عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 29 ذو الحجة 1439هـ/9-09-2018م, 05:09 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (58)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإن من قريةٍ إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذّبوها عذابًا شديدًا كان ذلك في الكتاب مسطورًا (58)}.
هذا إخبارٌ من اللّه عزّ وجلّ بأنّه قد حتم وقضى بما قد كتبه عنده في اللّوح المحفوظ: أنّه ما من قريةٍ إلّا سيهلكها، بأن يبيد أهلها جميعهم أو يعذّبهم {عذابًا شديدًا} إمّا بقتلٍ أو ابتلاءٍ بما يشاء، وإنّما يكون ذلك بسبب ذنوبهم وخطاياهم، كما قال عن الأمم الماضين: {وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم} [هودٍ: 101] وقال تعالى: {وكأيّن من قريةٍ عتت عن أمر ربّها ورسله فحاسبناها حسابًا شديدًا وعذّبناها عذابًا نكرًا * فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرًا} [الطلاق: 7، 8]). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 89]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآَيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآَتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (59)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذّب بها الأوّلون وآتينا ثمود النّاقة مبصرةً فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفًا (59)}.
قال سنيد، عن حمّاد بن زيدٍ، عن أيّوب، عن سعيد بن جبير قال: قال المشركون: يا محمّد، إنّك تزعم أنّه كان قبلك أنبياء، فمنهم من سخّرت له الرّيح، ومنهم من كان يحيي الموتى، فإن سرّك أن نؤمن بك ونصدّقك، فادع ربّك أن يكون لنا الصّفا ذهبًا. فأوحى اللّه إليه: "إنّي قد سمعت الّذي قالوا، فإن شئت أن نفعل الّذي قالوا، فإن لم يؤمنوا نزل العذاب؛ فإنّه ليس بعد نزول الآية مناظرةٌ، وإن شئت أن نستأني بقومك استأنيت بهم؟ " قال: "يا ربّ، استأن بهم".
وكذا قال قتادة، وابن جريجٍ، وغيرهما.
قال الإمام أحمد: حدّثنا عثمان بن محمّدٍ، حدّثنا جريرٌ، عن الأعمش، عن جعفر بن إياسٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: سأل أهل مكّة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أن يجعل لهم الصّفا ذهبًا، وأن ينحّي الجبال عنهم فيزرعوا، فقيل له: إن شئت أن نستأني بهم، وإن شئت أن نؤتيهم الّذي سألوا، فإن كفروا أهلكوا كما أهلكت من كان قبلهم من الأمم: قال: "لا بل استأن بهم". وأنزل اللّه: {وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذّب بها الأوّلون وآتينا ثمود النّاقة مبصرةً} رواه النّسائيّ من حديث جريرٍ، به.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرّحمن، حدّثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن عمران أبي الحكيم، عن ابن عبّاسٍ قال: قالت قريشٌ للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ادع لنا ربّك أن يجعل لنا الصّفا ذهبًا، ونؤمن بك. قال: "وتفعلون؟ " قالوا: نعم. قال: فدعا فأتاه جبريل فقال: إنّ ربّك يقرأ عليك السّلام ويقول لك: إن شئت أصبح الصّفا لهم ذهبًا، فمن كفر منهم بعد ذلك عذّبته عذابًا لا أعذّبه أحدًا من العالمين، وإن شئت فتحت لهم باب التّوبة والرّحمة. فقال: "بل باب التّوبة والرّحمة".
وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده: حدّثنا محمّد بن إسماعيل بن عليٍّ الأنصاريّ، حدّثنا خلف ابن تميمٍ المصّيصيّ، عن عبد الجبّار بن عمّارٍ الأيليّ، عن عبد اللّه بن عطاء بن إبراهيم، عن جدّته أمّ عطاءٍ مولاة الزّبير بن العوّام قالت: سمعت الزّبير يقول: لمّا نزلت: {وأنذر عشيرتك الأقربين} [الشّعراء: 214] صاح رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على أبي قبيس: "يا آل عبد منافٍ، إنّي نذيرٌ! " فجاءته قريشٌ فحذّرهم وأنذرهم، فقالوا: تزعم أنّك نبيٌّ يوحى إليك، وأنّ سليمان سخّر له الرّيح والجبال، وأنّ موسى سخّر له البحر، وأنّ عيسى كان يحيي الموتى، فادع اللّه أن يسيّر عنّا هذه الجبال، ويفجّر لنا الأرض أنهارًا، فنتّخذها محارث فنزرع ونأكل، وإلّا فادع اللّه أن يحيي لنا موتانا فنكلّمهم ويكلّمونا، وإلّا فادع اللّه أن يصيّر لنا هذه الصّخرة الّتي تحتك ذهبًا، فننحت منها، وتغنينا عن رحلة الشّتاء والصّيف، فإنّك تزعم أنّك كهيئتهم! قال: فبينا نحن حوله، إذ نزل عليه الوحي، فلمّا سرّي عنه قال: "والّذي نفسي بيده، لقد أعطاني ما سألتم، ولو شئت لكان، ولكنّه خيّرني بين أن تدخلوا باب الرّحمة، فيؤمّن مؤمنكم، وبين أن يكلكم إلى ما اخترتم لأنفسكم، فتضلّوا عن باب الرّحمة، فلا يؤمّن منكم أحدٌ، فاخترت باب الرّحمة، فيؤمّن مؤمنكم. وأخبرني أنّه إن أعطاكم ذلك ثمّ كفرتم، أنّه يعذّبكم عذابًا لا يعذّبه أحدًا من العالمين" ونزلت: {وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذّب بها الأوّلون}
وحتّى قرأ ثلاث آياتٍ ونزلت: {ولو أنّ قرآنًا سيّرت به الجبال أو قطّعت به الأرض أو كلّم به الموتى} [الرّعد: 31].
ولهذا قال تعالى: {وما منعنا أن نرسل بالآيات} أي: نبعث الآيات ونأتي بها على ما سأل قومك منك، فإنّه سهلٌ علينا يسيرٌ لدينا، إلّا أنّه قد كذّب بها الأوّلون بعدما سألوها، وجرت سنّتنا فيهم وفي أمثالهم أنّهم لا يؤخّرون إذا كذّبوا بها بعد نزولها، كما قال اللّه تعالى في المائدة:: {قال اللّه إنّي منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإنّي أعذّبه عذابًا لا أعذّبه أحدًا من العالمين} [المائدة: 115] وقال تعالى عن ثمود، حين سألوا آيةً: ناقةً تخرج من صخرةٍ عيّنوها، فدعا صالحٌ ربّه، فأخرج له منها ناقةً على ما سألوا " فظلموا بها" أي: كفروا بمن خلقها، وكذّبوا رسوله وعقروا النّاقة فقال: {تمتّعوا في داركم ثلاثة أيّامٍ ذلك وعدٌ غير مكذوبٍ} [هودٍ: 65]؛ ولهذا قال تعالى: {وآتينا ثمود النّاقة} أي: دالّةً على وحدانيّة من خلقها وصدّق الرّسول الّذي أجيب دعاؤه فيها {فظلموا بها} أي: كفروا بها ومنعوها شربها وقتلوها، فأبادهم اللّه عن آخرهم، وانتقم منهم، وأخذهم أخذ عزيزٍ مقتدرٍ.
وقوله: {وما نرسل بالآيات إلا تخويفًا} قال قتادة: إنّ اللّه خوّف النّاس بما يشاء من آياته لعلّهم يعتبرون ويذّكّرون ويرجعون، ذكر لنا أنّ الكوفة رجفت على عهد ابن مسعودٍ فقال: يا أيّها النّاس، إن ربّكم يستعتبكم فأعتبوه.
وهكذا روي أنّ المدينة زلزلت على عهد عمر بن الخطّاب مرّاتٍ، فقال عمر: أحدثتم، واللّه لئن عادت لأفعلنّ ولأفعلنّ. وكذا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في الحديث المتّفق عليه: "إنّ الشّمس والقمر آيتان من آيات اللّه، وإنّهما لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، ولكنّ اللّه، عزّ وجلّ، يرسلهما يخوّف بهما عباده، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره". ثمّ قال: " يا أمّة محمّدٍ، واللّه ما أحدٌ أغير من اللّه أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمّة محمّدٍ، واللّه لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا"). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 89-91]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا (60)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإذ قلنا لك إنّ ربّك أحاط بالنّاس وما جعلنا الرّؤيا الّتي أريناك إلا فتنةً للنّاس والشّجرة الملعونة في القرآن ونخوّفهم فما يزيدهم إلا طغيانًا كبيرًا (60)}.
يقول تعالى لرسوله صلّى اللّه عليه وسلّم محرّضًا له على إبلاغ رسالته، ومخبرًا له بأنّه قد عصمه من النّاس، فإنّه القادر عليهم، وهم في قبضته وتحت قهره وغلبته.
قال مجاهدٌ، وعروة بن الزّبير، والحسن، وقتادة، وغيرهم في قوله: {وإذ قلنا لك إنّ ربّك أحاط بالنّاس} أي: عصمك منهم.
وقوله: {وما جعلنا الرّؤيا الّتي أريناك إلا فتنةً للنّاس} قال البخاريّ: حدّثنا عليّ بن عبد اللّه، حدّثنا سفيان، عن عمرٍو، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {وما جعلنا الرّؤيا الّتي أريناك إلا فتنةً للنّاس} قال: هي رؤيا عينٍ أريها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليلة أسري به {والشّجرة الملعونة في القرآن} شجرة الزّقّوم.
وكذا رواه أحمد، وعبد الرّزّاق، وغيرهما، عن سفيان بن عيينة به، وكذا رواه العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ، وهكذا فسّر ذلك بليلة الإسراء: مجاهدٌ، وسعيد بن جبيرٍ، والحسن، ومسروقٌ، وإبراهيم، وقتادة، وعبد الرّحمن بن زيدٍ، وغير واحدٍ. وقد تقدّمت أحاديث الإسراء في أوّل السّورة مستقصاةً، وللّه الحمد والمنّة. وتقدّم أنّ ناسًا رجعوا عن دينهم بعدما كانوا على الحقّ؛ لأنّه لم تحمل قلوبهم وعقولهم ذلك، فكذّبوا بما لم يحيطوا بعلمه، وجعل اللّه ذلك ثباتًا ويقينًا لآخرين؛ ولهذا قال: {إلا فتنةً} أي: اختبارًا وامتحانًا. وأمّا "الشّجرة الملعونة"، فهي شجرة الزّقّوم، كما أخبرهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه رأى الجنّة والنّار، ورأى شجرة الزّقّوم، فكذّبوا بذلك حتّى قال أبو جهلٍ لعنه اللّه [بقوله] هاتوا لنا تمرًا وزبدًا، وجعل يأكل هذا بهذا ويقول: تزقّموا، فلا نعلم الزّقّوم غير هذا.
حكى ذلك ابن عبّاسٍ، ومسروقٌ، وأبو مالكٍ، والحسن البصريّ، وغير واحدٍ، وكلّ من قال: إنّها ليلة الإسراء، فسّره كذلك بشجرة الزّقّوم.
وقد قيل: المراد بالشّجرة الملعونة: بنو أميّة. وهو غريبٌ ضعيفٌ.
قال ابن جريرٍ: حدّثت عن محمّد بن الحسن بن زبالة، حدّثنا عبد المهيمن بن عبّاس بن سهل بن سعدٍ، حدّثني أبي عن جدّي قال: رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بني فلانٍ ينزون على منبره نزو القرود فساءه ذلك، فما استجمع ضاحكًا حتّى مات. قال: وأنزل اللّه في ذلك: {وما جعلنا الرّؤيا الّتي أريناك إلا فتنةً للنّاس} الآية.
وهذا السّند ضعيفٌ جدًّا؛ فإنّ "محمّد بن الحسن بن زبالة" متروكٌ، وشيخه أيضًا ضعيفٌ بالكلّيّة. ولهذا اختار ابن جريرٍ: أنّ المراد بذلك ليلة الإسراء، وأنّ الشّجرة الملعونة هي شجرة الزّقّوم، قال: لإجماع الحجّة من أهل التّأويل على ذلك، أي: في الرّؤيا والشّجرة.
وقوله: {ونخوّفهم} أي: الكفّار بالوعيد والعذاب والنّكال {فما يزيدهم إلا طغيانًا كبيرًا} أي: تماديًا فيما هم فيه من الكفر والضّلال. وذلك من خذلان الله لهم). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 91-92]

رد مع اقتباس