عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 16 صفر 1440هـ/26-10-2018م, 04:47 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ويوم يحشر أعداء اللّه إلى النّار فهم يوزعون (19) حتّى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون (20) وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا اللّه الّذي أنطق كلّ شيءٍ وهو خلقكم أوّل مرّةٍ وإليه ترجعون (21) وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أنّ اللّه لا يعلم كثيرًا ممّا تعملون (22) وذلكم ظنّكم الّذي ظننتم بربّكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين (23) فإن يصبروا فالنّار مثوًى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين (24) }
يقول تعالى: {ويوم يحشر أعداء اللّه إلى النّار فهم يوزعون} أي: اذكر لهؤلاء المشركين يوم يحشرون إلى النّار {يوزعون}، أي: تجمع الزّبانية أوّلهم على آخرهم، كما قال تعالى: {ونسوق المجرمين إلى جهنّم وردًا} [مريم: 86]، أي: عطاشًا). [تفسير ابن كثير: 7/ 170]

تفسير قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(وقوله: {حتّى إذا ما جاءوها} أي: وقفوا عليها، {شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون} أي: بأعمالهم ممّا قدّموه وأخّروه، لا يكتم منه حرفٌ). [تفسير ابن كثير: 7/ 170]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :({وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا} أي: لاموا أعضاءهم وجلودهم حين شهدوا عليهم، فعند ذلك أجابتهم الأعضاء: {قالوا أنطقنا اللّه الّذي أنطق كلّ شيءٍ وهو خلقكم أوّل مرّةٍ} أي: فهو لا يخالف ولا يمانع، وإليه ترجعون.
قال الحافظ أبو بكرٍ البزّار: حدّثنا محمّد بن عبد الرّحيم، حدّثنا عليّ بن قادمٍ، حدّثنا شريكٌ، عن عبيدٍ المكتب، عن الشّعبيّ، عن أنس بن مالكٍ، رضي اللّه عنه، قال: ضحك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذات يومٍ وتبسّم، فقال: "ألا تسألوني عن أيّ شيءٍ ضحكت؟ " قالوا: يا رسول اللّه من أيّ شيءٍ ضحكت؟ قال: "عجبت من مجادلة العبد ربّه يوم القيامة، يقول: أي ربّي، أليس وعدتني ألّا تظلمني؟ قال: بلى فيقول: فإنّي لا أقبل عليّ شاهدًا إلّا من نفسي. فيقول اللّه تبارك وتعالى: أو ليس كفى بي شهيدًا، وبالملائكة الكرام الكاتبين؟! قال: فيردّد هذا الكلام مرارًا". قال: "فيختم على فيه، وتتكلّم أركانه بما كان يعمل، فيقول: بعدًا لكنّ وسحقا، عنكنّ كنت أجادل".
ثمّ رواه هو وابن أبي حاتمٍ، من حديث أبي عامرٍ الأسديّ، عن الثّوريّ، عن عبيد المكتب، عن فضيل بن عمرٍو، عن الشّعبيّ ثمّ قال: "لا نعلم رواه عن أنسٍ غير الشّعبيّ". وقد أخرجه مسلمٌ والنّسائيّ جميعًا عن أبي بكر بن أبي النّضر، عن أبي النّضر، عن عبيد اللّه بن عبد الرّحمن الأشجعيّ، عن الثّوريّ به. ثمّ قال النّسائيّ: "لا أعلم أحدًا رواه عن الثّوريّ غير الأشجعيّ". وليس كما قال كما رأيت، واللّه أعلم.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا أحمد بن إبراهيم، حدثنا إسماعيل بن علّية، عن يونس ابن عبيد، عن حميد بن هلالٍ قال: قال أبو بردة: قال أبو موسى: ويدعى الكافر والمنافق للحساب، فيعرض عليه ربّه -عزّ وجلّ-عمله، فيجحد ويقول: أي ربّ، وعزّتك لقد كتب عليّ هذا الملك ما لم أعمل! فيقول له الملك: أما عملت كذا، في يوم كذا، في مكان كذا؟ فيقول: لا وعزّتك، أي ربّ ما عملته. [قال] فإذا فعل ذلك ختم على فيه -قال الأشعريّ: فإنّي لأحسب أوّل ما ينطق منه فخذه اليمنى.
وقال الحافظ أبو يعلى: حدّثنا زهير حدّثنا حسنٌ، عن ابن لهيعة: قال درّاج عن أبي الهيثم عن أبي سعيدٍ الخدريّ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إذا كان يوم القيامة عرّف الكافر بعمله، فجحد وخاصم، فيقال: هؤلاء جيرانك، يشهدون عليك؟ فيقول: كذبوا. فيقول: أهلك [و] عشيرتك؟ فيقول: كذبوا. فيقول: احلفوا فيحلفون، ثمّ يصمتهم اللّه وتشهد عليهم ألسنتهم، ويدخلهم النّار".
وقال ابن أبي حاتمٍ: وحدّثنا أبي، حدّثنا أحمد بن إبراهيم، حدّثنا عبد الصّمد بن عبد الوارث: سمعت أبي: حدّثنا عليّ بن زيدٍ، عن مسلم بن صبيح أبي الضّحى، عن ابن عبّاسٍ: أنّه قال لابن الأزرق: إنّ يوم القيامة يأتي على النّاس منه حينٌ، لا ينطقون ولا يعتذرون ولا يتكلّمون حتّى يؤذن لهم، ثمّ يؤذن لهم فيختصمون، فيجحد الجاحد بشركه باللّه، فيحلفون له كما يحلفون لكم، فيبعث اللّه عليهم حين يجحدون شهداء من أنفسهم، جلودهم وأبصارهم وأيديهم وأرجلهم، ويختم على أفواههم، ثمّ يفتح لهم الأفواه فتخاصم الجوارح، فتقول: {أنطقنا اللّه الّذي أنطق كلّ شيءٍ وهو خلقكم أوّل مرّةٍ وإليه ترجعون} فتقرّ الألسنة بعد الجحود.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عبدة بن سليمان، حدّثنا ابن المبارك، حدّثنا صفوان بن عمرٍو، عن عبد الرّحمن بن جبيرٍ الحضرميّ، عن رافعٍ أبي الحسن -وصف رجلًا جحد-قال: فيشير اللّه إلى لسانه، فيربو في فمه حتّى يملأه، فلا يستطيع أن ينطق بكلمةٍ، ثمّ يقول لآرابه كلّها: تكلّمي واشهدي عليه. فيشهد عليه سمعه وبصره وجلده، وفرجه ويداه ورجلاه: صنعنا، عملنا، فعلنا.
وقد تقدّم أحاديث كثيرةٌ، وآثارٌ عند قوله تعالى في سورة يس: {اليوم نختم على أفواههم وتكلّمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون} [يس: 65]، بما أغنى عن إعادته هاهنا.
وقال ابن أبي حاتمٍ -رحمه اللّه-: حدّثنا أبي، حدّثنا سويد بن سعيدٍ، حدّثنا يحيى بن سليم الطّائفيّ، عن ابن خثيم، عن أبي الزّبير، عن جابر بن عبد اللّه قال: لمّا رجعت إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مهاجرة البحر قال: "ألا تحدّثون بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة؟ " فقال فتيةٌ منهم: بلى يا رسول اللّه، بينا نحن جلوسٌ إذ مرّت علينا عجوزٌ من عجائز رهابينهم، تحمل على رأسها قلّةً من ماءٍ، فمرّت بفتًى منهم فجعل إحدى يديه بين كتفيها، ثمّ دفعها فخرّت على ركبتيها، فانكسرت قلّتها. فلمّا ارتفعت التفتت إليه فقالت: سوف تعلم يا غدر، إذا وضع اللّه الكرسيّ، وجمع الأوّلين والآخرين، وتكلّمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون، فسوف تعلم كيف أمري وأمرك عنده غدًا؟ قال: يقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "صدقت [و] صدقت، كيف يقدس اللّه قومًا لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم؟ ".
هذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوجه. ورواه ابن أبي الدّنيا في كتاب الأهوال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا يحيى بن سليمٍ، به). [تفسير ابن كثير: 7/ 170-172]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم} أي: تقول لهم الأعضاء والجلود حين يلومونها على الشّهادة عليهم: ما كنتم تتكتّمون منّا الّذي كنتم تفعلونه بل كنتم تجاهرون اللّه بالكفر والمعاصي، ولا تبالون منه في زعمكم؛ لأنّكم كنتم لا تعتقدون أنّه يعلم جميع أفعالكم؛ ولهذا قال: {ولكن ظننتم أنّ اللّه لا يعلم كثيرًا ممّا تعملون وذلكم ظنّكم الّذي ظننتم بربّكم أرداكم} أي: هذا الظّنّ الفاسد -وهو اعتقادكم أنّ اللّه لا يعلم كثيرًا ممّا تعملون-هو الّذي أتلفكم وأرداكم عند ربّكم، {فأصبحتم من الخاسرين} أي: في مواقف القيامة خسرتم أنفسكم وأهليكم.
قال الإمام أحمد -رحمه اللّه-: حدّثنا أبو معاوية، حدّثنا الأعمش، عن عمارة، عن عبد الرّحمن ابن يزيد، عن عبد اللّه قال: كنت مستترًا بأستار الكعبة فجاء ثلاثة نفرٍ: قرشيٌّ، وختناه ثقفيّان -أو ثقفيٌّ وختناه قرشيّان-كثيرٌ شحم بطونهم قليلٌ فقه قلوبهم، فتكلّموا بكلامٍ لم أسمعه، فقال أحدهم: أترون أنّ اللّه يسمع كلامنا هذا؟ فقال الآخر: إنّا إذا رفعنا أصواتنا سمعه، وإذا لم نرفعه لم يسمعه، فقال الآخر: إن سمع منه شيئًا سمعه كلّه. قال: فذكرت ذلك للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم} إلى قوله: {من الخاسرين}
وكذا رواه التّرمذيّ عن هنّادٍ، عن أبي معاوية، بإسناده نحوه. وأخرجه أحمد ومسلمٌ والتّرمذيّ أيضًا، من حديث سفيان الثّوريّ، عن الأعمش، عن عمارة بن عميرٍ، عن وهب بن ربيعة، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، رضي اللّه عنه، بنحوه. ورواه البخاريّ ومسلمٌ أيضًا، من حديث السّفيانين، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، عن أبي معمرٍ عبد اللّه بن سخبرة، عن ابن مسعودٍ به.
وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا معمرٌ، عن بهز بن حكيمٍ، عن أبيه، عن جدّه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله: {أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم} قال: "إنّكم تدعون مفدّمًا على أفواهكم بالفدام، فأوّل شيءٍ يبين عن أحدكم فخذه وكفّه ".
قال معمرٌ: وتلا الحسن: {وذلكم ظنّكم الّذي ظننتم بربّكم أرداكم} ثمّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "قال اللّه أنا مع عبدي عند ظنّه بي، وأنا معه إذا دعاني" ثمّ أفترّ الحسن ينظر في هذا فقال: ألا إنّما عمل النّاس على قدر ظنونهم بربّهم، فأمّا المؤمن فأحسن الظّنّ بربّه فأحسن العمل، وأمّا الكافر والمنافق فأساءا الظّنّ باللّه فأساءا العمل. ثمّ قال: قال اللّه تعالى: {وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم} إلى قوله: {وذلكم ظنّكم الّذي ظننتم بربّكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين}
وقال الإمام أحمد: حدّثنا النّضر بن إسماعيل القاصّ -وهو أبو المغيرة-حدّثنا ابن أبي ليلى، عن أبي الزّبير، عن جابرٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: "لا يموتنّ أحدٌ منكم إلّا وهو يحسن باللّه الظّنّ، فإنّ قومًا قد أرداهم سوء ظنّهم باللّه، فقال اللّه تعالى: {وذلكم ظنّكم الّذي ظننتم بربّكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين}). [تفسير ابن كثير: 7/ 172-173]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (24) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {فإن يصبروا فالنّار مثوًى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين} أي: سواءٌ عليهم أصبروا أم لم يصبروا هم في النّار، لا محيد لهم عنها، ولا خروج لهم منها. وإن طلبوا أن يستعتبوا ويبدوا أعذارًا فما لهم أعذارٌ، ولا تقال لهم عثراتٌ.
قال ابن جريرٍ: ومعنى قوله: {وإن يستعتبوا} أي: يسألوا الرّجعة إلى الدّنيا، فلا جواب لهم -قال: وهذا كقوله تعالى إخبارًا عنهم: {قالوا ربّنا غلبت علينا شقوتنا وكنّا قومًا ضالّين ربّنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنّا ظالمون قال اخسئوا فيها ولا تكلّمون} [المؤمنون: 106 -108]).[تفسير ابن كثير: 7/ 173]

رد مع اقتباس