عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 14 ذو الحجة 1435هـ/8-10-2014م, 10:24 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال: {ضرب اللّه مثلا للّذين كفروا} أي: في مخالطتهم المسلمين ومعاشرتهم لهم، أنّ ذلك لا يجدي عنهم شيئًا ولا ينفعهم عند اللّه، إن لم يكن الإيمان حاصلًا في قلوبهم، ثمّ ذكر المثل فقال: {امرأة نوحٍ وامرأة لوطٍ كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين} أي: نبيّين رسولين عندهما في صحبتها ليلًا ونهارًا يؤاكلانهما ويضاجعانهما ويعاشرانهما أشدّ العشرة والاختلاط {فخانتاهما} أي: في الإيمان، لم يوافقاهما على الإيمان، ولا صدّقاهما في الرّسالة، فلم يجد ذلك كله شيئًا، ولا دفع عنهما محذورًا؛ ولهذا قال: {فلم يغنيا عنهما من اللّه شيئًا} أي: لكفرهما، {وقيل} أي: للمرأتين: {ادخلا النّار مع الدّاخلين} وليس المراد: {فخانتاهما} في فاحشةٍ، بل في الدّين، فإنّ نساء الأنبياء معصوماتٌ عن الوقوع في الفاحشة؛ لحرمة الأنبياء، كما قدّمنا في سورة النّور.
قال سفيان الثّوريّ، عن موسى بن أبي عائشة، عن سليمان بن قتّة: سمعت ابن عبّاسٍ يقول في هذه الآية {فخانتاهما} قال: ما زنتا، أمّا امرأة نوحٍ فكانت تخبر أنّه مجنونٌ، وأمّا خيانة امرأة لوطٍ فكانت تدلّ قومها على أضيافه.
وقال العوفي، عن ابن عبّاسٍ قال: كانت خيانتهما أنّهما كانتا على عورتيهما فكانت امرأة نوح تطلع على سرّ نوح، فإذا آمن مع نوحٍ أحدٌ أخبرت الجبابرة من قوم نوحٍ به، وأمّا امرأة لوطٍ فكانت إذا أضاف لوطٌ أحدًا أخبرت به أهل المدينة ممّن يعمل السّوء.
وهكذا قال عكرمة، وسعيد بن جبيرٍ، والضّحّاك، وغيرهم.
[وقال الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ: ما بغت امرأة نبيٍّ قطّ، إنّما كانت خيانتهما في الدّين].
وقد استدلّ بهذه الآية الكريمة بعض العلماء على ضعف الحديث الّذي يأثره كثيرٌ من النّاس: من أكل مع مغفورٍ له غفر له. وهذا الحديث لا أصل له، وإنّما يروى هذا عن بعض الصّالحين أنّه رأى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في المنام فقال: يا رسول اللّه، أنت قلت: من أكل مع مغفورٍ له غفر؟ قال: "لا ولكنّي الآن أقوله"). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 171]

تفسير قوله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وضرب اللّه مثلًا للّذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت ربّ ابن لي عندك بيتًا في الجنّة ونجّني من فرعون وعمله ونجّني من القوم الظّالمين (11) ومريم ابنت عمران الّتي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدّقت بكلمات ربّها وكتبه وكانت من القانتين (12)}
وهذا مثلٌ ضربه اللّه للمؤمنين أنّهم لا تضرّهم مخالطة الكافرين إذا كانوا محتاجين إليهم، كما قال تعالى: {لا يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من اللّه في شيءٍ إلا أن تتّقوا منهم تقاةً} [آل عمران: 28].
قال: قتادة كان فرعون أعتى أهل الأرض وأبعده فواللّه ما ضرّ امرأته كفر زوجها حين أطاعت ربّها لتعلموا أنّ اللّه حكمٌ عدلٌ، لا يؤاخذ أحدًا إلّا بذنبه.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا إسماعيل بن حفصٍ الأبليّ، حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، عن سليمان التّيميّ، عن أبي عثمان النّهديّ عن سلمان قال: كانت امرأة فرعون تعذّب في الشّمس، فإذا انصرف عنها أظلّتها الملائكة بأجنحتها، وكانت ترى بيتها في الجنّة.
ثمّ رواه عن محمّد بن عبيدٍ المحاربيّ عن أسباط بن محمّدٍ، عن سليمان التّيميّ، به.
ثمّ قال ابن جريرٍ: حدّثني يعقوب بن إبراهيم، حدّثنا ابن عليّة، عن هشامٍ الدّستوائي، حدّثنا القاسم بن أبي بزّة قال: كانت امرأة فرعون تسأل: من غلب؟ فيقال: غلب موسى وهارون. فتقول: آمنت بربّ موسى وهارون، فأرسل إليها فرعون فقالت: انظروا أعظم صخرةٍ تجدونها، فإن مضت على قولها فألقوها عليها، وإن رجعت عن قولها فهي امرأته، فلمّا أتوها رفعت بصرها إلى السّماء فأبصرت بيتها في الجنّة، فمضت على قولها، وانتزع روحها، وألقيت الصّخرة على جسدٍ ليس فيه روحٌ.
فقولها: {ربّ ابن لي عندك بيتًا في الجنّة} قال العلماء: اختارت الجار قبل الدّار. وقد ورد شيءٌ من ذلك في حديثٍ مرفوعٍ، {ونجّني من فرعون وعمله} أي: خلّصني منه، فإنّي أبرأ [إليك] من عمله، {ونجّني من القوم الظّالمين} وهذه المرأة هي آسية بنت مزاحمٍ، رضي اللّه عنها.
وقال أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية قال: كان إيمان امرأة فرعون من قبل إيمان امرأة خازن فرعون، وذلك أنّها جلست تمشّط ابنة فرعون، فوقع المشط من يدها، فقالت تعس من كفر باللّه؟ فقالت لها ابنة فرعون: ولك ربٌّ غير أبي؟ قالت: ربّي وربّ أبيك وربّ كلّ شيءٍ الله. فلطمتها بنت فرعون وضربتها، وأخبرت أباها، فأرسل إليها فرعون فقال: تعبدين ربًّا غيري؟ قالت: نعم، ربّي وربّك وربّ كلّ شيءٍ اللّه. وإيّاه أعبد فعذّبها فرعون وأوتد لها أوتادًا فشدّ رجليها ويديها وأرسل عليها الحيّات، وكانت كذلك، فأتى عليها يومًا فقال لها: ما أنت منتهيةٌ؟ فقالت له: ربّي وربّك ورب كلّ شيءٍ اللّه. فقال لها: إنّي ذابحٌ ابنك في فيك إن لم تفعلي. فقالت له: اقض ما أنت قاضٍ. فذبح ابنها في فيها، وإنّ روح ابنها بشّرها، فقال لها: أبشري يا أمّه، فإنّ لك عند اللّه من الثّواب كذا وكذا. فصبرت ثمّ أتى [عليها] فرعون يومًا آخر فقال لها مثل ذلك، فقالت له، مثل ذلك، فذبح ابنها الآخر في فيها، فبشّرها روحه أيضًا، وقال لها. اصبري يا أمّه فإنّ لك عند اللّه من الثّواب كذا وكذا. قال: وسمعت امرأة فرعون كلام روح ابنها الأكبر ثمّ الأصغر، فآمنت امرأة فرعون، وقبض اللّه روح امرأة خازن فرعون، وكشف الغطاء عن ثوبها ومنزلتها وكرامتها في الجنّة لامرأة فرعون حتّى رأت فازدادت إيمانًا ويقينًا وتصديقًا، فاطّلع فرعون على إيمانها، فقال للملإ ما تعلمون من آسية بنت مزاحمٍ؟ فأثنوا عليها، فقال لهم: إنّها تعبد غيري. فقالوا له: اقتلها. فأوتد لها أوتادًا فشدّ يديها ورجليها، فدعت آسية ربّها فقالت: {ربّ ابن لي عندك بيتًا في الجنّة} فوافق ذلك أن حضرها، فرعون فضحكت حين رأت بيتها في الجنّة، فقال فرعون: ألا تعجبون من جنونها، إنّا نعذّبها وهي تضحك، فقبض اللّه روحها، رضي اللّه عنها). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 171-173]

تفسير قوله تعالى: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ومريم ابنت عمران الّتي أحصنت فرجها} أي حفظته وصانته. والإحصان: هو العفاف والحرّيّة، {فنفخنا فيه من روحنا} أي: بواسطة الملك، وهو جبريل، فإنّ اللّه بعثه إليها فتمثّل لها في صورة بشرٍ سوي، وأمره اللّه تعالى أن ينفخ بفيه في جيب درعها، فنزلت النّفخة فولجت في فرجها، فكان منه الحمل بعيسى، عليه السّلام. ولهذا قال: {فنفخنا فيه من روحنا وصدّقت بكلمات ربّها وكتبه} أي: بقدره وشرعه {وكانت من القانتين}
قال الإمام أحمد: حدّثنا يونس، حدّثنا داود بن أبي الفرات، عن علباء، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: خطّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في الأرض أربعة خطوطٍ، وقال: "أتدرون ما هذا؟ " قالوا: اللّه ورسوله أعلم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أفضل نساء أهل الجنّة: خديجة بنت خويلدٍ، وفاطمة بنت محمّدٍ، ومريم ابنة عمران، وآسية بنت مزاحمٍ امرأة فرعون".
وثبت في الصّحيحين من حديث شعبة، عن عمرو بن مرة، عن مرّة الهمدانيّ، عن أبي موسى الأشعريّ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "كمل من الرّجال كثيرٌ، ولم يكمل من النّساء إلّا آسية امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران، وخديجة بنت خويلد، وإنّ فضل عائشة على النّساء كفضل الثّريد على سائر الطّعام".
وقد ذكرنا طرق هذه الأحاديث وألفاظها والكلام عليها في قصّة عيسى ابن مريم، عليهما السّلام، في كتابنا "البداية والنّهاية" وللّه الحمد والمنّة وذكرنا ما ورد من الحديث من أنّها تكون هي وآسية بنت مزاحمٍ من أزواجه، عليه السّلام، في الجنة عند قوله: {ثيّباتٍ وأبكارًا}). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 173]


رد مع اقتباس