عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 10:35 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وإذا جاءك الّذين يؤمنون بآياتنا فقل سلامٌ عليكم} أي: فأكرمهم بردّ السّلام عليهم، وبشّرهم برحمة اللّه الواسعة الشّاملة لهم؛ ولهذا قال: {كتب ربّكم على نفسه الرّحمة} أي: أوجبها على نفسه الكريمة، تفضّلًا منه وإحسانًا وامتنانًا {أنّه من عمل منكم سوءًا بجهالةٍ} قال بعض السّلف: كلّ من عصى اللّه، فهو جاهلٌ.
وقال معتمر بن سليمان، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة في قوله: {من عمل منكم سوءًا بجهالةٍ} قال: الدّنيا كلّها جهالةٌ. رواه ابن أبي حاتمٍ.
{ثمّ تاب من بعده وأصلح} أي: رجع عمّا كان عليه من المعاصي، وأقلع وعزم على ألّا يعود وأصلح العمل في المستقبل، {فأنّه غفورٌ رحيمٌ}
قال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرّزّاق حدّثنا معمر، عن همّام بن منبّهٍ قال: هذا ما حدّثنا أبو هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لمّا قضى اللّه الخلق، كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش: إنّ رحمتي غلبت غضبي». أخرجاه في الصّحيحين وهكذا رواه الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة ورواه موسى بن عقبة عن الأعرج، عن أبي هريرة. وكذا رواه اللّيث وغيره، عن محمّد بن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بذلك
وقد روى ابن مردويه، من طريق الحكم بن أبانٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إذا فرغ اللّه من القضاء بين الخلق، أخرج كتابًا من تحت العرش: إنّ رحمتي سبقت غضبي، وأنا أرحم الرّاحمين، فيقبض قبضةً أو قبضتين فيخرج من النار خلقًا لم يعملوا خيرًا، مكتوبٌ بين أعينهم. عتقاء اللّه».
وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا معمر، عن عاصم بن سليمان، عن أبي عثمان النّهدي، عن سلمان في قوله: {كتب ربّكم على نفسه الرّحمة}، قال: إنّا نجد في التّوراة عطفتين: أنّ اللّه خلق السّماوات والأرض، وخلق مائة رحمةٍ -أو: جعل مائة رحمةٍ -قبل أن يخلق الخلق، ثمّ خلق الخلق، فوضع بينهم رحمةً واحدةً، وأمسك عنده تسعًا وتسعين رحمةً. قال فبها يتراحمون، وبها يتعاطفون، وبها يتباذلون وبها يتزاورون، وبها تحنّ النّاقة، وبها تثجّ البقرة، وبها تثغو الشّاة، وبها تتابع الطّير، وبها تتابع الحيتان في البحر. فإذا كان يوم القيامة، جمع اللّه تلك الرّحمة إلى ما عنده، ورحمته أفضل وأوسع.
وقد روي هذا مرفوعًا من وجهٍ آخر وسيأتي كثيرٌ من الأحاديث الموافقة لهذه عند قوله: {ورحمتي وسعت كلّ شيءٍ} [الأعراف: 156]
وممّا يناسب هذه الآية [الكريمة] من الأحاديث أيضًا قوله صلّى اللّه عليه وسلّم لمعاذ بن جبلٍ: "أتدري ما حقّ اللّه على العباد؟ أن يعبدوه لا يشركوا به شيئًا"، ثمّ قال: "أتدري ما حقّ العباد على اللّه إذا هم فعلوا ذلك؟ ألّا يعذّبهم" وقد رواه الإمام أحمد، من طريق كميل بن زيادٍ، عن أبي هريرة [رضي اللّه عنه] ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 262-263]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (55) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وكذلك نفصّل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين (55) قل إنّي نهيت أن أعبد الّذين تدعون من دون اللّه قل لا أتّبع أهواءكم قد ضللت إذًا وما أنا من المهتدين (56) قل إنّي على بيّنةٍ من ربّي وكذّبتم به ما عندي ما تستعجلون به إن الحكم إلا للّه يقصّ الحقّ وهو خير الفاصلين (57) قل لو أنّ عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم واللّه أعلم بالظّالمين (58) وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البرّ والبحر وما تسقط من ورقةٍ إلا يعلمها ولا حبّةٍ في ظلمات الأرض ولا رطبٍ ولا يابسٍ إلا في كتابٍ مبينٍ (59)}
يقول تعالى: وكما بيّنا ما تقدّم بيانه من الحجج والدّلائل على طريق الهداية والرّشاد، وذمّ المجادلة والعناد، {وكذلك نفصّل الآيات} أي: الّتي يحتاج المخاطبون إلى بيانها {ولتستبين سبيل المجرمين} أي: ولتظهر طريق المجرمين المخالفين للرّسل، وقرئ: "وليستبين سبيل المجرمين" أي: وليستبين يا محمّد -أو يا مخاطب -سبيل المجرمين). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 263-264]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56) }

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {قل إنّي على بيّنةٍ من ربّي} أي: على بصيرةٍ من شريعة اللّه الّتي أوحاها إليّ {وكذّبتم به} أي: بالحقّ الّذي جاءني من [عند] اللّه {ما عندي ما تستعجلون به} أي: من العذاب، {إن الحكم إلا للّه} أي: إنّما يرجع أمر ذلك إلى اللّه إن شاء عجّل لكم ما سألتموه من ذلك، وإن شاء أنظركم وأجّلكم؛ لما له في ذلك من الحكمة العظيمة. ولهذا قال: {إن الحكم إلا للّه يقصّ الحقّ وهو خير الفاصلين} أي: وهو خير من فصل القضايا، وخير الفاتحين الحاكمين بين عباده). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 264]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {قل لو أنّ عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم} أي: لو كان مرجع ما تستعجلون به إليّ، لأوقعت بكم ما تستحقّونه من ذلك {واللّه أعلم بالظّالمين}
فإن قيل: فما الجمع بين هذه الآية، وبين ما ثبت في الصّحيحين من طريق ابن وهب، عن يونس، عن الزّهريّ، عن عروة، عن عائشة؛ أنّها قالت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: يا رسول اللّه، هل أتى عليك يومٌ كان أشدّ من يوم أحدٍ؟ فقال: «لقد لقيت من قومك، وكان أشدّ ما لقيت منه يوم العقبة؛ إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل ابن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهمومٌ على وجهي، فلم أستفق إلّا بقرن الثّعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابةٍ قد أظلّتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، عليه السّلام، فناداني، فقال: إنّ اللّه قد سمع قول قومك لك، وما ردّوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم». قال: «فناداني ملك الجبال وسلّم عليّ، ثمّ قال: يا محمّد، إنّ اللّه قد سمع قول قومك لك، وقد بعثني ربّك إليك، لتأمرني بأمرك، فما شئت؟ إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين"، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "بل أرجو أن يخرج اللّه من أصلابهم من يعبد اللّه، لا يشرك به شيئًا»، وهذا لفظ مسلمٍ
فقد عرض عليه عذابهم واستئصالهم، فاستأنى بهم، وسأل لهم التّأخير، لعلّ اللّه أن يخرج من أصلابهم من لا يشرك به شيئًا. فما الجمع بين هذا، وبين قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {قل لو أنّ عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم واللّه أعلم بالظّالمين}؟
فالجواب -واللّه أعلم -: أنّ هذه الآية دلّت على أنّه لو كان إليه وقوع العذاب الّذي يطلبونه حال طلبهم له، لأوقعه بهم. وأمّا الحديث، فليس فيه أنّهم سألوه وقوع العذاب بهم، بل عرض عليه ملك الجبال أنّه إن شاء أطبق عليهم الأخشبين -وهما جبلا مكّة اللّذان يكتنفانها جنوبًا وشمالًا -فلهذا استأنى بهم وسأل الرّفق لهم). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 264]


رد مع اقتباس