عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 22 ربيع الثاني 1435هـ/22-02-2014م, 12:21 AM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي


الحكمة من تخصيص الاستعاذة بربّ الفلق

وتأمل معنى الاستعاذة بـ{رب الفلق} فإن ذكر ربوبية الله تعالى للفلق لها أثر عظيم في نفس المستعيذ الصادق ؛ فمن آثار ربوبية الله تعالى للفلَق أنه يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي، ويخرج أولياءه المؤمنين من الظلمات إلى النور فيفلق عنهم الظلمات فيتجلى لهم الحق كما يتجلى الصبح بانفلاقه من ظلمة الليل.
والعبد إنما يمنعه عن رؤية الحق ما يُجعل على بصره من الغشاوة ؛ وهذه الغشاوة قد تكون بسبب الجهل الأصلي للإنسان كما قال الله تعالى عن الإنسان: {إنه كان ظلوماً جهولاً} وقال تعالى في الحديث القدسي: ((يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته ، فاستهدوني أهدكم)).
ولا يتجلى الحق للعبد إلا أن يفلق الله له الحجاب الذي يحول بينه وبين رؤيته؛ فإذا فلق الله له الحجاب أبصر الحق وعرفه، فإن آمن وشكر زاده الله هدى ومعرفة بالحق، وجعل له فرقاناً يلازمه ويفلق له الحجب التي تحول بينه وبين رؤية الحق كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً}.
وقد ذكر جماعة من أئمة اللغة كأبي منصور الأزهري وغيره أن من معاني الفلق في اللغة: بيان الحق بعد إشكاله، ومن شواهد هذا المعنى حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أوَّل ما بدئ به من أمر الوحي الرؤيا الصادقة في المنام فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح. رواه البخاري.
أي: واضحة بيّنة كوضوح الصبح لا تلتبس عليه.
فبيان الحق للمؤمنين المتقين هو من آثار ربوبية الله تعالى للفلق.
فإذا وفّق العبدُ شَكَر نعمة الله واتبع هداه ولا يزال يزداد من الهدى ومعرفة الحق حتى يبلغ الدرجات العالية؛ نسأل الله من فضله.
وأما إذا كفَر العبد بالحق ولم يشكر نعمة معرفته وأعرض عن هدى الله ، فإنه يعاقب بالغشاوة الشديدة على بصره والختم على قلبه ويكون كالذين ذكر الله مَثَلهم في سورة البقرة {مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون * صم بكم عمي فهم لا يرجعون}
فالمنافق والكافر الذي يَسأل عن الحق كالذي يستوقد النار، {فلما أضاءت ما حوله} فعرفوا الحق وتبيَّن لهم كما يعرف من تضيء له النار ما حولها، ثم كفروا به وأعرضوا عنه بعد هذا التبيّن؛ فجعل الله عقوبتهم أن {ذهب الله بنورهم} فكانت الظلمة الثانية أشد عليهم من الظلمة الأولى، وهي ظلمة لا يعذرون فيها بخلاف الظلمة الأصلية فإنها ظلمة جهل لا يؤاخذون به، وهي ظلمة أخف من الثانية، لأن الظلمة الثانية ظلمة عقوبة وغضب، والعياذ بالله.
ولا يزالون يتمادَون في الإعراض عن هدى الله تعالى ويدخلون في ظلمة بعد ظلمة بعد ظلمة ويبعدون عن الحق جداً فلا يرونه ولا يسمعونه ولا ينطقون به فهم في أمور الحق {صم بكم عمي فهم لا يرجعون}.
فهذا حال المنافقين والكافرين والعياذ بالله، وأما المؤمنون فإن الله يخرجهم من الظلمات إلى النور فيرون الحق ويعرفونه ويتكلمون به ويعملون به ويتبعون هدى الله ولايزالون يتخلصون من الظلمات ظلمة تلو ظلمة حتى يتمحضوا للنور التام ، ويكون من جزائهم أن يجعل الله نورهم تاماً يوم القيامة؛ نسأل الله من فضله.
وأما المسلم الذي يكون لديه نور الإسلام وظلمات المعاصي فإنه يبقى صاحب نور وظلمة ، قد خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، فليس من الكفار الذين هم في ظلمات لا يبصرون، وليس من أهل النور التام من المؤمنين المتقين، ويكون توفيقه على قدر ما معه من النور.
وهذا نور معنوي يجعل الله أصله في قلب عبده المؤمن فيضيء له حتى يميز الحق من الباطل، والصواب من الخطأ، والسنة من البدعة، وإذا وردت عليه الفتن التي تلتبس على المنافقين والذين ظلموا أنفسهم جعل الله له نوراً يهديه به فيثبت في وقت الفتنة ولا ينخدع بغرور الباطل وزخرف قول المضلين، وتزيين الشياطين، بل يسير بنور الله على هدى من الله سوياً على صراط مستقيم حتى يلقى الله عز وجل وهو راض عنه، نسأل الله من فضله.
والمقصود بيان أن العبد إنما يحول بينه وبين الهداية وفعل الصواب في أموره كلها ما يُجعل أمامه من الظلمات والحجب إما فتنة له أو عقوبة له على بعض ما اكتسب من الإثم، ولذلك فإن المؤمن أخوف ما يخاف من الذنوب كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (لا يخافنَّ العبد إلا ذنبه، ولا يرجُو إلا ربه).
وهذه الظلمات لا يفلقها له إلا رب الفلق جل وعلا.
فتلخص من هذا البيان أن الفلق عام في الخلق والأمر، وأن الشرور الحسية والمعنوية بأنواعها قد تحيط بالعباد ولا يفلقها عنهم إلا رب الفلق، وإذا فلق الله لعبده المؤمن مخرجاً سار فيه آمناً مهتدياً سوياً على صراط مستقيم.

رد مع اقتباس