عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 5 شوال 1435هـ/1-08-2014م, 10:05 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)}

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وألا استفتاح وتنبيه، وأولياء اللّه هم المؤمنون الذين والوه بالطاعة والعبادة، وهذه الآية يعطي ظاهرها أن من آمن واتقى فهو داخل في أولياء الله، وهذا هو الذي تقتضيه الشريعة في الولي، وإنّما نبهنا هذا التنبيه حذرا من بعض الوصفية وبعض الملحدين في الولي، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذ سئل عن أولياء الله؟فقال: الذين إذا رأيتهم ذكرت الله.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا وصف لازم للمتقين لأنهم يخشعون ويخشعون، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا أنه قال: «أولياء الله قوم تحابوا في الله واجتمعوا في ذاته لم تجمعهم قرابة ولا مال يتعاطونه وقوله لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون يحتمل أن يكون في الآخرة، أي لا يهتمون بهمها ولا يخافون عذابا ولا عقابا ولا يحزنون لذلك، ويحتمل أن يكون ذلك في الدنيا أي لا يخافون أحدا من أهل الدنيا ولا من أعراضها ولا يحزنون على ما فاتهم منها، والأول أظهر والعموم في ذلك صحيح لا يخافون في الآخرة جملة ولا في الدنيا الخوف الدنياوي الذي هو في فوت آمالها وزوال منازلها وكذلك في الحزن، وذكر الطبري عن جماعة من العلماء مثل ما في الحديث من الأولياء الذين إذا رآهم أحد ذكر الله، وروي فيهم حديث: «إن أولياء الله هم قوم يتحابون في الله وتجعل لهم يوم القيامة منابر من نور وتنير وجوههم، فهم في عرصة القيامة لا يخافون ولا يحزنون»، وروي عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من عباد الله عبادا ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء بمكانهم من الله قالوا ومن هم يا رسول الله؟ قال: «قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام ولا أموال»، الحديث، ثم قرأ ألا إنّ أولياء اللّه لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون). [المحرر الوجيز: 4/ 497-498]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63)}

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله الّذين آمنوا يصح أن يكون في موضع نصب على البدل من الأولياء، ويصح أن يكون في موضع رفع على الابتداء على تقديرهم الذين، وكثيرا ما يفعل ذلك بنعت ما عملت فيه «أن» إذا جاء بعد خبرها، ويصح أن يكون الّذين ابتداء وخبره في قوله هم البشرى، وقوله وكانوا يتّقون لفظ عام في تقوى الشرك والمعاصي).[المحرر الوجيز: 4/ 498]

تفسير قوله تعالى: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)}

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: لهم البشرى في الحياة الدّنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات اللّه ذلك هو الفوز العظيم (64) ولا يحزنك قولهم إنّ العزّة للّه جميعاً هو السّميع العليم (65) ألا إنّ للّه من في السّماوات ومن في الأرض وما يتّبع الّذين يدعون من دون اللّه شركاء إن يتّبعون إلاّ الظّنّ وإن هم إلاّ يخرصون (66)
أما بشرى الآخرة فهي بالجنة قولا واحدا وتلك هي الفضل الكبير الذي في قوله وبشّر المؤمنين بأنّ لهم من اللّه فضلًا كبيراً [الأحزاب: 47] وأما بشرى الدنيا فتظاهرت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له، روى ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو الدرداء وعمران بن حصين وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وغيرهم على أنه سئل عن ذلك ففسره بالرؤيا، وعن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم أنه قال: «لم يبق من المبشرات إلا الرؤيا الصالحة»، وروت عنه أم كرز الكعبية أنه قال: «ذهبت النبوءة وبقيت المبشرات»، وقال قتادة والضحاك:البشرى في الدنيا هي ما يبشر به المؤمن عند موته وهو حي عند المعاينة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويصح أن تكون بشرى الدنيا في القرآن من الآيات المبشرات، ويقوى ذلك بقوله في هذه الآية تبديل لكلمات اللّه
وإن كان ذلك كله يعارضه قول النبي صلى الله عليه وسلم:«هي الرؤيا» إلا إن قلنا إن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى مثالا من البشرى وهي تعم جميع الناس، وقوله تبديل لكلمات اللّهيريد لا خلف لمواعيده ولا رد في أمره.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقد أخذ ذلك عبد الله بن عمر على نحو غير هذا وجعل التبديل المنفي في الألفاظ وذلك أنه روي: أن الحجّاج بن يوسف خطب فأطال خطبته حتى قال: إن عبد الله بن الزبير قد بدل كتاب الله، فقال له عبد الله بن عمر: إنك لا تطيق ذلك أنت ولا ابن الزبير تبديل لكلمات اللّه، فقال له الحجاج: لقد أعطيت علما فلما انصرف إليه في خاصته سكت عنه، وقد روي هذا النظر عن ابن عباس في غير مقاولة الحجّاج، ذكره البخاري، وقوله لك هو الفوز العظيم إشارة إلى النعيم الذي به وقعت البشرى). [المحرر الوجيز: 4/ 498-500]


رد مع اقتباس