عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 25 ربيع الثاني 1434هـ/7-03-2013م, 11:15 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف


جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يعلم اللّه الّذين جاهدوا منكم ويعلم الصّابرين}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: أم حسبتم يا معشر أصحاب محمّدٍ، وظننتم أن تدخلوا الجنّة، وتنالوا كرامة ربّكم، وشرف المنازل عنده؛ {ولمّا يعلم اللّه الّذين جاهدوا منكم} يقول: ولمّا يتبيّن لعبادي المؤمنين، المجاهد منكم في سبيل اللّه، على ما أمرته به.
وقد بيّنت معنى قوله: {ولمّا يعلم اللّه} وليعلم اللّه، وما أشبه ذلك بأدلّته فيما مضى بما أغنى عن إعادته
وقوله: {ويعلم الصّابرين} يعني الصّابرين عند البأس على ما ينالهم في ذات اللّه من جرحٍ وألمٍ ومكروهٍ.
- كما: حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة} وتصيبوا من ثوابي الكرامة ولم أختبركم بالشّدّة أبتليكم بالمكاره، حتّى أعلم صدق ذلك منكم الإيمان بي والصّبرعلى ما أصابكم فيّ
ونصب {ويعلم الصّابرين} على الصّرف، والصّرف أن يجتمع فعلان ببعض حروف النّسق، وفي أوّله ما لا يحسن إعادته مع حرف النّسق، فينصب الّذي بعد حرف العطف على الصّرف؛ لأنّه مصروفٌ عن معنى الأوّل يكون مع جحدٍ أو استفهامٍ أو نهيٍ في أوّل الكلام، وذلك كقولهم: لا يسعني شيءٌ ويضيق عنك؛ لأنّ لا الّتي مع يسعني لا يحسن إعادتها مع قوله: ويضيق عنك، فلذلك نصب.
والقرّاء في هذا الحرف على النّصب؛ وقد روي عن الحسن أنّه كان يقرأ: (ويعلم الصّابرين) فيكسر الميم من يعلم؛ لأنّه كان ينوي جزمها على العطف به على قوله: {ولمّا يعلم اللّه}). [جامع البيان: 6/91-92]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يعلم اللّه الّذين جاهدوا منكم ويعلم الصّابرين (142)
قوله تعالى: أم حسبتم أن تدخلوا
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، ثنا محمّد بن عمرٍو، ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق: أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة وتصيبوا من ثواب الكرامة.
قوله تعالى: ولمّا يعلم اللّه الّذين جاهدوا منكم ويعلم الصّابرين
- وبه قال ابن إسحاق: ويعلم الصّابرين يقول: لم أختبركم بالشدة وأبتليكم بالمكاره؟
قوله تعالى: ويعلم الصّابرين
- وبه قال ابن إسحاق ويعلم الصابرين بقول: لم أختبركم بالشّدّة وأبتليكم بالمكاره، حتّى أعلم صدق ذلك منكم الإيمان بي، والصّبر على ما أصابكم فيّ). [تفسير القرآن العظيم: 2/775-776]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن إسحاق {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة} وتصيبوا من ثوابي الكرامة {ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم} يقول: ولم أختبركم بالشدة وأبتليكم بالمكاره حتى أعلم صدق ذلك منكم، الإيمان بي والصبر على ما أصابكم في). [الدر المنثور: 4/39-44]

تفسير قوله تعالى: (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى ولقد كنتم تمنون الموت قال كانوا يتمنون أن يلقوا المشركين أن يقاتلوهم فلما لقوهم يوم أحد ولوا). [تفسير عبد الرزاق: 1/134]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولقد كنتم تمنّون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون}.
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {ولقد كنتم تمنّون الموت} ولقد كنتم يا معشر أصحاب محمّدٍ تمنّون الموت يعني أسباب الموت وذلك القتال؛ {فقد رأيتموه} فقد رأيتم ما كنتم تمنّونه.
والهاء في قوله {رأيتموه}، عائدةٌ على الموت، ومعنى ما وصفت: {وأنتم تنظرون} يعني: قد رأيتموه بمرأًى منكم ومنظرٍ: أي بقربٍ منكم.
وكان بعض أهل العربيّة يزعم أنّه قيل: {وأنتم تنظرون} على وجه التّوكيد للكلام، كما يقال: رأيته عيانًا، ورأيته بعينيّ، وسمعته بأذنيّ؛ وإنّما قيل: {ولقد كنتم تمنّون الموت من قبل أن تلقوه}، لأنّ قومًا من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ممّن لم يشهد بدرًا، كانوا يتمنّون قبل أحدٍ يومًا مثل يوم بدرٍ، فيبلوا اللّه من أنفسهم خيرًا، وينالوا من الأجر مثل ما نال أهل بدرٍ؛ فلمّا كان يوم أحدٍ فرّ بعضهم وصبر بعضهم، حتّى أوفى بما كان عاهد اللّه قبل ذلك، فعاتب اللّه من فرّ منهم، فقال: {ولقد كنتم تمنّون الموت من قبل أن تلقوه} الآية، وأثنى على الصّابرين منهم والموفين بعهدهم.
ذكر الأخبار بما ذكرنا من ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {ولقد كنتم تمنّون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون} قال: غاب رجالٌ عن بدرٍ، فكانوا يتمنّون مثل يوم بدرٍ أن يلقوه، فيصيبوا من الخير والأجر مثل ما أصاب أهل بدرٍ. فلمّا كان يوم أحدٍ ولّى من ولّى،منهم فعاتبهم اللّه أو فعابهم، أو فعتبهم على ذلك شكّ أبو عاصمٍ
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ نحوه إلاّ أنّه قال: فعاتبهم اللّه على ذلك، ولم يشكّ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ولقد كنتم تمنّون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون} أناسٌ من المؤمنين لم يشهدوا يوم بدرٍ والّذي أعطى اللّه أهل بدرٍ من الفضل والشّرف والأجر، فكانوا يتمنّون أن يرزقوا قتالاً فيقاتلوا، فسيق إليهم القتال حتّى كان في ناحية المدينة يوم أحدٍ، فقال اللّه عزّ وجلّ كما تسمعون: {ولقد كنتم تمنّون الموت} حتّى بلغ: {الشّاكرين}.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة قوله: {ولقد كنتم تمنّون الموت من قبل أن تلقوه} قال: كانوا يتمنّون أن يلقوا المشركين فيقاتلوهم، فلمّا لقوهم يوم أحدٍ ولّوا.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قال: إنّ أناسًا من المؤمنين لم يشهدوا يوم بدرٍ والّذي أعطاهم اللّه من الفضل، فكانوا يتمنّون أن يروا قتالاً فيقاتلوا، فسيق إليهم القتال، حتّى كان بناحية المدينة يوم أحدٍ، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {ولقد كنتم تمنّون الموت من قبل أن تلقوه} الآية.
- حدّثني محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا هوذة، قال: حدّثنا عوفٌ، عن الحسن، قال: بلغني أنّ رجالاً، من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كانوا يقولون: لئن لقينا مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لنفعلنّ ولنفعلنّ فابتلوا بذلك، فلا واللّه ما كلّهم صدق فأنزل اللّه عزّ وجلّ {ولقد كنتم تمنّون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون}.الايه
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: كان ناسٌ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لم يشهدوا بدرًا، فلمّا رأوا فضيلة أهل بدرٍ، قالوا: اللّهمّ إنّا نسألك أن ترينا يومًا كيوم بدرٍ، نبليك فيه خيرًا، فرأوا أحدًا فقال لهم: {ولقد كنتم تمنّون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {ولقد كنتم تمنّون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون} أي لقد كنتم تمنّون الشّهادة على الّذي أنتم عليه من الحقّ قبل أن تلقوا عدوّكم، يعني الّذين استانبصو رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الى خروجه بهم إلى عدوّهم لمّا فاتهم من الحضور في اليوم الّذي كان قبله ببدرٍ؛ رغبةً في الشّهادة الّتي قد فاتتهم به يقول: {فقد رأيتموه وأنتم تنظرون} أي الموت بالسّيوف في أيدي الرّجال، قد حلّى بينكم وبينهم، وأنتم تنظرون إليهم، فصددتم عنهم). [جامع البيان: 6/92-96]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ولقد كنتم تمنّون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون (143)
قوله تعالى: ولقد كنتم تمنّون الموت من قبل أن تلقوه
- حدّثنا الفضل بن شاذان، ثنا يحيى بن عبد الحميد، ثنا عبد اللّه بن جعفرٍ المخرّميّ، عن أبي عونٍ، عن المسور بن مخرمة، عن عبد الرّحمن بن عوفٍ ولقد كنتم تمنّون الموت الآية قال: هو تمنّي المؤمنين لقاء العدو.
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، ثنا عمّي عن أبيه، عن جدّه، عن ابن عبّاسٍ، أنّ رجالا من أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم كانوا يقولون:
ليتنا نقتل كما قتل أصحاب بدرٍ ونستشهد، أو ليت لنا يوماً كيوم بدرٍ نقاتل فيه المشركين، ونبلي فيه خيراً، ونلتمس الشّهادة والجنّة والحياة والرّزق، فأشهدهم اللّه أحداً فلم يلبثوا إلا من شاء اللّه منهم، فقال اللّه تعالى: ولقد كنتم تمنّون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون وروي عن الحسن، ومقاتلٍ ومجاهدٍ ، والسّدّيّ ومحمّد بن كعبٍ والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ، ثنا سلمة، ثنا محمّد ابن إسحاق: ولقد كنتم تمنّون الموت من قبل أن تلقوه أي الشّهادة على الّذين أنتم عليه من الحقّ قبل أن تلقوا عدوّكم، يعني الّذين استناصوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يعني استكرهوه إلى الخروج بهم إلى عدوّهم لما فاتهم من حضور اليوم الّذي كان قبله ببدرٍ، ورغبتهم في الشّهادة الّتي فاتتهم به.
قوله تعالى: فقد رأيتموه
[الوجه الأول]
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبّاد ابن منصورٍ قال: سألت الحسن عن قوله: ولقد كنتم تمنّون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه قال: فقد رأيتم القتال، وقاتلوا الآن.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ، ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق: فقد رأيتموه وأنتم تنظرون إليهم ثمّ صددتم عنه). [تفسير القرآن العظيم: 2/776-777]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله كنتم تمنون الموت قال غاب رجال عن بدر فتمنوا مثل بدر ليصيبوا من الأجر والثواب ما أصاب أهل بدر فلما كان يوم أحد ولى من ولى منهم فعاتبهم الله عز وجل في ذلك فقال ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه). [تفسير مجاهد: 137]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 143.
أخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس أن رجالا من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون: ليتنا نقتل كما قتل أصحاب بدر ونستشهد، أو ليت لنا يوما كيوم بدر نقاتل فيه المشركين ونبلي فيه خيرا ونلتمس الشهادة والجنة والحياة والرزق، فأشهدهم الله أحدا فلم يلبثوا إلا من شاء الله منهم فقال الله {ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون}.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في الآية قال: غاب
رجال عن بدر فكانوا يتمنون مثل بدر أن يلقوه فيصيبوا من الأجر والخير ما أصاب أهل بدر فلما كان يوم أحد ولى من ولى فعاتبهم الله على ذلك.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن الربيع وقتادة قالا: إن أناسا من المؤمنين لم يشهدوا يوم بدر والذي أعطاهم الله من الفضل فكانوا يتمنون أن يروا قتالا فيقاتلوا فسيق إليهم القتال حتى إذا كان بناحية المدينة يوم أحد فأنزل الله {ولقد كنتم تمنون الموت} الآية.

وأخرج ابن جرير عن الحسن قال: بلغني أن رجالا من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون: لئن لقينا مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم لنفعلن ولنفعلن،، فابتلوا بذلك فلا والله ما كلهم صدق الله، فأنزل الله {ولقد كنتم تمنون الموت} الآية.
وأخرج عن السدي قال: كان ناس من الصحابة لم يشهدوا بدرا فلما رأوا فضيلة أهل بدر قالوا: اللهم إنا نسألك أن ترينا يوما كيوم بدر نبليك فيه خيرا، فرأوا أحدا فقال لهم {ولقد كنتم تمنون الموت} الآية، والله أعلم). [الدر المنثور: 4/44-45]

تفسير قوله تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أخبرني معمر عن الزهري أن الشيطان صاح بأعلى صوته يوم أحد أن محمدا قتل قال كعب بن مالك فكنت أول من عرف النبي عرفت عينيه من تحت المغفر فناديت بصوتي الأعلى هذا رسول الله فأشار إلي أن أسكت فأنزل الله تعالى وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفأين مات أو قتل الآية). [تفسير عبد الرزاق: 1/134]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما محمّدٌ إلاّ رسولٌ قد خلت من قبله الرّسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرّ اللّه شيئًا وسيجزي اللّه الشّاكرين}
يعني تعالى ذكره بذلك: وما محمّدٌ إلاّ رسولٌ كبعض رسل اللّه الّذين أرسلهم إلى خلقه داعيًا إلى اللّه وإلى طاعته، الّذين حين انقضت آجالهم ماتوا وقبضهم اللّه إليه، يقول جلّ ثناؤه: فمحمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم إنّما هو فيما اللّه به صانعٌ من قبضه إليه عند انقضاء مدّة أجله كسائر مدّة رسله إلى خلقه الّذين مضوا قبله وماتوا عند انقضاء مدّة آجالهم، ثمّ قال لأصحاب محمّدٍ معاتبهم على ما كان منهم من الهلع والجزع حين قيل لهم بأحدٍ: إنّ محمّدًا قتل، ومقبّحًا إليهم انصراف من انصرف منهم عن عدوّهم وانهزامه عنهم: {أفإن مات} محمّدٌ أيّها القوم لانقضاء مدّة أجله، أو قتله عدوّه، {انقلبتم على أعقابكم} يعني ارتددتم عن دينكم الّذي بعث اللّه محمّدًا بالدّعاء إليه، ورجعتم عنه كفّارًا باللّه بعد الإيمان به، وبعد ما قد وضحت لكم صحّة ما دعاكم محمّدٌ إليه، وحقيقة ما جاءكم به من عند ربّه {ومن ينقلب على عقبيه} يعني بذلك: ومن يرتدد منكم عن دينه ويرجع كافرًا بعد إيمانه، {فلن يضرّ اللّه شيئًا} يقول: فلن يوهن ذلك عزّة اللّه ولا سلطانه، ولا يدخل بذلك نقصٌ في ملكه، بل نفسه يضرّ بردّته، وحظّ نفسه ينقص بكفره. {وسيجزي اللّه الشّاكرين} يقول: وسيثيب اللّه من شكره على توفيقه وهدايته إيّاه لدينه بثبوّته على ما جاء به محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم إن هو مات أو قتل واستقامته على منهاجه، وتمسّكه بدينه وملّته بعده.
- كما: حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن هاشمٍ، قال: أخبرنا سيف بن عمر، عن أبي روقٍ، عن أبي أيّوب، عن عليٍّ، في قوله: {وسيجزي اللّه الشّاكرين} الثّابتين على دينهم: أبا بكرٍ وأصحابه، فكان عليّ رضي اللّه عنه يقول: كان أبو بكرٍ أمين الشّاكرين وأمين أحبّاء اللّه، وكان أشكرهم وأحبّهم إلى اللّه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن العلاء بن بدرٍ، قال: إنّ أبا بكرٍ أمير الشّاكرين وتلا هذه الآية: {وسيجزي اللّه الشّاكرين}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {وسيجزي اللّه الشّاكرين} أي من أطاعه وعمل بأمره
وذكر أنّ هذه الآية أنزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيمن انهزم عنه بأحدٍ من أصحابه.
ذكر الأخبار الواردة بذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وما محمّدٌ إلاّ رسولٌ قد خلت من قبله الرّسل} إلى قوله: {وسيجزي اللّه الشّاكرين} ذاكم يوم أحدٍ حين أصابهم القرح والقتل، ثمّ تنازعوا نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تقيّة ذلك، فقال أناسٌ: لو كان نبيًّا ما قتل، وقال أناسٌ من علية أصحاب نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: قاتلوا على ما قاتل عليه محمّدٌ نبيّكم، حتّى يفتح اللّه لكم، أو تلحقوا به، فقال اللّه عزّ وجلّ: {وما محمّدٌ إلاّ رسولٌ قد خلت من قبله الرّسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم} يقول: إن مات نبيّكم، أو قتل، ارتددتم كفّارًا بعد إيمانكم
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، بنحوه، وزاد فيه: قال الرّبيع: وذكر لنا واللّه أعلم أنّ رجلاً من المهاجرين مرّ على رجلٍ من الأنصار وهو يتشحّط في دمه، فقال: يا فلان أشعرت أنّ محمّدًا قد قتل؟ فقال الأنصاريّ: إن كان محمّدٌ قد قتل، فقد بلّغ، فقاتلوا عن دينكم فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {وما محمّدٌ إلاّ رسولٌ قد خلت من قبله الرّسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم} يقول: ارتددتم كفّارًا بعد إيمانكم.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: لمّا برز رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم أحدٍ إليهم - يعني إلى المشركين - أمر الرّماة فقاموا بأصل الجبل في وجه خيل المشركين، وقال: لا تبرحوا مكانكم إن رأيتمونا قد هزمناهم، فإنّا لن نزال غالبين ما ثبتّم مكانكم وأمّر عليهم عبد اللّه بن جبيرٍ أخا خوّات بن جبيرٍ، ثمّ شدّ الزّبير بن العوّام والمقداد بن الأسود على المشركين، فهزماهم، وحمل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه، فهزموا أبا سفيان؛ فلمّا رأى ذلك خالد بن الوليد وهو على خيل المشركين قدم، فرمته الرّماة فانقمع، فلمّا نظر الرّماة إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه في جوف عسكر المشركين ينتهبونه، بادروا الى الغنيمة، فقال بعضهم: لا نترك أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فانطلق عامّتهم فلحقوا بالعسكر؛ فلمّا رأى خالدٌ قلّة الرّماة صاح في خيله، ثمّ حمل فقتل الرّماة، وحمل على أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فلمّا رأى المشركون أنّ خيلهم تقاتل، تبادروا فشدّوا على المسلمين فهزموهم وقتلوهم، فأتى ابن قمئة الحارثيّ أحد بني الحارث بن عبد مناف بن كنانة، فرمى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بحجرٍ فكسر أنفه ورباعيته، وشجّه في وجهه فأثقله، وتفرّق عنه أصحابه، ودخل بعضهم المدينة، وانطلق بعضهم فوق الجبل إلى الصّخرة، فقاموا عليها، وجعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يدعو النّاس: إليّ عباد اللّه إليّ عباد اللّه فاجتمع إليه ثلاثون رجلاً، فجعلوا يسيرون بين يديه، فلم يقف أحدٌ إلاّ طلحة وسهل بن حنيفٍ، فحماه طلحة، فرمي بسهمٍ في يده فيبست يده، وأقبل أبيّ بن خلفٍ الجمحيّ - وقد حلف ليقتلنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: بل أنا أقتلك - فقال: يا كذّاب أين تفرّمنى؟ فحمل عليه فطعنه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم طعنه في جنب الدّرع، فجرح جرحًا خفيفًا، فوقع يخور خور الثّور، فاحتملوه وقالوا: ليس بك جراحة فيما يزعجاك، قال: أليس قال: لأقتلنّك؟ لو كانت لجميع ربيعة ومضر لقتلتهم، ولم يلبث إلاّ يومًا أو بعض يومٍ حتّى مات من ذلك الجرح.
وفشا في النّاس أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد قتل، فقال بعض أصحاب الصّخرة: ليت لنا رسولاً إلى عبد اللّه بن أبيٍّ، فنأخذ لنا أمنةً من أبي سفيان يا قوم إنّ محمّدًا قد قتل، فارجعوا إلى قومكم قبل أن يأتوكم فيقتلوكم قال أنس بن النّضر: يا قوم إن كان محمّدٌ قد قتل، فإنّ ربّ محمّدٍ لم يقتل، فقاتلوا على ما قاتل عليه محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم اللّهمّ إنّي أعتذر إليك ممّا يقول هؤلاء، وأبرأ إليك ممّا جاء به هؤلاء، ثمّ شدّ بسيفه فقاتل حتّى قتل
وانطلق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يدعو النّاس حتّى انتهى إلى أصحاب الصّخرة؛ فلمّا رأوه وضع رجلٌ سهمًا في قوسه فأراد أن يرميه، فقال: أنا رسول اللّه، ففرحوا حين وجدوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حيًّا، وفرح رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين رأى أنّ في أصحابه من يمتنع.به فلمّا اجتمعوا وفيهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ذهب عنهم الحزن، فأقبلوا يذكرون الفتح وما فاتهم منه ويذكرون أصحابهم الّذين قتلوا.
فقال اللّه عزّ وجلّ للّذين قالوا: إنّ محمّدًا قد قتل فارجعوا إلى قومكم: {وما محمّدٌ إلاّ رسولٌ قد خلت من قبله الرّسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرّ اللّه شيئًا وسيجزي اللّه الشّاكرين}.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ومن ينقلب على عقبيه} قال: يرتدّ.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن أبيه.
- وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن أبيه أنّ رجلاً من المهاجرين مرّ على رجلٍ من الأنصار وهو يتشحّط في دمه، فقال: يا فلان، أشعرت أنّ محمّدًا قد قتل؟ فقال الأنصاريّ: إن كان محمّدٌ قد قتل فقد بلّغ، فقاتلوا عن دينكم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني ابن إسحاق، قال: حدّثني القاسم بن عبد الرّحمن بن رافعٍ أخو بني عبد النّجّار، قال: انتهى أنس بن النّضر عمّ أنس بن مالكٍ إلى عمر وطلحة بن عبيد اللّه في رجالٍ من المهاجرين والأنصار، وقد ألقوا بأيديهم، فقال: ما يجلسكم؟ قالوا: قتل محمّدٌ رسول اللّه، قال: فما تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول اللّه واستقبل القوم فقاتل حتّى قتل، وبه سمّي أنس بن مالكٍ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك قال: نادى منادٍ يوم أحدٍ حين هزم أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: ألا إنّ محمّدًا قد قتل فارجعوا إلى دينكم الأوّل فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {وما محمّدٌ إلاّ رسولٌ قد خلت من قبله الرّسل} الآية.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قال: ألقي في أفواه المسلمين يوم أحدٍ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قد قتل، فنزلت هذه الآية: {وما محمّدٌ إلاّ رسولٌ قد خلت من قبله الرّسل} الآية.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه عن ابن عبّاسٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم اعتزل هو وعصابةٌ معه يومئذٍ على أكمةٍ والنّاس يفرّون، ورجلٌ قائمٌ على الطّريق يسألهم: ما فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ وجعل كلّما مرّوا عليه سألهم، فيقولون: واللّه ما ندري ما فعل فقال: والّذي نفسي بيده لئن كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قتل لنعطينّهم بأيدينا، إنّهم لعشائرنا وإخواننا وقالوا لو: إنّ محمّدًا إن كان حيًّا لم يهزم، ولكنّه قد قتل، فترخّصوا في الفرار يومئذٍ، فأنزل اللّه عزّ وجلّ على نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {وما محمّدٌ إلاّ رسولٌ قد خلت من قبله الرّسل} الآية كلها.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك يقول في قوله: {وما محمّدٌ إلاّ رسولٌ قد خلت من قبله الرّسل} الآية: ناسٌ من أهل الارتياب والمرض والنّفاق، قالوا يوم احد يوم فرّ النّاس عن نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وشجّ فوق حاجبه، وكسرت رباعيته: قتل محمّدٌ، فالحقوا بدينكم الأوّل فذلك قوله: {أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم}.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم} قال: ما بينكم وبين أن تدّعوا الإسلام وتنقلبوا على أعقابكم، إلاّ أن يموت محمّدٌ أو يقتل، فسوف يكون أحد هذين، فسوف يموت أو يقتل.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {وما محمّدٌ إلاّ رسولٌ قد خلت من قبله الرّسل} إلى قوله: {وسيجزي اللّه الشّاكرين} أي لقول النّاس: قتل محمّدٌ، وانهزامهم عند ذلك وانصرافهم عن عدوّهم، أي أفإن مات نبيّكم أو قتل رجعتم عن دينكم كفّارًا كما كنتم، وتركتم جهاد عدوّكم وكتاب اللّه، وما قد خلّف نبيّه من دينه معكم وعندكم؛ وقد بيّن لكم فيما جاءكم عني أنّه ميّتٌ ومفارقكم؟ {ومن ينقلب على عقبيه} أي يرجع عن دينه، {فلن يضرّ اللّه شيئًا} أي لن ينقص ذلك من عزّ اللّه ولا ملكه ولا سلطانه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ: قال: أهل المرض والارتياب والنّفاق حين فرّ النّاس عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: قد قتل محمّدٌ، فالحقوا بدينكم الأوّل فنزلت هذه الآية
ومعنى الكلام: وما محمّدٌ إلاّ رسولٌ قد خلت من قبله الرّسل، أفتنقلبون على أعقابكم إن مات محمّدٌ أو قتل؟ ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرّ اللّه شيئًا فجعل الاستفهام في حرف الجزاء ومعناه أن يكون في جوابه خبرٌ وكذلك كلّ استفهامٍ دخل على جزاءٍ، فمعناه أن يكون في جوابه خبرٌ لأنّ الجواب خبرٌ يقوم بنفسه والجزاء شرطٌ لذلك الخبر ثمّ يجزم جوابه وهو كذلك، ومعناه الرّفع لمجيئه بعد الجزاء، كما قال الشّاعر:.
حلفت له إن تدلج اللّيل لا يزل = أمامك بيتٌ من بيوتي سائر
فمعنى لا يزل رفعٌ، ولكنّه جزم لمجيئه بعد الجزاء فصار كالجواب، ومثله: {أفإن متّ فهم الخالدون} و{فكيف تتّقون إن كفرتم}، ولو كان مكان {فهم الخالدون} يخلدون؛ وقيل: أفإن متّ يخلدوا جاز الرّفع فيه والجزم، وكذلك لو كان مكان {انقلبتم} تنقلبوا جاز الرّفع والجزم لما وصفت قبل، وتركت إعادة الاستفهام ثانيةً مع قوله: {انقلبتم} اكتفاءً بالاستفهام في أوّل الكلام وأنّ الاستفهام في أوّله دالٌّ على موضعه ومكانه.
وقد كان بعض القرّاء يختار في قوله: {أئذا متنا وكنّا ترابًا وعظامًا أئنّا لمبعوثون} ترك إعادة الاستفهام مع {أئنّا}، اكتفاءً بالاستفهام في قوله: {أئذا متنا وكنّا ترابًا}، ويستشهد على صحّة وجه ذلك باجتماع القرّاء على تركهم إعادة الاستفهام مع قوله: {انقلبتم}، اكتفاءً بالاستفهام في قوله: {أفإن مات} إذا كان دالًّا على معنى الكلام وموضع الاستفهام منه، وكان يفعل مثل ذلك في جميع القرآن، وسنأتي على الصّواب من القول في ذلك إن شاء اللّه إذا انتهينا إليه). [جامع البيان: 6/96-106]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وما محمّدٌ إلّا رسولٌ قد خلت من قبله الرّسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرّ اللّه شيئًا وسيجزي اللّه الشّاكرين (144)
قوله تعالى: وما محمّدٌ إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرسل
- حدّثنا أبو عبيد اللّه أحمد بن عبد الرّحمن ابن أخي ابن وهبٍ، ثنا عمّي أخبرني يونس، عن ابن شهابٍ الزّهريّ، عن أبي سلمة ابن عبد الرّحمن، أخبرني ابن عبّاسٍ: أنّ أبا بكرٍ خرج وعمر يكلّم النّاس، فقال: اجلس يا عمر، فأبى عمر أن يجلس، فقال: اجلس يا عمر، فأبى عمر أن يجلس فتشهّد أبو بكرٍ، فمال النّاس إليه وتركوا عمر، فقال أبو بكرٍ: أما بعد، فمن كان منكم يعبد محمدا فإن محمد قد مات، ومن كان منكم يعبد اللّه فإنّ اللّه حيّ لا يموت قال اللّه تعالى: وما محمّدٌ إلّا رسولٌ قد خلت من قبله الرسل قال: فو الله لكأنّ النّاس لم يعلموا أنّ اللّه أنزل هذه الآية إلا حين تلاها أبو بكرٍ، فتلقّاها منه النّاس كلّهم فما أسمع بشراً يتلوها.
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، ثنا أحمد بن المفضّل، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قال: ثمّ قال الّذين قالوا إنّ محمّداً قتل فارجعوا إلى قومكم وما محمّدٌ إلّا رسولٌ قد خلت من قبله الرّسل
قوله تعالى: أفإن مّات أو قتل انقلبتم على أعقابكم
- حدّثنا الفضل بن شاذان، ثنا يحيى بن عبد الحميد، ثنا عبد اللّه بن جعفرٍ المخرّميّ عن أبي عونٍ، عن المسور بن مخرمة عن عبد الرّحمن بن عوفٍ أفإن مّات أو قتل انقلبتم على أعقابكم قال: وصياح الشّيطان يوم أحدٍ قتل محمّدٌ- صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا هارون بن إسحاق الهمدانيّ، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباط بن نصرٍ، عن سماك بن حربٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: إنّ عليًّا كان يقول في حياة رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: إنّ اللّه يقول: أفإن مّات أو قتل انقلبتم على أعقابكم واللّه لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا اللّه، واللّه لئن مات أو قتل أقاتلنّ على ما قاتل عليه حتّى أموت، واللّه إنّي لأخوه وابن عمّه ووليّه، فمن أحق به مني.
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع قوله: وما محمّدٌ إلّا رسولٌ قد خلت من قبله الرّسل أفإن مّات أو قتل انقلبتم على أعقابكم وذلك يوم أحدٍ حين أصابهم ما أصابهم من القرح والقتل وتداعوا نبيّ اللّه قالوا: قد قتل وقال أناسٌ منهم: لو كان نبيّاً ما قتل.
وقال أناسٌ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: قاتلوا على ما قاتل عليه نبيّكم حتّى يفتح اللّه عليكم، أو تلحقوا به، فأنزل اللّه تعالى: وما محمّدٌ إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرّسل أفإن مّات أو قتل انقلبتم على أعقابكم يقول: لئن مات نبيّكم أو قتل ارتددتم كفّاراً بعد إيمانكم وروي عن قتادة نحو قول الرّبيع.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا زنيجٌ، ثنا سلمة، قال محمّد بن إسحاق:
وما محمّدٌ إلّا رسولٌ قد خلت من قبله الرّسل أفإن مّات أو قتل انقلبتم على أعقابكم أي: يقول النّاس: قتل محمّدٌ وانهزامهم عند ذلك وانصرافهم عن عدوّهم، أي أفإين مات أو قتل انقلبتم أي رجعتم عن دينكم كفّاراً كما كنتم، وتركتم جهاد عدوّكم وكتاب اللّه وما خلّف نبيّه معكم وعندكم، وقد بيّن لكم فيما جاءكم به عنّي أنّه ميّتٌ ومفارقكم.
قوله تعالى: ومن ينقلب على عقبيه
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ
قوله: ومن ينقلب على عقبيه قال: يرتدّ.
- أخبرنا محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم قراءةً، أنبأ ابن وهبٍ قال:
وأخبرني خالد بن حميدٍ، عن خالد بن يزيد، عن حبيب بن سندرٍ، عن عبد اللّه بن ضمعجٍ أنّه سمع عبد اللّه بن عمرو بن العاص يقول: أخبركم بالمرتدّ على عقبيه، الّذي يأخذ العطاء ويغزو في سبيل اللّه، ثمّ يدع ذلك ويأخذ الأرض بالجزية، والرّزق، فذلك الّذي يرتدّ على عقبيه.
قوله تعالى: فلن يضرّ اللّه شيئاً
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا زنيجٌ، ثنا سلمة قال: قال محمّد ابن إسحاق: فلن يضرّ اللّه شيئاً أي: لن ينقص ذلك عزّ اللّه، ولا ملكه ولا سلطانه ولا قدرته.
قوله تعالى: وسيجزي اللّه الشّاكرين
- وبه قال محمّد بن إسحاق: وسيجزي اللّه الشّاكرين أي: من أطاعه وعمل بأمره). [تفسير القرآن العظيم: 2/777-779]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن أبيه أن رجلا من المهاجرين مر على رجل من الأنصار وهو يتشحط في دمه فقال له يا فلان أشعرت أن محمدا قد قتل فقال الأنصاري إن
[تفسير مجاهد: 137]
كان محمد قد قتل فقد بلغ فقاتلوا عن دينكم يقول وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل إلى قوله ومن ينقلب على عقبيه يقول من يرتد). [تفسير مجاهد: 138]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو زكريّا يحيى بن محمّدٍ العنبريّ، ثنا محمّد بن عبد السّلام، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأ عبد الرّزّاق، أنبأ معمرٌ، عن الزّهريّ، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرّحمن، قال: كان ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما يحدّث أنّ أبا بكرٍ الصّدّيق رضي اللّه عنه دخل المسجد وعمر بن الخطّاب يحدّث النّاس، فأتى البيت الّذي توفّي فيه رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فكشف عن وجهه برد حبرةٍ، وكان مسجًّى به، فنظر إليه فأكبّ عليه ليقبّل وجهه، وقال: واللّه لا يجمع اللّه عليك موتتين بعد موتك الّتي لا تموت بعدها. ثمّ خرج إلى المسجد وعمر يكلّم النّاس فقال أبو بكرٍ: اجلس يا عمر، فأبى فكلّمه مرّتين أو ثلاثًا، فأبى، فقام فتشهّد فلمّا قضى تشهّده قال: أمّا بعد " فمن كان يعبد محمّدًا فإنّ محمّدًا صلّى الله عليه وسلّم قد مات، ومن كان يعبد اللّه، فإنّ اللّه حيٌّ لا يموت، ثمّ تلا {وما جعلنا لبشرٍ من قبلك الخلد} [الأنبياء: 34] {وما محمّدٌ إلّا رسولٌ قد خلت من قبله الرّسل} [آل عمران: 144] وتلا إلى {الشّاكرين} [آل عمران: 144] فما هو إلّا أن تلاها فأيقن النّاس بموت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم حتّى قال قائلٌ: لم يعلم النّاس أنّ هذه الآية أنزلت حتّى تلاها أبو بكرٍ " قال الزّهريّ: فأخبرني سعيد بن المسيّب أنّ عمر بن الخطّاب قال: لمّا تلاها أبو بكرٍ: عقرت حتّى خررت إلى الأرض وأيقنت أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قد مات «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرجاه بهذه السّياقة» ). [المستدرك: 2/323]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيتان 144 – 145
أخرح ابن المنذر عن كليب قال: خطبنا عمر فكان يقرأ على المنبر آل عمران ويقول: إنها أحدية ثم قال: تفرقنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فصعدت الجبل فسمعت يهوديا يقول: قتل محمد فقلت لا أسمع أحدا يقول: قتل محمد إلا ضربت عنقه فنظرت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يتراجعون إليه فنزلت هذه الآية {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل}.
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتزل هو وعصابة معه يومئذ على أكمة والناس يفرون ورجل قائم على الطريق يسألهم: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل كلما مروا عليه يسألهم فيقولون: والله ما ندري ما فعل فقال: والذي نفسي بيده لئن كان قتل النّبيّ صلى الله عليه وسلم لنعطينهم بأيدينا إنهم لعشائرنا واخواننا وقالوا: لو أن محمدا كان حيا لم يهزم ولكنه قد قتل فترخصوا في الفرار حينئذ، فأنزل الله {وما محمد إلا رسول} الآية كلها.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن الربيع في الآية قال: ذلك يوم أحد حين أصابهم ما أصابهم من القتل والقرح وتداعوا نبي الله، قالوا: قد قتل، وقال أناس منهم: لو كان نبيا ما قتل، وقال أناس من علية أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم: قاتلوا على ما قتل عليه نبيكم حتى يفتح الله عليكم أو تلحقوا به وذكر لنا أن رجلا من المهاجرين مر على رجل من الأنصار وهو يتخبط في دمه فقال: يا فلان أشعرت أن محمدا قد قتل فقال الأنصاري: إن كان محمدا قد قتل فقد بلغ فقاتلوا عن دينكم، فأنزل الله {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم} يقول: ارتددتم كفارا بعد إيمانكم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة نحوه.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال: نادى مناد يوم أحد حين هزم أصحاب محمد: إن محمدا قد قتل فارجعوا إلى دينكم الأول فأنزل الله {وما محمد إلا رسول} الآية.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال: قال أهل المرض والارتياب والنفاق حين فر الناس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: قد قتل محمد فالحقوا بدينكم الأول، فنزلت هذه الآية {وما محمد إلا رسول} الآية.
وأخرج ابن جرير عن السدي قال: فشا في الناس يوم أحد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل فقال بعض أصحاب الصخرة: ليت لنا رسولا إلى عبد الله بن أبي فيأخذ لنا أمانا من أبي سفيان، يا قوم إن محمدا قد قتل فارجعوا إلى قومكم قبل أن يأتوكم فيقتلونكم، قال أنس بن النضر: يا قوم إن كان محمد قد قتل فإن رب محمد لم يقتل فقاتلوا على ما قاتل عليه محمد صلى الله عليه وسلم اللهم إني أعتذر إليك مما يقول
هؤلاء وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء، فشد بسيفه فقاتل حتى قتل، فأنزل الله {وما محمد إلا رسول} الآية.
وأخرج أبن جرير عن القاسم بن عبد الرحمن بن رافع أخي بني عدي بن النجار قال: انتهى أنس بن النضر عم أنس بن مالك إلى عمر وطلحة بن عبيد الله في رجال من المهاجرين والأنصار وقد ألقوا بأيديهم فقال: ما يجلسكم قالوا: قتل محمد رسول الله قال: فما تصنعون بالحياة بعده قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله، واستقبل القوم فقاتل حتى قتل.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن عطية العوفي قال: لما كان يوم أحد وانهزموا قال بعض الناس: إن كان محمد قد أصيب فأعطوهم بأيديكم إنما هم إخوانكم، وقال بعضهم: إن كان محمد قد أصيب ألا تمضون على ما مضى عليه نبيكم حتى تلحقوا به، فأنزل الله {وما محمد إلا رسول} إلى قوله {فآتاهم الله ثواب الدنيا}.
وأخرج ابن سعد في الطبقات عن محمد بن شرحبيل العبدري قال: حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أحد فقطعت يده اليمنى فأخذ اللواء بيده اليسرى وهو يقول {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم} ثم قطعت يده اليسرى فجثا على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره وهو يقول {وما محمد إلا رسول} الآية، وما نزلت هذه الآية {وما محمد إلا رسول} يومئذ حتى نزلت بعد ذلك.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد {ومن ينقلب على عقبيه} قال: يرتد.
وأخرج البخاري والنسائي من طريق الزهري عن أبي سلمة عن عائشة أن أبا بكر أقبل على فرس من مسكنه بالسنح حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة فتيمم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مغشى بثوب حبرة فكشف عن وجهه ثم أكب عليه وقبله وبكى ثم قال: بأبي أنت وأمي والله لا يجمع الله عليك موتتين وأما الموتة التي كتبت عليك فقد متها، قال الزهري: وحدثني أبو سلمة عن ابن عباس أن أبا بكر خرج وعمر يكلم الناس فقال: اجلس يا عمر، وقال أبو بكر: أما بعد من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله
حي لا يموت، قال الله {وما محمد إلا رسول} إلى قوله {الشاكرين} فقال: فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر فتلاها الناس منه كلهم، فما أسمع بشرا من الناس إلا يتلوها.
وأخرج ابن المنذر عن أبي هريرة قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عمر بن الخطاب فقال: إن رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول اله صلى الله عليه وسلم توفي وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم - والله - ما مات ولكن ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع إليهم بعد أن قيل قد مات، والله ليرجعن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رجع موسى فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم زعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات، فخرج أبو بكر فقال: على رسلك يا عمر أنصت، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنه من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ثم تلا هذه الآية {وما محمد إلا رسول} الآية، فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت حتى تلاها أبو بكر يومئذ وأخذ الناس عن أبي بكر فإنما هي في أفواههم، قال عمر: فوالله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت حتى وقعت إلى الأرض ما تحملني رجلاي وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات.
وأخرج البيهقي في الدلائل عن عروة قال: لما توفي النّبيّ صلى الله عليه وسلم قام عمر بن الخطاب فتوعد من قال قد مات بالقتل والقطع فجاء أبو بكر فقام إلى جانب المنبر وقال: إن الله نعى نبيكم إلى نفسه وهو حي بين أظهركم ونعاكم إلى أنفسكم فهو الموت حتى لا يبقى أحد إلا الله، قال الله {وما محمد إلا رسول} إلى قوله {الشاكرين} فقال عمر: هذه الآية في القرآن والله ما علمت أن هذه الآية أنزلت قبل اليوم وقال: قال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم (إنك ميت وإنهم ميتون) (الزمر الآية 30).
وأخرج ابن المنذر والبيهقي من طريق ابن عباس أن عمر بن الخطاب قال: كنت أتأول هذه الآية (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) (البقرة الآية 143) فوالله إن كنت لأظن أنه سيبقى في أمته حتى يشهد عليها بآخر أعمالها وأنه هو الذي حملني على أن قلت ما قلت.
وأخرج ابن جرير عن علي بن أبي طالب في قوله {وسيجزي الله الشاكرين} قال: الثابتين على دينهم، أبا بكر وأصحابه فكان علي يقول: كان أبو بكر أمين الشاكرين
وأخرج الحاكم والبيهقي في الدلائل عن الحسن بن محمد قال: قال عمر: دعني يا رسول الله أنزع ثنيتي سهيل بن عمرو فلا يقوم خطيبا في قومه أبدا فقال: دعها فلعلها أن تسرك يوما، فلما مات النّبيّ صلى الله عليه وسلم نفر أهل مكة فقام سهيل عند الكعبة فقال: من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات والله حي لا يموت.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم عن ابن عباس أن عليا كان يقول في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يقول {أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم} والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله والله لئن مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت.
وأخرج ابن المنذر عن الزهري قال: لما نزلت هذه الآية (ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم) (الفتح الآية 4) قالوا: يا رسول الله قد علمنا أن الإيمان يزداد فهل ينقص قال: إي والذي بعثني بالحق إنه لينقص قالوا: يا رسول الله فهل لذلك دلالة في كتاب الله قال: نعم، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم} فالانقلاب نقصان ولا كفر). [الدر المنثور: 4/45-54]

تفسير قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآَخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما كان لنفسٍ أن تموت إلاّ بإذن اللّه كتابًا مؤجّلاً}
يعني تعالى ذكره بذلك: وما يموت محمّدٌ ولا غيره من خلق اللّه إلاّ بعد بلوغ أجله الّذي جعله اللّه غايةً لحياته وبقائه، فإذا بلغ ذلك من الأجل الّذي كتبه اللّه له وأذن له بالموت فحينئذٍ يموت، فأمّا قبل ذلك فلن تموت بكيد كائدٍ ولا بحيلة محتالٍ.
- كما: حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {وما كان لنفسٍ أن تموت إلاّ بإذن اللّه كتابًا مؤجّلاً} أي أنّ لمحمّدٍ أجلاً هو بالغه إذا أذن اللّه له في ذلك كان.
وقد قيل: إنّ معنى ذلك: وما كانت نفسٌ لتموت إلاّ بإذن اللّه.
وقد اختلف أهل العربيّة في معنى النّاصب قوله: {كتابًا مؤجّلاً}؛ فقال بعض نحويّي البصرة: هو توكيدٌ، ونصبه على: كتب اللّه كتابًا مؤجّلاً، قال: وكذلك كلّ شيءٍ في القرآن من قوله حقًّا، إنّما هو: أحقّ ذلك حقًّا، وكذلك: {وعد اللّه}، و{رحمةً من ربّك} و{صنع اللّه الّذي أتقن كلّ شيءٍ}، و{كتاب اللّه عليكم} إنّما هو: صنع اللّه هكذا صنعًا، فهكذا تفسير كلّ شيءٍ في القرآن من نحو هذا، فإنّه كثيرٌ.
وقال بعض نحويّي الكوفة في قوله: {وما كان لنفسٍ أن تموت إلاّ بإذن اللّه} معناه: كتب اللّه آجال النّفوس، ثمّ قيل: كتابًا مؤجّلاً، فأخرج قوله: كتابًا مؤجّلاً، نصبًا من المعنى الّذي في الكلام، إذ كان قوله: {وما كان لنفسٍ أن تموت إلاّ بإذن اللّه} قد أدّى عن معنى كتب، قال: وكذلك سائر ما في القرآن من نظائر ذلك، فهو على هذا النّحو.
وقال آخرون منهم: قول القائل: زيدٌ قائمٌ حقًّا، بمعنى: أقول زيدٌ قائمٌ حقًّا؛ لأنّ كلّ كلامٍ قولٌ، فأدّى المقول عن القول، ثمّ خرج ما بعده منه، كما تقول: أقول قولاً حقًّا، وكذلك ظنًّا ويقينًا، وكذلك وعد اللّه، وما أشبهه.
والصّواب من القول في ذلك عندي، أنّ كلّ ذلك منصوبٌ على المصدر من معنى الكلام الّذي قبله، لأنّ في كلّ ما قبل المصادر الّتي هي مخالفةٌ ألفاظها ألفاظ ما قبلها من الكلام معاني ألفاظ المصادر وإن خالفها في اللّفظ فنصبها من معاني ما قبلها دون ألفاظه). [جامع البيان: 6/106-108]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن يرد ثواب الدّنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشّاكرين}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: من يرد منكم أيّها الناس بعمله جزاءً منه بعض أعراض الدّنيا دون ما عند اللّه من الكرامة، لمن ابتغى بعمله ما عنده {نؤته منها} يقول: نعطه منها، يعني: من الدّنيا، يعني: أنّه يعطيه منها ما قسم له فيها من رزقٍ الله أيّام حياته، ثمّ لا نصيب له في كرامة اللّه الّتي أعدّها لمن أطاعه، وطلب ما عنده في الآخرة {ومن يرد ثواب الآخرة} يقول: ومن يرد منكم بعمله جزاءً منه ثواب الآخرة، يعني ما عند اللّه من كرامته الّتي أعدّها للعاملين له في الآخرة، {نؤته منها} يقول: نعطه منها، يعني من الآخرة؛ والمعنى: من كرامة اللّه الّتي خصّ بها أهل طاعته في الآخرة. فخرج الكلام على الدّنيا والآخرة، والمعنى ما فيهما.
- كما: حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {ومن يرد ثواب الدّنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها} أي فمن كان منكم يريد الدّنيا ليست له رغبةٌ في الآخرة، نؤته ما قسم له منها من رزقٍ، ولا حظّ له في الآخرة، ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها ما وعده مع ما يجرى عليه من رزقه في دنياه.
وأمّا قوله: {وسنجزي الشّاكرين} يقول: وسأثيب من شكر لي ما أوليته من إحساني إليه بطاعته إيّاي وانتهائه إلى أمري وتجنّبه محارمي في الآخرة مثل الّذي وعدت أوليائي من الكرامة على شكرهم إيّاي
- وقال ابن إسحاق في ذلك.بما: حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {وسنجزي الشّاكرين} أي ذلك جزاء الشّاكرين، يعني بذلك إعطاء اللّه إيّاه ما وعده في الآخرة مع ما يجري عليه من الرّزق في الدّنيا). [جامع البيان: 6/108-109]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وما كان لنفسٍ أن تموت إلّا بإذن اللّه كتابًا مؤجّلًا ومن يرد ثواب الدّنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشّاكرين (145)
قوله تعالى: وما كان لنفسٍ
- وبه قال محمّد بن إسحاق: وما كان لنفسٍ أي: لمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قوله تعالى: أن تموت إلا بإذن اللّه كتاباً مؤجّلا
- حدّثنا العبّاس بن يزيد العبديّ قال: سمعت أبا معاوية، عن الأعمش، عن حبيب بن صهبان قال: قال رجلٌ للمسلمين وهو حجر ابن عديٍّ: ما يمنعكم أن تعبروا إلى هؤلاء العدوّ وهذه النّطفة، يعني: دجله وما كان لنفسٍ أن تموت إلا بإذن اللّه كتاباً مؤجّلا ثمّ أقحم فرسه في دجله، فلمّا أقحم، أقحم، أقحم النّاس فلمّا رآهم العدو، فقالوا: ديوانٌ، فهربوا.
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن المقدام، ثنا محمّد بن بكرٍ البرسانيّ، ثنا سليم بن نفيعٍ القرشيّ، عن خلفٍ أبي الفضل القرشيّ، عن كتاب عمر بن عبد العزيز قال:
قول اللّه: وما كان لنفسٍ أن تموت إلا بإذن اللّه كتاباً مؤجّلا لا تموت نفسٌ ولها في الدّنيا عمرٌ ساعةٍ إلا بلغته.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا زنيجٌ، ثنا سلمة عن محمّد بن إسحاق:
وما كان لنفسٍ أن تموت إلّا بإذن اللّه كتاباً مؤجّلا أي لمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم أجلٌ هو بالغه، فإذا أذن اللّه في ذلك كان.
قوله تعالى: ومن يرد ثواب الدّنيا نؤته منها
- وبه قال محمّد بن إسحاق: ومن يرد ثواب الدّنيا نؤته منها أي فمن كان منكم يريد الدّنيا ليست رغبةً في الآخرة، نؤته ما قسم له فيها من رزقٍ ولا حظّ له في الآخرة.
قوله تعالى: ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها
- وبه قال محمّد بن إسحاق: ومن يرد ثواب الآخرة منكم نؤته منها ما وعده مع ما يجزى عليه من رزقه في دنياه، وذلك جزاء الشّاكرين.
قوله تعالى: وسنجزي الشّاكرين
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبّاد بن منصورٍ قال سألت الحسن عن قوله: وسنجزي الشّاكرين قال: يعطي اللّه العبد بنيّته الدّنيا والآخرة). [تفسير القرآن العظيم: 2/779-780]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن إسحاق {وما كان لنفس} الآية أي لمحمد صلى الله عليه وسلم أجل هو بالغه فإذا أذن الله في ذلك كان {ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها} أي من كان منكم يريد الدنيا ليست له رغبة في الآخرة نؤته ما قسم له فيها من رزق ولا حظ له في الآخرة {ومن يرد ثواب الآخرة} منكم {نؤته منها} ما وعده مع ما يجري عليه من رزقه في دنياه وذلك جزاء الشاكرين.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر بن عبد العزيز في الآية قال: لا تموت نفس ولها في الدنيا عمر ساعة إلا بلغته.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله {وسنجزي الشاكرين} قال: يعطي الله العبد بنيته الدنيا والآخرة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال: قال أبو بكر: لومنعوني ولو عقالا أعطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لجاهدتهم، ثم تلا {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم}.
وأخرج البغوي في معجمه عن إبراهيم بن حنظلة عن أبيه أن سالما مولى أبي حذيفة كان معه اللواء يوم اليمامة فقطعت يمينه فأخذ اللواء بيساره فقطعت يساره فاعتنق اللواء وهو يقول {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم} الآيتين). [الدر المنثور: 4/45-54]


رد مع اقتباس