عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 29 ذو الحجة 1431هـ/5-12-2010م, 10:56 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 74 إلى 87]

{فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (74) وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا (75) الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77) أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79) مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (80) وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (81) أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82) وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83) فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (84) مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (85) وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (86) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا (87)}

تفسير قوله تعالى: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (74)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({
فليقاتل في سبيل اللّه الّذين يشرون الحياة الدّنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل اللّه فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيماً}
قال: {فليقاتل في سبيل اللّه الّذين يشرون الحياة الدّنيا بالآخرة} وقال: {ومن النّاس من يشري نفسه} أي: يبيعها، فقد تقع "شريت" للبيع والشراء). [معاني القرآن: 1/206]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{فليقاتل في سبيل اللّه الّذين يشرون الحياة الدّنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل اللّه فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما} أي: إن كانت بينكم وبينه عقدة أمان فليقاتل في سبيل الله معكم.
{الّذين يشرون الحياة الدّنيا بالآخرة}أي: يبيعون، يقال شريت بمعنى: بعت، وشريت، بمعنى: اشتريت قال يزيد بن مفرغ:
وشريت بردا ليتني... من بعد برد كنت هامه
برد غلامه، وشريته بعته). [معاني القرآن: 2/76-77]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة} معنى {يشرون}: يبيعون يقال شريت الشيء إذا
بعته وإذا اشتريته). [معاني القرآن: 2/132-133]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما} وقرأ محمد بن اليماني {فيقتل أو يغلب}). [معاني القرآن: 2/133]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): (
{الذين يشرون الحياة الدنيا} أي: يبيعون، و{يشرون} أي: يشترون). [ياقوتة الصراط: 200]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا (75)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{وما لكم لا تقاتلون في سبيل اللّه والمستضعفين...}
و
{المستضعفين} في موضع خفض.
وقوله:
{الظّالم أهلها} خفض {الظالم} لأنه نعت للأهل، فلما أعاد الأهل على القربة كان فعل ما أضيف إليها بمنزلة فعلها؛ كما تقول: مررت بالرجل الواسعة داره، وكما تقول: مررت برجلٍ حسنةٍ عينه.

وفي قراءة عبد الله: "أخرجنا من القرية التي كانت ظالمة".
ومثله مما نسب الظلم إلى القرية وإنما الظلم لأهلها في غير موضع من التنزيل من ذلك {وكم من قريةٍ أهلكناها} ومنه قوله: {واسأل القرية التي كنا فيها} معناه: سل أهل القرية). [معاني القرآن: 1/276-277]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({
وما لكم لا تقاتلون في سبيل اللّه والمستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان الّذين يقولون ربّنا أخرجنا من هذه القرية الظّالم أهلها واجعل لّنا من لّدنك وليّاً واجعل لّنا من لّدنك نصيراً}
قال: {من هذه القرية الظّالم أهلها} فجررت "الظالم" لأنه صفة مقدمة ما قبلها مجرور وهي لشيء من سبب الأول، وإذا كانت كذلك جرّت على الأول حتى تصير كأنها له). [معاني القرآن: 1/206-207]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وما لكم لا تقاتلون في سبيل اللّه والمستضعفين} أي: وفي المستضعفين بمكة.

و
(البروج) الحصون.
و(المشيّدة) المطولة). [تفسير غريب القرآن: 130]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{وما لكم لا تقاتلون في سبيل اللّه والمستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان الّذين يقولون ربّنا أخرجنا من هذه القرية الظّالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليّا واجعل لنا من لدنك نصيرا}
" ما " منفصلة،
المعنى: أي شيء لكم تاركين القتال.

و {لا تقاتلون} في موضع نصب على الحال كقوله - عزّ وجلّ - {فما لهم عن التذكرة معرضين} {والمستضعفين} في موضع جرّ، المعنى: وما لكم لا تقاتلون في سبيل اللّه وسبيل المستضعفين.
{من الرّجال والنّساء والولدان الّذين يقولون ربّنا أخرجنا من هذه القرية الظّالم أهلها} يعني بالقرية: مكة، أي: ما لكم لا تسعون في خلاص هؤلاء.
وقوله:
{واجعل لنا من لدنك وليّا واجعل لنا من لدنك نصيرا} أي: تولّنا بنصرك وخلّصنا من أهل مكة الظالم أهلها.
فهو نعت لقرية، ووحد الظالم لأنه صفة تقع موقع الفعل تقول مررت بالقرية الصالح أهلها كقولك التي صلح أهلها.
قال أبو العباس محمد بن يزيد:
{والمستضعفين} في موضع جر من وجهين:

1- المعنى ما لكم لا تقاتلون في سبيل اللّه وفي المستضعفين.
2- قال وجائز أن يكون عطفا على اسم اللّه، أي: في سبيل الله وسبيل المستضعفين، قال: واختار أن يكون على " وفي المستضعفين " لاختلاف السبيلين، لأن معنى سبيل المستضعفين كأنه خلاص المستضعفين، وقول أكثر النحويين كما اختار أبو العباس محمد بن يزيد.
والوجه الثاني عندي أشبه بالمعنى، لأن سبيل المستضعفين هي سبيل اللّه). [معاني القرآن: 2/77-78]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان} قال الزهري: المعنى في سبيل الله وفي سبيل المستضعفين.
قال أبو جعفر: قال أبو العباس: يجوز أن يكون المعنى: وفي المستضعفين.
ويجوز أن يكون المعنى: وفي سبيل المستضعفين.
وقال الضحاك: هؤلاء قوم أسلموا ولم يقدروا على الهجرة وأقاموا بمكة فعذرهم الله جل وعز). [معاني القرآن: 2/133]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها} يعنى: مكة). [معاني القرآن: 2/134]


تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعر: {الّذين آمنوا يقاتلون في سبيل اللّه والّذين كفروا يقاتلون في سبيل الطّاغوت فقاتلوا أولياء الشّيطان إنّ كيد الشّيطان كان ضعيفا}

{والّذين كفروا يقاتلون في سبيل الطّاغوت}
{الطاغوت} في قول النحويين أجمعين يذكر ويؤنث.

وفي القرآن دليل على تذكيره وتأنيثه:
فأما تذكيره فقوله: {يريدون أن يتحاكموا إلى الطّاغوت وقد أمروا أن يكفروا به}.
وأمّا تأنيثه فقوله - جلّ وعزّ -: {والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها}
قال أبو عبيدة: {الطاغوت} ههنا في معنى: جماعة.

كما قال اللّه - عزّ وجلّ -:
{حرّمت عليكم الميتة والدّم ولحم الخنزير} معناه: لحم الخنازير كلها.
و
{الطاغوت} الشيطان، وكل معبود من دون اللّه فهو طاغوت.
والدليل على أن {الطاغوت} الشيطان: قوله {ويريد الشّيطان أن يضلّهم ضلالا بعيدا}).
[معاني القرآن: 2/78]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لم كتبت علينا القتال} معناها: لم فرضته علينا.

{لولا أخّرتنا إلى أجلٍ قريبٍ} معناها: هلاّ أخرتنا). [مجاز القرآن: 1/132]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (ويكون كتب، بمعنى: فرض، كقوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} أي: فرض. و{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} و{وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ} أي: فرضت). [تأويل مشكل القرآن: 462] (م)

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{ألم تر إلى الّذين قيل لهم كفّوا أيديكم وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة فلمّا كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون النّاس كخشية اللّه أو أشدّ خشية وقالوا ربّنا لم كتبت علينا القتال لولا أخّرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدّنيا قليل والآخرة خير لمن اتّقى ولا تظلمون فتيلا}
قيل كان المسلمون قبل أن يؤمروا بالقتال قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: لو أذنت لنا أن نعمل معاول نقاتل بها المشركين، فأمروا بالكف وأداء ما افترض عليهم غير القتال، فلما كتب عليهم القتال خشي فريق منهم
{وقالوا ربّنا لم كتبت علينا القتال لولا أخّرتنا إلى أجل قريب} المعنى: هلّا أخرتنا، فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أن متاع الدنيا قليل وأن الآخرة لأهل التّقى). [معاني القرآن: 2/78-79]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( (الفتيل): الذي في وسط شق النواة، والنواة تسمى: الجريمة).
[ياقوتة الصراط:198-199]

تفسير قوله تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{في بروجٍ مّشيّدةٍ...}
يشدّد ما كان من جمع؛ مثل قولك: مررت بثياب مصبّغةٍ وأكبشٍ مذبّحةٍ. فجاز التشديد لأن الفعل متفرق في جمع. فإذا أفردت الواحد من ذلك فإن كان الفعل يتردّد في الواحد ويكثر جاز فيه التشديد والتخفيف؛ مثل قولك: مررت برجل مشجّج، وبثوب ممزّق؛ جاز التشديد؛ لأن الفعل قد تردد فيه وكثر. وتقول: مررت بكبشٍ مذبوح، ولا تقل مذبح لأن الذبح لا يتردّد كتردّد التخرق، وقوله: {وبئرٍ معطّلةٍ وقصرٍ مشيد} يجوز فيه التشديد؛ لأن التشييد بناء فهو يتطاول ويتردّد. يقاس على هذا ما ورد). [معاني القرآن: 1/277]

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{وإن تصبهم حسنةٌ يقولوا هذه من عند اللّه وإن تصبهم سيّئةٌ يقولوا هذه من عندك...}
وذلك أن اليهود لمّا أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة قالوا: ما رأينا رجلا أعظم شؤما من هذا؛ نقصت ثمارنا وغلت أسعارنا، فقال الله تبارك وتعالى: [إن أمطروا وأخصبوا] قالوا: هذه من عند الله، وإن غلت أسعارهم قالوا: هذا من قبل محمد (صلى الله عليه وسلم).

وقول الله تبارك وتعالى:
{قل كلٌّ مّن عند اللّه}.
وقوله: {فمال هؤلاء القوم} {فمال} كثرت في الكلام، حتى توهّموا أن اللام متصلة بـ (ما) وأنها حرف في بعضه. ولاتصال القراءة لا يجوز الوقف على اللام؛ لأنها لام خافضة). [معاني القرآن: 1/278]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {بروج} البرج: الحصن.

{مشيّدةٍ}: مطوّلة، والمشيد: المزّيّن، الشّيد: الجصّ والصّاروج، والبروج: القصور). [مجاز القرآن: 1/132]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({بروج مشيدة}: حصون مجصصة والجص يقال له التشيد والصاروج أيضا). [غريب القرآن وتفسيره: 121]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (
{وإن تصبهم حسنةٌ} أي: خصب

{وإن تصبهم سيّئةٌ} أي: قحط.
{يقولوا هذه من عندك} أي: بشؤمك {قل كلٌّ من عند اللّه}). [تفسير غريب القرآن: 130]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (
{وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا * مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}
الحسنة هاهنا: الخصب والمطر، يقول: إن أصابهم خصب وغيث قالوا: هذا من عند الله.

والسيئة: الجدب والقحط، يقول: وإن تصبهم سيئة يقولوا: هذه من عندك، أي: بشؤمك، يقول الله تعالى: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}.
ومثل هذا قوله حكاية عن فرعون وملئه: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ} يريد إذا جاءهم الخصب والمطر ،قالوا: هذا هو ما لم نزل نتعرّفه.

{وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ} أي: يتشاءمون بهم.
{أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ} أي: ما تطيّروا بموسى- لمجيئه- من عند الله.
ونحو قوله:
{وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا} أي: خصبا وخيرا.
{وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} أي: جدب وقحط.
{بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} أي: بذنوبهم {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ}.
ثم قال: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ} أي: من خير {فَمِنَ اللَّهِ}، {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ} أي: من شر {فَمِنْ نَفْسِكَ} أي: بذنبك.

الخطاب للنبي، صلّى الله عليه وسلم، والمراد غيره، على ما بيّنت في باب الكناية). [تأويل مشكل القرآن:391-392]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وأعلمهم أن آجالهم تخطئهم ولو تحصنوا بأمنع الحصون فقال:
{أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيّدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند اللّه وإن تصبهم سيّئة يقولوا هذه من عندك قل كلّ من عند اللّه فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا}
لأن مفعّلة، وفعّل للتكثير، يقال: شاد الرجل بناءه يشيده شيدا إذا رفعه وإذا. طلاه بالشيد، وهو ما يطلى به البناء من الكلس والجصّ وغيره، ويقال أيضا قد أشاد الرجل بناءه.
فأمّا في الذكر فأشدت بذكر فلان لا غير إذا رفعت من ذكره.
وقوله عزّ وجلّ:
{وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند اللّه وإن تصبهم سيّئة يقولوا هذه من عندك}.
قيل كانت اليهود - لعنت - تشاءمت برسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - عند دخوله المدينة فقالت: منذ دخل المدينة نقصت ثمارنا وغلت أسعارنا، فأعلم اللّه عز وجل أن الخصب والجدب من عند اللّه). [معاني القرآن: 2/79]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة} قال قتادة: البروج القصور المحصنة.

ومعروف في اللغة أن: البروج الحصون والمشيدة تحتمل معنيين:
1-أن تكون مطولة.

2-والآخر أن تكون مشيدة بالشيد وهو الجص، وكذلك قال عكرمة وقال السدي: هي قصور بيض في السماء الدنيا مبنية.
وقيل المشيدة: المطولة، والمشيدة: مخففة المعمولة بالشيد.
وقيل المشيدة: على التكثير يقع للجميع). [معاني القرآن: 2/134]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك} الحسنة ههنا: الخصب، والسيئة: الجدب). [معاني القرآن: 2/134-135]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( {ولو كنتم في بروج مشيدة} أي: قصور مطولة). [ياقوتة الصراط: 200]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ( (البروج) الحصون،

و(المشيدة) المطولة.
{وإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ} أي: خصب، و{سَيِّئَةٌ} قحط.

{يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ} أي: بشؤمك).
[تفسير المشكل من غريب القرآن:62-63]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({بُرُوجٍ}: قصور.

{مُّشَيّدَةٍ}: مجصّصة مرفوعة). [العمدة في غريب القرآن: 114]

تفسير قوله تعالى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{مّا أصابك من حسنةٍ فمن اللّه وما أصابك من سيّئةٍ فمن نّفسك وأرسلناك للنّاس رسولاً وكفى باللّه شهيداً}
قال: {وما أصابك من سيّئةٍ فمن نّفسك وأرسلناك للنّاس رسولاً} فجعل الخبر بالفاء لأن {ما} بمنزلة {من} وأدخل {من} على السيئة لأن {ما} نفي و{من} تحسن في النفي مثل قولك: "ما جاءني من أحد"). [معاني القرآن: 1/207]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (
{ما أصابك من حسنةٍ} أي: من نعمة {فمن اللّه وما أصابك من سيّئةٍ} أي: بلية {فمن نفسك} أي: بذنوبك، الخطاب للنبي، والمراد غيره). [تفسير غريب القرآن:130-131]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (ثم قال: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ} أي: من خير {فَمِنَ اللَّهِ}، {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ} أي: من شر {فَمِنْ نَفْسِكَ}أي: بذنبك. الخطاب للنبي، صلّى الله عليه وسلم، والمراد غيره، على ما بيّنت في باب الكناية).
[تأويل مشكل القرآن: 392] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{ما أصابك من حسنة فمن اللّه وما أصابك من سيّئة فمن نفسك وأرسلناك للنّاس رسولا وكفى باللّه شهيدا} فذا خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - يراد به الخلق.
ومخاطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - قد تكون للناس جميعا لأنه عليه السلام لسانهم، والدليل على ذلك: قوله
{يا أيّها النّبيّ إذا طلّقتم النّساء فطلّقوهنّ لعدّتهنّ}فنادى النبي - صلى الله عليه وسلم - وحده وصار الخطاب شاملا له ولسائر أمّته، فمعنى {ما أصابك من حسنة فمن اللّه}، أي: ما أصبتم من غنيمة أو أتاكم من خصب فمن تفضل اللّه.
{وما أصابك من سيّئة} أي: من جدب أو غلبة في حرب فمن نفسك، أي: أصابكم ذلك بما كسبتم كما قال اللّه جلّ وعز {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}.
ومعنى
{وأرسلناك للنّاس رسولا} معنى الرسول ههنا: مؤكد لقوله: {وأرسلناك} لأن {وأرسلناك للنّاس} تدل على أنه رسول.
{وكفى باللّه شهيدا} أي: اللّه قد شهد أنه صادق، وأنه رسوله، و{شهيدا} منصوب على التمييز، لأنك إذا قلت كفى الله ولم تبين في أي شيء الكفاية كنت مبهما.
والفاء دخلت في قوله جل وعز: {ما أصابك من حسنة فمن اللّه} لأن الكلام في تقدير الجزاء، وهو بمنزلة قولك: إن تصبك حسنة فمن اللّه).
[معاني القرآن: 2/79-80]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك}
{من حسنة} أي: خصب، وقيل هذا للنبي صلى الله عليه وسلم لأن المخاطبة له بمنزلة المخاطبة لجميع الناس، والمعنى: {ما أصابك من حسنة فمن الله} أي: من خصب ورخاء
{وما أصابك من سيئة} أي: من جدب وشدة فمن نفسك أي فبذنبك عقوبة قاله قتادة، ويروى أن اليهود قالوا لما قدم المسلمون إلى المدينة أصابنا الجدب وقل الخصب فأعلم الله جل وعز أن ذلك بذنوبهم.

وروى عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس أنه قرأ (وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأنا كتبتها عليك) وقيل القول محذوف، أي: يقولون هذا). [معاني القرآن: 2/135-136]

تفسير قوله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (80)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فما أرسلناك عليهم حفيظاً} أي: محاسبا). [مجاز القرآن: 1/132]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فما أرسلناك عليهم حفيظاً} أي: محاسبا). [تفسير غريب القرآن: 131]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{من يطع الرّسول فقد أطاع اللّه ومن تولّى فما أرسلناك عليهم حفيظا} أي: من قبل ما أتى به الرسول فإنما قبل ما أمر الله به.
وقوله:
{ومن تولّى فما أرسلناك عليهم حفيظا} تأويله - واللّه أعلم -: أنك لا تعلم غيبهم إنما لك ما ظهر منهم، والدليل على ذلك: ما يتلوه وهو قوله {ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيّت طائفة منهم غير الّذي تقول واللّه يكتب ما يبيّتون فأعرض عنهم وتوكّل على اللّه وكفى باللّه وكيلا}). [معاني القرآن: 2/80]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({حَفِيظًا} أي: محاسباً).
[تفسير المشكل من غريب القرآن: 63]

تفسير قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (81)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{طاعةٌ...}
الرفع على قولك: منّا طاعة، أو أمرك طاعة، وكذلك
{قل لا تقسموا طاعةٌ مّعروفةٌ} معناه - والله أعلم -: قولوا: سمع وطاعةٌ.

وكذلك التي في سورة محمد صلى الله عليه وسلم {فأولى لهم طاعةٌ وقولٌ معروف} ليست بمرتفعة بـ (لهم). هي مرتفعة على الوجه الذي ذكرت لك، وذلك أنهم أنزل عليهم الأمر بالقتال فقالوا: سمع وطاعة، فإذا فارقوا محمدّا صلى الله عليه وسلم غيّروا قولهم، فقال الله تبارك وتعالى: {فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم} وقد يقول بعض النحويين: وذكر فيها القتال،
وذكرت
{طاعة} وليست فيها واو فيجوز هذا الوجه، ولو رددت الطاعة وجعلت كأنها تفسير للقتال جاز رفعها ونصبها؛ أمّا النصب فعلى: ذكر فيها القتال بالطاعة أو على الطاعة.

والرفع على: ذكر فيها القتال ذكر فيها طاعة.
وقوله:
{بيّت طائفةٌ} القراءة أن تنصب التاء، لأنها على جهة فعل.
وفي قراءة عبد الله: "بيّت مبيّت منهم" غير الذي تقول، معناه: غيّروا ما قالوا وخالفوا، وقد جزمها حمزة وقرأها بيّت طائفة، جزمها لكثرة الحركات، فلما سكنت التاء اندغمت في الطاء). [معاني القرآن: 1/278-279]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {بيّت طائفةٌ منهم غير الّذي تقول} أي: قدروا ذلك ليلاً، قال عبيدة بن همّام أحد بني العدوية:

أتوني فلم أرض ما بيّتوا... وكانوا أتوني بشيءٍ نكر
لأنكح أيّمهم منذراً... وهل ينكح العبد حرٌّ لحر
بيّتوا أي قدّروا بليل، وقال النّمر بن تولب:
هبّت لتعذلني من الليل أسمعي... سفهاً تبيّتك الملامة فاهجعي
كل شيء قدّر بليل فهو تبيّتٌ). [مجاز القرآن: 1/132-133]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{ويقولون طاعةٌ فإذا برزوا من عندك بيّت طائفةٌ مّنهم غير الّذي تقول واللّه يكتب ما يبيّتون فأعرض عنهم وتوكّل على اللّه وكفى باللّه وكيلاً}
قال:
{ويقولون طاعةٌ فإذا برزوا من عندك بيّت طائفةٌ مّنهم} أي: ويقولون "أمرنا طاعةٌ".

وإن شئت: نصبت الطاعة على "نطيع طاعةً".
وقال: {بيّت} فذكّر فعل الطائفة لأنهم في المعنى رجال وقد أضافها إلى مذكرين، وقال: {وإن كان طائفةٌ مّنكم}). [معاني القرآن: 1/207]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({بيت طائفة}: قدروا). [غريب القرآن وتفسيره: 122]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ويقولون طاعةٌ} بحضرتك.

{فإذا برزوا من عندك} أي: خرجوا {بيّت طائفةٌ منهم غير الّذي تقول} أي: قالوا وقدّروا ليلا غير ما أعطوك نهارا. قال الشاعر:

أتوني فلم أرض ما بيّتوا وكانوا أتوني بشيء نكر
والعرب تقول: هذا أمر قدّر بليل، وفرغ منه بليل. ومنه قول الحارث ابن حلّزة:
أجمعوا أمرهم عشاء فلما أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء
وقال بعضهم: بيّت طائفة: أي بدّل، وأنشد:
وبيّت قولي عبد المليـ ـك قاتلك اللّه عبدا كفورا). [تفسير غريب القرآن:131-132]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (
{ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيّت طائفة منهم غير الّذي تقول واللّه يكتب ما يبيّتون فأعرض عنهم وتوكّل على اللّه وكفى باللّه وكيلا}
قال النحويون تقديره: أمرنا طاعة.

وقال بعضهم منّا طاعة.
والمعنى واحد، إلا أن إضمار أمرنا أجمع في القصة وأحسن.
وقوله:
{فإذا برزوا من عندك بيّت طائفة منهم غير الّذي تقول}يقال لكل أمر قد قضي بليل قد بيّت.
قال الشاعر:
أتوني فلم أدر ما بيّتوا... وكانوا أتوني لأمر نكر
أي: فلست حفيظا عليهم تعلم ما يغيب عنك من شأنهم، وهذا ونظائره في كتاب اللّه من أبين آيات النبي - صلى الله عليه وسلم -، لأنهم ما كانوا يخفون عنه أمرا إلا أظهره اللّه عليه.

وقوله جلّ وعزّ:
{واللّه يكتب ما يبيّتون} فيه وجهان:
1- يجوز أن يكون - واللّه أعلم - ينزله إليك في كتابه.
2- وجائز أن يكون يكتب ما يبيتون يحفظه عليهم ليجازوا به.
وقوله:
{فأعرض عنهم وتوكّل على اللّه} أي: لا تسمّ هؤلاء بأعيانهم لما أحب الله من ستر أمر المنافقين إلى أن يستقيم أمر الإسلام.
فأما قوله:
{بيّت طائفة منهم} فذكّر ولم يقل بيتت، فلأن كل تأنيث غير حقيقي فتعبيره بلفظ التذكير جائز تقول: قالت طائفة من أهل الكتاب، وقال طائفة من المسلمين لأن طائفة وفريقا في معنى واحد، فكذلك قوله عزّ وجلّ: (فمن جاءه موعظة من ربّه}
وقوله:
{يا أيها النّاس قد جاءتكم موعظة من ربّكم} يعني: الوعظ إذا قلت فمن جاءه موعظة.
وقرأ القراء
{بيت طائفة} على إسكان التاء وإدغامها في الطاء.
وروي عن الكسائي أن ذلك إذا كان في فعل فهو قبيح، ولا فرق في الإدغام ههنا في فعل كان أو في اسم لو قلت بيّت طائفة وهذا بيت طائفة - وأنت تريد بيت طائفة كان واحدا.
وإنما جاز الإدغام لأن التاء والطاء من مخرج واحد). [معاني القرآن: 2/80-82]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ويقولون طاعة} والمعنى: ويقولون أمرنا طاعة ومنا طاعة وفي الكلام حذف، والمعنى: ويقولون إذا كانوا عندك طاعة ودل على هذا قوله تعالى: {فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول} معنى {بيت} عند أهل اللغة: أحكم الأمر بليل وفكر فيه، أي: أظهر المعصية في بيته والعرب تقول أمر بيت بليل إذا أحكم وإنما خص الليل بذلك لأنه وقت يتفرغ فيه قال الشاعر:

أجمعوا أمرهم بليل فلما أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء
ومن هذا بيت الصيام.
وقال أبو رزين: معنى
{بيت}: ألف.
وليس هذا بخارج عن قول أهل اللغة لأنه يجوز أن يكون التأليف بالليل.
وقيل
معنى {بيت}: بدل، ولا يصح هذا). [معاني القرآن: 2/137-138]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{والله يكتب ما يبيتون} يحتمل معنيين:
أحدهما: أنه ينزله في كتابه ويخبر به وفي ذلك أعظم الآيات للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه يخبر بما يسرونه.

ويحتمل أن يكون المعنى: والله يعلم ويحصي ما يبيتون). [معاني القرآن: 2/138-139]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا} قال الضحاك: يعنى به المنافقون، والمعنى: لا تخبر بأسمائهم).
[معاني القرآن: 2/139]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ} أي: بحضرتك، فإذا خرجوا قدروا ليلاً غير الذي يقولون نهاراً).
[تفسير المشكل من غريب القرآن: 63]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({بَيَّتَ}: حدّد). [العمدة في غريب القرآن: 114]


تفسير قوله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{أفلا يتدبّرون القرآن ولو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} يعنى به: المنافقون، أي: لو كان ما يخبرون به مما بيتوا، وما يسرون ويوحي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.. لولا أنه من عند الله لما كان الإخبار به غير مختلف، لأن الغيب لا يعلمه إلا اللهن وهذا من آيات النبي - صلى الله عليه وسلم - البينة.
ومعنى تدبرت الشيء: نظرت في عاقبته، وقولهم في الخبر: لا تدابروا، أي: لا تكونوا أعداء، أي: لا يولى بعضكم دبره، يقال: قد دبر القوم يدبرون دبارا إذا هلكوا، وأدبروا إذا ولّى أمرهم، وإنما تأويله أنه تقضى أنهم إلى آخره فلم يبق منهم باقية، والدبر النحل سمّي دبرا لأنه يعقب ما ينتفع به.

والدّبر: المال الكثير، سمّي دبرا: لكثرته، ولأنه يبقى للأعقاب والأدبار). [معاني القرآن: 2/82]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {أفلا يتدبرون القرآن} معنى تدبرت الشيء: فكرت في عاقبته، ويقال أدبر القوم إذا تولى أمرهم إلى آخره، وفي الحديث: ((لا تدابروا)) أي: لا تعادوا، أي: لا يولي أحدكم صاحبه دبره من العداوة). [معاني القرآن: 2/139-140]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} أي: لو كان ما يخبرون به مما يسرونه من عند غير الله لاختلف. ومذهب قتادة وابن زيد: أن المعنى: لو كان القرآن من عند غير الله لوجدوا فيه تفاوتا وتناقضا لأن كلام الناس يختلف ويتناقض). [معاني القرآن: 2/140]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{وإذا جاءهم أمرٌ مّن الأمن أو الخوف...}
هذا نزل في سرايا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثها، فإذا غلبوا أو غلبوا بادر المنافقون إلى الاستخبار عن حال السرايا، ثم أفشوه قبل أن يفشيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يحدّثه، فقال
{أذاعوا به} يقول أفشوه. ولو لم يفعلوا حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يخبر به لكان خيرا لهم، أو ردّوه إلى أمراء السرايا، فذلك قوله: {ولو ردّوه إلى الرّسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الّذين يستنبطونه منهم}.
وقوله:
{لاتّبعتم الشّيطان إلاّ قليلاً} قال المفسرون، معناه: لعلمه الذين يستنبطونه إلا قليلا.

ويقال: أذاعوا به إلا قليلا، وهو أجود الوجهين؛ لأن علم السرايا إذا ظهر علمه المستنبط وغيره، والإذاعة قد تكن في بعضهم دون بعض، فلذلك استحسنت الاستثناء من الإذاعة). [معاني القرآن: 1/279-280]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (
{أذاعوا به}: أفشوه، معناها: أذاعوه، وقال أبو الأسود:
أذاع به في النّاس حتى كأنه... بعلياء نارٌ أوقدت بثقوب
يقال: أثقب نارك، أي أوقدها حتى تضيء.
{الّذين يستنبطونه}: يستخرجونه، يقال للرّكية إذا استخرجت هي نبطٌ إذا أمهاها، يعنى: استخرج ماءها). [مجاز القرآن: 1/133-134]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{وإذا جاءهم أمرٌ مّن الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردّوه إلى الرّسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الّذين يستنبطونه منهم ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته لاتّبعتم الشّيطان إلاّ قليلاً}
قال: {لاتّبعتم الشّيطان إلاّ قليلاً} على {وإذا جاءهم أمرٌ مّن الأمن أو الخوف أذاعوا به} {إلاّ قليلاً}). [معاني القرآن: 1/207]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({أذاعوا به}: أفشوه.
{الذين يستنبطونه منهم}: يستخرجونه استنبطت الركية إذا خرجت ماءها). [غريب القرآن وتفسيره: 122]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({أذاعوا به} أشاعوه.

{ولو ردّوه إلى الرّسول وإلى أولي الأمر منهم} أي: ذوو العلم منهم {لعلمه الّذين يستنبطونه} أي: يستخرجونه إلا قليلا).
[تفسير غريب القرآن: 132]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (ومنه قوله سبحانه: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا}، أراد: لعلمه الذين يستنبطونه منهم إلا قليلا، ولولا فضل الله عليكم ورحمته، لاتبعتم الشيطان.

قال الشاعر:
فأوردتُها ماءً كأنّ جِمَامَهُ = من الأَجْنِ حِنَّاءٌ مَعًا وَصِبيبُ
أي: فأوردتها ماء كأنّ جمامه حنّاء وصبيب معا). [تأويل مشكل القرآن: 209]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردّوه إلى الرّسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الّذين يستنبطونه منهم ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته لاتّبعتم الشّيطان إلّا قليلا} أي: أظهروه ونادوا به في الناس، قال الشاعر:
أذاع به في الناس حتى كأنه... بعلياء نار أوقدت بثقوب
وكان إذا علم النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّه ظاهر على قوم أمن منهم، أو أعلم تجمع قوم يخاف من جمع مثلهم، أذاع المنافقون ذلك ليحذر من يحذر من الكفار، ويقوى قلب من ينبغي أن يقوى قلبه لما أذاعوا وكان ضعفة المسلمين يشيعون ذلك معهم من غير علم بالضرر في ذلك، فقال عز وجل ولو ردوا ذلك إلى أن يأخذوه من قبل الرسول ومن قبل أولي الأمر منهم، أي: من قبل ذوي العلم والرأي منهم.

وقوله:
{لعلمه الّذين يستنبطونه منهم} أي: لعلمه هؤلاء الذين أذاعوا به من ضعفة المسلمين من النبي - صلى الله عليه وسلم - وذوي العلم، وكانوا يعلمون مع ذلك هل ينبغي أن يذاع أو لا يذاع.
ومعنى
{يستنبطونه} في اللغة: يستخرجونه، وأصله: من النبط وهو الماء الذي يخرج من البئر في أول ما يحفر، يقال من ذلك: قد أنبط فلان في غضراء، أي: استنبط الماء من طين حر، والنبط إنما سمّوا نبطا لاستنباطهم ما يخرج من الأرضين.
وقوله:
{ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته لاتّبعتم الشّيطان إلّا قليلا}
قال بعضهم: لولا ما أنزله اللّه عليكم من القرآن، وبين لكم من الآيات على لسان نبيه لاتبعتم الشيطان إلّا قليلا،
أي: كان أولكم بجوار الكفر، وهذا ليس قول أحد من أهل اللغة.

قال أهل اللغة كلّهم:
المعنى: {ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته لاتّبعتم الشّيطان إلّا قليلا} إنما هو استثناء من قوله {لعلمه الّذين يستنبطونه منهم} إلّا قليلا).
وقال النحويون، المعنى: أذاعوا به إلا قليلا.

وقالوا: أن يكون الاستثناء من أذاعوا به إلا قليلا أجود، لأن ما علم بالاستنباط فليس الأكثر يعرفه، إنما يستنبط القليل، لأن الفضائل والاستنباط، والاستخراج في القليل من الناس.
وهذا في هذا الموضع غلط من النحويين، لأن هذا الاستنباط ليس بشيء يستخرج بنظر وتفكر، إنما هو استنباط خبر، فالأكثر يعرف الخبر، إذا خبر به، وإنما القليل المبالغ في البلادة لا يعلم ما يخبر به، والقول الأول مع هذين القولين جائزة كلها. والله أعلم.
لأن القرآن قبل أن ينزل والنبي قبل أن يبعث قد كان في الناس القليل ممن لم يشاهد القرآن ولا النبي - صلى الله عليه وسلم - مؤمنا.
وقد يجوز أن يقول القائل: إن من كان قبل هذا مؤمنا فبفضل اللّه وبرحمته آمن، فالفضل والرحمة لا يخلو منهما من نال ثواب الله جلّ وعزّ، إلا أن المقصود به في هذا الموضع النبي - صلى الله عليه وسلم - والقرآن). [معاني القرآن: 2/83-84]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به} قال الضحاك: أفشوه وسعوا به وهم المنافقون.
وقال غيره: هم ضعفة المسلمين كانوا إذا سمعوا المنافقين يفشون أخبار النبي صلى الله عليه وسلم توهموا انه ليس عليهم في ذلك شيء فأفشوه فعاتبهم الله على ذلك، فقال: {ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم} أي: أولوا العلم {لعلمه الذين يستنبطونه منهم} أي: يستخرجونه، يقال: نبطت البئر إذا أخرجت منها النبط وهو ما يخرج منها ومن هذا سمي النبط لأنهم يخرجون ماء في الأرض، فالمعنى: لعلموا ما ينبغي أن يفشى وما ينبغي أن يفشى يكتم). [معاني القرآن: 2/141]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا} في هذه الآية ثلاثة أقوال:

أحدها: أن المعنى ولولا ما تفضل الله به مما بين وأمر لاتبعتم الشيطان إلا قليلا.
والقول الآخر: أن المعنى أذاعوا به إلا قليلا، وهذا القول للكسائي وهو صحيح عن ابن عباس.
والقول الآخر: قول قتادة وابن جريج وهو الذي كان يختاره أبو إسحاق أن المعنى لعلمه الذين يستنبطونه منهم إلا قليلا {ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان}، قيل: هو استثناء من لاتبعتم الشيطان يعنى به قوم لم يكونوا هموا بما هم به الآخرون من أتباع الشيطان، كما قال الضحاك: هم أصحاب النبي عليه السلام إلا قليلا إلا طائفة منهم.
وقيل معنى {إلا قليلا}: كلكم.
وقال أبو جعفر: وهذا غير معروف في اللغة
ومن أحسن هذه الأقوال: قول من قال أذاعوا به إلا قليلا، لأنه يبعد أن يكون المعنى يعلمونه الذين يستنبطونه منهم إلا قليلا لأنه إذا بين استوى الكل في علمه فبعد استثناء بعض المستنبطين منه).
[معاني القرآن: 2/142-144]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( {يستنبطونه} أي: يستخرجون معانيه).
[ياقوتة الصراط: 200]

تفسير قوله تعالى: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (84)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وحرّض المؤمنين} أي: حضّض.

{عسى الله} هي إيجاب من الله، وهي في القرآن كلّها واجبة، فجاءت على إحدى لغتى العرب، لأن عسى في كلامهم رجاءٌ ويقين، قال ابن مقبل:
ظنّي بهم كعسى وهم بتنوفةٍ... يتنازعون جوائز الأمثال
أي: ظني بهم يقينٌ).
[مجاز القرآن: 1/134]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{فقاتل في سبيل اللّه لا تكلّف إلاّ نفسك وحرّض المؤمنين عسى اللّه أن يكفّ بأس الّذين كفروا واللّه أشدّ بأساً وأشدّ تنكيلاً}
قال: {فقاتل في سبيل اللّه لا تكلّف إلاّ نفسك} جزم على جواب الأمر، ورفع بعضهم على الابتداء ولم يجعله علة للأول وبه نقرأ كما قال: {وأمر أهلك بالصّلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقاً} جزم إذا جعله لما قبله علة ورفع على الابتداء وبالرفع نقرأ). [معاني القرآن: 1/208]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({وحرض المؤمنين}: حضض). [غريب القرآن وتفسيره: 122]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (والبأس: الشدّة بالقتال، قال الله تعالى: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا} وقال تعالى: {نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ} وقال: {بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ} وقال: {وَحِينَ الْبَأْسِ}). [تأويل مشكل القرآن: 505]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ
{فقاتل في سبيل اللّه لا تكلّف إلّا نفسك وحرّض المؤمنين عسى اللّه أن يكفّ بأس الّذين كفروا واللّه أشدّ بأسا وأشدّ تنكيلا}
هذه الفاء جواب قوله جلّ وعزّ:
{ومن يقاتل في سبيل اللّه فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما}
{فقاتل في سبيل اللّه
}
ويجوز أن يكون: متصلا بقوله: {وما لكم لا تقاتلون في سبيل اللّه} أي: أيّ شي لكم في ترك القتال {فقاتل في سبيل اللّه}
، فأمره الله بالقتال ولو أنه قاتل وحده، لأنه قد ضمن له النصر.
ويروى عن أبي بكر رحمه اللّه أنه قال في الردة:
لو خالفتني يميني جاهدتها بشمالي.
وقوله: {عسى اللّه أن يكفّ بأس الّذين كفروا واللّه أشدّ بأسا وأشدّ تنكيلا}
البأس الشدة في كل شيء). [معاني القرآن: 2/84-85]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك} وهذا متصل بقوله: {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله} فأمره الله جل وعز بالقتال ولو كان وحده لأنه قد وعده النصر). [معاني القرآن: 2/144]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا} والبأس: الشدة .
و{عسى} من الله واجبة لأنها للترجي فإذا أمر أن يترجى شيء كان). [معاني القرآن: 2/144-145]


تفسير قوله تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (85)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{يكن لّه كفلٌ مّنها...} الكفل: الحظّ، ومنه قوله: {يؤتكم كفلين من رحمته} معناه: نصيبين.
وقوله: {وكان اللّه على كلّ شيءٍ مقيتاً} المقيت: المقدّر والمقتدر، كالذي يعطى كل رجل قوته، وجاء في الحديث: ((كفى بالمرء (إثما) أن يضيع من يقيت))، ويقوت). [معاني القرآن: 1/280]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (
{يكن له كفلٌ منها} أي: نصيب، ويقال: جاءنا فلان متكفلا حماراً، أي: متخذا عليه كساءً يديره يشبّهه بالسّرج يقعد عليه.
{على كلّ شيءٍ مقيتاً} أي: حافظاً محيطاً، قال اليهوديّ في غير هذا المعنى:
ليت شعري وأشعرنّ إذا ما... قرّبوها مطويةً ودعيت
أليّ الفضل أم عليّ إذا حوسب... ت إني على الحساب مقيت
أي: هو موقوف عليه).
[مجاز القرآن: 1/135]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({يكن له كفل منها}: نصيب.
{مقيتا}: مقتدرا، وقالوا حفيظا.

وفي التفسي:ر شهيدا وقال كثير:
وما ذاك منها عن نوال أناله = ولا إنني منها مقيت على ود). [غريب القرآن وتفسيره:122-123]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({شفاعةً حسنةً يكن له نصيبٌ منها} من الثواب.
{ومن يشفع شفاعةً سيّئةً يكن له كفلٌ منها} أي: نصيب، ومنه قوله تعالى: {يؤتكم كفلين من رحمته}
{وكان اللّه على كلّ شيءٍ مقيتاً} أي: مقتدرا، أقات على الشيء:
اقتدر عليه. قال الشاعر:
وذي ضغن كففت النفس عنه وكنت على إساءته مقيتا
والمقيت أيضا: الشاهد للشيء الحافظ له.
قال الشاعر:
ألي الفضل أم علي إذا حو سبت إنّي على الحساب مقيت). [تفسير غريب القرآن:132-133]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيّئة يكن له كفل منها وكان اللّه على كلّ شيء مقيتا} الكفل في اللغة: النصيب، أخذ من قولهم أكفلت البعير إذا أدرت على سنامه أو على موضع من ظهره كساء، وركبت عليه وإنما قيل له كفل، واكتفل البعير؛ لأنه لم يستعمل الظهر كله، إنما استعمل نصيب من الظهر، ولم يستعمل كله.
وقوله:
{وكان اللّه على كلّ شيء مقيتا}
قال بعضهم: "المقيت" القدير.

وقال بعضهم: "المقيت" الحفيظ، وهو عندي - واللّه أعلم - بالحفيظ أشبه، لأنه من القوت مشتق، يقال: قت الرجل أقوته قوتا إذا حفظت عليه نفسه بما يقوته.
والقوت: اسم ذلك الشيء الذي يحفظ نفسه، ولا فضل فيه على قدرة الحفظ، فمعنى المقيت - واللّه أعلم -: الحفيظ الذي يعطي الشيء قدر الحاجة من الحفظ قال الشاعر:
ألي الفضل أم عليّ إذا... حوسبت إني على الحساب مقيت). [معاني القرآن: 2/85-86]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها} قال الحسن: من شفع أثيب وإن لم يشفع لأنه قال جل وعز: {من يشفع} ولم يقل من يشفع.
وقال أبو موسى الأشعري رحمه الله: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء سائل فقال النبي صلى الله عليه وسلم ((اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء)).) [معاني القرآن: 2/145]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها} روي عن أبي موسى أنه قال: الكفل النصيب أو قل الحظ، كذا في الحديث. وقال قتادة: الكفل الإثم والمعروف.

عند أهل اللغة: أن الكفل النصيب، ويقال اكتفلت البعير إذا جعلت على موضع منه كساء أو غيره لتركبه وهذا مأخوذ من ذاك لأنك إنما تجعله على نصيب مثله). [معاني القرآن: 2/146]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {وكان الله على كل شيء مقيتا} في معناه قولان:

1- روى معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {مقيتا} يقول: حفيظا، وبإسناده {مقيتا} يقول: قديرا، وحكى الكسائي أنه قال: أقات يقيت إذا قدر، وقال الشاعر:
وذي ضغن كففت النفس عنه وكنت على مساءته مقيتا
والقول أن المقيت الحفيظ: قال أبو إسحاق، وهذا القول عندي أصح من ذاك، لأنه مأخوذ من: القوت مقدار ما يحفظ الإنسان،
وقال الشاعر:
ألي الفضل أم علي إذا حو سبت إني على الحساب مقيت
وفي الحديث: ((كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقيت)) أي: يحفظ، ويروى يقوت). [معاني القرآن: 2/146-148]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({مُّقِيتًا} أي: مقتدراً). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 63]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (86)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{وإذا حيّيتم بتحيّةٍ فحيّوا بأحسن منها...} أي: زيدوا عليها؛ كقول القائل: السلام عليكم، فيقول: وعليكم ورحمة الله، فهذه الزيادة {أو ردّوها} قيل هذا للمسلمين، وأمّا أهل الكتاب فلا يزادون على: وعليكم). [معاني القرآن: 1/280]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (
{على كلّ شيءٍ حسيباً} أي: كافياً مقتدراً، يقال: أحسبني هذا، أي: كفاني). [مجاز القرآن: 1/135]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ:
{وإذا حيّيتم بتحيّة فحيّوا بأحسن منها أو ردّوها إنّ اللّه كان على كلّ شيء حسيبا}
قال النحويون: " أحسن " ههنا: صفة لا تنصرف لأنه على وزن أفعل وهو، والمعنى: فحيوا بتحية أحسن منها.

وقيل في التفسير: التحية هنا السلام، وهي تفعله - من حييت.
ومعنى {حيّوا بأحسن منها}: إذا قيل لكم " السلام عليكم " فقولوا: وعليكم السلام ورحمة اللّه "، فالتحية التي هي أحسن منها هي وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ".
ويقال لكل شيء منتهى، ومنتهى السلام كلمة وبركاته.
ويروى أنّ داخلا دخل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال:
السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ((وعليك))، ودخل آخر فقال: السلام عليكم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ((وعليكم السلام ورحمة اللّه))، ودخل رجل آخر فقال: السلام عليكم ورحمة اللّه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ((وعليكم السلام ورحمة اللّه وبركاته)) فقام الداخل الأول فقال: يا رسول الله سلمت فلم تزد على " وعليك " وقام هذا فقال السلام عليكم فزدته، وقام هذا فقال: السلام عليكم ورحمة اللّه فزدته، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ((إنك لم تترك من السلام شيئا، فرددت عليك، وهذان تركا منه شيئا فزدتهما))، وهذا دليل أنّ: آخر ما في السنة من السلام كلمة وبركاته.
وقوله جلّ وعزّ: {إنّ اللّه كان على كلّ شيء حسيبا}
أي: يعطي كل شي من العلم والحفظ والجزاء مقدار ما يحسبه، أي: يكفيه، تقول حسبك بهذا، أي: اكتف بهذا.
وقوله تعالى: {عطاء حسابا
} أي: كافيا، وإنما سمّي الحساب في المعاملات حسابا لأنه يعلم ما فيه كفاية ليس فيها زيادة على المقدار ولا نقصان). [معاني القرآن: 2/86-87]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها} قيل هذا في السلام إذا قال: سلام عليكم رد عليه وعليك السلام ورحمة الله، وإذا قال: السلام عليك ورحمة الله، قيل: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.

قال الشيخ أبو بكر: وجدت في غير نسختي وإذا قال: سلام عليكم ورحمة الله وبركاته رد عليه وعليك، يروى هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم وروي عن الحسن أنه قال: السلام سنة ورده فريضة). [معاني القرآن: 2/148-149]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{إن الله كان على كل شيء حسيبا} قال مجاهد: أي حفيظا.
والحسيب عند بعض أهل اللغة البصريين: الكافي يقال أحسبه إذا كفاه ومنه عطاء حسابا ومنه حسبك.
وهذا عندي غلط لأنه لا يقال في هذا أحسب على الشيء فهو حسيب عليه إنما يقال بغير على والقول أنه من الحساب يقال حاسب فلانا على كذا وهو محاسبه عليه وحسيبه أي صاحب حسابه). [معاني القرآن: 2/150-151]

تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا (87)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ:
{اللّه لا إله إلّا هو ليجمعنّكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من اللّه حديثا}
{ليجمعنّكم إلى يوم القيامة
}هذه لام القسم، كقولك: واللّه ليجمعنكم، ومعنى القيامة في اللغة – والله أعلم - على ضربين:
جائز أن تكون: سميت القيامة لأن الناس يقومون من قبورهم، قال الله جلّ وعزّ: {يخرجون من الأجداث كأنّهم جراد منتشر}
وجائز أن تكون: سمّيت القيامة لأن الناس يقومون للحساب.

قال الله عزّ وجلّ:
{يوم يقوم النّاس لربّ العالمين}
ومعنى {ليجمعنّكم} - واللّه أعلم - أي: يجمعكم في الموت وفي قبوركم). [معاني القرآن: 2/87]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه} قيل إنما سميت القيامة: لأن الناس يقومون لرب العالمين، أي: يوم القيام ثم زيدت الهاء للمبالغة.

وقيل إنما ذلك لأن الناس يقومون من قبورهم كما قال جل وعز: {يخرجون من الأجداث سراعا}
و{الأجداث}: القبور). [معاني القرآن: 2/151]


رد مع اقتباس