عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 06:32 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ شرع تعالى في ذكر قصّة أحدٍ، وما كان فيها من الاختبار لعباده المؤمنين، والتّمييز بين المؤمنين والمنافقين، وبيان صبر الصّابرين، فقال تعالى: {وإذ غدوت من أهلك تبوّئ المؤمنين مقاعد للقتال واللّه سميعٌ عليمٌ (121) إذ همّت طائفتان منكم أن تفشلا واللّه وليّهما وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون (122) ولقد نصركم اللّه ببدرٍ وأنتم أذلّةٌ فاتّقوا اللّه لعلّكم تشكرون (123)}
المراد بهذه الوقعة يوم أحد عند الجمهور، قاله ابن عبّاسٍ، والحسن، وقتادة، والسّدّي، وغير واحدٍ. وعن الحسن البصريّ: المراد بذلك يوم الأحزاب. رواه ابن جريرٍ، وهو غريبٌ لا يعوّل عليه.
وكانت وقعة أحدٍ يوم السّبت من شوّالٍ سنة ثلاثٍ من الهجرة. قال [قتادة] لإحدى عشرة ليلةً خلت من شوّال. وقال عكرمة: يوم السّبت للنّصف من شوّالٍ، فاللّه أعلم.
وكان سببها أنّ المشركين حين قتل من قتل من أشرافهم يوم بدر، وسلمت العير بما فيها من التّجارة الّتي كانت مع أبي سفيان، فلمّا رجع قفلهم إلى مكّة قال أبناء من قتل، ورؤساء من بقي لأبي سفيان: ارصد هذه الأموال لقتال محمّدٍ، فأنفقوها في ذلك، وجمعوا الجموع والأحابيش وأقبلوا في قريبٍ من ثلاثة آلافٍ، حتّى نزلوا قريبًا من أحدٍ تلقاء المدينة، فصلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم الجمعة، فلمّا فرغ منها صلى على رجلٍ من بني النّجّار، يقال له: مالك بن عمرو، واستشار النّاس: أيخرج إليهم أم يمكث بالمدينة؟ فأشار عبد اللّه بن أبيّ بالمقام بالمدينة، فإن أقاموا أقاموا بشرّ محبس وإن دخلوها قاتلهم الرّجال في وجوههم، ورماهم النّساء والصّبيان بالحجارة من فوقهم، وإن رجعوا رجعوا خائبين. وأشار آخرون من الصّحابة ممّن لم يشهد بدرًا بالخروج إليهم، فدخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فلبس لأمته وخرج عليهم، وقد ندم بعضهم وقالوا: لعلّنا استكرهنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالوا: يا رسول اللّه، إن شئت أن نمكث؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما ينبغي لنبيٍّ إذا لبس لأمته أن يرجع حتى يحكم الله له".
فسار، عليه السّلام في ألفٍ من أصحابه، فلمّا كان بالشّوط رجع عبد اللّه بن أبيٍّ في ثلث الجيش مغضبا؛ لكونه لم يرجع إلى قوله، وقال هو وأصحابه: لو نعلم اليوم قتالًا لاتّبعناكم، ولكّنّا لا نراكم تقاتلون اليوم.
واستمرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سائرًا حتّى نزل الشّعب من أحد في عدوة الوادي. وجعل ظهره وعسكره إلى أحدٍ وقال: "لا يقاتلنّ أحدٌ حتّى نأمره بالقتال".
وتهيّأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم للقتال وهو في سبعمائةٍ من أصحابه، وأمّر على الرّماة عبد اللّه بن جبير أخا بني عمرو بن عوفٍ، والرّماة يومئذٍ خمسون رجلًا فقال لهم: "انضحوا الخيل عنّا، ولا نؤتينّ من قبلكم. والزموا مكانكم إن كانت النّوبة لنا أوعلينا، وإن رأيتمونا تخطّفنا الطّير فلا تبرحوا مكانكم".
وظاهر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بين درعين، وأعطى اللّواء مصعب بن عمير أخا بني عبد الدّار. وأجاز رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعض الغلمان يومئذٍ وأرجأ آخرين، حتّى أمضاهم يوم الخندق بعد هذا اليوم بقريبٍ من سنتين.
وتعبّأت قريشٌ وهم ثلاثة آلافٍ، ومعهم مائتا فرس قد جنبوها فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد: وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل، ودفعوا إلى بني عبد الدّار اللّواء. ثمّ كان بين الفريقين ما سيأتي تفصيله في مواضعه عند هذه الآيات، إن شاء اللّه تعالى.
ولهذا قال تعالى: {وإذ غدوت من أهلك تبوّئ المؤمنين مقاعد للقتال} أي: بيّن لهم منازلهم ونجعلهم ميمنة وميسرة وحيث أمرتهم {واللّه سميعٌ عليمٌ} أي: سميعٌ لما تقولون، عليمٌ بضمائركم.
وقد أورد ابن جريرٍ هاهنا سؤالًا حاصله: كيف يقولون: إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم سار إلى أحدٍ يوم الجمعة بعد الصّلاة، وقد قال اللّه [تعالى] {وإذ غدوت من أهلك تبوّئ المؤمنين مقاعد للقتال}؟ ثمّ كان جوابه عنه: أنّ غدوّه ليبوّئهم مقاعد، إنّما كان يوم السّبت أوّل النّهار). [تفسير القرآن العظيم: 2/109-110]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {إذ همّت طائفتان منكم أن تفشلا [واللّه وليّهما وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون]} قال البخاريّ: حدّثنا عليّ بن عبد اللّه، حدّثنا سفيان قال: قال عمرو: سمعت جابر بن عبد اللّه يقول: فينا نزلت: {إذ همّت طائفتان منكم أن تفشلا [واللّه وليّهما وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون]} قال: نحن الطّائفتان بنو حارثة وبنو سلمة، وما نحب -وقال سفيان مرّةً: وما يسرني-أنّها لم تنزل، لقول اللّه تعالى: {واللّه وليّهما}.
وكذا رواه مسلمٌ من حديث سفيان بن عيينة به. وكذا قال غير واحدٍ من السّلف: إنّهم بنو حارثة وبنو سلمة). [تفسير القرآن العظيم: 2/110-111]

رد مع اقتباس