عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 12 ذو القعدة 1439هـ/24-07-2018م, 04:40 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم}
في تضاعيف هذه الآية محذوفات يعطيها ظاهر الكلام ويدل عليها، والمعنى هنا: فرجع الرسول إلى الملأ والملك فقص عليهم مقالة يوسف، فرأى الملك وحاضروه نبل التعبير وحسن الرأي وتضمن الغيب في أمر العام الثامن، مع ما وصفه به الرسول من الصدق في المنامة المتقدمة، فعظم يوسف في نفس الملك، وقال: ائتوني به، فلما وصل الرسول في إخراجه إليه وقال: إن الملك قد أمر بأن تخرج فقال له: ارجع إلى ربك أي: الملك وقل له: ما بال النسوة ومقصد يوسف عليه السلام
[المحرر الوجيز: 5/101]
إنما كان: وقل له يستقصي عن ذنبي وينظر في أمري، هل سجنت بحق أو بظلم؟ فرسم قصته بطرف منها إذا وقع النظر عليه بان الأمر كله، ونكب عن ذكر امرأة العزيز حسن عشرة ورعاية لزمام الملك العزيز له.
وقرأ أبو بكر عن عاصم، وأبو حيوة: "النسوة" بضم النون، وقرأ الباقون: "النسوة" بكسر النون، وهما لغتان في تكسير "نساء" الذي هو اسم جمع لا واحد له من لفظه، وقرأت فرقة: "اللايي" بالياء، وقرأت فرقة: "اللاتي" بالتاء، وكلاهما جمع "التي".
وكان هذا الفعل من يوسف عليه السلام أناة وصبرا وطلبا لبراءة الساحة، وذلك أنه -فيما روي- خشي أن يخرج وينال من الملك مرتبة ويسكت عن أمر ذنبه صفحا، فيراه الناس بتلك العين أبدا، ويقولون: هذا الذي راود امرأة مولاه، فأراد يوسف عليه السلام أن تبين براءته وتتحقق منزلته من العفة والخير، وحينئذ يخرج للأخطاء والمنزلة، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يرحم الله أخي يوسف، لقد كان صابرا حليما، ولو لبثت في السجن لبثه لأجبت الداعي ولم ألتمس العذر حينئذ"، وروي نحو هذا الحديث من طريق عبد الرحمن بن القاسم صاحب مالك في كتاب التفسير من صحيح البخاري، وليس لابن القاسم في الديوان غيره.
وهنا اعتراض ينبغي أن ينفصل عنه، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما ذكر هذا الكلام على جهة المدح ليوسف، فما باله هو يذهب بنفسه عن حالة قد مدح بها غيره؟ فالوجه في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أخذ لنفسه وجها آخر من الرأي له جهة أيضا من الجودة، أي: لو كنت أنا لبادرت بالخروج ثم حاولت بيان عذري بعد ذلك، وذلك أن هذه القصص والنوازل إنما هي معرضة ليقتدي الناس بها إلى يوم القيامة، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم حمل
[المحرر الوجيز: 5/102]
الناس على الأحزم من الأمور، وذلك أن المتعمق في مثل هذه النازلة التارك فرصة الخروج من مثل ذلك السجن ربما ينتج له من ذلك البقاء في سجنه، وانصرفت نفس مخرجه عنه، وإن كان يوسف عليه السلام أمن من ذلك بعلمه من الله فغيره من الناس لا يأمن ذلك، فالحالة التي ذهب النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه إليها حالة حزم ومدح، وما فعله يوسف عليه السلام صبر عظيم وجلد.
وقوله: {إن ربي بكيدهن عليم} يحتمل أن يريد بالرب الله عز وجل، وفي الآية وعيد -على هذا- وتهديد، ويحتمل أن يريد بالرب العزيز مولاه، ففي ذلك استشهاد به وتقريع له، والضمير في "بكيدهن" للنسوة المذكورات لا للجنس لأنها حالة توقيف على ذنب). [المحرر الوجيز: 5/103]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأت العزيز الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين}
المعنى: فجمع الملك النسوة وامرأة العزيز معهن، وقال لهن: ما خطبكن الآية، أي: أي شيء كانت قصتكن؟ فهو استدعاء منه أن يعلمنه القصة، فجاوب النساء بجواب جيد تظهر منه براءة أنفسهن جملة، وأعطين يوسف بعض براءة، وذلك أن الملك لما قرر لهن أنهن راودنه قلن -جوابا عن ذلك-: حاش لله، وقد يحتمل -على بعد- أن يكون قولهن: {حاش لله} في جهة يوسف عليه السلام، وقولهن: {ما علمنا عليه من سوء} ليس بإبراء تام، وإنما كان الإبراء التام وصف القصة على وجهها حتى يتقرر الخطأ في جهتين، ولو قلن: (ما علمنا عليه إلا خيرا) لكان أدخل في التبرئة، وقد بوب البخاري على هذه الألفاظ على أنها تزكية، وأدخل قول أسامة بن زيد في حديث الإفك: (أهلك ولا نعلم إلا خيرا)، وأما مالك رحمه الله فلا يقنع بهذا في تزكية الشاهد؛ لأنه ليس بإثبات العدالة.
قال بعض المفسرين: فلما سمعت زوجة العزيز مقالتهن وحيدتهن عن الوقوع في
[المحرر الوجيز: 5/103]
الخزي حضرتها نية وتحقيق فقالت: الآن حصحص الحق. و"حصحص" معناه: تبين بعد خفائه، كذا قال الخليل وغيره، وقيل: هو مأخوذ من الحصة، أي بانت حصته من حصة الباطل، ثم أقرت على نفسها بالمراودة، والتزمت الذنب، وأبرأت يوسف البراءة التامة). [المحرر الوجيز: 5/104]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين}
قالت جماعة من أهل التأويل: هذه المقالة هي من يوسف عليه السلام، أي: ذلك ليعلم العزيز سيدي أني لم أخنه في أهله وهو غائب، وليعلم أيضا أن الله تعالى لا يهدي كيد خائن ولا يرشد سعيه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والهدى للكيد مستعار، بمعنى: لا يكلمه ولا يمضيه على طريق إصابة، ورب كيد مهدي إذا كان من تقي في مصلحة.
واختلفت هذه الجماعة فقال ابن جريج: هذه المقالة من يوسف عليه السلام هي متصلة بقوله للرسول: {إن ربي بكيدهن عليم} وفي الكلام تقديم وتأخير؛ فالإشارة بقوله: "ذلك" -على هذا التأويل- هي إلى بقائه في السجن والتماسه البراءة، أي: هذا ليعلم سيدي أني لم أخنه، وقال بعضهم: إنما قال يوسف هذه المقالة حين قالت امرأة العزيز كلامها إلى قولها: {وإنه لمن الصادقين}، فالإشارة -على هذا- إلى إقرارها وصنيع الله تعالى فيه. وهذا يضعف؛ لأنه يقتضي حضوره مع النسوة عند الملك، وبعد هذا يقول الملك: ائتوني به.
[المحرر الوجيز: 5/104]
وقالت فرقة من أهل التأويل: هذه الآية من قول امرأة العزيز، وكلامها متصل، أي: قولي هذا وإقراري ليعلم يوسف أني لم أخنه في غيبته، بأن أكذب عليه أو أرميه بذنب هو بريء منه، والتقدير -على هذا التأويل-: توبتي وإقراري ليعلم أني لم أخنه وأن الله لا يهدي ... وعلى أن الكلام من يوسف يجيء التقدير: وليعلم أن الله لا يهدي كيد الخائنين). [المحرر الوجيز: 5/105]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله عز وجل: {وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم}
هذه أيضا مختلف فيها هل هي من كلام يوسف أم من كلام المرأة، حسب التي قبلها؟
فمن قال: "من كلام يوسف " روى في ذلك عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لما قال يوسف: أني لم أخنه بالغيب قال له جبريل: "ولا حين هممت وحللت سراويلك؟!"، وقال نحوه ابن عباس، وابن جبير، وعكرمة، والضحاك. وروي أن المرأة قالت له ذلك، قاله السدي، وروي أن يوسف تذكر من تلقائه ما كان هم به فقال: وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء، قاله ابن عباس رضي الله عنهما- أيضا.
ومن قال: "إن المرأة قالت: وما أبرئ نفسي " فوجه كلامها الاعتذار عن وقوعها فيما يقع فيه البشر من الشهوات، كأنها قالت: وما هذا ببدع ولا ذلك بنكير على البشر فأبرئ أنا منه نفسي، والنفوس أمارات بالسوء مائلة إليه.
و"أمارة" بناء مبالغة، و"ما" في قوله: {إلا ما رحم} مصدرية، هذا قول الجمهور فيها، وهو -على هذا- استثناء منقطع، أي: إلا رحمة ربي. ويجوز أن تكون بمعنى
[المحرر الوجيز: 5/105]
"من"، هذا على أن تكون "النفس" يراد بها النفوس؛ إذ النفس تجري صفة لمن يعقل كالعين والسمع، كذا قال أبو علي، فتقدير الآية: إلا النفوس التي يرحمها الله.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وإذا "النفس" اسم جنس، فصح أن تقع "ما" مكان "من" إذ هي كذلك في صفات من يعقل وفي أجناسه، وهو نص في كلام المبرد، وهو -عندي- معنى كلام سيبويه، وهو مذهب أبي علي، ذكره في "البغداديات".
ويجوز أن تكون "ما" ظرفية، المعنى: إن النفس لأمارة بالسوء إلا مدة رحمة الله العبد وذهابه عن اشتهاء المعاصي.
ثم ترجى في آخر الآية بقوله: {إن ربي غفور رحيم}). [المحرر الوجيز: 5/106]

رد مع اقتباس