عرض مشاركة واحدة
  #27  
قديم 22 محرم 1439هـ/12-10-2017م, 11:32 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

وصفه بأنّه بصائر

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (وصفه بأنّه بصائر
وأما وصفه بأنّه بصائر،
فقد ورد في قوله تعالى:{هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203)}، وقال تعالى: { هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}، وقال تعالى: { قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104)}

والبصائر جمع بصيرة، وهي معرفة حقيقة الأمر وعاقبته، ويتفرّع على هذه المعرفة تبيّن الصواب والخطأ فيما يقع في ذلك الأمر.
والبصيرة مفتاح الهداية، والنجاة من الغواية، وسبب الثبات على الحقّ، واجتناب الباطل، وأصلها ما ينعقد في القلب من صحّة المعرفة.
قال الخليل بن أحمد: (البصيرةُ اسمٌ لِما اعتُقِدَ في القلب من الدِّين وحَقيق الأمر).
وسمّي القرآن بصائر لأنّه يبصّر بالحقائق في كل ما يُحتاج إليه؛ فيبصّر بالحقّ ويبيّنه، ويبيّن حسن عاقبته وجزاء أهله، وما يعترضهم من الابتلاءات والفتن، ويبيّن لهم طريق النجاة وأسباب الهداية، ويبصّر بقبح الباطل وشؤمه، وسوء عاقبة أهله، وسبب اغترارهم به، وطرق نجاتهم منه قبل فوات الأوان.
ويبصّر المؤمن بكيد عدوّه المتربّص به، ومداخل تسلّطه عليه، وكيف يتّقي شرّه وينجو من كيده،
ويبصّر المؤمنين بأعدائهم من الكفار والمنافقين، وطرقهم في المكر والكيد والتضليل، ويبيّن لهم سبيل السلامة من شرّهم، وما يتحقّق لهم به النصر والتمكين إن تمسّكوا به.
ويبصّر المؤمن بحقيقة هذه الدنيا ومقاصد إيجادنا فيها، وما فيها من سنن الابتلاء.
ويبصّره بأدواء القلوب وعلل النفوس وأسباب شفائها وطهارتها وزكاتها.
ويبصّر بأحكام الدين وشرائعه، وما تصلح به شؤون العباد في دينهم ودنياهم.
ويبصّر السالك بما يتقرّب به إلى ربّه جلّ وعلا، وكيف ينال محبّته ورضوانه، وكيف يبلغ - في كلّ شأن من شؤونه - مرتبة الإحسان التي هي أعلى المراتب، وجزاؤها أحسن الجزاء، إلى غير ذلك من أنواع البصائر المباركة التي عمّت كلّ ما يحتاجه المؤمن من البيّنات والهدى.
وبصائر القرآن كالكنوز الكثيرة في البحر العظيم؛ كلما أقبل عليها مَن يعرف قدرها وتأمّلها وقلّب النظر فيها واكتسب منها ما اكتسب وجدها تكثر وتتسع وتتنوّع حتى يوقن بأنّه لا يحيط بها من كثرة أنواعها وبركاتها، ووجد في كلّ بحث وتأمّل ما يسرّه ويبهجه مما لا ينقضي من العجب.
وأما الكافر والمنافق فإنّه ربّما عرضت له البصيرة من القرآن في الشيء العظيم البيّن وعرفه ثمّ أنكره فحرم من بركات بصائر القرآن، كما حرم الذين من قبل وكانوا مستبصرين؛ فزاغوا بعدما عرفوا الحقّ، وحرموا التوفيق لتكذيبهم وإعراضهم، وصرفوا بما افتتنوا به عن التبصّر بما أنزل الله إليهم، قال الله تعالى: { وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38)}
وقال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَامُوسَى مَسْحُورًا (101) قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102)}
وقال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14)}
ولذلك اختلف العلماء في معنى البصيرة؛ فمنهم من فسّرها بالاعتبار وهداية التوفيق، ومنهم من فسّرها بهداية الدلالة والإرشاد.
والصواب أنّ البصيرة جامعة للمعنين فأصلها من هداية الدلالة والإرشاد فمن آمن بها وتبصّر بها ازداد هداية وتوفيقا لمزيد من التبصّر النافع حتى يورثه اليقين والإمامة في الدين.
ومن أعرض عما تقتضيه بصائر القرآن من العمل واتّباع الهدى والإقبال على تعرّف بصائر القرآن والانتفاع بها استحقّ العقاب على تولّيه وإعراضه بأن يحرم فهم القرآن والتبصّر به، ويشغله ما افتتن به من لهو الدنيا وغرور الأمنيات ووساوس الشيطان عن الانتفاع ببصائر القرآن وازدياد العلم بها.
وقد اجتمع المعنيان في قول الله تعالى: { قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104)}
فالمبصر هو المنتفع ببصائر القرآن التي تدلّ على الهدى وتعرّفه به، والعمي هو الذي عوقب بالعمى لتعاميه وشدّة نفوره عن التبصّر ببصائر القرآن.
قال ابن القيم رحمه الله: (قال ابن الأعرابي: "البصيرة الثبات في الدين"، وقيل: البصيرة العبرة، كما يقال: أليس لك في كذا بصيرة؟ أي: عبرة، قال الشاعر:
في الذاهبين الأوّلين ... من القرون لنا بصائر
والتحقيق أنّ العبرة ثمرة البصيرة؛ فإذا تبصَّر اعتبر؛ فمن عدم العبرة فكأنَّه لا بصيرة له، وأصل اللفظ من الظهور والبيان؛ فالقرآن بصائر: أي أدلة وهدى وبيان يقود إلى الحق ويهدي إلى الرشد)ا.هـ). [بيان فضل القرآن:43 - 46]

رد مع اقتباس