عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:26 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) فَلَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آَتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({هو الّذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلمّا تغشّاها حملت حملا خفيفًا فمرّت به فلمّا أثقلت دعوا اللّه ربّهما لئن آتيتنا صالحًا لنكوننّ من الشّاكرين (189) فلمّا آتاهما صالحًا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى اللّه عمّا يشركون (190)}
ينبّه تعالى على أنّه خلق جميع النّاس من آدم، عليه السّلام، وأنّه خلق منه زوجه حوّاء، ثمّ انتشر النّاس منهما، كما قال تعالى: {يا أيّها النّاس إنّا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند اللّه أتقاكم} [الحجرات: 13]، وقال تعالى: {يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم الّذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها [وبثّ منهما رجالا كثيرًا ونساءً]} [النّساء: 1].
وقال في هذه الآية الكريمة: {وجعل منها زوجها ليسكن إليها} أي: ليألفها ويسكن بها، كما قال تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّةً ورحمةً} [الرّوم: 21] فلا ألفة بين زوجين أعظم ممّا بين الزّوجين؛ ولهذا ذكر تعالى أنّ السّاحر ربّما توصّل بكيده إلى التّفرقة بين المرء وزوجه.
{فلمّا تغشّاها}؛ أي: وطئها، {حملت حملا خفيفًا}؛ وذلك أوّل الحمل، لا تجد المرأة له ألمًا، إنّما هي النّطفة، ثمّ العلقة، ثمّ المضغة.
وقوله: {فمرّت به}؛ قال مجاهدٌ: استمرّت بحمله. وروي عن الحسن، وإبراهيم النّخعي، والسّدّي، نحوه.
وقال ميمون بن مهران: عن أبيه استخفّته.
وقال أيّوب: سألت الحسن عن قوله: {فمرّت به}؛ قال: لو كنت رجلًا عربيًّا لعرفت ما هي. إنّما هي: فاستمرّت به.
وقال قتادة: {فمرّت به}؛ واستبان حملها.
وقال ابن جريرٍ: [معناه] استمرّت بالماء، قامت به وقعدت.
وقال العوفي، عن ابن عبّاسٍ: استمرّت به، فشكّت: أحملت أم لا.
{فلمّا أثقلت} أي: صارت ذات ثقلٍ بحملها.
وقال السّدّيّ: كبر الولد في بطنها.
{دعوا اللّه ربّهما لئن آتيتنا صالحًا}؛ أي: بشرًا سويًّا، كما قال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: أشفقا أن يكون بهيمةً.
وكذلك قال أبو البختري وأبو مالكٍ: أشفقا ألّا يكون إنسانًا.
وقال الحسن البصريّ: لئن آتيتنا غلامًا.
{لنكوننّ من الشّاكرين. فلمّا آتاهما صالحًا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى اللّه عمّا يشركون}؛ ذكر المفسّرون هاهنا آثارًا وأحاديث سأوردها وأبيّن ما فيها، ثمّ نتبع ذلك بيان الصّحيح في ذلك، إن شاء اللّه وبه الثّقة.
قال الإمام أحمد في مسنده: حدّثنا عبد الصّمد، حدّثنا عمر بن إبراهيم، حدّثنا قتادة، عن الحسن، عن سمرة، عن النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال: «ولمّا ولدت حوّاء طاف بها إبليس -وكان لا يعيش لها ولدٌ -فقال: سمّيه عبد الحارث؛ فإنّه يعيش، فسمّته عبد الحارث، فعاش وكان ذلك من وحي الشّيطان وأمره
».
وهكذا رواه ابن جريرٍ، عن محمّد بن بشّارٍ، بندار، عن عبد الصّمد بن عبد الوارث، به.
ورواه التّرمذيّ في تفسيره هذه الآية عن محمّد بن المثنى، عن عبد الصّمد، به وقال: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لا نعرفه إلّا من حديث عمر بن إبراهيم، عن قتادة، ورواه بعضهم عن عبد الصّمد، ولم يرفعه.
ورواه الحاكم في مستدركه، من حديث عبد الصّمد مرفوعًا ثمّ قال: هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرّجاه.
ورواه الإمام أبو محمّد بن أبي حاتمٍ في تفسيره، عن أبي زرعة الرّازيّ، عن هلال بن فيّاضٍ، عن عمر بن إبراهيم، به مرفوعًا.
وكذا رواه الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره من حديث شاذّ بن فيّاضٍ، عن عمر بن إبراهيم، به مرفوعًا
قلت: "وشاذٌّ" هذا هو: هلالٌ، وشاذٌّ لقبه. والغرض أنّ هذا الحديث معلولٌ من ثلاثة أوجهٍ:
أحدها: أنّ عمر بن إبراهيم هذا هو البصريّ، وقد وثّقه ابن معينٍ، ولكن قال أبو حاتمٍ الرّازيّ: لا يحتجّ به. ولكن رواه ابن مردويه من حديث المعتمر، عن أبيه، عن الحسن، عن سمرة مرفوعًا فاللّه أعلم.
الثّاني: أنّه قد روي من قول سمرة نفسه، ليس مرفوعًا، كما قال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن عبد الأعلى، حدّثنا المعتمر، عن أبيه. وحدّثنا ابن عليّة عن سليمان التّيميّ، عن أبي العلاء بن الشّخّير، عن سمرة بن جندبٍ، قال: سمّى آدم ابنه "عبد الحارث".
الثّالث: أنّ الحسن نفسه فسّر الآية بغير هذا، فلو كان هذا عنده عن سمرة مرفوعًا، لما عدل عنه.
قال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن وكيع، حدّثنا سهل بن يوسف، عن عمرٍو، عن الحسن: {جعلا له شركاء فيما آتاهما}؛ قال: كان هذا في بعض أهل الملل، ولم يكن بآدم
حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ قال: قال الحسن: عنى بها ذرّيّة آدم، ومن أشرك منهم بعده -يعني قوله: {جعلا له شركاء فيما آتاهما}.
وحدّثنا بشرٌ حدّثنا يزيد، حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة قال: كان الحسن يقول: هم اليهود والنّصارى، رزقهم اللّه أولادًا، فهوّدوا ونصّروا.
وهذه أسانيد صحيحةٌ عن الحسن، رحمه اللّه، أنّه فسّر الآية بذلك، وهو من أحسن التّفاسير وأولى ما حملت عليه الآية، ولو كان هذا الحديث عنده محفوظًا عن رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-، لما عدل عنه هو ولا غيره، ولا سيّما مع تقواه للّه وورعه، فهذا يدلّك على أنّه موقوفٌ على الصّحابيّ، ويحتمل أنّه تلقّاه من بعض أهل الكتاب، من آمن منهم، مثل: كعبٍ أو وهب بن منبّه وغيرهما، كما سيأتي بيانه إن شاء اللّه [تعالى] إلّا أنّنا برئنا من عهدة المرفوع، واللّه أعلم.
فأمّا الآثار فقال محمّد بن إسحاق بن يسارٍ، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: كانت حوّاء تلد لآدم، عليه السّلام، أولادًا فيعبّدهم للّه ويسمّيه: "عبد اللّه" و"عبيد اللّه"، ونحو ذلك، فيصيبهم الموت فأتاهما إبليس وآدم فقال: إنّكما لو تسمّيانه بغير الّذي تسميانه به لعاش قال: فولدت له رجلًا فسمّاه "عبد الحارث"، ففيه أنزل اللّه، يقول اللّه: {هو الّذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ}، إلى قوله: {جعلا له شركاء فيما آتاهما} إلى آخر الآية.
وقال العوفي، عن ابن عبّاسٍ قوله في آدم: {هو الّذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ} إلى قوله: {فمرّت به} شكّت أحبلت أم لا؟ {فلمّا أثقلت دعوا اللّه ربّهما لئن آتيتنا صالحًا لنكوننّ من الشّاكرين} فأتاهما الشّيطان، فقال: هل تدريان ما يولد لكما؟ أم هل تدريان ما يكون؟ أبهيمةٌ يكون أم لا؟ وزيّن لهما الباطل؛ إنّه غويٌّ مبينٌ، وقد كانت قبل ذلك ولدت ولدين فماتا، فقال لهما الشّيطان: إنّكما إن لم تسمّياه بي، لم يخرج سويًّا، ومات كما مات الأوّلان فسمّيا ولدهما "عبد الحارث"، فذلك قول اللّه [تعالى]: {فلمّا آتاهما صالحًا جعلا له شركاء فيما آتاهما ... } الآية.
وقال عبد اللّه بن المبارك، عن شريكٍ، عن خصيفٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {فلمّا آتاهما صالحًا جعلا له شركاء فيما آتاهما} قال: قال اللّه تعالى: {هو الّذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلمّا تغشّاها} آدم {حملت حملا خفيفًا} فأتاهما إبليس -لعنه اللّه -فقال: إنّى صاحبكما الّذي أخرجتكما من الجنّة لتطيعنّي أو لأجعلنّ قرني له أيلٍ فيخرج من بطنك فيشقّه، ولأفعلنّ ولأفعلنّ -يخوّفهما -فسمّياه "عبد الحارث" فأبيا أن يطيعاه، فخرج ميّتًا، ثمّ حملت الثّانية، فأتاهما أيضًا فقال: أنا صاحبكما الّذي فعلت ما فعلت، لتفعلنّ أو لأفعلنّ -يخوّفهما -فأبيا أن يطيعاه، فخرج ميّتًا، ثمّ حملت الثّالثة فأتاهما أيضًا، فذكر لهما، فأدركهما حبّ الولد، فسمّياه "عبد الحارث"، فذلك قوله: {جعلا له شركاء فيما آتاهما} رواه ابن أبي حاتم.
وقد تلقى هذا الأثر عن ابن عبّاسٍ جماعةٌ من أصحابه، كمجاهدٍ، وسعيد بن جبيرٍ، وعكرمة. ومن الطّبقة الثّانية: قتادة، والسّدّيّ، وغير واحدٍ من السّلف وجماعةٌ من الخلف، ومن المفسّرين من المتأخّرين جماعاتٌ لا يحصون كثرةً، وكأنّه -واللّه أعلم -أصله مأخوذٌ من أهل الكتاب، فإنّ ابن عبّاسٍ رواه عن أبي بن كعبٍ، كما رواه ابن أبي حاتمٍ:
حدّثنا أبي، حدّثنا أبو الجماهر حدّثنا سعيدٌ -يعني ابن بشيرٍ -عن عقبة، عن قتادة، عن مجاهدٍ، عن ابن عباسٍ، عن أبي بن كعبٍ قال: لمّا حملت حوّاء أتاها الشّيطان، فقال لها: أتطيعيني ويسلم لك ولدك؟ سمّيه "عبد الحارث"، فلم تفعل، فولدت فمات، ثمّ حملت فقال لها مثل ذلك، فلم تفعل. ثمّ حملت الثّالث فجاءها فقال: إن تطيعيني يسلم، وإلّا فإنّه يكون بهيمة، فهيّبهما فأطاعا.
وهذه الآثار يظهر عليها -واللّه أعلم -أنّها من آثار أهل الكتاب، وقد صحّ الحديث عن رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- أنّه قال: «إذا حدّثكم أهل الكتاب فلا تصدّقوهم ولا تكذّبوهم
»، ثمّ أخبارهم على ثلاثة أقسامٍ: فمنها: ما علمنا صحّته بما دلّ عليه الدّليل من كتاب اللّه أو سنّة رسوله. ومنها ما علمنا كذبه، بما دلّ على خلافه من الكتاب والسّنّة أيضًا. ومنها: ما هو مسكوتٌ عنه، فهو المأذون في روايته، بقوله، عليه السّلام:«حدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج» وهو الّذي لا يصدّق ولا يكذّب، لقوله: «فلا تصدّقوهم ولا تكذّبوهم». وهذا الأثر: [هل] هو من القسم الثّاني أو الثّالث؟ فيه نظرٌ. فأمّا من حدّث به من صحابي أو تابعيٍّ، فإنّه يراه من القسم الثّالث، وأمّا نحن فعلى مذهب الحسن البصريّ، رحمه اللّه، في هذا [واللّه أعلم] وأنّه ليس المراد من هذا السّياق آدم وحوّاء، وإنّما المراد من ذلك المشركون من ذرّيّته؛ ولهذا قال اللّه: {فتعالى اللّه عمّا يشركون} ثم قال: {أيشركون ما لا يخلق شيئًا وهم يخلقون (191)} ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 524-528]

تفسير قوله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({أيشركون ما لا يخلق شيئًا وهم يخلقون (191) ولا يستطيعون لهم نصرًا ولا أنفسهم ينصرون (192) وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتّبعوكم سواءٌ عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون (193) إنّ الّذين تدعون من دون اللّه عبادٌ أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين (194) ألهم أرجلٌ يمشون بها أم لهم أيدٍ يبطشون بها أم لهم أعينٌ يبصرون بها أم لهم آذانٌ يسمعون بها قل ادعوا شركاءكم ثمّ كيدون فلا تنظرون (195) إنّ وليّي اللّه الّذي نزل الكتاب وهو يتولّى الصّالحين (196) والّذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون (197) وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون (198)}
هذا إنكارٌ من اللّه على المشركين الّذين عبدوا مع اللّه غيره، من الأنداد والأصنام والأوثان، وهي مخلوقةٌ للّه مربوبةٌ مصنوعةٌ، لا تملك شيئًا من الأمر، ولا تضرّ ولا تنفع، [ولا تنصر] ولا تنتصر لعابديها، بل هي جمادٌ لا تتحرّك ولا تسمع ولا تبصر، وعابدوها أكمل منها بسمعهم وبصرهم وبطشهم؛ ولهذا قال: {أيشركون ما لا يخلق شيئًا وهم يخلقون} أي: أتشركون به من المعبودات ما لا يخلق شيئًا ولا يستطيع ذلك، كما قال تعالى: {يا أيّها النّاس ضرب مثلٌ فاستمعوا له إنّ الّذين تدعون من دون اللّه لن يخلقوا ذبابًا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذّباب شيئًا لا يستنقذوه منه ضعف الطّالب والمطلوب * ما قدروا اللّه حقّ قدره إنّ اللّه لقويٌّ عزيزٌ} [الحجّ: 73، 74] أخبر تعالى أنّه لو اجتمعت آلهتهم كلّها، ما استطاعوا خلق ذبابةٍ، بل لو أستلبتهم الذّبابة شيئًا من حقير المطاعم وطارت، لما استطاعوا إنقاذ ذلك منها، فمن هذه صفته وحاله، كيف يعبد ليرزق ويستنصر؟ ولهذا قال تعالى: {لا يخلقون شيئًا وهم يخلقون} أي: بل هم مخلوقون مصنوعون كما قال الخليل: {قال أتعبدون ما تنحتون * واللّه خلقكم وما تعملون} [الصّافّات: 95، 96]). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 529]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {ولا يستطيعون لهم نصرًا}؛ أي: لعابديهم، {ولا أنفسهم ينصرون}؛ يعني: ولا لأنفسهم ينصرون ممّن أرادهم بسوءٍ، كما كان الخليل، عليه الصّلاة والسّلام، يكسر أصنام قومه ويهينها غاية الإهانة، كما أخبر تعالى عنه في قوله: {فراغ عليهم ضربًا باليمين} [الصّافّات: 93]، وقال تعالى: {فجعلهم جذاذًا إلا كبيرًا لهم لعلّهم إليه يرجعون} [الأنبياء: 58] وكما كان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن جبلٍ، رضي اللّه عنهما -وكانا شابّين قد أسلما لمّا قدم رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- المدينة -فكانا يعدوان في اللّيل على أصنام المشركين يكسرانها ويتلفانها ويتّخذانها حطبًا للأرامل، ليعتبر قومهما بذلك، ويرتئوا لأنفسهم، فكان لعمرو بن الجموح -وكان سيّدًا في قومه -كان له صنمٌ يعبده ويطيّبه، فكانا يجيئان في اللّيل فينكّسانه على رأسه، ويلطّخانه بالعذرة، فيجيء عمرو بن الجموح فيرى ما صنع به فيغسله ويطيّبه ويضع عنده سيفًا، ويقول له: "انتصر". [ثمّ] يعودان لمثل ذلك، ويعود إلى صنيعه أيضًا، حتّى أخذاه مرّةً فقرنا معه جرو كلبٍ ميّتٍ، ودلّياه في حبلٍ في بئرٍ هناك، فلمّا جاء عمرو بن الجموح ورأى ذلك، نظر فعلم أنّ ما كان عليه من الدّين باطلٌ، وقال:
تالله لو كنت إلها مستدن ....... لم تك والكلب جميعًا في قرن
ثمّ أسلم فحسن إسلامه، وقتل يوم أحدٍ شهيدًا، رضي اللّه عنه وأرضاه، وجعل جنّة الفردوس مأواه). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 529]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (193) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتّبعوكم سواءٌ عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون} يعني: أنّ هذه الأصنام لا تسمع دعاء من دعاها، وسواءٌ لديها من دعاها ومن دحاها، كما قال إبراهيم: {يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئًا} [مريم: 42]؟). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 529]


رد مع اقتباس