عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 16 ذو القعدة 1439هـ/28-07-2018م, 10:11 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ۚ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم} الآية، هذه الآية مضمنها تقريع الكفرة وتوقيفهم على خطابهم في ولايتهم العدو دون الذي أنعم بكل نعمه على العموم، صغيرها وكبيرها، وتقدير الكلام: واذكر إذ قلنا وتكررت هذه العبارة حيث تكررت هذه القصة إذ هي توطئة النازلة، فأما ذكر النازلة هنا فمقدمة للتوبيخ، وذكرها في البقرة إعلام بمبادئ الأمور.
واختلف المتأولون في السجود لآدم فقالت فرقة: هو السجود المعروف ووضع الوجه بالأرض، جعله الله تعالى من الملائكة عبادة له وتكرمة لآدم، فهذا كالصلاة للكعبة. وقالت فرقة: بل كان إيماء منهم نحو الأرض، وذلك يسمى سجودا; لأن السجود في كلام العرب عبارة عن غاية التواضع، ومنه قول الشاعر:
ترى الأكم فيه سجدا للحوافر
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا جائز أن يكلفه الخالق للفاضل، وجائز أن يتكلفه الفاضل للفاضل، ومنه قول
[المحرر الوجيز: 5/617]
النبي صلى الله عليه وسلم: "قوموا إلى سيدكم"، ومنه تقبيل أبي عبيدة بن الجراح يد عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين تلقاه في سفر إلى الشام، ذكره سعيد بن منصور في مصنفه.
وقوله تعالى: {إلا إبليس}، قالت فرقة: هو استثناء منقطع; لأن إبليس ليس من الملائكة، بل هو من الجن وهم الشياطين المخلوقون من مارج من نار، وجميع الملائكة إنما خلقوا من نور، واختلفت هذه الفرقة -فقال بعضها: إبليس من الجن، وهو أولهم وبدأتهم، كآدم من الإنس، وقالت فرقة: بل كان إبليس وقبيله جنا، لكن جميع الشياطين اليوم من ذريته، فهو كنوح في الإنس، احتجوا بهذه الآية، وتعنيف إبليس على عصيانه يقتضي أنه أمر مع الملائكة.
وقالت فرقة: إن الاستثناء متصل، وإبليس من قبيل الملائكة خلقوا من نار، فإبليس من الملائكة، وعبر عن الملائكة بالجن من حيث هم مستترون، فهي صفة تعم الملائكة والشياطين، وقال بعض هذه الفرقة: كان في الملائكة صنف يسمى الجن، وكانوا في السماء الدنيا وفي الأرض، وكان إبليس مدبر أمرهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ولا خلاف أن إبليس كان من الملائكة في المعنى; إذ كان متصرفا بالأمر والنهي مرسلا، والملك مشتق من المألكة وهي الرسالة، فهو في عداد الملائكة يتناوله قوله: "اسجدوا"، وفي سورة البقرة وسورة الأعراف استيعاب هذه الأمور.
وقوله تعالى: "ففسق" معناه: فخرج وانتزح، وقال رؤبة:
يهوين في نجد وغور غائرا ... فواسقا عن قصدها جوائرا
[المحرر الوجيز: 5/618]
ومنه يقال: "فسقت الرطبة" إذا خرجت من قشرتها، و"فسقت الفأرة" إذا خرجت من جحرها، وجميع هذا الخروج المستعمل في هذه الأمثلة إنما هو في فساد، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم" إنما هن مفسدات.
وقوله تعالى: {عن أمر ربه}، يحتمل أن يريد: خرج عن أمر ربه إياه، أي فارقه، كما يفعل الخارج عن طريق واحد، أي: منه، ويحتمل أن يريد: فخرج عن الطاعة بعد أمر ربه بها، و"عن" قد تجيء بمعنى "بعد" في مواضع كثيرة، كقولك: "أطعمته عن جوع"، ونحوه، فكأن المعنى: فسق بسبب أمر ربه بأن يطيع، ويحتمل أن يريد: فخرج بأمر ربه، أي بمشيئته ذلك له، ويعبر عن المشيئة بالأمر; إذ هي أحد الأمور، وهذا كما تقول: فعلت ذلك عن أمرك، أي بجدك وبحسب مرادك.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما في قصص هذه الآية: كان إبليس من أشرف صنف، وكان له سلطان السماء وسلطان الأرض، فلما عصى صارت حاله إلى ما تسمعون. وقال بعض العلماء: إذا كانت خطيئة المرء من الخطإ فلترجه كآدم، وإذا كانت من الكفر فلا ترجه كإبليس.
ثم وقف عز وجل الكفرة - على جهة التوبيخ - بقوله: "أفتتخذونه"، يريد: أفتتخذون إبليس، وقوله: "وذريته" ظاهر اللفظ يقتضي الموسوسين من الشياطين الذين يأمرون بالمنكر ويحملون على الباطل. وذكر الطبري أن مجاهدا قال: ذرية إبليس الشياطين، وكان يعدهم: "زلنبور" صاحب الأسواق، يضع رايته في كل سوق،
[المحرر الوجيز: 5/619]
و"تبن" صاحب المصائب، و"الأعور" صاحب الرياء، و"مسوط" صاحب الأخبار، يأتي بها فيلقيها في أفواه الناس ولا يجدون لها أصلا، و"داسم" الذي إذا دخل الرجل بيته فلم يسلم ولم يذكر اسم الله بصره من المتاع ما لم يرفع.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا وما جانسه مما لم يأت به خبر صحيح فلذلك اختصرته. وقد طول النقاش في هذا المعنى، وجلب حكايات تبعد من الصحة، فتركتها إيجازا، ولم يمر بي في هذا صحيح إلا ما في كتاب مسلم من أن للوضوء والوسوسة شيطانا يسمى "خنزب"، وذكر الترمذي أن للوضوء شيطانا يسمى "الولهان"، والله أعلم بتفاصيل هذه الأمور، لا رب غيره.
وقوله تعالى: {وهم لكم عدو} أي: أعداء، فهو اسم الجنس.
وقوله: {بئس للظالمين بدلا}، أي: بدل ولاية الله عز وجل بولاية إبليس وذريته، وذلك هو التعوض من الجن بالباطل، وهذا هو نفس الظلم لأنه وضع الشيء في غير موضعه). [المحرر الوجيز: 5/620]

تفسير قوله تعالى: {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا ويوم يقول نادوا شركائي الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقا ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا}
الضمير في "أشهدتهم" عائد على الكفار، وعلى الناس بالجملة، فتتضمن الآية الرد على طوائف من المنجمين وأهل الطبائع والمتحكمين من الأطباء وسواهم من كل متخرص في هذه الأشياء. وحدثني أبي رضي الله عنه قال: سمعت الفقيه أبا عبد الله محمد بن معاذ المهدوي بالمهدية يقول: سمعت عبد الحق الصقلي يقول هذا القول، ويتأول هذا
[المحرر الوجيز: 5/620]
التأويل في هذه الآية، وأنها رادة على هذه الطوائف.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وذكر هذا بعض الأصوليين. وقيل: الضمير في "أشهدتهم" عائد على ذرية إبليس، فهذه الآية -على هذا- تتضمن تحقيرهم. والقول الأول أعظم فائدة، وأقول: إن الغرض المقصود أولا بالآية هم إبليس وذريته، وبهذا الوجه يتجه الرد على الطوائف المذكورة، وعلى الكهان والعرب المصدقين لهم والمعظمين للجن حين يقولون: أعوذ بعزيز هذا الوادي، إذ الجميع من هذه الفرق متعلقون بإبليس وذريته، وهم أضلوا الجميع، فهم المراد الأول بالمضلين، وتندرج هذه الطوائف في معناهم.
وقرأ الجمهور: "أشهدتهم"، وقرأ أبو جعفر وعوف العقيلي، وأيوب السختياني: "أشهدناهم"، وقرأ الجمهور: "وما كنت" وقرأ أبو جعفر والجحدري، والحسن بخلاف-: "وما كنت"، والصفة بـ "المضلين" تترتب في الطوائف المذكورة، وفي ذرية إبليس لعنه الله. و"العضد" استعارة للمعين والمؤازر، وهو تشبيه بعضد الإنسان الذي يستعين به. وقرأ الجمهور: "عضدا" بفتح العين وضم الضاد، وقرأ أبو عمرو، والحسن بضمهما، وقرأ الضحاك بكسر العين وفتح الضاد، وقرأ عكرمة: "عضدا" بضم العين وسكون الضاد، وقرأ عيسى بن عمر: "عضدا" بفتح العين والضاد، وفيه لغات غير هذا لم يقرأ بها). [المحرر الوجيز: 5/621]

تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا (52)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {ويوم يقول}، الآية وعيد، والمعنى: واذكر يوم، وقرأ طلحة، ويحيى، والأعمش، وحمزة: "نقول" بنون العظمة، وقرأ الجمهور بالياء، أي: "يقول" الله تعالى للكفار الذين أشركوا به من الدنيا سواه: نادوا شركائي على وجه الاستغاثة بهم، وقوله: "شركائي"، أي: على دعواكم أيها المشركون، وقد بين هذا بقوله: {الذين زعمتم}. وقرأ ابن كثير وأهل مكة: "شركائي" بياء مفتوحة، وقرأ الجمهور: "شركائي" بهمزة، فمنهم من حققها، ومنهم من خففها، و"الزعم" إنما هو مستعمل أبدا في غير اليقين، بل أغلبه في الكذب، ومنه هذه الآية، وأرفع مواضعه أن تستعمل "زعم" بمعنى "أخبر" حيث تلقي عهدة الخبر على المخبر، كما يقول سيبويه
[المحرر الوجيز: 5/621]
رحمه الله: "زعم الخليل"، وقوله تعالى: {فدعوهم فلم يستجيبوا لهم} ظاهره أن ذلك يقع حقيقة، ويحتمل أن يكون استعارة، كأن فكرة الكفار ونظرهم في أن تلك الجمادات لا تغني شيئا ولا تنفع هي بمنزلة الدعاء وترك الإجابة، والأول أبين.
واختلف المتأولون في قوله تعالى: "موبقا" قال عبد الله بن عمرو، وأنس بن مالك، ومجاهد: هو واد في جهنم يجري بدم وصديد، قال أنس رضي الله عنه: يحجز بين أهل النار وبين المؤمنين، فقوله -على هذا-: "بينهم" ظرف. وقال الحسن: "موبقا": عداوة، و"بينهم" -على هذا- ظرف. وبعض هذه الفرقة يرى أن الضمير في قوله تعالى: "بينهم" يعود على المؤمنين والكافرين، ويحتمل أن يعود على المشركين ومعبوداتهم في الدنيا، وأما التأويل الأول فالضمير فيه عائد على المشركين ومعبوداتهم. وقال ابن عباس رضي الله عنهما "موبقا" معناه: مهلكا، بمنزلة: موضع، وهو من قولك: وبق الرجل وأوبقه غيره إذا أهلكه، فقوله تعالى: "بينهم" -على هذا التأويل- يصح أن يكون ظرفا، والأظهر فيه أن يكون اسما بمعنى: وجعلنا تواصهم أمرا مهلكا لهم، ويكون "بينهم" مفعولا أولا لـ "جعلنا". وعبر بعضهم عن "الموبق" بالوعيد، وهذا ضعيف). [المحرر الوجيز: 5/622]

تفسير قوله تعالى: {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (53)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم أخبر عز وجل عن رؤية المجرمين النار، ومعاينتهم لها، ووقوع العلم لهم بأنهم مباشروها، وأطلق الناس أن "الظن" هنا بمعنى اليقين.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ولو قال تعالى بدل "ظنوا": "أيقنوا" لكان الكلام متسقا على مبالغة فيه، ولكن العبارة بالظن لا تجيء أبدا في موضع يقين تام قد ناله الحس، بل أعظم درجاته أن يجيء في موضع علم متحقق لكنه لم يقع ذلك المظنون، وإلا فما يقع ويحس لا يكاد يوجد في كلام العرب العبارة عنه بالظن، وتأمل هذه الآية، وتأمل قول دريد:
فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج.
[المحرر الوجيز: 5/622]
وقرأ الأعمش: "فظنوا أنهم ملاقوها"، وكذلك في مصحف ابن مسعود، وحكى أبو عمرو الداني عن علقمة أنه قرأ: "ملافوها" بالفاء مشددة، من لففت. وروى أبو سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الكافر ليرى جهنم ويظن أنها مواقعته من مسيرة أربعين سنة". و"المصرف": المعدل، ومنه قول أبي كبير الهذلي:
أزهير هل عن شيبة من مصرف ... أم لا خلود لباذل متكلف
وهو مأخوذ من الانصراف من شيء إلى شيء). [المحرر الوجيز: 5/623]

رد مع اقتباس