الموضوع: سورة البقرة
عرض مشاركة واحدة
  #17  
قديم 20 جمادى الآخرة 1434هـ/30-04-2013م, 06:41 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

قوله تعالى: { يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(183)}

قال الوليد بن محمد الموقّري الأموي (ت:182هـ): حدثني محمد بن مسلم بن عبد الله بن شِهَاب الزهري(124هـ) قال: (وقال أيضاً: {كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}. كانوا في أول الصيام إذا صلى الناس العتمة ونام أحدهم حرم عليه الطعام والشراب والنساء، وصلوا الصيام حتى الليلة المقبلة. فاختان رجلٌ نفسه فجامع أهله بعدما صلى العتمة فنسخ ذلك فقال: {علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم}. وهو عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وامرأته الأنصارية أم عاصم بن عمر واسمها جميلة بنت أبي عاصم الذي حماه الدبر أن يؤخذ رأسه وقتلوا يومئذ أبا الجيلان بن هذيل وأسروا خبيب بن عدي وزيد بن الدثنة، فنسخ شأن الصوم والنساء فقال تعالى: {فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل}.
والذي أنزلت فيه آية الصوم هو صرمة بن أبي إياس، غلبته عينه فنام فحرم عليه الطعام والشراب حتى الليلة المقبلة فأنزل الله عز وجل الرخصة في الصوم والفرح والنسوة، وذلك [قوله تعالى: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} ]. *
). [الناسخ والمنسوخ للزهري: 18-22]
قال محمد بن كثيرٍ العَبْدي (ت:223هـ) عن همّام بن يحيى البصري قال: (وعن قوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات إلى قوله من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} كانت فيها رخصة الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة وهما لا يطيقان الصوم أن يطعما مكان كل يوم مسكينا أو يفطرا ثم نسخ تلك الآية التي بعدها فقال : {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} فنسختها هذه الآية فكان أهل العلم يرون ويرجون أن الرخصة قد ثبتت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا لم يطيقا القيام أن يطعما مكان كل يوم مسكينا وللحبلى إذا خشيت على ما في بطنها والمرضع إذا خشيت على ولدها
حدثنا قتادة عن يزيد بن عبد الله أخي مطرف بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للحبلى والمرضع
). [الناسخ والمنسوخ لقتادة: 1/31-38]

قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (الآية التاسعة: قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم} الآية [183 مدنية / البقرة / 2] منسوخة وذلك أنهم كانوا إذا فطروا أكلوا وشربوا وجامعوا النساء ما لم يصلوا العشاء الأخيرة ويناموا قبل ذلك ثم نسخ الله ذلك بقوله تعالى: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} ... إلى قوله: {وابتغوا ما كتب الله لكم} [187 / البقرة] في شأن عمر رضي الله عنه والأنصاري لأنهما جامعا معا ونزل في صرفه {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} [187 مدنية / البقرة / 2]. ) .[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (كقوله {كتب عليكم الصّيام} [البقرة: 183]
باب ذكر قوله جلّ وعزّ {كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم لعلّكم تتّقون}[البقرة: 183]
وهي الآية السّادسة
قال أبو جعفرٍ: في هذه الآية خمسة أقوالٍ:
قال جابر بن سمرة: «هي ناسخةٌ لصوم يوم عاشوراء»، يذهب إلى أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أمر بصوم يوم عاشوراء فلمّا فرض صيام شهر رمضان نسخ ذلك فمن شاء صام يوم عاشوراء ومن شاء أفطره
وإن كان قد صحّ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من حديث أبي قتادة «صوم يوم عاشوراء يكفّر سنةً مستقبلةً»
وقال عطاءٌ: {كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم} [البقرة: 183] «كتب عليكم صيام ثلاثة أيّامٍ من كلّ شهرٍ»
قال أبو جعفرٍ: فهذان قولان على أنّ الآية ناسخةٌ
وقال أبو العالية والسّدّي: هي منسوخةٌ؛ لأنّ اللّه جلّ وعزّ كتب على من قبلنا إذا نام بعد المغرب لم يأكل ولم يقرب النّساء، ثمّ كتب ذلك علينا فقال جلّ ثناؤه {كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم} [البقرة: 183] ثمّ نسخه بقوله جلّ وعزّ {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم} [البقرة: 187] وبما بعده
والقول الرّابع: إنّ اللّه جلّ وعزّ كتب علينا الصّيام شهرًا كما كتب على الّذين من قبلنا وأن نفعل كما كانوا يفعلون من ترك الوطء والأكل بعد النّوم ثمّ أباح الوطء والأكل بعد النّوم إلى طلوع الفجر
والقول الخامس: إنّه كتب علينا الصّيام وهو شهر رمضان كما كتب صوم شهر رمضان على من قبلنا
قال مجاهدٌ: كتب اللّه جلّ وعزّ صوم شهر رمضان على كلّ أمّةٍ
وقال قتادة: كتب اللّه جلّ وعزّ صوم شهر رمضان على من قبلنا وهم النّصارى
قال أبو جعفرٍ: وهذا أشبه بما في الآية، وفيه حديثٌ يدلّ على صحّته قد مرّ قبل هذا غير مسندٍ ثمّ كتبناه مسندًا
عن محمّد بن محمّد بن عبد اللّه، قال: حدّثنا اللّيث بن الفرج، قال: حدّثنا معاذ بن هشام بن أبي عبد اللّه الدّستوائيّ، قال: حدّثني أبي، عن قتادة، عن الحسن، عن دغفل بن حنظلة، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: " كان على النّصارى صوم شهرٍ فمرض رجلٌ منهم فقالوا: لئن اللّه جلّ وعزّ شفاه لنزيدنّ عشرًا، ثمّ كان ملكٌ آخر فأكل لحمًا فأوجع فاه فقالوا: لئن اللّه جلّ وعزّ شفاه لنزيدنّ سبعًا، ثمّ كان ملكٌ آخر فقال: لنتمّنّ هذه السّبعة الأيّام ونجعل صومنا في الرّبيع " قال: فصار خمسين " قال أبو جعفرٍ: أمّا قول عطاءٍ: إنّها ناسخةٌ لصوم ثلاثة أيّامٍ فغير معروفٍ وقول من قال: إنّه نسخ منها ترك الأكل والوطء بعد النّوم لا يمتنع، وقد تكون الآية ينسخ منها الشّيء كما قيل في الآية السّابعة
). [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 1/454-630]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {كتب عليكم الصّيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلّكم تتقون} الآية.
قال ابن حبيب: هذا من قوله: {فبهداهم اقتده} [الأنعام: 90] وكان المسلمون يقتدون بصيام أهل الكتاب وفعلهم، فكانوا إذا صلّوا العشاء حرم عليهم الطعام والشّراب والوطء إلى مثلها من اللّيلة القابلة.
وقيل: كان يلزمهم ذلك إذا ناموا.
فخفّف الله ذلك عنهم، ونسخه بقوله: {وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} [البقرة: 187] الآية. وبقوله: {أحلّ لكم ليلة الصيام الرّفث إلى نسائكم} [البقرة 187] الآية.
ونسخ فرض صيام من كان قبلنا بفرض رمضان.
قلت: فالآية على قوله منسوخةٌ، أعلمنا الله فيها أنه فرض علينا مثل ما فرض على من كان قبلنا. ثم نسخ ذلك. وهو قول السّدّي وأبي العالية.
وقيل: الآية ناسخةٌ وليست بمنسوخةٍ واختلف في ذلك:
فقيل: هو ناسخٌ لما فرض النبيّ -صلى الله عليه وسلم- على أمته من صوم يوم عاشوراء. قالت عائشة -رضي الله عنها-: "كان يوم عاشوراء يومًا تصومه قريش في الجاهلية، فلمّا قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة، صامه وأمر بصيامه. فلما فرض رمضان كان هو الفريضة. وترك صيام يوم عاشوراء، فمن شاء صامه ومن شاء تركه" -وقاله جابر بن سمرة وغيره-.
وقد قال قومٌ: إن فرض صوم يوم عاشوراء باقٍ إلى الآن،
وهو قول شاذٌّ، غير معمولٍ به.
والنّسخ لصوم يوم عاشوراء كان بالمدينة لحديث عائشة -رضي الله عنها- وقولها: فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة صامه، وأمر الناس بصيامه؛ لأن صوم رمضان بالمدينة فرض.
وقال ابن عباس: هذا ناسخ لما كان أمر به النبي صلى الله عليه وسلم كان أمر بصيام ثلاثة أيام من كلّ شهر في أوّل قدومه المدينة، وقاله معاذٌ وغيره وقال عطاء: هو ناسخٌ لما فرض على من كان قبلنا، كان فرض عليهم صوم ثلاثة أيام من كلّ شهر، وهو قول قتادة.
قال أبو محمد: وقوله تعالى: {علم الله أنّكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا} [البقرة: 187]، يدلّ على أن الله فرض علينا ما كان فرضه على من كان قبلنا من الصيام وترك الطّعام والشراب والوطء بعد النوم. فهو منسوخٌ بما بعده، دليل ذلك أن الخيانة لا تلحق إلاّ من ترك ما أمر به وفعل ما نهي عنه.
وقوله: {فتاب عليكم}، يدلّ على ذنبٍ اكتسبوه وهو الوطء والأكل والشّرب بعد النوم في ليالي الصيام.
وكذلك قوله: {وعفا عنكم} يدلّ على أنهم أذنبوا ذنبًا عفا لهم عنه، وهو ما ذكرنا. ولا يكون الذّنب إلاّ عن ركوب نهيٍ أو ترك أمر، فدلّ على أنه كان مفروضًا عليهم، ثم نسخ بإباحة الأكل والشرب والوطء بعد النوم.
وقد قال الشعبي والحسن ومجاهد: الآية محكمةٌ غير ناسخة ولا منسوخة. وذلك أن الله جلّ ذكره كان قد افترض على من كان قبلنا من النصارى صوم رمضان، فحولّوه عن وقته، ثم زاد كل قرنٍ يومًا في أوله للاستبراء والاحتياط ويومًا في آخره حتّى صار إلى خمسين يومًا، ففرض الله علينا صومه خاصّة كما كان فرضًا عليهم بقوله: {كتب عليكم الصّيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلّكم تتّقون} [البقرة: 183].والكلام في إعراب الكاف من قوله: {كما كتب}، يصرح بالمعنى وببيّنه، وقد ذكرناه في غير هذا الكتاب.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية الرّابعة عشرة: قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم}.
أمّا قوله كتب، فمعناه: فرض.والّذين من قبلنا، هم أهل الكتاب وفي كاف التّشبيه في قوله: (كما) ثلاثة أقوال:
أحدها: أنّها ترجع إلى حكم الصّوم وصفته لا إلى عدده.
أخبرنا عبد الحقّ بن عبد الخالق، قال: أبنا محمّد بن مرزوقٍ، قال: أبنا أحمد بن عليّ بن ثابتٍ، قال: أبنا عبد اللّه بن يحيى السّكّريّ، قال: أبنا جعفرٌ الخلديّ، وقال: أبنا أبو علاثة محمّد بن عمرو بن خالد، قال: بنا أبي قال: بنا يونس بن راشدٍ، عن عطاءٍ الخراسانيّ عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما.
وأخبرنا إسماعيل بن أحمد، وقال: بنا أبو الفضل البقّال، قال: أبنا أبو الحسين بن بشران قال: بنا إسحاق الكاذي قال: بنا عبد اللّه بن أحمد قال حدثني أبي قال: بنا حجّاجٌ عن ابن جريجٍ عن عطاءٌ عن ابن عبّاسٍ رضي
اللّه عنهما ولم يذكر عكرمة.
قال: {كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم} يعني بذلك: أهل الكتاب، وكان كتابه على أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، أنّ الرّجل كان يأكل ويشرب، وينكح، ما بينه وبين أن يصلّي العتمة، أو يرقد وإذا صلّى العتمة أو رقد منع ذلك إلى مثلها، فنسختها هذه الآية {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم}.
أخبرنا محمّد بن أبي منصورٍ قال: أبنا عليّ بن أبي أيّوب، قال: أبنا أبو عليّ بن شاذان، قال: أخبرنا أبو بكر النجاد، قال: بنا أبو داود السّجستانيّ، قال: أبنا نصر بن علي، قال: بنا أبو أحمد، قال: بنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء، قال: كان الرّجل إذا صام فنام لم يأكل إلى مثلها من القابلة، وأنّ قيس بن صرمة، أتى امرأته، وكان صائمًا فقال: عندك شيءٌ قالت: لعلّي أذهب فأطلب لك، فذهبت وغلبته عينه فجاءت فقالت: خيبةٌ لك فذكر ذلك للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم،
فنزلت {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم} إلى قوله {من الفجر}.
وقال سعيد بن جبيرٍ: "كتب عليهم إذا نام أحدهم قبل أن يطعم لم يحلّ له أن يطعم إلى القابلة، والنّساء عليهم حرامٌ ليلة الصّيام، وهو عليهم ثابتٌ وقد أرخص لكم". فعلى هذا القول تكون الآية منسوخةً بقوله تعالى: {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم} الآية.
وقد روي أنّ قيس بن صرمة أكل بعدما نام، وأن عمربن الخطّاب جامع زوجته بعد أن نامت، فنزل فيهما قوله تعالى: {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم} الآية.
القول الثّاني: أنّها ترجع إلى عدد الصّوم لا إلى صفته، ولأرباب هذا القول في ذلك ثلاثة أقواله:
أمّا الأوّل: فأخبرنا أبو بكر بن حبيب، قالت: أبنا عليّ بن الفضل العامريّ قال: أبنا ابن عبد الصّمد، قال: أبنا ابن حمّوية، قال: أبنا إبراهيم ابن خريم قال: حدّثنا عبد الحميد، قال: بنا هاشم بن القاسم، قال بنا محمّد بن طلحة عن الأعمش، قال: قال ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما كتب على النّصارى الصّيام كما كتب عليكم، فكان أوّل أمر النّصارى أن قدموا يوماً قالوا: حتى لا نخطئ.
قال: ثمّ آخر أمرهم صار إلى أن قالوا: نقدّمه عشرًا ونؤخر عشراً حتى لا نخطئ. فضلّوا، وقال دغفل بن حنظلة كان على
النّصارى صوم رمضان فمرض ملكهم (فقالوا) إن شفاه الله تعالى لنزيدن
عشرةً، ثمّ كان بعده ملكٌ آخر فأكل اللّحم فوجع فوه فقال: إن شفاه ليزيدنّ سبعة أيّامٍ ثمّ ملكٌ بعده ملكٌ، فقال: ما ندع من هذه الثّلاثة الأيّام أن نتمّها، ونجعل صومنا في الرّبيع، ففعل فصارت خمسين يومًا.
وروى السّدّيّ عن أشياخه، قال: اشتدّ على النّصارى صيام رمضان، وجعل يتقلّب عليهم في الشّتاء والصّيف، فلمّا رأوا ذلك اجتمعوا فجعلوا صيامًا في الفصل بين الشّتاء والصّيف، وقالوا نزيد عشرين يومًا نكفّر بها ما صنعنا فجعلوا صيامهم خمسين يومًا فعلى هذا البيان الآية محكمةٌ غير منسوخةٍ.
وأمّا الثّاني: فأخبرنا عبد الوهّاب، قال: أبنا أبو الفضل بن خيرون، وأبو طاهرٍ الباقلاويّ، قالا. أخبرنا أبو عليّ بن شاذان، قال: أبنا أحمد بن كاملٍ، قال: أبنا محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثنا أبي قال حدّثني عمّي الحسين ابن الحسن بن عطيّة، قال: حدّثني أبي عن جدّي عن ابن عباس رضي الله
عنهما {كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم} فكان ثلاثة أيّامٍ في
كلّ شهرٍ، ثمّ نسخ ذلك ما أنزل من صيام رمضان وقال قتادة: كتب الله عز وجل على النّاس قبل نزول شهر رمضان ثلاثة أيّامٍ من كلّ شهرٍ.
وأمّا الثّالث: فقد روى (النّزّال) بن سبرة عن ابن مسعودٍ، أنّه قال: ثلاثة أيّامٍ من كلّ شهرٍ، ويوم (عاشوراء) وقد زعم أرباب هذا القول، أنّ الآية منسوخةٌ بقوله: {شهر رمضان} وفي هذا بعدٌ كثيرٌ، لأنّ قوله {شهر رمضان} جاء عقيب قوله {كتب عليكم الصّيام} فهو كالتّفسير للصّيام والبيان له.
القول الثّالث: إنّ التّشبيه راجعٌ إلى نفس الصّوم لا إلى صفته ولا إلى عدده، وبيان ذلك، أنّ قوله تعالى: {كما كتب على الّذين من قبلكم} لا يدلّ على عددٍ ولا صفةٍ، ولا وقتٍ، وإنّما يشير إلى نفس الصّيام كيف وقد عقّبه اللّه بقوله تعالى {أيّاماً معدوداتٍ} فتلك يقع على يسير الأيّام وكثيرها.
فلمّا قال تعالى: في نسق التّلاوة شهر رمضان، بيّن عدد الأيّام المعدودات ووقتها، وأمر بصومها فكان التّشبيه الواقع في نفس الصّوم. والمعنى كتب عليكم أن تصوموا كما كتب عليهم، وأمّا صفة الصّوم وعدده فمعلومٌ من وجوهٍ أخر لا من نفس الآية.وهذا المعنى مرويٌّ عن ابن أبي ليلى وقد أشار إليه السّدّيّ والزّجّاج، والقاضي أبو يعلى، وما رأيت مفسّرًا يميل إلى التحقيق إلا وقد أومأ إليه، وهو الصّحيح. وما ذكره المفسّرون فإنّه شرح حال صوم المتقدمين، وكيف كتب عليهم لا أنه تفسيرٌ للآية وعلى هذا البيان لا تكون الآية منسوخةً أصلا.
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية الثّانية عشرة قوله تعالى {يا أيّها الّذين آمنوا كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم} اختلف النّاس في الإشارة إلى من هي فقال بعضهم الإشارة إلى الأمم الخالية وهو قول الأكثرين وذلك أن الله تعالى ما أرسل نبيا إلّا فرض عليه وعلى أمته صيام شهر رمضان فكفرت به الأمم كلها وآمنت به أمة محمّد (صلى الله عليه وسلم) فيكون التّنزيل على هذا الوجه مدحا لهذه الأمة وقال بعضهم الإشارة إلى النّصارى وذلك أنهم كانوا إذا أفطروا وأكلوا وشربوا جامعوا النّساء ما لم يناموا وكان المسلمين كذلك وزيادة عليهم كانوا إذا أفطروا وأكلوا وشربوا جامعوا النّساء ما لم يناموا ويصلوا العشاء الآخرة فعمد أربعون رجلا من المهاجرين والأنصار فجامعوا نساءهم بعد النّوم منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وذلك
أنه رواد امرأته عن نفسها فقالت إنّي كنت قد نمت وكان أي الزّوجين إذا نام حرم على الآخر فلم يلتفت إلى قولها فجامعها فجاءت الأنصار فأقرت على أنفسها عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بفعالها وأقر عمر على نفسه بفعله فقال له النّبي (صلى الله عليه وسلم) لقد كنت يا عمر جديرًا أن لا تفعل فقام يبكي وكان النّبي (صلى الله عليه وسلم) يمشي بالمدينة فرأى شيخا كبيرا من الأنصار يقال له صرمة بن قيس يكنى أبا قيس من بني النجار وهو يهادي بين رجلين ورجلاه تخطان الأرض خطا فقال له النّبي (صلى الله عليه وسلم) ما لي أراك يا أبا قيس طليحا قال الشّيخ هبة الله والطليح الضّعيف فقال يا رسول أنّي دخلت على امرأتي البارحة فقالت عليّ رسلك أبا قيس حتّى أسخن لك طعاما قد صنعته لك فمضت لإسخانه فحملتني عيناي فنمت فجائتني بالطّعام فقالت الخيبة الخيبة حرم واللهعليك الطّعام والشراب فأصبحت طاويا وعملت في أرضي فغشي عليّ من الضعف فرق له النّبي (صلى الله عليه وسلم) حتّى دمعت عيناه وكان قصّة صرمة قبل قصّة عمر والأنصار فبدأ الله بقصّة عمر والأنصار لأن الجناح في الوطء أعظم منه في الأكل والشرب فنزل {أحلّ لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} إلى قوله {فتاب عليكم وعفا عنكم} في شأن عمر والأنصار ونزل في قصّة صرمة قوله تعالى {وكلوا واشربوا} إلى قوله {ثمّ أتمّوا الصيام إلى الليل} فصارت هذه الآية ناسخة لقوله تعالى {كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم} الآية
). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (الحادية عشرة: {كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم} ذهب بعضهم إلى أن الإشارة إلى صفة الصوم وكان قد كتب على من قبلنا أنه إذا نام أحدهم في الليل لم يجز له الأكل إذا انتبه بالليل ولا الجماع فنسخ ذلك عنا بقوله {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم} الآية والصحيح أن الإشارة إلى نفس الصوم والمعنى كتب على من قبلكم أن يصوموا وليست الإشارة إلى صفة الصوم ولا إلى عدده فالآية على هذا محكمة.). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 14-21]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (وقال قوم في قوله عز وجل: {كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم} الآية [البقرة: 183] إن الآية منسوخة، وإن المسلمين كانوا يقتدون بفعل أهل الكتاب في صومهم، فكانوا إذا ناموا حرم بعد نومهم أن يأكلوا أو يشربوا أو يقربوا النساء، وكذلك بعد صلاة العشاء الآخرة وإن لم يناموا، وليس هذا القول بشيء، وإنما المعنى: فرض عليكم الصيام كما فرض على الذين من قبلكم. أي: أوجبه الله تعالى عليكم كما أوجبه على الذين من قبلكم.
قال علي رضي الله عنه: (أولهم آدم وجميع الأمم مفروض عليهم الصوم).
وقال قوم: أراد بقوله: {أياما معدودات} الآية [البقرة: 184] يوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر، كتب على رسول الله صلى الله عليه وسلم صيامها حين هاجر، ثم نسخ بشهر رمضان، وهذا غير صحيح؛ لأنه بين الأيام المعدودات بقوله عز وجل: {شهر رمضان} الآية [البقرة: 185].
وأما قوله عز وجل: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين) قيل: إنها منسوخة، وكانوا: من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا عن كل يوم، ثم نسخ ذلك بقوله عز وجل: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} الآية [البقرة: 185]، وقد قيل إنها محكمة.
وقوله: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} الآية [البقرة: 185] يريد: من أفطر لمرض ثم صح فأطاق القضاء فلم يقض حتى أدركه فرض الصوم لعام آخر فإنه يصوم الذي أدركه فإذا فرغ منه قضى الذي فاته وأطعم عن كل يوم مدا، وأما من اتصل به المرض فلم يطق أن يقضي حتى جاء الصوم الآخر، فإنه يقضي، إذا أطاق بعد ذلك ولا إطعام عليه، وهذا القول قول زيد بن أسلم وابن شهاب ومالك رحمه الله في رواية ابن وهب عنه.
ويجوز – والله أعلم – أن تكون محكمة، ويكون معنى قوله: {وعلى الذين يطيقونه} الآية [البقرة: 184] أي الذين يتعمدون الفطر من غير عذر فإنهم يلزمهم إطعام ستين مسكينا، أو العتق، أو صوم شهرين. والسنة بينت الإطعام وزادت العتق والصيام.
وليس التأويل الأول: كانوا من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم – بمتفق عليه بين الصحابة – إنما ذلك قول معاذ بن جبل رحمه الله، وقد خالفه ابن عباس وأبو بكر الصديق رضي الله عنه، وقرأ: (وعلى الذين يطوقونه) بضم الياء وفتح الطاء وتشديد الواو.
وقال ابن عباس رحمه الله: (نزلت في الكبيرين اللذين لا يقدران على الصوم والمريض)، وعلى هذه القراءة أيضا عائشة رضي الله عنها وعطاء وابن جبير وعكرمة.
وعن مجاهد: (يطوقونه) بفتح الواو وتشديد الطاء والواو، أي يتكلفونه.
ومعنى الأولى يكلفونه على جهد وعسر، ولو كانوا في صدر الإسلام على ما قيل من التأويل الأول لمنع شهرة ذلك من وقوع هذا الخلاف.
وأنا أذكر بعون الله الآيات التي قيل إنها منسوخة ولها وجه تحمل عليه فتكون محكمة.
). [جمال القراء: 1/249-271]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس