: هم الملائكة صلوات الله عليهم ويقال: لا يكون الندى إلا الجماعة من أهل الندى والكرم.
[107] [و] قوله: «ما من مسلم يبيت طاهرًا على ذكر الله [تعالى] فيتعار من الليل يسأل الله خيرًا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه».
يتعار: معناه: يستيقظ من نومه. قالوا: ولا يكاد يكون ذلك إلا مع صوت أو كلام ويقال: إنه مأخوذ من عرار الظلم. وهو صوته.
[45 مكرر] [قوله: «أصحبنا على فطرة الإسلام، وكلمة الإخلاص، وعلى دين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم». معنى الفطرة ابتداء الخلقة، وهي إشارة إلى كلمة التوحيد حين أخذ الله العهد من ذرية آدم فقال: {ألست بربكم قالوا بلى} [الأعراف: 172]. وقد تكون الفطرة بمعنى السنة ومن هذا قوله: «عشر من الفطرة فذكر السواك والمضمضة وأخواتها»[.
[آخر كتاب شأن الدعاء وتفسير الأدعية المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وآله أجمعين، التي جمعها محمد بن إسحاق بن خزيمة وفرغ من تسويده في الليلة الخامسة من ذي القعدة من شهور سنة سبع وثمانين وخمسمائة علي بن محمد بن عثمان المؤذن النيسابوري حامدًا لله تعالى ومصليًا على رسوله محمد وعلى آله وسلم]).[شأن الدعاء: 160-177]


رد مع اقتباس