عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 11:46 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ ثمّ جاءكم رسولٌ مصدّقٌ لما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنّه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشّاهدين (81) فمن تولّى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون (82)}
يخبر تعالى أنّه أخذ ميثاق كلّ نبيٍّ بعثه من لدن آدم، عليه السّلام، إلى عيسى، عليه السّلام، لمهما آتى اللّه أحدهم من كتابٍ وحكمةٍ، وبلغ أيّ مبلغ، ثمّ جاءه رسولٌ من بعده، ليؤمننّ به ولينصرنّه، ولا يمنعه ما هو فيه من العلم والنّبوّة من اتّباع من بعث بعده ونصرته؛ ولهذا قال تعالى وتقدّس: {وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ} أي: لمهما أعطيتكم من كتابٍ وحكمةٍ {ثمّ جاءكم رسولٌ مصدّقٌ لما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنّه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري}
وقال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، والرّبيع، وقتادة، والسّدّيّ: يعني عهدي.
وقال محمّد بن إسحاق: {إصري} أي: ثقل ما حمّلتم من عهدي، أي ميثاقي الشّديد المؤكّد.
{قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشّاهدين. فمن تولّى بعد ذلك} أي: عن هذا العهد والميثاق، {فأولئك هم الفاسقون}
قال عليّ بن أبي طالبٍ وابن عمّه عبد اللّه بن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما: ما بعث اللّه نبيًّا من الأنبياء إلّا أخذ عليه الميثاق، لئن بعث محمدًا وهو حيّ ليؤمننّ به ولينصرنّه، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمّته: لئن بعث محمّدٌ [صلّى اللّه عليه وسلّم] وهم أحياءٌ ليؤمننّ به ولينصرنّه.
وقال طاووس، والحسن البصريّ، وقتادة: أخذ اللّه ميثاق النّبيّين أن يصدق بعضهم بعضًا.
وهذا لا يضادّ ما قاله عليٌّ وابن عبّاسٍ ولا ينفيه، بل يستلزمه ويقتضيه. ولهذا رواه عبد الرّزّاق، عن معمر، عن ابن طاووس، عن أبيه مثل قول عليٍّ وابن عبّاسٍ.
وقد قال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرّزّاق، أنبأنا سفيان، عن جابرٍ، عن الشّعبيّ، عن عبد اللّه بن ثابتٍ قال: جاء عمر إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه، إنّي مررت بأخٍ لي من قريظة، فكتب لي جوامع من التّوراة، ألا أعرضها عليك؟ قال: فتغيّر وجه رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم -قال عبد اللّه بن ثابتٍ: قلت له: ألا ترى ما بوجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ فقال عمر: رضينا باللّه ربّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمّدٍ رسولًا -قال: فسرّي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقال: "والّذي نفس محمّدٍ بيده لو أصبح فيكم موسى عليه السّلام، ثمّ اتّبعتموه وتركتموني لضللتم، إنّكم حظّي من الأمم، وأنا حظّكم من النّبيّين".
حديثٌ آخر: قال الحافظ أبو بكرٍ حدّثنا إسحاق، حدّثنا حمّادٌ، عن مجالد، عن الشّعبيّ، عن جابرٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لا تسألوا أهل الكتاب عن شيءٍ، فإنّهم لن يهدوكم وقد ضلّوا، وإنّكم إمّا أن تصدّقوا بباطلٍ وإمّا أن تكذّبوا بحقٍّ، وإنّه -والله-لو كان موسى حيًّا بين أظهركم ما حلّ له إلا أن يتّبعني".
وفي بعض الأحاديث [له]:"لو كان موسى وعيسى حيّين لما وسعهما إلّا اتّباعي".
فالرّسول محمّدٌ خاتم الأنبياء صلوات اللّه وسلامه عليه، دائمًا إلى يوم الدّين، وهو الإمام الأعظم الّذي لو وجد في أيّ عصرٍ وجد لكان هو الواجب الطّاعة المقدّم على الأنبياء كلّهم؛ ولهذا كان إمامهم ليلة الإسراء لمّا اجتمعوا ببيت المقدس، وكذلك هو الشّفيع في يوم الحشر في إتيان الرّبّ لفصل القضاء، وهو المقام المحمود الّذي لا يليق إلّا له، والّذي يحيد عنه أولو العزم من الأنبياء والمرسلين، حتّى تنتهي النّوبة إليه، فيكون هو المخصوص به). [تفسير القرآن العظيم: 2/67-69]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (82) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فمن تولّى بعد ذلك} أي: عن هذا العهد والميثاق، {فأولئك هم الفاسقون} ). [تفسير القرآن العظيم: 2/67] (م)

تفسير قوله تعالى: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({أفغير دين اللّه يبغون وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعًا وكرهًا وإليه يرجعون (83) قل آمنّا باللّه وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنّبيّون من ربّهم لا نفرّق بين أحدٍ منهم ونحن له مسلمون (84) ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين (85)}

يقول تعالى منكرًا على من أراد دينًا سوى دين اللّه، الّذي أنزل به كتبه وأرسل به رسله، وهو عبادته وحده لا شريك له، الذي {وله أسلم من في السّماوات والأرض} أي: استسلم له من فيهما طوعًا وكرهًا، كما قال تعالى: {وللّه يسجد من في السّماوات والأرض طوعًا وكرهًا وظلالهم بالغدوّ والآصال} [الرّعد:15] وقال تعالى: {أولم يروا إلى ما خلق اللّه من شيءٍ يتفيّأ ظلاله عن اليمين والشّمائل سجّدًا للّه وهم داخرون. وللّه يسجد ما في السّماوات وما في الأرض من دابّةٍ والملائكة وهم لا يستكبرون. يخافون ربّهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون} [النّحل: 48 -50].
فالمؤمن مستسلمٌ بقلبه وقالبه للّه، والكافر مستسلمٌ للّه كرها، فإنّه تحت التّسخير والقهر والسّلطان العظيم، الّذي لا يخالف ولا يمانع. وقد ورد حديثٌ في تفسير هذه الآية، على معنًى آخر فيه غرابةٌ، فقال الحافظ أبو القاسم الطّبرانيّ:
حدّثنا أحمد بن النّضر العسكريّ، حدّثنا سعيد بن حفصٍ النّفيلي، حدّثنا محمّد بن محصن العكّاشيّ، حدّثنا الأوزاعيّ، عن عطاء بن أبي رباحٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعًا وكرهًا} أمّا من في السّماوات فالملائكة، وأمّا من في الأرض فمن ولد على الإسلام، وأمّا كرهًا فمن أتي به من سبايا الأمم في السّلاسل والأغلال، يقادون إلى الجنّة وهم كارهون".
وقد ورد في الصّحيح: "عجب ربّك من قومٍ يقادون إلى الجنّة في السّلاسل" وسيأتي له شاهدٌ من وجهٍ آخر ولكنّ المعنى الأوّل للآية أقوى.
وقد قال وكيع في تفسيره: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ: {وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعًا وكرهًا} قال: هو كقوله: {ولئن سألتهم من خلق السّماوات والأرض ليقولنّ الله} [لقمان:25].
وقال أيضًا: حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعًا وكرهًا} قال: حين أخذ الميثاق.
{وإليه يرجعون} أي: يوم المعاد، فيجازي كلًّا بعمله). [تفسير القرآن العظيم: 2/69-70]

رد مع اقتباس