عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 12 ذو القعدة 1439هـ/24-07-2018م, 03:42 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري


تفسير قوله تعالى: {وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (19)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يا بشرى هذا غلام وأسروه بضاعة والله عليم بما يعملون وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين}
قيل: إن السيارة جاءت في اليوم الثاني من طرحه في الجب، والسيارة: جمع سيار، كما قالوا: بغال وبغالة، وهذا بعكس تمرة وتمر، والسيارة بناء مبالغة للذين يرددون السير في الطرق. وروي أن هذه السيارة كانوا قوما من أهل مدين، وقيل: قوم أعراب، والوارد هو الذي يأتي الماء ليسقي منه لجماعته، ويروى أن مدلي الدلو كان يسمى مالك بن ذعر، والوارد هنا يمكن أن تقع على الواحد وعلى الجماعة. ويروى أن هذا الجب كان بالأردن على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب، ويقال: أدلى الدلو إذا ألقاه في البئر ليستقي الماء، ودلاه يدلوه: إذا استقاه من البئر، وفي الكلام هنا حذف تقديره: فتعلق يوسف بالحبل، فلما بصر به المدلي قال: يا بشراي. وروي أن يوسف كان يومئذ ابن سبع سنين، ويرجح هذا لفظة "غلام" فإنه ما بين الحولين إلى البلوغ، فإن قيلت فيما فوق ذلك فعلى استصحاب حال وتجوز، وقيل: كان ابن سبع عشرة سنة، وهذا بعيد.
وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر: "يا بشراي" بإضافة البشرى إلى المتكلم وبفتح الياء على ندائها كأنه يقول: احضري فهذا وقتك، وهذا نحو قوله: {يا حسرة على العباد}، وروى ورش عن نافع: "يا بشراي"، بسكون الياء، قال أبو علي: وفيها جمع بين ساكنين على حد دابة وشابة، ووجه ذلك أنه يجوز أن تختص بها
[المحرر الوجيز: 5/57]
الألف لزيادة المد الذي فيها على المد الذي في أختيها، كما اختصت في القوافي بالتأسيس، واختصت في تخفيف الهمزة نحو هباة، وليس شيء من ذلك في الياء والواو. وقرأ أبو الطفيل، والجحدري، وابن أبي إسحاق، والحسن: "يا بشري" تقلب الألف ياء ثم تدغم في ياء الإضافة، وهي لغة فاشية، ومن ذلك قول أبي ذؤيب:
سبقوا هوي وأعنقوا لهواهم ... فتخرموا ولكل جنب مصرع
وأنشد أبو الفتح وغيره في ذلك:
يطوف بي كعبد في معد ... ويطعن بالصملة في قفيا
فإن لم تثأروا لي في معد ... فما أرويتما أبدا صديا
[المحرر الوجيز: 5/58]
أراد: هواي، وقفاي، وصداي. وقرأ حمزة، والكسائي: "يا بشراي" بالإمالة ويميلان ولا يضيفان، وقرأ عاصم كذلك إلا أنه يفتح الراء ولا يميل، واختلف في تأويل هذه القراءة -فقال السدي: كان في أصحاب هذا الوارد رجل اسمه بشرى، فناداه وأعلمه بالغلام، وقيل: هو على نداء البشرى كما قدمنا.
والضمير في "وأسروه" ظاهر الآيات أنه لوراد الماء، قاله مجاهد، وقال: إنهم خشوا من تجار الرفقة -إن قالوا وجدناه- أن يشاركوهم في الغلام الموجود، -هذا إن كانوا فسقة- أو يمنعوهم من تملكه إن كانوا مؤمنين، فأسروا بينهم أن يقولوا: أبضعه معناه بعض أهل المصر.
و"بضاعة" حال، والبضاعة: القطعة من المال يتجر فيها بغير نصيب من الربح، مأخوذة من قولهم: بضعت، أي: قطعت، وقيل: إنهم أسروا في أنفسهم أنهم يتخذونه بضاعة لأنفسهم، أي متجرا، ولم يخافوا من أهل الرفقة شيئا، ثم يكون الضمير في قوله تعالى: "وشروه" لهم أيضا، أي: باعوه بثمن قليل، إذ لم يعرفوا حقه ولا قدره، بل كانوا زاهدين فيه، وروي- على هذا- أنهم باعوه من تاجر، وقال مجاهد: الضمير في "أسروه" لأصحاب الدلو، وفي "شروه" لإخوة يوسف الأحد عشر، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: بل الضمير في "أسروه" و"شروه" لإخوة يوسف.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وذلك أنه روي أن إخوته لما رجعوا إلى أبيهم وأعلموه رجع بعضهم إلى الجب ليتحققوا أمر يوسف، ويقفوا على الحقيقة من فقده، فلما علموا أن الوراد قد أخذوه جاؤوهم فقالوا: هذا عبد أبق لأمنا ووهبته لنا ونحن نبيعه منكم، فقارهم يوسف على هذه المقالة خوفا منهم، ولينفذ أمر الله، فحينئذ أسره إخوته إذ جحدوا أخوته
[المحرر الوجيز: 5/59]
فأسروها واتخذوه بضاعة، أي متجرا لهم ومكسبا، وشروه أيضا بثمن بخس، أي باعوه.
وقوله تعالى: {والله عليم بما يعملون}، إن كانت الضمائر لإخوة يوسف ففي ذلك توعد، وإن كانت الضمائر للواردين ففي ذلك تنبيه على إرادة الله تبارك وتعالى ليوسف، وسوق الأقدار بحسب بناء حاله، فهو -حينئذ- بمعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يدبر ابن آدم والقضاء يضحك". وفي الآية أيضا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم عما يجري عليه من جهة قريش، أي: العاقبة التي هي للمتقين هي المراعاة والمنتظرة). [المحرر الوجيز: 5/60]

تفسير قوله تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و"شروه" هنا بمعنى باعوه، وقد يقال: شرى بمعنى اشترى، ومن الأول قول يزيد بن مفرغ الحميري:
وشريت بردا ليتني ... من بعد برد كنت هامه
و "برد" اسم غلام له ندم على بيعه، والضمير يحتمل الوجهين المتقدمين.
و البخس: مصدر وصف به الثمن، وهو بمعنى النقص، وهذا أشهر معانيه، فكأنه القليل الناقص، وهو قول الشعبي، وقال قتادة: البخس هنا بمعنى الظلم، ورجحه الزجاج من حيث أن الحر لا يحل بيعه، وقال الضحاك: وهو بمعنى الحرام، وهذا أيضا بمعنى لا يحل بيعه.
وقوله تعالى: {دراهم معدودة} عبارة عن قلة الثمن لأنها دراهم لم تبلغ أن توزن لقلتها، وذلك أنهم كانوا لا يزنون ما دون الأوقية وهي أربعون درهما. واختلف في مبلغ ثمن يوسف عليه السلام فقيل: باعوه بعشرة دراهم، وقال ابن مسعود: بعشرين، وقال مجاهد: باثنين وعشرين، أخذها إخوته درهمين وقال
[المحرر الوجيز: 5/60]
عكرمة: بأربعين درهما دفعت ناقصة فهذا كان بخسها.
وقوله تعالى: {وكانوا فيه من الزاهدين} وصف يترتب في وراد الماء، أي: كانوا لا يعرفون قدره، فهم لذلك- قليل اغتباطهم به، لكنه أرتب في إخوة يوسف، إذ حقيقة الزهد في الشيء إخراج حبه من القلب ورفضه من اليد، وهذه كانت حال إخوة يوسف في يوسف، وأما الوراد فتمسكهم به وتجرهم يمانع زهدهم إلا على تجوز. وقوله: "فيه" ليست بصلة لـ "الزاهدين"، قاله الزجاج، وفيه نظر، لأنه يقتضي وصفهم بالزهد على الإطلاق وليس قصد الآية هذا، بل قصدها الزهد الخاص في يوسف، والظروف يجوز فيها من التقديم ما لا يجوز في سائر الصلات، وقد تقدم القول في عود ضمير الجماعة الذي في قوله: "وشروه"). [المحرر الوجيز: 5/61]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين}
روي أن مبتاع يوسف -وهو الوارد من إخوته أو التاجر من الوراد حسبما تقدم من الخلاف- ورد به مصر -البلد المعروف ولذلك لا ينصرف- فعرضه في السوق، وكان أجمل الناس، فوقعت فيه مزايدة حتى بلغ ثمنا عظيما، فقيل: وزنه من ذهب، ومن فضة، ومن حرير. فاشتراه العزيز وكان حاجب الملك وخازنه، واسم الملك الريان بن الوليد وقيل: مصعب بن الريان، وهو أحد الفراعنة، وقيل: هو فرعون موسى عمر إلى زمانه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا ضعيف، وذلك أن ظهور يوسف عليه السلام لم يكن في مدة كافر يخدمه يوسف. واسم العزيز المذكور: قطفير، قاله ابن عباس، وقيل: أطفير، وقيل: قنطور، واسم امرأته: راعيل، قاله ابن إسحاق، وقيل: ربيحة، وقيل: زليخا، وظاهر أمر العزيز أنه كان كافرا، ويدل على ذلك كون الصنم في بيته -حسبما نذكره في
[المحرر الوجيز: 5/61]
البرهان الذي رأى يوسف - وقال مجاهد: كان العزيز مسلما. والمثوى: مكان الإقامة، والإكرام إنما هو لذي المثوى، ففي الكلام استعارة. وقوله: {عسى أن ينفعنا}، أي: بأن يعيننا في أبواب دنيانا وغير ذلك من وجوه النفع، وقوله: {أو نتخذه ولدا} أي نتبناه، وكان -فيما يقال- لا ولد له.
ثم قال تعالى: "وكذلك"، أي: كما وصفنا مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه فعلنا ذلك، و"الأحاديث": الرؤيا في النوم، قاله مجاهد، وقيل: أحاديث الأنبياء والأمم. والضمير في "أمره" يحتمل أن يعود على يوسف، قاله الطبري، ويحتمل أن يعود على الله عز وجل، قاله ابن جبير، فيكون إخبارا منبها على قدرة الله عز وجل ليس في شأن يوسف خاصة بل عاما في كل أمر، وكذلك الاحتمال في قول الشاعر:
رأيت أبا بكر - وربك غالب ... على أمره- يبغي الخلافة بالتمر
وأكثر الناس الذين نفي عنهم العلم هم الكفرة، وفيهم الذين زهدوا في يوسف وغيرهم ممن جهل أمره، وروي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: أصح الناس فراسة ثلاثة: العزيز حين قال لامرأته: أكرمي مثواه، وابنة شعيب حين قالت: استأجره، إن خير من استأجرت القوي الأمين وأبو بكر حين استخلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه-.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وفراسة العزيز إنما كانت في نفس نجابة يوسف، لا أنه تفرس الذي كان كما في المثالين الآخرين، فإن ما تفرس خرج بعينه). [المحرر الوجيز: 5/62]

تفسير قوله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و«الأشد»: استكمال القوة وتناهي البأس، وهما أشدان: أولهما البلوغ، وقد عبر عنه مالك وربيعة بأشد، وذكره منذر بن سعيد، والثاني الذي يستعمله العرب، وقيل: هو من ثماني عشرة سنة إلى ستين سنة، وهذا قول ضعيف. وقيل: الأشد: بلوغ الأربعين، وقيل: بل ستة وثلاثون، وقيل: ثلاثة وثلاثون، وهذا هو أظهر الأقوال فيما نحسبه، وقيل: عشرون سنة، وهذا ضعيف، وقال الطبري: الأشد لا واحد له من لفظه، وقال سيبويه: الأشد: جمع شدة نحو نعمة وأنعم، وقال الكسائي: أشد جمع شد نحو قد وأقد، وشد النهار: معظمه وحيث تستكمل نهاريته.
وقوله تعالى: "حكما" يحتمل أن يريد الحكمة والنبوءة، وهذا على الأشد الأعلى، ويحتمل الحكمة والعلم دون النبوة، وهذا أشبه إن كانت قصة المراودة بعد هذا. "وعلما" يريد تأويل الأحاديث وغير ذلك، ويحتمل أن يريد بقوله: "حكما" أي سلطانا في الدنيا وحكما بين الناس بالحق، وتدخل النبوة وتأويل الأحاديث وغير ذلك في قوله: "وعلما".
وكذلك نجزي المحسنين ألفاظ فيها وعد للنبي صلى الله عليه وسلم، فلا يهولنك فعل الكفرة بك وعتوهم عليك، فالله تعالى يصنع للمحسنين أجمل صنع). [المحرر الوجيز: 5/63]

رد مع اقتباس