الموضوع: سورة ص
عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 28 شوال 1433هـ/14-09-2012م, 06:21 PM
الصورة الرمزية أسماء الشامسي
أسماء الشامسي أسماء الشامسي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Apr 2011
الدولة: مكة المكرمة
المشاركات: 559
افتراضي

قوله تعالى {وخذ بيدك ضغثًا فاضرب به ولا تحنث}

قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ):
(
والموضع الثّالث قوله تعالى {وخذ بيدك ضغثًا فاضرب به ولا تحنث} [ص: 44] فمن العلماء من قال هذا منسوخٌ في شريعتنا وإذا حلف رجلٌ أن يضرب إنسانًا عشر ضرباتٍ ثمّ لم يضربه عشر مرّاتٍ حنث

وقال قومٌ بل لا يحنث إذا ضربه بما فيه عشرةً بعد أن تصيبه العشرة
وهذا قول الشّافعيّ ومن قبله عطاءٌ، قال:
«هي عامّةٌ»
وقال مجاهدٌ «هي خاصّةٌ»
وأهل المدينة يميلون إلى هذا القول ).[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/605-610]

قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {وخذ بيدك ضغثًا فاضرب به ولا تحنث}:
قال قومٌ: هذا الفعل في كفّارة اليمين منسوخٌ بشريعة الإسلام، ولا يجزئ من حلف) أن يضرب أحدًا مائة ضربةٍ أن يضربه ضربةً واحدةً بمائة قضيبٍ لأن البرّ لا يكون إلاّ بغاية الأفعال وأتمها والحنث: يقع بأقل الأفعال احتياطًا للدّين واتباعًا لفعل السلف - رضي الله عنهم -، وهذا مذهب مالكٍ وأصحابه وعليه أدلّةٌ من الكتاب والسّنّة، ليس هذا موضع ذكرها.
وقيل: هو حكمٌ خصّ به أيّوب عليه السلام قاله مجاهد وغيره. وهذا مذهب مالكٍ وغيره من أهل المدينة.
وجعله الشافعيّ محكمًا عامًّا معمولاً به - وهو قول عطاء - وأجاز في الرجل يحلف: ليضربنّ عبده عشر ضربات، أن يضربه ضربةً واحدةً بعشر قضبان ويبرأ، جعل الآية محكمةً غير منسوخةٍ ولا مخصوصة.
وهذا مذهب يدلّ على أن شريعة من كان قبلنا لازمةٌ لنا حتى ننقل عنها بنص، وهذا مذهبٌ يتناقض لأنّ شرائع من كان قبلنا مختلفةٌ في كثيرٍ من أحكامها ومن هيآتها ورتبها وأعدادها وغير ذلك من تحريمٍ وتحليلٍ بدلالة قوله: {لكلٍّ جعلنا منكم شرعةً ومنهاجًا} [المائدة: 48] وإذا كانت مختلفةً في التّحريم والتّحليل، فكيف نقدر على تحريم شيءٍ وتحليله في حالٍ، وأيضًا فإذا كانت شرائع الأنبياء قبلنا مختلفةً في العبادة والهيأة والتّحريم والتّحليل، فبأيّ شريعةٍ من شرائعهم ندين، وما الذي يجب علينا منها، إذ لا نقدر على العمل بشرائعهم كلّها لاختلافها، فأما قوله تعالى: {فبهداهم اقتده} [الأنعام:90] فإنما ذلك في الإيمان بالله ورسله وملائكته وكتبه، وما لا يختلفون فيه من الدّين فهو الذي يلزمنا الاقتداء به
من أمرهم، وهو المراد بذلك؛ إذ غير جائز أن يكون المراد بشرائعهم اقتده؛ إذ لا يقدر على ذلك لاختلاف شرائعهم.
فإن ادّعى مدّعٍ أن هذا الذي برّ به أيّوب يمينه، إجماعٌ من شرائع الأنبياء، فيلزمنا فعله، سئل عن الدّليل على ذلك، ولا يجد إليه سبيلاً أبدًا. وقد تقدّم ذكر بعض هذا وزدناه بيانًا في هذا الموضع. ولهذه المعاني كتابٌ تذكر فيه مشروحةً مع نظائرها من الأصول التي هي عمدة الدّين. وقد اختلف في هذا أصحاب مالك:
فمنهم من قال: مذهبه العمل بشرائع من كان قبلنا؛ إذ قد احتجّ بقوله تعالى: {وكتبنا عليهم فيها} الآية.
ومنهم من قال: ليس ذلك مذهبه؛ لأنه لم يجز فعل ما برّ به أيوب يمينه.
وأكثر النّاس على أنّ ملّة إبراهيم صلى الله عليه وسلم لازمٌ لنا اتباعها، لقوله: واتّبعوا {ملّة أبيكم إبراهيم} صلى الله عليه وسلم.
والذي عليه أكثر أصحاب مالك: أن ما نصّ الله علينا من شرائع من كان قبلنا ولم ينسخه قرآن ولا سنّةٌ، ولا افترض علينا ضدّه، فالعمل به واجبٌ، نحو قوله: {وكتبنا عليهم فيها} الآية.
وقد اعترض على هذا القول بقصّة أيوبٍ في تبرئة يمينه بضربةٍ واحدةٍ فيها مائة قضيب، ولا يقول به مالك، واعترض بالأحكام التي في تزويج موسى إحدى المرأتين، ولا يقول بذلك مالكٌ وعن هذا كلّه أجوبةٌ يطول ذكرها سنذكرها في غير هذا الكتاب - إن شاء الله -). [الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه: 391-395]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (وقوله عز وجل: {وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث} الآية [ص: 44]، زعم قوم أن ذلك منسوخ، قالوا: وقال به مالك به أنس رحمه الله، وقال: (البر بإثم الأفعال والحنث بأقلها احتياطا للدين، فلا يجزئ عن مائة ضربة ضربة واحدة بمائة قضيب).
وقال مجاهد وغيره: هذا حكم خص به أيوب عليه السلام.
قال بعض مصنفي الناسخ والمنسوخ: وجعل الشافعي الآية محكمة معمولا بها، قال: وهو قول عطاء، وأجاز في الرجل يحلف ليضربن عبده عشر ضربات أن يضربه ضربة واحدة بعشرة قضبان، وجعل الآية محكمة غير منسوخة ولا مخصوصة، قال: وهذا مذهب يدل على أن شريعة من قبلنا لازمة لنا حتى يأتي نص ينقلنا عنها، قال: وهذا مذهب يتناقض؛ لأن شرائع من قبلنا مختلفة في كثير من الأحكام والهيئات والرتب والأعداد وغير ذلك من تحريم وتحليل كما قال عز وجل: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا} الآية [المائدة: 48]، قال: وإذا كانت مختلفة في التحريم والتحليل فكيف يلزمنا تحريم شيء وتحليله في الحال الواحدة؛ ولأن الشرائع مختلفة فأي شريعة يلزمنا العمل، إذ لا سبيل إلى العمل بالجميع لاختلافها، وأما قوله عز وجل: {فبهداهم اقتده} الآية [الأنعام: 90]، فإنما أراد الإيمان بالله وملائكته ورسله وما لا تختلف فيه الأديان، إذ غير جائز أن يكون المراد: بشرائعهم اقتد.
قال: فإذا ادعى مدع أن أيوب عليه السلام بر بذلك من يمينه وأنه إجماع من شرائع الأنبياء فيلزمنا فعله، سئل عن الدليل فلا يجد إليه سبيلا.
قال: واختلف أصحاب مالك في مذهبه: فمنهم من قال مذهبه العمل بشريعة من قبلنا؛ لأنه قد احتج بقوله عز وجل: {وكتبنا عليهم فيها..} الآية [المائدة: 45]، ومنهم من قال: ليس ذلك مذهبه؛ لأنه لم يخرج الحالف بمثل يمين أيوب عليه السلام بمثل ما بر به يمينه، قال: والذي عليه أكثر أصحابه أن ما قص الله علينا من شرائع من قبلنا ولم ينسخه قرآن ولا سنة ولا افترض علينا ضده فالعمل به واجب، نحو قوله تعالى: {وكتبنا عليهم فيها} الآية [المائدة: 45] قال: وقد اعترض على هذا القول بقصة أيوب عليه السلام في بره بضربة فيها مائة قضيب، ولا يقول به مالك، واعترض بقصة موسى عليه السلام في تزويج إحدى الابنتين من غير تعيين.
فأقول: إن مالكا رحمه الله إذا قال بنسخ هذه الآية فهو يقول بأن شريعة من قبلنا لازمة لنا، وإلا فأي حاجة أن يجعل الآية منسوخة.
وأما الشافعي رحمه الله فما حجته فيما صار إليه من أن من حلف ليضربن عشر ضربات فضرب بعشرة قضبان أنه يخرج من يمينه إلا أنه رأى أن عشرة قضبان يصيب كل واحد منها المضروب هي كعشر ضربات لا فرق بين ذلك، كما لو كان في يديه قضيبان يضرب بهما مرة واحدة بكلتا يديه أن ذلك مساو لضربة بيده الواحدة مرتين، وكما ضربه عشرة في مرة واحدة كان ذلك بمنزلة عشر ضربات من واحد لا فرق بين ذلك، وليست الآية بحجة لما ذهب إليه؛ لأن الآية لم يشترط فيها أن يصيب جميع قضبان الضغث جسم المضروب.
والشافعي رحمه الله يشترط ذلك.
فإن قيل: فقد جاء في الكلام في هذه المسألة ما يدل على اعتقادهم أن الشافعي رحمه الله إنما بنى الكلام فيها على الآية.
قال أبو حامد: إذا قال لأضربنك مائة خشبة حصل البر بالضرب بشمراخ عليه مائة من القضبان، قال: وهذا بعيد على خلاف موجب اللفظ، قال الله تعالى: {وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث} الآية [ص: 44] في قصة أيوب، ثم لا بد أن يتثاقل على المضروب بحيث تنكبس به القضبان حتى يكون لكل واحد أثر، ولا بأس أن يكون وراء حائل إذا كان لا يمنع التأثير أصلا، وفيه وجه: أنه لا بد من ملاقاة الجميع بدنه ولا يكفي انكباس البعض على البعض، قال: ثم لو شككنا في حصول التثقيل أو المماسة إن شرطناها: قال الشافعي: حصل البر ونص أنه لو قال: لا أدخل الدار إلا أن يشاء زيد ثم دخل ومات زيد ولم يعرف أنه شاء أم لا، حنث، فقيل قولان، بالنقل والتخريج لأجل الإشكال، وقيل: الفرق أن الأصل عدم المشيئة، ولا سبب يظن به وجودها، وللضرب هاهنا سبب ظاهر، قال: ولو قال مائة سوط بدل الخشبة لم يكفه الشماريخ، بل عليه أن يأخذ مائة سوط ويجمع ويضرب دفعة واحدة.
ومنهم من قال: تكفيه الشماريخ كما في لفظ الخشبة.
أما إذا قال: لأضربن مائة ضربة لا يكفي الضرب مرة واحدة بالشماريخ، فاستبعاده ذلك الحكم من الآية يدل على أن الآية هي الأصل في ذلك.
قلت: لا يليق نسبة هذا إلى الشافعي رحمه الله، وكيف تكون الآية عنده الأصل في هذه المسائل، وليس في الآية صورة يمين أيوب عليه السلام، إنما فيها صورة خروجه من اليمين، وهذه الأحكام تختلف باختلاف صورة اليمين، ونحن لا ندري هل حلف أيوب عليه السلام ليضربن مائة سوط أو مائة ضربة أو مائة عصا أو مائة خشبة، ثم إن صورة خروجه من اليمين أيضا غير مذكورة في الآية، إنما قال عز وجل: {وخذ بيدك ضغثا} الآية [ص: 44] والضغث: الحزمة الصغيرة إما من النبات أو من قضبان الشجر، فأين شرط المماسة أو الانكباس.
وعلى الجملة فليست الآية من هذه المسائل في شيء ولا يصح أن يقال إنها منسوخة، وكيف تنسخ وهي خبر عما أمر الله به أيوب عليه السلام، ورخص فيه له رحمة منه بالحالف والمحلوف عليه.
وإن كان منسوخة فأين الناسخ؟ أيجوز أن يكون الناسخ لها قول إمام من الأئمة بخلافها مع أنه خبر لا يجوز نسخه، وأما شريعتنا فناسخة لجميع الشرائع ولا يلزمنا العمل بشيء من شرائع من قبلنا ولو قص علينا، وإنما عملنا بما فرض الله لنا وأمرنا به.
وقوله تعالى: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} الآية [المائدة: 45]، لم يلزمنا ما فيها؛ لأن الله عز وجل كتبه عليهم في التوراة، وإنما لزمنا ذلك بما أنزله إلينا كقوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى} الآية [البقرة: 178] وبما حكم به نبينا صلى الله عليه وسلم في ذلك، وقد قال الله عز وجل: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق} الآية [المائدة: 48] أي: إنهم يهوون أن يحكم بشريعتهم فلا تحكم بها، {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة..} الآية [المائدة: 48] إلى آخر الآية.
ثم قال عز وجل بعدها: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك} الآية [المائدة: 49].
وأما قوله عز وجل: {ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا} الآية [النحل: 123] فإنما معناه: أن شريعتك هذه هي ملة إبراهيم فاتبعها.
وقال عز وجل: {وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس} الآية [الحج: 78]، فمعنى قوله عز وجل: {ملة أبيكم إبراهيم}: أي: اتبعوا ملتكم هذه فهي ملة أبيكم إبراهيم.
وقد عد قوم هذه الآية من المتشابه وليس كذلك؛ وإنما أشكل عليهم عود الضمير، والمعنى – والله أعلم – أن قوله: {هو اجتباكم}، عائد إلى: {ربكم} وقوله: {لتكونوا شهداء على الناس}، متعلق به.
وقوله عز وجل: {هو سماكم المسلمين من قبل}، عائد أيضا إلى ما عاد إليه الضمير الأول، أي: سماكم فيما تقدم من الزمان لأنبيائه وفيما أنزله من كتبه {وفي هذا}، أي: وفي زمانكم هذا). [جمال القراء:1/352-356]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس