عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 15 صفر 1440هـ/25-10-2018م, 12:52 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون * حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون * وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون * وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون}
[ويوم] نصب بإضمار فعل تقديره: واذكر يوم. وقرأ نافع وحده، والأعرج، وأهل المدينة: "نحشر" بالنون [أعداء] بالنصب، إلا أن الأعرج كسر الشين. وقرأ الباقون: "يحشر" بالياء المرفوعة "أعداء" رفعا، وهي قراءة الأعمش، والحسن، وأبي رجاء، وأبي جعفر، وقتادة، وعيسى، وطلحة، ونافع - فيما روي عنه -، وحجتها [يوزعون]. وأعداء الله هم الكفار المخالفون لأمره، و[يوزعون] قال قتادة وأهل اللغة: يكف أولهم حبسا على آخرهم، وفي حديث أبي قحافة يوم الفتح: "ذلك الوازع"، وقال الحسن البصري: لا بد للقاضي من وزعة، وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: إني لا أقيد من وزعة الله تعالى.
و[حتى] غاية لهذا الحشر المذكور، وهذا وصف حال من أحوالهم في بعض أوقات القيامة، وذلك عند وصولهم إلى جهنم، فإن الله تعالى سيقررهم عند ذلك على أنفسهم، ويسألون سؤال توبيخ عن كفرهم، فينكرون ذلك ويحسبون أن لا شاهد، ويظنون السؤال سؤال استفهام واستخبار، فينطق الله تعالى جوارحهم بالشهادة عليهم، فروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أول ما ينطق من الإنسان فخذه الأيسر، ثم تنطق الجوارح، فيقول الكافر: تبا لك أيها الأعضاء، فعنك كنت أدافع"، وفي حديث آخر "يجيئون يوم القيامة على أفواههم الفدام فيتكلم الفخذ والكف").[المحرر الوجيز: 7/ 473-474]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم ذكر الله تعالى محاورتهم لجلودهم في قولهم: {لم شهدتم علينا}، أي: وعذابنا عذاب لكم، واختلف الناس، ما المراد بالجلود؟ فقال جمهور الناس: هي الجلود المعروفة، وقال عبد الله بن أبي جعفر: كنى بالجلود عن الفروج، وإياها أراد، وأخبر تعالى أن الجلود ترد جوابهم بأن الله تعالى الخالق المبدئ المعيد هو الذي أنطقهم، وقوله تعالى: {أنطق كل شيء} يريد: كل شيء ناطق، مما هي فيه عادة أو خرق عادة). [المحرر الوجيز: 7/ 474-475]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {وما كنتم تستترون} يحتمل أن يكون من كلام الجلود ومحاورتها، ويحتمل أن يكون من كلام الله عز وجل لهم، أو من كلام ملك يأمره، وأما المعنى فيحتمل وجهين:
أحدهما أن يريد: وما كنتم تتصاونون وتحجزون أنفسكم عن المعاصي والكفر، خوف أن يشهد، أو لأجل أن يشهد، ولكن ظننتم أن الله سبحانه لا يعلم فانهمكتم وجاهرتم، وهذا هو منحى مجاهد، والستر قد يتصرف على هذا المعنى ونحوه، ومنه قول الشاعر:
والستر دون الفاحشات وما ... يلقاك دون الخير من ستر
والمعنى الثاني أن يريد: وما كنتم تمتنعون ولا يمكنكم ولا يسعكم الاختفاء عن أعضائكم والاستتار عنها بكفركم ومعاصيكم، ولا تظنون أنها تصل بكم إلى هذا الحد، وهذا هو منحى السدي، كأن المعنى: وما كنتم تدفعون بالاختفاء والستر أن تشهد; لأن الجوارح لزيمة لكم، وفي إلزامه إياهم الظن بأن الله تعالى لا يعلم إلزامهم الكفر والجهل بالله تعالى، وهذا المعتقد يؤدي بصاحبه إلى تكذيب أمر الرسل، واحتقار قدرة الله تعالى لا رب غيره، وفي مصحف ابن مسعود رضي الله عنه: [ولكن زعمتم أن الله]، وحكى الطبري عن قتادة أنه عبر بـ"تستترون" عن "تظنون"، وذلك تفسير لم ينظر فيه إلى اللفظ ولا ارتباط فيه معه، وذكر الطبري وغيره حديثا عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: إني لمستتر بأستار الكعبة، إذ دخل ثلاثة نفر، قرشيان وثقفي، أو ثقفيان وقرشي، قليل فقه قلوبهم، كثير شحم بطونهم، فتحدثوا بحديث، فقال أحدهم: أترى الله يسمع ما قلنا؟ قال الآخر: إنه يسمع إذا رفعنا، ولا يسمع إذا أخفينا، وقال الآخر: إن كان يسمع شيئا منه، فإنه يسمعه كله، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك، فنزلت: {وما كنتم تستترون} الآية، فقرأ حتى بلغ: {وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين}، وذكر الثعلبي أن الثقفي عبد ياليل، والقرشيان ختناه: ربيعة وصفوان ابنا أمية بن خلف.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويشبه أن يكون هذا بعد فتح مكة، فالآية مدنية، ويشبه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ الآية متمثلا بها عند إخبار عبد الله إياه، والله أعلم).[المحرر الوجيز: 7/ 475-476]

تفسير قوله تعالى: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين * فإن يصبروا فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين * وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين * وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون}
[ذلكم] رفع بالابتداء، والإشارة به إلى قوله تعالى: {ولكن ظننتم أن الله لا يعلم}، قال قتادة: الظن ظنان، ظن منج، وظن مهلك.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فالمنجي هو أن يظن الموحد العارف بربه أن الله تعالى يرحمه، والمهلك: ظنون الكفرة الجاهلين على اختلافها، وفي هذا المعنى ليحيى بن أكثم رؤيا حسنة مؤنسة، و[ظنكم] خبر ابتداء.
وقوله تعالى: {[أرداكم]} يصح أن يكون خبرا بعد خبر، وجوز الكوفيون أن يكون في موضع الحال، والبصريون لا يجيزون وقوع الماضي حالا إذا اقترن بقد، تقول: رأيت زيدا قد قام، وقد يجوز تقديرها عندهم وإن لم تظهر، ومعنى: [أرداكم]: أهلككم، والردى: الهلاك). [المحرر الوجيز: 7/ 476-477]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (24) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {فإن يصبروا} مخاطبة لمحمد صلى الله عليه وسلم، والمعنى: فإن يصبروا أو لا يصبروا، واقتصر لدلالة الظاهر على ما ترك، و"المثوى": موضع الإقامة. وقرأ جمهور الناس: "وإن يستعتبوا" بفتح الياء وكسر التاء الأخيرة على إسناد الفعل إليهم، "فما هم من المعتبين" بفتح التاء، على: وإن طلبوا العتبى - وهي الرضى - فما هم ممن يعطاها ويستوجبها، وقرأ الحسن، وعمرو بن عبيد، وموسى الأسواري: "يستعتبوا" بضم الياء وفتح التاء الثانية، "فما هم من المعتبين" بكسر التاء، على معنى: وإن طلب منهم خير أو إصلاح، فما هم ممن يوجد عندهم; لأنهم قد فارقوا الدنيا دار الأعمال، كما قال عليه الصلاة والسلام: "ليس بعد الموت مستعتب"، ويحتمل أن تكون هذه القراءة بمعنى: ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه). [المحرر الوجيز: 7/ 477]

رد مع اقتباس