الموضوع: سورة المائدة
عرض مشاركة واحدة
  #15  
قديم 6 رجب 1434هـ/15-05-2013م, 03:18 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

قوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ‌ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَ‌انِ مِنْ غَيْرِ‌كُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَ‌بْتُمْ فِي الْأَرْ‌ضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ ۚ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّـهِ إِنِ ارْ‌تَبْتُمْ لَا نَشْتَرِ‌ي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْ‌بَىٰ ۙ وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّـهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الْآثِمِينَ(106)}

قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (الآية السابعة: قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم...} الآية [106 مدنية / المائدة / 5] أجاز الله تعالى شهادة الذميين على صفة في السفر ثم يسخ ذلك قوله: {وأشهدوا ذوي عدل منكم} [2 مدنية / الطلاق / 65] وبطلت شهادة أهل الذمة في السفر والحضر.).[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 35-37]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (باب ذكر الآية السّابعةقال اللّه جلّ وعزّ {يا أيّها الّذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصيّة اثنان ذوا عدلٍ منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم} [المائدة: 106] الآية
للصّحابة والتّابعين والفقهاء في هذه الآية خمسة أقوالٍ
منها أنّ شهادة أهل الكتاب على المسلمين جائزةٌ في السّفر إذا كانت وصيّةً
وقال قومٌ كان هذا هكذا ثمّ نسخ ولا تجوز شهادة كافرٍ بحالٍ
وقال قومٌ الآية كلّها في المسلمين إذا شهدوا فهذه ثلاثة أقوالٍ
والقول الرّابع: أنّ هذا ليس في الشّهادة الّتي تؤدّى وإنّما الشّهادة هاهنا بمعنى الحضور
والقول الخامس: أنّ الشّهادة هاهنا بمعنى اليمين
فالقول الأوّل: عن رجلين من الصّحابة عبد اللّه بن قيسٍ وعبد الله بن عباس:
كما حدّثنا بكر بن سهلٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ، قال: وقوله جلّ وعزّ: {يا أيّها الّذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصيّة اثنان ذوا عدلٍ منكم} [المائدة: 106] " فهذا لمن مات وعنده المسلمون فأمره اللّه تعالى أن يشهد على وصيّته عدلين من المسلمين، ثمّ قال تعالى: {أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت} [المائدة: 106] فهذا لمن مات وليس عنده أحدٌ من المسلمين فأمره اللّه تعالى بشهادة رجلين من غير المسلمين فإن ارتيب بشهادتهما استحلفا بعد الصّلاة باللّه تعالى لم نشتر بشهادتنا ثمنًا قليلًا، فإن اطّلع الأولياء على أنّ الكافرين كذّبا حلفًا باللّه جلّ وعزّ أنّ شهادة الكافرين باطلةٌ وأنّا لم نعتدّ فذلك قوله جلّ وعزّ {فإن عثر على أنّهما استحقّا إثمًا فآخران يقومان مقامهما من الّذين استحقّ عليهم الأوليان} [المائدة: 107] يقول إذا اطّلع على أنّهما كذبا قام الأوليان فحلفا أنّهما كذبا يقول اللّه تعالى {ذلك أدنى} [المائدة: 108] أن يأتي الكافران {بالشّهادة على وجهها أو يخافوا أن تردّ أيمانٌ بعد أيمانهم} [المائدة: 108] فتترك شهادة الكافرين ويحكم بشهادة الأولياء
وليس على شهود المسلمين إقسامٌ إنّما الإقسام إذا كانا كافرين "
فهذا قول ابن عبّاسٍ مشروحًا مبيّنًا لا يحتاج إلى زيادةٍ شرحٍ
وقال به من التّابعين جماعةٌ منهم شريحٌ قال تجوز شهادة أهل الكتاب على المسلمين في السّفر إذا كانت وصيّةً
وهو قول سعيد بن المسيّب، وسعيد بن جبيرٍ، وعبيدة ومحمّد بن سيرين، والشّعبيّ، ويحيى بن يعمر، وقتادة، والسّدّيّ، وقال به من الفقهاء
سفيان الثّوريّ ومال إليه أبو عبيدة لكثرة من قال به والقول الثّاني إنّ الآية منسوخةٌ وإنّه لا تجوز شهادة كافرٍ بحالٍ كما لا تجوز شهادة فاسقٍ قول زيد بن أسلم، ومالك بن أنسٍ، والشّافعيّ وقول أبي حنيفة أيضًا أنّها منسوخةٌ ولا تجوز عنده شهادة الكفّار على المسلمين غير أنّه خالف من تقدّم ذكره بأنّه أجاز شهادة الكفّار بعضهم على بعضٍ
والقول الثّالث: إنّ الآية كلّها في المسلمين لا منسوخ فيها قول الحسن، والزّهريّ
كما قرئ على عبد اللّه بن الصّقر، عن زياد بن أيّوب، عن هشيمٍ، قال: أخبرنا منصورٌ، وغيره، عن الحسن، في قول اللّه تعالى {أو آخران من غيركم} [المائدة: 106]، قال:
«من غير عشيرتكم»
والقول الرّابع إنّ الشّهادة هاهنا بمعنى الحضور يحتجّ قائله بما يعارض به تلك الأقوال مما سنذكره وكذا القول الخامس إنّ الشّهادة بمعنى اليمين كما قال اللّه تعالى {فشهادة أحدهم أربع شهاداتٍ باللّه} [النور: 6]
فأمّا المعارضة في القول الأوّل فنصّ كتاب اللّه تعالى قال جلّ ثناؤه {ممّن ترضون من الشّهداء} [البقرة: 282] وقال تعالى: {وأشهدوا ذوي عدلٍ منكم} [الطلاق: 2] ولا يرضى الكفّار ولا يكونون ذوي عدلٍ
ويعارض بالإجماع لأنّه قد أجمع المسلمون أنّ شهادة الفسّاق لا تجوز والكفّار فسّاقٌ وأجمعوا أيضًا أنّ شهادة الكفّار لا تجوز على المسلمين في غير هذا الموضع الّذي قد اختلف فيه فيرد ما اختلف فيه إلى ما أجمع عليه وهذه احتجاجاتٌ بيّنةٌ
واحتجّ من خالفها بكثرة من قال ذلك القول وأنّه قد قاله صحابيّان وليس ذلك في غيره ومخالفة الصّحابة إلى غيرهم ينفر منه أهل العلم قال فيجعل هذا على الضّرورة كما تقصر الصّلاة في السّفر وكما يكون التّيمّم فيه والإفطار في شهر رمضان قيل له هذه الضّرورات إنّما تكون في الحال وليس كذا الشّهادة
وعورض من قال بنسخ الآية أنّه لم يأت هذا عن أحدٍ ممّن شهد التّنزيل وأيضًا فإنّ في القولين جميعًا شيئًا من العربيّة غامضًا وذلك أنّ معنى آخر في العربيّة آخر من جنس الأوّل تقول مررت بكريمٍ وكريمٍ آخر فقولك آخر يدلّ على أنّه من جنس الأوّل ولا يجوز عند أهل العربيّة مررت بكريمٍ وخسيسٍ آخر ولا مررت برجلٍ وحمارٍ آخر فوجب من هذا أن يكون معنى اثنان ذوا عدلٍ منكم أو آخران عدلان والكفّار لا يكونون عدولًا فيصحّ على هذا قول من قال من غيركم من غير عشيرتكم من المسلمين
على أنّه قد عورض لأنّ في أوّل الآية {يا أيّها الّذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت} [المائدة: 106] فخوطب الجماعة من المؤمنين فيقال لمن عارض بهذا: هذا موجودٌ في اللّغة كثيرٌ يستغني عن الاحتجاج والقول الرّابع: إنّ
الشّهادة بمعنى الحضور معروفٌ في اللّغة، وقد احتجّ قائله بأنّ الشّاهد لا يكون عليه يمينٌ في شيءٍ من الأحكام غير هذا المختلف فيه فيردّ ما اختلف فيه إلى ما اجتمع عليه لأنّه يقال شهدت وصيّة فلانٍ أي حضرت
والقول الخامس: أنّ الشّهادة بمعنى اليمين معروفٌ يكون التّقدير فيه شهادة أحدكم أي يمين أحدكم أن يحلف اثنان وحقيقته في العربيّة: يمين اثنين مثل {واسأل القرية} [يوسف: 82]
قرئ على عليّ بن سعيد بن بشيرٍ الرّازيّ، عن صالح بن عبد اللّه التّرمذيّ، قال حدّثنا يحيى بن أبي زائدة، عن محمّد بن أبي القاسم، عن عبد الملك بن سعيد بن جبيرٍ، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: " كان تميمٌ الدّاريّ، وعديّ بن بدّاءٍ يختلفان إلى مكّة للتّجارة فخرج معهم رجلٌ من بني سهمٍ فتوفّي بأرضٍ ليس بها مسلمٌ فأوصى إليهما فدفعا تركته إلى أهله وحبسا جامًا من فضّةٍ مخوّصًا بالذّهب ففقده أولياء السّهميّ من تركته فأتوا رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فاستحلفهما رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم ما كتمنا ولا اطّلعنا ثمّ عرف الجام بمكّة فقالوا: اشتريناه من تميمٍ، وعديٍّ فقام رجلان من أولياء السّهميّ فحلفا باللّه تعالى: إنّ هذا لجام السّهميّ ولشهادتنا أحقّ من شهادتهما وما اعتدينا أنّا إذًا لمن الظّالمين فأخذ الجام وفيهم نزلت هذه الآية "
وقرئ على عليّ بن سعيد بن بشيرٍ، عن أبي مسلمٍ الحسن بن أحمد بن أبي شعيبٍ الحرّانيّ، قال: حدّثنا محمّد بن سلمة، قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق، عن أبي النّضر، عن زاذان، مولى أمّ هانئٍ بنت أبى طالبٍ، عن ابن عبّاسٍ، عن تميمٍ الدّاريّ، في قوله تعالى {يا أيّها الّذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت} [المائدة: 106] قال: " برئ النّاس منها غيري وغير عديّ بن بدّاءٍ وكانا نصرانيّين يختلفان إلى الشّام قبل الإسلام فأتيا الشّام لتجارتهما وقدم عليهما مولًى لبني سهمٍ يقال له برير بن أبي مريم لتجارةٍ ومعه جامٌ من فضّةٍ يريد به الملك وهو عظم تجارته فمرض فأوصى إليهما وأمرهما أن
يبلغا ما ترك أهله، قال تميمٌ: فلمّا مات أخذنا ذلك الجام فبعناه بألف درهمٍ ثمّ اقتسمناه أنا وعديّ بن بدّاءٍ فلمّا قدمنا إلى أهله دفعنا إليهم ما كان معنا، وفقدوا الجام فسألوا عنه فقلنا ما ترك غير هذا وما دفع إلينا غيره قال: فلمّا أسلمت بعد قدوم رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم المدينة تأثّمت من ذلك فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر وأدّيت إليهم خمسمائة درهمٍ وأخبرتهم أنّ عند صاحبيٍّ مثلها فوثبوا إليه فأتوا به رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فسألهم البيّنة فلم يجدوا فأمرهم أن يستحلفوه بما يعظّم به على أهل دينه فحلف فأنزل اللّه تعالى {يا أيّها الّذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصيّة} [المائدة: 106] قرأ إلى قوله تعالى {أن تردّ أيمانٌ بعد أيمانهم} [المائدة: 108] فقام عمرو بن العاص ورجلٌ آخر منهم فحلفا فنزعت الخمسمائة درهمٍ من عديّ بن بدّاءٍ "
قال أبو جعفرٍ: فهذا ما في الآية وما بعدها من القصّة من الآثار واختلاف العلماء والنّظر ثمّ نبيّنهما على ما هو أصحّ من ذلك الّذي ذكرناه قال أبو جعفرٍ: الأبين في هذا أن تكون شهادة بينكم قسمٌ بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصيّة أن يقسم اثنان ذوا عدلٍ منكم أو آخران من غيركم
وللعلماء في أو هنا قولان
فمنهم من قال أو هاهنا للتّعقيب وأنّه إذا وجد اثنين ذوي عدلٍ من المسلمين لم يجز له أن يشهد كافرين وهذا القول يروى عن سعيد بن المسيّب، وسعيد بن جبيرٍ، والشّعبيّ، وإبراهيم، وقتادة ومنهم من قال أو هاهنا للتّخيير لأنّها إنّما هي وصيّةٌ وقد يكون الموصي يرى أو يسند وصيّته إلى كافرين أو أجنبيّين وهذا القول أنّ أو للتّخيير هو القول البيّن الظّاهر
{إن أنتم ضربتم في الأرض} [المائدة: 106] قال ابن زيدٍ: «أي سافرتم وكذا هو
في اللّغة وفي الكلام حذفٌ مستدلٌّ عليه أي إن أنتم سافرتم فأصابتكم مصيبة الموت وقد أسندتم وصيّتكم إلى اثنين ذوي عدلٍ منكم أو آخرين من غيركم فإن ارتبتم أي اتّهمتم الوصيّين والتّقدير أو آخرين من غيركم إن ارتبتم تحبسونهما من بعد الصّلاة»
واختلف العلماء في هذه الصّلاة فقال أكثرهم هي العصر فممّن قال هذا عبد اللّه بن قيسٍ الأشعريّ واستعمله وقضى به وهو قول سعيد بن المسيّب، وسعيد بن جبيرٍ، وإبراهيم، وقتادة
ومنهم من قال: هي صلاةٌ من صلواتهم في دينهم وهذا قول السّدّيّ وهو يروى عن ابن عبّاسٍ
والقول الأوّل أولى لقوله تعالى من بعد الصّلاة فجاءت معرّفةً بالألف واللّام وإذا كان بعد صلاةٍ من صلواتهم كانت نكرةً، وقد صحّ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه لاعن بين العجلانيّين بعد العصر فخصّها
بهذا ويقال إنّ أهل الكتاب أيضًا يعظّمون ذلك الوقت
فيقسمان باللّه وهما الوصيّان ولا نشتري به ثمنًا أي لا نشتري بقسمنا شيئًا نأخذه ممّا أوصى به ولا ندفعه إلى أحدٍ لو كان ذا قربى، ولا نكتم شهادة اللّه أي ولا نكتم شهادة اللّه عندنا إنّا إذًا لمن الآثمين أي إن فعلنا ذلك
{فإن عثر على أنّهما استحقّا إثمًا} [المائدة: 107] أصله من عثرت بالشّيء أي وقعت عليه أي فإن وقع على أنّهما استوجبا إثمًا بكذبهما في أيمانهما وأخذهما ما ليس لهما فآخران يقومان مقامهما أي في الأيمان من الّذين استحقّ عليهم الأوليان تقدير هذا في العربيّة مختلفٌ عند جماعةٍ من العلماء
فمنهم من قال التّقدير من الّذين استحقّ منهم الأوليان وعليهم بمعنى منهم مثل: {إذا اكتالوا على النّاس يستوفون} [المطففين: 2]
ومنهم من قال عليهم بمعنى فيهم أي من الّذين استحقّ فيهم إثم الأوليين ثمّ حذف إثم مثل: {واسأل القرية} [يوسف: 82] وهذا قول محمّد بن جريرٍ
وقال إبراهيم بن السّريّ التّقدير من الّذين استحقّ عليهم الإيصاء والأوليان بدلٌ من قوله جلّ وعزّ: {فآخران} [المائدة: 107]
قال أبو جعفرٍ: وهذا من أحسن ما قيل فيه لأنّه لا يجعل حرفًا بدلًا من حرفٍ وأيضًا فإنّ التّفسير عليه لأنّ المعنى عند أهل التّفسير من الّذين استحقّت عليهم الوصيّة والأوليان قراءة عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه وكثيرٍ من القرّاء وقراءة يحيى بن وثّابٍ، والأعمش، وحمزة الإوّلين وفيها من البعد ما لا خفاء به والأوّلين بدلٌ من الّذين
فيقسمان باللّه لشهادتنا أحقّ من شهادتهما أي لقسمنا، فصحّ أنّ معنى الشّهادة هاهنا القسم وما اعتدينا أي وما تجاوزنا الحقّ في قسمنا إنّا إذًا لمن الظّالمين أي إن كنّا حلفنا على باطلٍ وأخذنا ما ليس لنا
وصحّ من هذا كلّه أنّ الآية غير منسوخةٍ ودلّ الحديث على ذلك لأنّه
إذا أوصى رجلٌ إلى آخر فاتّهم الورثة الموصى إليه حلف الموصى إليه وبرئ فإن اطّلع على أنّ الموصى إليه خان وذلك أن يشهد شاهدٌ أو يوجد شيءٌ يعلم أنّه للميّت فيقول الموصى إليه قد اشتريته منه فيحلف الوارث ويستحقّه فقد بيّن الحديث أنّ المعنى على هذا وإن كان العلماء قد تكلّموا في استحلاف الشّاهدين هاهنا لمن وجب
فمنهم من قال: لأنّهما ادّعيا وصيّةً من الميّت وهو قول يحيى بن يعمر وهذا لا يعرف في حكم الإسلام أن يدّعي رجلٌ وصيّةً فيحلف ويأخذها
ومنهم من قال إنّما يحلفان إذا شهدا أنّ الميّت أوصى بما لا يجوز أو بماله كلّه أو لبعض الورثة وهذا أيضًا لا يعرف في الأحكام أن يحلف الشّاهد إذا شهد أنّ الموصى أوصى بما لا يجوز
ومنهم من قال إنّما يحلفان إذا اتّهما ثمّ تنقل اليمين عنهما إذا اطّلع على الخيانة كما ذكرنا
ثمّ قال تعالى: {ذلك أدنى} [المائدة: 108] أي أقرب {أن يأتوا بالشّهادة على وجهها} [المائدة: 108] وهما الموصى إليهما أو يخافوا {أن تردّ أيمانٌ بعد أيمانهم} [المائدة: 108] وهي أيمان الأوليين أي الأوليين باليمين لمّا ظهرت خيانة الموصى إليهما، وقيل هما الأوليان بالميّت {واتّقوا اللّه واسمعوا واللّه لا يهدي القوم الفاسقين} [المائدة: 108] أي اسمعوا ما يقال لكم قابلين له متّبعين أمر اللّه تعالى فيه {واللّه لا يهدي القوم الفاسقين} [المائدة: 108] أي الخارجين عن طاعة اللّه جلّ وعزّ
وقال ابن زيدٍ «كلّ فاسقٍ مذكورٌ في القرآن فمعناه الكاذب»).[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/232-315]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية السّابعة قوله تعالى {يا أيّها الّذين آمنوا شهادة بينكم} إلى قوله {ذوا عدل منكم} هذا محكم
والمنسوخ قوله تعالى {أو آخران من غيركم} كان في أول الإسلام
تقبل شهادة اليهوديّ والنّصرانيّ في السّفر ولا تقبل في الحضر وذلك أن تميما الدّاريّ وعدي بن بداء النصرانيين أرادا أن يركبا البحر فقال لهما قوم من أهل مكّة أن نخرج معكما مولى لنا نعطيه بضاعة وهم آل العاص فأبضعوه بضاعة وأخرجوه معهما فشرها إلى ما معه فأخذاه وقتلاه فلمّا رجعا إليهم قالوا ما فعل مولانا قالا مات قالوا فما كان من ماله قالا ذهب فخاصموهما إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فأنزل الله هذه الآية {أو آخران من غيركم} إلى آخر الآية ثمّ صار ذلك منسوخا بقوله {وأشهدوا ذوي عدل منكم} فصارت شهادة الذميين منسوخة في السّفر والحضر
). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 79-84]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) :(قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصيّة اثنان ذوا عدلٍ منكم أو آخران من غيركم} [المائدة: 106] الآية:
أكثر الناس على أن هذا محكمٌ غير منسوخ.
واختلف القائلون بأنها محكمة غير منسوخة في معنى قوله: {من غيركم}:
فقيل: هم أهل الكتاب: شهادتهم على الوصية خاصة في السفر جائزة عند فقد المسلمين للضرورة - وهو قول أبي موسى الأشعري، والشعبي، وابن سيرين، ومجاهد، وابن جبير، وابن المسيب، وشريح، والنخعي، والأوزاعي، وهو مروي عن ابن عباس وعائشة -.
وقيل: معنى {من غيركم}: من غير قبيلكم يعني من المسلمين وهو قول الحسن، وعكرمة، وأضافه بعض الرواة إلى مالك والشافعي فلا نسخ فيه على هذا. واستدلوا على ذلك بقوله: {تحبسونهما من بعد الصّلاة} فدلّ على أنهما من أهل الصّلاة. ولا يطلق على أهل الكتاب اسم: أهل الصلاة.
واختلف القائلون: إن معناه من أهل الكتاب.
فقال قوم: شهادة أهل الكتاب في السفر للضرورة وفي الوصايا خاصة، إذا لم يوجد غيرهم جائزة، وقد تقدم ذكرهم.
وقال آخرون: الآية منسوخة ومعنى: من غيركم: من غير أهل ملتكم، فأجاز شهادة غير المسلمين هاهنا، ثم نسخه الله بالأمر بشهادة
العدول في قوله: {ممّن ترضون من الشّهداء} [البقرة: 282]، وفي قوله: {وأشهدوا ذوي عدلٍ منكم} [الطلاق: 2]، والكافر ليس بعدل ولا يرضى.
ويدل على أن معنى: {من غيركم}: من غير أهل دينكم: أنه تعالى استفتح الآية بقوله: {يا أيّها الّذين آمنوا شهادة بينكم}، ثم قال: أو آخران من غيركم، ولا غير لأهل الإيمان إلاّ أهل الكفر، ولو خاطب قبيله في صدر الآية، لكان معنى {من غيركم}: من غير قبيلتكم.
وهذه الآية وما فيها من الحكم وما فيها من الإعراب والمعاني والقراءات من أشكل آية في القرآن، وهي تحتاج إلى بسط يطول، لكنّا ذكرنا من ذلك ونذكر ما نحتاج إليه في هذا الكتاب. وقد بسطناها في كتاب مفرد يشرحها.
). [الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه: 255-279]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية التّاسعة: قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصيّة اثنان ذوا عدلٍ منكم أو آخران من غيركم}.
الإشارة بهذا إلى الشّاهدين الّذين يشهدان على الموصي في السّفر. والنّاس (في قوله) : {ذوا عدلٍ منكم} قائلان:
أحدهما: من أهل دينكم وملّتكم.
أخبرنا عبد الوهّاب الحافظ، قال: أبنا أبو الفضل بن خيرون وأبو طاهرٍ الباقلاويّ، قالا: أبنا ابن شاذان قال: أبنا أحمد بن كاملٍ، قال: حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، عن أبيه عن جدّه، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما {ذوا عدلٍ منكم} أي: من أهل الإسلام. وهذا قوله ابن مسعودٍ وشريحٍ وسعيد بن المسيب، وسعيد ابن جبيرٍ، ومجاهدٍ،
وابن (سيرين) والشّعبيّ، والنخعي، وقتادة، وأبو مخلدٍ ويحيى بن يعمر، والثّوريّ وهو قول أصحابنا.
والثّاني: أنّ معنى قوله {منكم} أي: من عشيرتكم، وقبيلتكم، وهم مسلمون أيضًا. قاله الحسن، وعكرمة والزّهريّ والسّدّيّ وعن عبيدة كالقولين، فأمّا قوله: {أو آخران من غيركم} فقال ابن عبّاسٍ ليست أو للتّخيّر إنّما المعنى: أو آخران من غيركم إن لم تجدوا منكم وفي قوله: من غيركم قولان:
أحدهما: من غير ملّتكم ودينكم، قاله أرباب القول الأوّل.
والثّاني: من غير عشرتكم وقبيلتكم، وهم مسلمون أيضًا. قاله أرباب القول الثّاني والقائل بأنّ المراد شهادة المسلمين من القبيلة أو من غير القبيلة لا يشكّ في إحكام هذه الآية. فأمّا القائل بأنّ المراد بقوله: {أو آخران من
غيركم} أهل الكتاب إذا (شهدوا على الوصيّة) في السّفر فلهم فيها قولان:
أحدهما: أنّها محكمةٌ والعمل على هذا عندهم باقٍ. وهو قول ابن عبّاسٍ وابن المسيّب وابن جبيرٍ، وابن سيرين، وقتادة والشّعبيّ والثّوريّ وأحمد بن حنبلٍ.
والثّاني: أنّها منسوخةٌ بقوله تعالى: {وأشهدوا ذوي عدلٍ منكم} وهو قول زيد بن أسلم وإليه يميل أبو حنيفة ومالكٌ والشّافعيّ، قالوا: وأهل الكفر ليسوا بعدولٍ.والأوّل أصحّ، لأنّ هذا
موضع ضرورة فجاز كما يجوز في بعض الأماكن شهادة نساءٍ لا رجلٍ معهنّ بالحيض، والنفاس، والاستهلال.). [نواسخ القرآن: 297-322]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (السابعة: {شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصيّة اثنان ذوا عدلٍ منكم أو آخران0 من غيركم} الإشارة بهذا إلى الشاهدين اللذين شهدا على الموصي في السفر وفي قوله {أو آخران من غيركم} قولان: أحدهما: من غير عشيرتكم وهم مسلمون أيضا فعلى
هذا الآية محكمة والثاني من غير ملتكم وهل هذا الحكم باق عندنا إنه باق لم ينسخ وهو قول ابن عبّاسٍ وابن المسيّب وابن جبير وابن سيرين والشعبي والثوري والثاني أنه منسوخ بقوله {وأشهدوا ذوي عدلٍ منكم} وإليه مال أبو حنيفة ومالك والشافعي ونحن نقول هذا موضع ضرورة فجاز فيه ما لا يجوز في غيره لقبول الشهادة من النساء بالنفاس والحيض والاستهلال.). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 26-30]


قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (العاشر: قوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم} الآية [المائدة: 106]، قال قوم: أجاز في هذه الآية شهادة غير أهل الملة، بقوله عز وجل: {وأشهدوا ذوي عدل منكم} الآية [الطلاق: 2]، والجمهور على أنها: محكمة.
قال الحسن وعكرمة: من غيركم: أي من غير قبيلتكم، أي من سائر المسلمين، ويروى ذلك عن الشافعي ومالك، ويدل على ذلك قوله عز وجل: {تحبسونهما من بعد الصلاة} وذا لا يقال لغير المسلمين، وعن ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما وأبي موسى الأشعري وابن سيرين ومجاهد وابن جبير والشعبي وابن المسيب والنخعي والأوزاعي وشريح: (أنها محكمة).
ومعنى {من غيركم} الآية [المائدة: 106]، أراد: من أهل الكتاب، وشهادتهم جائزة في الوصية، خاصة في السفر عند فقد المسلمين للضرورة). [جمال القراء: 1/295-302]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس