عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 14 ذو القعدة 1439هـ/26-07-2018م, 02:33 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة إنما يبلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون}
شبهت هذه الآية الذي يحلف أو يعاهد أو يبرم عقده بالمرأة التي تغزل غزلها وتفتله محكما، وشبه الذي ينقض عهده بعد الإحكام بتلك الغازلة إذا نقضت قوي ذلك الغزل
[المحرر الوجيز: 5/402]
فحلته بعد إبرامه، ويروى أن امرأة حمقاء كانت بمكة تسمى ريطة بنت سعد كانت تفعل ذلك، فبها وقع التشبيه، قاله عبد الله بن كثير، والسدي، ولم يسميا المرأة، وقيل: كانت امرأة موسوسة تسمى خطية تغزل عند الحجر وتفعل ذلك، وقال مجاهد، وقتادة: ذلك ضرب مثل لا على امرأة معينة. و"أنكاثا" نصب على الحال، والنكث: النقض، و"القوة" في اللغة واحدة قوى الغزل والحبل وغير ذلك مما يضفر، ومنه قول الأغلب الراجز:
حبل عجوز فتلت سبع قوى
ويظهر لي أن المراد بالقوة في الآية الشدة التي تحدث من تركيب قوى الغزل، ولو قدرناها واحدة القوى لم يكن معها ما ينتقض أنكاثا، والعرب تقول: انتكث الحبل إذا انتقضت قواه، أما إن عرف الغزل أنه قوة واحدة ولكن لها أجزاء كأنها قوة كثيرة له، قال مجاهد: المعنى: من بعد إمرار قوة.
و "الدخل": الدغل بعينه، وهي الذرائع إلى الخدع والغدر، وذلك أن المحلوف له مطمئن فيتمكن الحالف من ضره بما يريد.
وقوله: {أن تكون أمة}، قال المفسرون: نزلت هذه الآية في العرب الذين كانت القبيلة منهم إذا حالفت الأخرى، ثم جاءت إحداهما قبيلة كبيرة قوية فداخلتها غدرت الأولى ونقضت معها ورجعت إلى هذه الكبرى، فقال الله تعالى: لا تنقضوا العهود من أجل أن تكون قبيلة أزيد من قبيلة في العدد والعدة، و"الربا": الزيادة، ويحتمل أن
[المحرر الوجيز: 5/403]
يكون القول معناه: لا تنقضوا الأيمان من أجل أن تكونوا أربى من غيركم، أي: أزيد خيرا، فمعناه: لا تطلبوا الزيادة بعضكم على بعض بنقض العهود. و"يبلوكم" معناه: يختبركم، والضمير في "به" يحتمل أن يعود على الوفاء الذي أمر الله به، ويحتمل أن يعود على الربا، أي أن الله ابتلى عباده بالتحاسد وطلب بعضهم الظهور على بعض، واختبرهم بذلك ليرى من يجاهد نفسه ممن يتبعها هواها، وباقي الآية وعيد بين بيوم القيامة.
وقوله: {هي أربى}، موضع "أربى" عند البصريين رفع، وعند الكوفيين نصب، و"هي" عماد، ولا يجوز العماد هنا عند البصريين; لأنه لا يكون مع النكرة، و"أمة" نكرة، وحجة الكوفيين أن "أمة" وما جرى مجراها من أسماء الأجناس تنكيرها قريب من التعريف، ألا ترى أن إدخال الألف واللام عليها لا يخصصها كبير تخصيص؟ وفي هذا نظر). [المحرر الوجيز: 5/404]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (93)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة} الآية. أخبر الله تعالى في هذه الآية أنه يبتلي عباده بالأوامر والنواهي ليذهب كل أحد إلى ما يسر له، وذلك منه تعالى بحق الملك، ولا يسأل عما يفعل، ولو شاء لكان الناس كلهم في طريق واحد، إما في هدى وإما في ضلالة، ولكنه تعالى شاء أن يفرق بينهم، ويخص قوما بالسعادة وقوما بالشقاوة. و"يضل" و"يهدي" معناه: "يخلق ذلك في القلوب" خلافا لقول المعتزلة، ثم توعد في آخر الآية بسؤال كل أحد يوم القيامة عن عمله، وهذا سؤال توبيخ، وليس ثم سؤال تفهم، وذلك هو المنفي في آيات). [المحرر الوجيز: 5/404]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا إنما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون ما عندكم ينفد وما عند الله باق ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}
كرر النهي عن اتخاذ الأيمان تهمما بذلك، ومبالغة في النهي عنه لعظم موقعه من
[المحرر الوجيز: 5/404]
الدين، وتردده في معاشرات الناس، و"الدخل" -كما قلنا- الغوائل. وقوله: {فتزل قدم بعد ثبوتها} استعارة للمستقيم الحال يقع في شر عظيم ويسقط فيه; لأن القدم إذا زلت نقلت الإنسان من حال خير إلى حال شر، ومن هذا المعنى قول كثير:
فلما توافينا ثبت وزلت
أي: تنقلت من حال إلى حال، فاستعار لها الزلل، ومنه يقال لمن أخطأ في الشيء: زل فيه. ثم توعد بعد بعذاب في الدنيا وعذاب عظيم في الآخرة. وقوله: {بما صددتم عن سبيل الله} يدل على أن الآية فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم). [المحرر الوجيز: 5/405]

رد مع اقتباس