عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 15 ذو القعدة 1439هـ/27-07-2018م, 07:36 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا (86)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك} الآية، فيها شدة على النبي صلى الله عليه وسلم، وهي عتاب على قوله: "غدا أعلمكم"، فأمر بأن يقول: إن الروح من أمر ربي، فيذعن بالتسليم لله في أنه يعلم بما شاء، ويمسك عن عباده ما شاء، ثم قيل له: وما أوتيتم أنت يا محمد وجميع الخلائق من العلم إلا قليلا، فالله تعالى يعلم من علمه بما شاء، ويدع ما شاء، ولئن شاء لذهب بالوحي الذي أتاك، ثم لا ناصر لك منه، فليس بعظيم ألا تجيء بتفسير في الروح الذي أردت تفسيره للناس ووعدتهم بذلك. وروى ابن مسعود أنه ستخرج ريح حمراء من قبل الشام فتزيل القرآن من المصاحف ومن الصدور، وتذهب به، ثم يتلو هذه الآية.
[المحرر الوجيز: 5/536]
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
أراد ابن مسعود بتلاوة الآية أن يبدي أن الأمر جائز الوقوع ليظهر مصداق خبره من كتاب الله عز وجل. و"الوكيل": القائم بالأمر في الانتصار أو المخاصمة ونحو ذلك من وجود النفع). [المحرر الوجيز: 5/537]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا (87)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: "إلا رحمة" استثناء منقطع، أي: لكن رحمة من ربك يمسك ذلك عليك، وهذا الاستثناء المنقطع يخصص تخصيصا ما، وليس كالمتصل; لأن المتصل يخصص من الجنس أو الجملة، والمنقطع يخصص أجنبيا من ذلك، ولا ينكر وقوع المنقطع في القرآن إلا أعجمي، وقد حكي ذلك عن ابن خويز مقداد. ثم عدد عليه عز وجل كبر فضله في اختصاصه بالنبوة، وحمايته من المشركين، إلى غير ذلك مما لا يحصى). [المحرر الوجيز: 5/537]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن} الآية.
سبب هذه الآية أن جماعة من قريش قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا محمد. جئنا بآية
[المحرر الوجيز: 5/537]
غريبة غير هذا القرآن فإنا نقدر على المجيء بمثل هذا، فنزلت هذه الآية المصرحة بالتعجيز، المعلمة بأن جميع الخلائق إنسا وجنا لو اجتمعوا على ذلك لم يقدروا عليه.
والعجز في معارضة القرآن إنما وقع في النظم والرصف لمعانيه، وعلة ذلك الإحاطة التي لا يتصف بها إلا الله تعالى. والبشر مقصر ضرورة بالجهل والنسيان والغفلة وأنواع النقص، فإن نظم كلمة خفي عنه -للعلل التي ذكرنا- أليق الكلام بها في المعنى، وقد ذكرت هذه المسألة في صدر هذا الديوان.
وقوله تعالى: {لا يأتون بمثله} في موضع رفع، و"لا" متلقية قسما، واللام في قوله تعالى: "لئن" مؤذنه غير لازمة، قد تحذف أحيانا، وقد تجيء هذه اللام مؤكدة فقط، ويجيء الفعل المنفي مجزوما، وهذا اعتماد على الشرط، ومنه قول الأعمش:
لئن منيت بنا عن غب معركة ... لا تلفنا عن دماء القوم ننتقل
و "الظهير": المعين، ومنه قوله عز وجل: {وإن تظاهرا عليه} الآية.
[المحرر الوجيز: 5/538]
فال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وفهمت العرب بخلوص فهمها في ميز الكلام ودربتها به ما لا نفهمه نحن ولا كل من خالطته حضارة، ففهموا العجز عنه ضرورة ومشاهدة، وعلمه الناس بعدهم استدلالا ونظرا، ولكل حصل علم قطعي، لكن ليس في مرتبة واحدة، وهذا كما علمت الصحابة شرع النبي عليه الصلاة والسلام وأعماله مشاهدة علم ضرورة، وعلمنا نحن المتواتر من ذلك بنقل التواتر، فحصل للجميع القطع، لكن في مرتبتين، وفهم إعجاز القرآن أرباب الفصاحة الذين لهم غرائب في ميز الكلام. ألا ترى إلى فهم الفرزدق شعر جرير في شعر ذي الرمة في قوله:
يعد الناسبون إلى تميم.
الأبيات كلها. وألا ترى قصة جرير في نوادره مع الفرزدق في قول الفرزدق:
علام تلفتين.
[المحرر الوجيز: 5/539]
وفي قوله:
تلفت أنها تحت ابن قين.
وألا ترى إلى قول الأعرابي: "عز فحكم فقطع"؟ وألا ترى إلى استدلال الآخر على البعث بقوله تعالى: {حتى زرتم المقابر}، فقال: إن الزيارة تقتضي الانصراف.
ومنه علم بشار بقول أبي عمرو بن العلاء في شعر الأعشى:
وأنكرتني وما كان الذي نكرت.
[المحرر الوجيز: 5/540]
ومنه قول الأعرابي للأصمعي:
من أحوج الكريم إلى أن يقسم؟
ومن فهمهم أنهم ببدائههم يأتون بكلمة منثورة تفضل المنقح من الشعر، وأمثلة ذلك محفوظة، ومن ذلك أجوبتهم المسكتة، إلى غير ذلك من براعتهم في الفصاحة وكونهم فيها النهاية، كما كان السحر في زمن موسى عليه السلام، والطب في زمن عيسى عليه السلام، فهم مع هذه الأفهام أقروا بالعجز، ولجأ المحاد منهم إلى السيف، ورضي بالقتل والسباء وكشف الحرم، وهو كان يجد المندوحة عن ذلك بالمعارضة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وكذلك التحدي بالعشر السور، والتحدي بالسورة، إنما وقع كله على حد واحد في النظم خاصة، وقيد العشر بالافتراء لأنهم قالوا: إن القرآن مفترى، فدعاهم بعقب ذكر ذلك إلى الإتيان بعشر سور مفتريات، ولم يذكر الافتراء في السورة لأنه لم يجر عنهم
[المحرر الوجيز: 5/541]
ذكر ذلك قبل، بل قال: وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله، على أنه قد جاء ذكر السورة مع ذكرهم الافتراء في سورة هود، وقد اختلف الناس في هذا الموضع - فقيل: دعوا إلى السورة المماثلة في النظم والغيوب وغير ذلك من الأوصاف، وكان ذلك من تكليف ما لا يطاق، فلما عسر عليهم خفف بالدعوة إلى المفتريات، وقيل غير هذا مما ينحل عند تحصيله). [المحرر الوجيز: 5/542]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (89)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا}
هذه آية تنبيه على فضل الله في القرآن على العالم، وتوبيخ للكفار منهم على قبيح فعلهم. و"تصريف القول" هو ترديد البيان عن المعنى. وقرأ الجمهور: "صرفنا" بتشديد الراء، وقرأ الحسن: "صرفنا" بفتح الراء خفيفة.
وقوله تعالى: {من كل مثل} يجوز أن تكون "من" لابتداء الغاية، ويكون المفعول بـ "صرفنا" مقدرا، تقديره: ولقد صرفنا في هذا القرآن التنبيه والعبر من كل مثل ضربناه، ويجوز أن تكون مؤكدة زائدة، التقدير: ولقد صرفنا كل مثل، وهذا كقوله تعالى: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}.
وقوله تعالى: "فأبى" عبارة عن تكسب الكفار الكفر، وإعراضهم عن الإيمان، وفي العبارة بـ "أبى" تغليظ، والكفر بالخلق والاختراع هو من فعل الله تعالى، وبالتكسب والدءوب هو من الإنسان. و"كفورا" مصدر كالخروج). [المحرر الوجيز: 5/543]

رد مع اقتباس