عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:25 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {هو الّذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ ... الآية}؛
قال جمهور المفسرين: المراد بالنفس الواحدة آدم عليه السلام، بقوله: وجعل منها زوجها حواء وقوله منها يريد ما تقدم ذكره من أن آدم نام فاستخرجت قصرى أضلاعه وخلقت منها حواء، وقوله: ليسكن إليها أي ليأنس ويطمئن، وكان هذا كله في الجنة، ثم ابتدأ بحالة أخرى هي في الدنيا بعد هبوطها، فقال: فلمّا تغشّاها أي غشيها وهي كناية عن الجماع، و «الحمل الخفيف» هو المني الذي تحمله المرأة في فرجها، وقرأ جمهور الناس «حملا» بفتح الحاء، وقرأ حماد بن سلمة عن ابن كثير «حملا» بكسر الحاء، وقوله: فمرّت به أي استمرت به، قال
أيوب: سألت الحسن عن قوله: فمرّت به فقال: لو كنت امرأ عربيا لعرفت ما هي إنما المعنى فاستمرت به.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقدره قوم على القلب كأن المراد فاستمر بها كما تقول أدخلت القلنسوة في رأسي، وقرأ يحيى بن يعمر وابن عباس فيما ذكر النقاش «فمرت به» بتخفيف الراء، ومعناه فشكت فيما أصابها هل هو حمل أو مرض ونحو هذا، وقرأ ابن عباس «فاستمرت به»، وقرأ ابن مسعود «فاستمرت بحملها»، وقرأ عبد الله بن عمرو بن العاصي «فمارت به» معناه أي جاءت به وذهبت وتصرفت، كما تقول مارت الريح مورا، وأثقلت دخلت في الثقل كما تقول: أصبح وأمسى أي صارت ذات ثقل كما تقول أتمر الرجل وألبن إذا صار ذا تمر ولبن، والضمير في دعوا على آدم وحواء.
وروي في قصص هذه الآية أن حواء لما حملت أول حمل لم تدر ما هو، وهذا يقوي قراءة من قرأ «فمرت به» بتخفيف الراء، فجزعت لذلك فوجد إبليس إليها السبيل، فقال لها ما يدريك ما في جوفك ولعله خنزير أو حية أو بهيمة في الجملة وما يدريك من أين يخرج أينشق له بطنك فتموتين أو على فمك أو أنفك؟ ولكن إن أطعتني وسميته عبد الحارث.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والحارث اسم إبليس، فسأخلصه لك وأجعله بشرا مثلك، وإن أنت لم تفعلي قتلته لك، قال فأخبرت حواء آدم فقال لها ذلك صاحبنا الذي أغوانا في الجنة، لا نطيعه، فلما ولدت سمياه عبد الله، فمات الغلام، ويروى أن الله سلط إبليس على قتله فحملت بآخر ففعل بها مثل ذلك فحملت بالثالث فلما ولدته أطاعا إبليس فسمياه عبد الحارث حرصا على حياته، فهذا هو الشرك الذي جعلا لله أي في التسمية فقط.
وصالحاً قال الحسن معناه غلاما، قال ابن عباس: وهو الأظهر بشرا سويا سليما، ونصبه على المفعول الثاني وفي المشكل لمكي أنه نعت لمصدر أي أتيا صالحا، وقال قوم إن المعنى في هذه الآية التبيين عن حال الكافرين فعدد النعم التي تعم الكافرين وغيرهم من الناس، ثم قرر ذلك بفعل المشركين السيّء فقامت عليهم الحجة ووجب العقاب، وذلك أنه قال مخاطبا لجميع الناس هو الّذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وجعل منها زوجها يريد آدم وحواء أي واستمرت حالكم واحدا كذلك، فهذه نعمة تخص كل أحد بجزء منها، ثم جاء قوله: فلمّا تغشّاها إلى آخر الآية وصفا لحال الناس واحدا واحدا أي هكذا يفعلون فإذا آتاهم الله الولد صالحا سليما كما أراده، صرفاه عن الفطرة إلى الشرك، فهذا فعل المشركين الذي قامت الحجة فيه باقترانه مع النعمة العامة، وقال الحسن بن أبي الحسن فيما حكى عنه الطبري:
معنى هذه الآية: هو الّذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ إشارة إلى الروح الذي ينفخ في كل أحد.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: أي خلقكم من جنس واحد وجعل الإناث منه، ثم جاء قوله: فلمّا تغشّاها إلى آخر الآية وصفا لحال الناس واحدا واحدا على ما تقدم من الترتيب في القول الذي قبله). [المحرر الوجيز: 4/ 107-109]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آَتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190) أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {فلمّا آتاهما صالحاً جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى اللّه عمّا يشركون (190) أيشركون ما لا يخلق شيئاً وهم يخلقون (191) ولا يستطيعون لهم نصراً ولا أنفسهم ينصرون (192) وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتّبعوكم سواءٌ عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون (193)}
يقال إن الآية المتقدمة هي في آدم وحواء وإن الضمير في قوله: {آتاهما}؛ عائد عليهما، قال إن الشرك الذي جعلاه هو في الطاعة، أي أطاعا إبليس في التسمية بعبد الحارث كما كانا في غير ذلك مطيعين لله، وأسند الطبري في ذلك حديثا من طريق سمرة بن جندب، ويحتمل أن يكون الشرك في أن جعلا عبوديته بالاسم لغيره، وقال الطبري والسدي في قوله تعالى: فتعالى اللّه عمّا يشركون إنه كلام منفصل ليس من الأول، وإن خبر آدم وحواء تم في قوله: {فلمّا آتاهما}، وإن هذا كلام يراد به مشركو العرب.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا تحكم لا يساعده اللفظ، ويتجه أن يقال تعالى الله عن ذلك اليسير المتوهم من الشرك في عبودية الاسم، ويبقى الكلام في جهة أبوينا آدم وحواء عليهما السلام، وجاء الضمير في يشركون ضمير جمع لأن إبليس مدبر معهما تسمية الولد عبد الحارث، ومن قال: إن الآية المتقدمة إنما الغرض منها تعديد النعمة في الأزواج وفي تسهيل النسل والولادة ثم ذكر سوء فعل المشركين بعقب ذلك، قال في الآية الأخيرة إنها على ذلك الأسلوب وإن قوله فتعالى اللّه عمّا يشركون المراد بالضمير فيه المشركين، والمعنى في هذه الآية فلما آتى الله هذين الانسانين صالحا أي سليما دهبا به إلى الكفر وجعلا لله فيه شركا وأخرجاه عن الفطرة، ولفظة الشرك تقتضي نصيبين، فالمعنى: وجعلا لله فيه ذا شرك لأن إبليس أو أصنام المشركين هي المجعولة، والأصل أن الكل لله تعالى وبهذا حل الزجاج اعتراض من قال ينبغي أن يكون الكلام «جعلا لغيره شركا» وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر «شركا» بكسر الشين وسكون الراء على المصدر، وهي قراءة ابن عباس وأبي جعفر وشيبة وعكرمة ومجاهد وعاصم وأبان بن تغلب، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم «شركاء» على الجمع، وهي بينة على هذا التأويل الأخير وقلقه على قول من يقول: إن الآية الأولى في آدم وحواء، وفي مصحف أبيّ ابن كعب «فلما آتاهما صالحا أشركا فيه»، وذكر الطبري في قصص حواء وآدم وإبليس في التسمية بعبد الحارث وفي صورة مخاطبتهم أشياء طويلة لا يقتضي الاختصار ذكرها.
وقرأ نافع والحسن وأبو جعفر وأبو عمرو وعاصم «عما يشركون أيشركون» بالياء من تحت فيهما، وقرأ أبو عبد الرحمن «عما تشركون» بالتاء من فوق «أتشركون ما لا يخلق» الآية، وروى بعض من قال إن الآيات في آدم وحواء أن إبليس جاء إلى آدم وقد مات له ولد اسمه عبد الله فقال: إن شئت أن يعيش لك الولد فسمه عبد شمس، فولد له ولد فسماه كذلك وإياه عنى بقوله أيشركون ما لا يخلق شيئاً، وهم يخلقون على هذا عائد على آدم وحواء والابن المسمى عبد شمس، ومن قال بالقول الآخر قال إن هذه في مشركي الكفار الذين يشركون الأصنام في العبادة وإياها أراد بقوله ما لا يخلق، وعبر عنها بهم كأنها تعقل على اعتقاد الكفار فيها وبحسب أسمائها، ويخلقون معناه ينحتون ويصنعون، ويحتمل على قراءة «يشركون» بالياء من تحت أن يكون المعنى وهؤلاء المشركون يخلقون، أي فكان قولهم أن يعتبروا بأنهم مخلوقون فيجعلون إلههم خالقهم لا من لا يخلق شيئا). [المحرر الوجيز: 4/ 109-111]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {ولا يستطيعون ... الآية}، هذه تخرج على تأويل من قال إن المراد آدم وحواء والشمس على ما تقدم، ولكن بقلق وتعسف من المتأول في المعنى، وإنما تتسق هذه الآيات ويروق نظمها ويتناصر معناها على التأويل الآخر، والمعنى ولا ينصرون أنفسهم من أمر الله وإرادته، ومن لا يدفع عن نفسه فأحرى أن لا يدفع عن غيره). [المحرر الوجيز: 4/ 111]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (193) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وإن تدعوهم إلى الهدى ... الآية}، من قال إن الآيات في آدم عليه السلام قال إن هذه مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته مستأنفة في أمر الكفار المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم، ولهم الهاء والميم من تدعوهم، ومن قال بالقول الآخر قال إن هذه مخاطبة للمؤمنين والكفار على قراءة من قرأ «يشركون» بالياء من تحت، وللكفار فقط على من قرأ بالتاء من فوق على جهة التوقيف، أي إن هذه حال الأصنام معكم إن دعوتموهم لم يجيبوكم إذ ليس لهم حواس ولا إدراكات، وقرأ نافع وحده «لا يتبعوكم» بسكون التاء وفتح الباء وقرأ الباقون «لا يتّبعوكم» بشد التاء المفتوحة وكسر الباء والمعنى واحد،
وفي قوله تعالى: أدعوتموهم أم أنتم عطف الاسم على الفعل، إذ التقدير أم صمتم ومثل هذا قول الشاعر: [الطويل]
سواء عليك الفقر أم بت ليلة ....... بأهل القباب من نمير بت عامر).
[المحرر الوجيز: 4/ 111-112]


رد مع اقتباس