عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 13 محرم 1432هـ/19-12-2010م, 09:25 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 46 إلى آخر السورة]

{لَقَدْ أَنْزَلْنَا آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (46) وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمَ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (53) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (57) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آَبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62) لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)}

تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (46)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {لقد أنزلنا آياتٍ مبيّناتٍ} [النور: 46] القرآن، ما يبيّن اللّه فيه.
{واللّه يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ} [النور: 46] إلى دينٍ مستقيمٍ.
والصّراط: الطّريق المستقيم إلى الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 1/456]

تفسير قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ويقولون آمنّا باللّه وبالرّسول وأطعنا ثمّ يتولّى فريقٌ منهم من بعد ذلك} [النور: 47] من بعد ما قالوا: {آمنّا باللّه وبالرّسول وأطعنا} [النور: 47] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/456]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {وما أولئك بالمؤمنين {47} وإذا دعوا إلى اللّه ورسوله ليحكم بينهم إذا فريقٌ منهم معرضون {48}} [النور: 47-48] عن اللّه، وعن رسوله، وكتابه يعني المنافقين، يظهرون الإيمان ويسرّون الشّرك). [تفسير القرآن العظيم: 1/456]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإن يكن لهم الحقّ يأتوا إليه مذعنين} [النور: 49] عاصم بن حكيمٍ وابن مجاهدٍ، عن مجاهدٍ قال: {مذعنين} [النور: 49]، سراعًا.
المبارك بن فضالة، عن الحسن قال: كان الرّجل يكون له على الرّجل الحقّ
[تفسير القرآن العظيم: 1/456]
على عهد النّبيّ، فإذا قال: انطلق معي إلى النّبيّ، فإن عرف أنّ الحقّ له ذهب معه، وإن عرف أنّه يطلب باطلًا أبى أن يأتي النّبيّ، فأنزل اللّه: {وإذا دعوا إلى اللّه ورسوله ليحكم بينهم إذا فريقٌ منهم معرضون {48} وإن يكن لهم الحقّ يأتوا إليه مذعنين {49} أفي قلوبهم مرضٌ أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف اللّه عليهم ورسوله بل أولئك هم الظّالمون {50} إنّما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى اللّه ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون {51}} [النور: 48-51] فقال رسول اللّه: «من كان بينه وبين آخر خصومةٌ فدعاه إلى حكمٍ من حكّام المسلمين فلم يجب فهو ظالمٌ».
- وحدّثني أبو الأشهب، عن الحسن قال: قال رسول اللّه عليه السّلام: «من دعي إلى حكمٍ من حكّام المسلمين فلم يجب فهو ظالمٌ لا حقّ له»). [تفسير القرآن العظيم: 1/457]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله:
{مذعنين...}:

مطيعين غير مستكرهين. يقال: قد أذعن بحقّي وأمعن به واحدٌ، أي أقرّ به طائعاً). [معاني القرآن: 2/257]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يأتوا إليه مذعنين} أي مقرّين مستخذين منقادين، يقال: أذعن لي: انقاد لي). [مجاز القرآن: 2/68]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {مذعنين}: مستخذين). [غريب القرآن وتفسيره: 274]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يأتوا إليه مذعنين} أي مقرين خاضعين). [تفسير غريب القرآن: 306]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله جلّ وعلا: {وإن يكن لهم الحقّ يأتوا إليه مذعنين}
جاء في التفسير " مسرعين "، والإذعان في اللغة الإسراع مع الطاعة.
تقول: قد أذعن لي بحقي، معناه قد طاوعني لما كنت ألتمسه منه، وصار يسرع إليه). [معاني القرآن: 4/50]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين} [معاني القرآن: 4/546]
قال عطاء أي مسرعين وهم قريش يقال أذعن إذا جاء مسرعا طائعا غير مكره). [معاني القرآن: 4/547]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {مذعنين}: أي: مقرين خاضعين). [ياقوتة الصراط: 379]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مُذْعِنِين}: مقرين خاضعين). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 169]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مُذْعِنِينَ}: خاشعين). [العمدة في غريب القرآن: 221]

تفسير قوله تعالى: {أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمَ الظَّالِمُونَ (50)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (وفي تفسير عمرٍو عن الحسن قال: كانوا يدعون إلى وثنٍ كان أهل الجاهليّة يتحاكمون إليه.
وقال في قوله: {أفي قلوبهم مرضٌ} [النور: 50] وهو الشّرك في قول الحسن.
وقال قتادة: نفاقٌ.
{أم ارتابوا} [النور: 50] فشكّوا في اللّه وفي رسوله على الاستفهام، أي قد فعلوا.
{أم يخافون أن يحيف اللّه عليهم ورسوله} [النور: 50] والحيف: الجور.
أي قد خافوا ذلك.
{بل أولئك هم الظّالمون} [النور: 50] ظلم النّفاق والشّرك). [تفسير القرآن العظيم: 1/457]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله عزّ وجلّ:
{أم يخافون أن يحيف اللّه عليهم ورسوله...}

فجعل الحيف منسوبا إلى الله وإلى رسوله، وإنما المعنى للرّسول، ألا ترى أنه قال {وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم} ولم يقل (ليحكما) وإنما بدئ بالله إعظاماً له، كما تقول: ما شاء الله وشئت وأنت تريد ما شئت، وكما تقول لعبدك: قد أعتقك الله وأعتقتك). [معاني القرآن: 2/258-257]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله}
والمعنى أم يخافون أن يحيف عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقوله: {أم يخافون أن يحيف الله عليهم} افتتاح كلام ألا ترى أن قبله وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم ولم يقل ليحكما بينهم
وهذا كما يقال قد أعتقك الله وأعتقتك وما شاء الله ثم شئت). [معاني القرآن: 4/547]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({إنّما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى اللّه ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا} [النور: 51] فهذا قول المؤمنين، وذلك القول الأوّل قول المنافقين). [تفسير القرآن العظيم: 1/457]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله:
{إنّما كان قول المؤمنين...}

ليس هذا بخبرٍ ماضٍ يخبر عنه، كما تقول: إنما كنت صبيّاً، ولكنه: إنما كان ينبغي أن يكون قول المؤمنين إذا دعوا أن يقولوا سمعنا. وهو أدب من الله. كذا جاء التفسير).
[معاني القرآن: 2/258]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم}
خبر فيه معنى الأمر والتحضيض
أي: إنما ينبغي أن يكونوا كذا
قرئ على بكر بن سهل عن عمرو بن هشام وهو البيروتي عن ابن أبي كريمة في قول الله جل عز ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون
قال ومن يطع الله فيوحده ورسوله فيصدقه ويخش الله فيما مضى من ذنوبه ويتقه فيما بقى من عمره فأولئك هم الفائزون
قال أبو جعفر والفوز في اللغة النجاة). [معاني القرآن: 4/548-547]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ومن يطع اللّه ورسوله ويخش اللّه} [النور: 52] فيما مضى من ذنوبه.
{ويتّقه} [النور: 52] فيما بقي.
{فأولئك هم الفائزون} [النور: 52] النّاجون من النّار إلى الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 1/457]

تفسير قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (53)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وأقسموا باللّه جهد أيمانهم} [النور: 53] يعني المنافقين.
{لئن أمرتهم ليخرجنّ} [النور: 53] إلى الجهاد.
وأقسموا ولم يستثنوا، وفيهم
[تفسير القرآن العظيم: 1/457]
الضّعيف والمريض، ومن يوضع عنه الخروج.
قال اللّه: {قل لا تقسموا} [النور: 53] أي: لا تحلفوا.
ثمّ استأنف الكلام فقال: {طاعةٌ معروفةٌ} [النور: 53] خيرٌ.
وهذا إضمارٌ.
أي: خيرٌ ممّا تضمرون من النّفاق.
{إنّ اللّه خبيرٌ بما تعملون} [النور: 53] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/458]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {قل لا تقسموا طاعةٌ معروفةٌ} مرفوعتان، لأنهما كلامان لم يقع الأمر عليهما فينصبهما،
مجاز {لا تقسموا} أي:لا تحلفوا وهو من القسم ثم جاءت طاعة معروفة ابتداء فرفعتا على ضمير يرفع به، أو ابتداء). [مجاز القرآن: 2/69]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {لا تقسموا}: لا تحلفوا من القسم). [غريب القرآن وتفسيره: 274]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وأقسموا باللّه جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجنّ قل لا تقسموا}. وتمّ الكلام.
ثم قال: {طاعةٌ معروفةٌ}، أراد: هي طاعة معروفة.
وفي هذا الكلام حذف للإيجاز، يستدل بظاهره عليه. كأن القوم كانوا ينافقون ويحلفون في الظاهر على ما يضمرون خلافة، فقيل لهم: «لا تقسموا، هي طاعة معروفة، صحيحة لا نفاق فيها، لا طاعة فيها نفاق».
وبعض النحويين يقولون: الضّمير فيها: «لتكن منكم طاعة معروفة»). [تفسير غريب القرآن: 306]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وأقسموا باللّه جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجنّ قل لا تقسموا طاعة معروفة إنّ اللّه خبير بما تعملون}
{قل لا تقسموا طاعة معروفة} تأويله طاعة معروفة أمثل من قسمكم لما لا تصدقون فيه.
والخبر مضمر،. وهو " أمثل " - وحذف لأن في الكلام دليلا عليه، لأنه قال: {وأقسموا باللّه جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجنّ}.
واللّه عزّ وجلّ وراء ما في قلوبهم فقال: {قل لا تقسموا طاعة معروفة إنّ اللّه خبير بما تعملون}.
ويجوز: طاعة معروفة على معنى أطيعوا طاعة معروفة، لأنهم أقسموا إن أمروا أن يطيعوا فقيل أطيعوا طاعة معروفة، ولا أعلم أحدا قرأ بها، فإن لم ترو فلا تقرأ بها، وهذا يعنى به المنافقون). [معاني القرآن: 4/51]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن قل لا تقسموا}
قل لا تقسموا تم الكلام ثم قال طاعة معروفة أي طاعة معروفة أمثل وهذا للمنافقين
أي لا تحلفوا على الكذب فالطاعة أمثل
ويجوز أن يكون المعنى لتكن منكم طاعة). [معاني القرآن: 4/549]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أَقْسَمُوا ْ}: حلفوا). [العمدة في غريب القرآن: 221]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({قل أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول} [النور: 54] يعني المنافقين.
ثمّ قال: {فإن تولّوا} [النور: 54] يعني: فإن أعرضتم عنهما، وهو تفسير السّدّيّ، عن اللّه وعن الرّسول.
{فإنّما عليه ما حمّل} [النور: 54] أي من البلاغ.
{وعليكم ما حمّلتم} [النور: 54] من طاعته.
وهذا تفسير الحسن.
- وحدّثني حمّادٌ وشريكٌ، عن سماك بن حربٍ، عن علقمة بن وائلٍ الحضرميّ قال: قام يزيد بن سلمة إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه، أرأيت إذا كان علينا أمراءٌ يأخذوننا بالحقّ ومنعوناه فكيف نصنع؟ فأخذ الأشعث بثوبه فأجلسه في حديث حمّادٍ، ثمّ قام فعاد فأخذ الأشعث بثوبه فقال: لا أزال أسأله حتّى تغيب الشّمس أو تخبرني.
فقال رسول اللّه: «إنّما عليكم ما حمّلتم وعليهم ما حمّلوا».
قوله: {وإن تطيعوه} [النور: 54] يعني النّبيّ.
{تهتدوا وما على الرّسول إلا البلاغ المبين} [النور: 54] كقوله: {وما جعلناك عليهم حفيظًا} [الأنعام: 107] تحفظ عليهم أعمالهم حتّى تجازيهم بها). [تفسير القرآن العظيم: 1/458]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله:
{فإن تولّوا...}

واجه القوم ومعناه: فإن تتولّوا. فهي في موضع جزم. ولو كانت لقومٍ غير مخاطبين كانت نصباً، لأنها بمنزلة قولك: فإن قاموا. والجزاء يصلح فيه لفظ فعل ويفعل،
كما قال {فإن فاءوا فإنّ الله غفورٌ رحيم} ). [معاني القرآن: 2/258]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فإن تولّوا} أي اعرضوا، {فإنّما عليه} أي على الرسول {ما حمّل}: من التبليغ، {وعليكم ما حمّلتم}: من القبول.
أي ليس عليه إلّا تقبلوا). [تفسير غريب القرآن: 306]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم}
والمعنى فإن تتولوا ثم حذف ويدل على أن بعده وعليكم ما حملتم ولم يقل وعليهم
والمعنى فإنما على النبي صلى الله عليه وسلم التبليغ وعليكم القبول وليس عليه أن تقبلوا). [معاني القرآن: 4/549]

تفسير قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وعد اللّه الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الّذين من قبلهم} [النور: 55] من الأنبياء والمؤمنين.
{وليمكّننّ لهم دينهم الّذي ارتضى لهم} [النور: 55] أي: سينصرهم بالإسلام حتّى يظهرهم على الدّين كلّه، فيكونوا الحكّام على أهل الأديان.
- عبد الرّحمن بن يزيد، عن سليم بن عامرٍ الكلاعيّ قال: سمعت المقداد بن الأسود يقول: سمعت رسول اللّه يقول: «لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدرٍ ولا
[تفسير القرآن العظيم: 1/458]
وبرٍ إلا أدخله اللّه كلمة الإسلام بعزٍّ عزيزٍ أو ذلٍّ ذليلٍ، إمّا يعزّهم اللّه فيجعلهم من أهلها وإمّا يذلّهم اللّه فيدينون لها».
الفرات بن سلمان، عن ميمون بن مهران الجزريّ أنّ عمر بن عبد العزيز قال: اللّه أجلّ وأعظم من أن يتّخذ في الأرض خليفةً واحدًا واللّه يقول: {وعد اللّه الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم في الأرض} [النور: 55]، ولكنّي أثقلكم حملًا.
قال: {وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمنًا} [النور: 55] كقوله: {واذكروا إذ أنتم قليلٌ مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطّفكم النّاس} [الأنفال: 26] فارس والرّوم.
{فآواكم وأيّدكم بنصره ورزقكم من الطّيّبات} [الأنفال: 26] قال: {يعبدونني لا يشركون بي شيئًا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} [النور: 55] يقول: من أقام على كفره بعد هذا الّذي أنزلت: {فأولئك هم الفاسقون} [النور: 55] يعني فسق الشّرك). [تفسير القرآن العظيم: 1/459]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله:
{وعد اللّه الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم...}

العدة قول يصلح فيها أن وجواب اليمين. فتقول: وعدتك أن آتيك، ووعدتك لآتينّك. ومثله {ثمّ بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننّه} وإنّ أن تصلح في مثله من الكلام. وقد فسّر في غير هذا الموضع.
وقوله: {وليبدّلنّهم} قرأها عاصم بن أبي النّجود والأعمش (وليبدّلنّهم) بالتشديد. وقرأ الناس {وليبدلنّهم} خفيفة وهما متقاربان. وإذا قلت للرجل قد بدّلت فمعناه غيّرت وغيّرت حالك ولم يأت مكانك آخر. فكل ما غيّر عن حاله فهو مبدّل بالتشديد. وقد يجوز مبدل بالتخفيف وليس بالوجه: وإذا جعلت الشيء مكان الشيء قلت: قد أبدلته كقولك (أبدل لي) هذا الدراهم أي أعطني مكانه. وبدّل جائزةً فمن قال {وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمناً} فكأنه جعل سبيل الخوف أمناً. ومن قال (وليبدلنّهم) بالتخفيف قال: الأمن خلاف الخوف فكأنه جعل مكان الخوف أمنا أي ذهب بالخوف وجاء بالأمن. وهذا من سعة العربية وقال أبو النجم:

* عزل الأمير للأمير المبدل *
فهذا يوضح الوجهين جميعاً). [معاني القرآن: 2/259-258]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {وعد اللّه الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الّذين من قبلهم وليمكّننّ لهم دينهم الّذي ارتضى لهم وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون}
{وعد اللّه الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم}
وإنما جاءت اللام لأن " وعدته بكذا أو كذا " و " وعدته لأكرمنّه بمنزلة قلت لأن الوعد لا ينعقد إلا بقول.
ومعنى ليستخلفهم في الأرض، أي ليجعلنّهم يخلفون من بعدهم من المؤمنين فاستخلف الذّين من قبلهم.
وقرئت {كما استخلف الذين من قبلهم}.
{وليمكّننّ لهم دينهم الّذي ارتضى لهم}.
يعني به الإسلام.
{وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمنا} وقرئت {وليبدلنّهم}.
وقوله: {يعبدونني لا يشركون بي شيئا} يجوز أن يكن مستأنفا، ويجوز أن يكون في موضع الحال، على معنى وعد اللّه المؤمنين في حال عبادتهم وإخلاصهم للّه - عزّ جل -
ليفعلنّ بهم.
ويجوز أن يكون استئنافا على طريق الثناء عليهم وتثبيتا كأنّه قال: يعبدني المؤمنون لا يشركون بي شيئا). [معاني القرآن: 4/51]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض}
جاء باللام لأن معنى وعد وقال واحد
والمعنى ليجعلنهم يخلفون من قبلهم
وليمكنن لهم دينهم وهو الإسلام). [معاني القرآن: 4/550]

تفسير قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وأقيموا الصّلاة} [النور: 56] الصّلوات الخمس، وإقامتها أن تحافظ على وضوئها، ومواقيتها، وركوعها، وسجودها.
{وآتوا الزّكاة} [النور: 56] يعني الزّكاة المفروضة.
{وأطيعوا الرّسول لعلّكم ترحمون} [النور: 56] لكي ترحموا، فإنّكم إذا فعلتم ذلك رحمتم). [تفسير القرآن العظيم: 1/459]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {لعلّكم ترحمون} واجبة من الله).
[مجاز القرآن: 2/69]


تفسير قوله تعالى: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (57)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {لا تحسبنّ الّذين كفروا معجزين في الأرض} [النور: 57] قال قتادة: سابقين في الأرض.
{ومأواهم النّار ولبئس المصير} [النور: 57] أي: لا تحسبنّهم يسبقوننا حتّى لا تقدر عليهم فنحاسبهم، وحسابهم أن يكون {ومأواهم النّار ولبئس المصير} [النور: 57] المرجع.
والمأوى، المنزل). [تفسير القرآن العظيم: 1/459]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله:
{لا تحسبنّ الّذين كفروا...}

قرأها حمزة (لا يحسبنّ) بالياء ها هنا. وموضع (الذين) رفع. وهو قليل أن تعطّل (أظنّ) من الوقوع على أن أو على اثنين سوى مرفوعها. وكأنه جعل {معجزين} اسماً،
وجعل {في الأرض} خبراً لهم؛ كما تقول: لا تحسبنّ الذين الذين كفروا رجالا في بيتك، وهم يريدون أنفسهم. وهو ضعيف في العربية.
والوجه أن تقرأ بالتاء لكون الفعل واقعاً على (الذين) وعلى (معجزين) كذلك قرأ حمزة في الأنفال (ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا) ). [معاني القرآن: 2/259]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {لا تحسبنّ الّذين كفروا معجزين في الأرض ومأواهم النّار ولبئس المصير}
القراءة بالتاء على معنى: لا تحسبنّ يا محمد الكافرين معجزين، أي قدرة اللّه محيطة بهم وقرئت: لا يحسبن على حذف المفعول الأول من يحسبن على معنى لا يحسبن الذين كفروا إياهم معجزين في الأرض، كما تقول زيد حسبه، فإنما تريد حسب نفسه قائما، وكأنه لا يحسبنّ الذين كفروا أنفسهم معجزين، وهذا في باب ظننت، تطرح فيه النفس يقال ظننتني أفعل، ولا يقال ظننت نفسي أفعل، ولا يجوز ضربتني، استغني عنها بضربت نفسي). [معاني القرآن: 4/52]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض}
أي هم في قبضة الله عز وجل). [معاني القرآن: 4/550]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا ليستأذنكم الّذين ملكت أيمانكم والّذين لم يبلغوا الحلم منكم} [النور: 58] تفسير مجاهدٍ: لم يحتلموا.
{ثلاث مرّاتٍ من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظّهيرة} [النور: 58] وهو نصف النّهار عند القائلة.
[تفسير القرآن العظيم: 1/459]
{ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عوراتٍ لكم ليس عليكم ولا عليهم جناحٌ بعدهنّ طوّافون عليكم بعضكم على بعضٍ كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات واللّه عليمٌ حكيمٌ} [النور: 58] وهي السّاعات الّتي يخلو فيهنّ الرّجل بأهله لحاجته منها.
فأمّا قوله: {ليستأذنكم الّذين ملكت أيمانكم} [النور: 58] فهم المملكون، الرّجال والنّساء الّذين يخدمون الرّجل في بيته ومن كان من الأطفال من المملوكين.
{والّذين لم يبلغوا الحلم} [النور: 58] قال: الّذين لم يبلغوا الحلم منكم، يعني الأطفال الّذين يحسنون الوصف إذا رأوا شيئًا.
وكذلك من كان مثلهم من المملوكين، إلا الصّغار الّذين لا يحسنون الوصف إذا رأوا شيئًا من الأحرار والمملوكين فلا ينبغي لها ولا الكبار، والّذين يحسنون الوصف أن يدخلوا هذه الثّلاث ساعاتٍ إلا بإذنٍ، إلا ألا يكون للرّجل إلى أهله حاجةٌ.
ولا ينبغي له إذا كانت له إلى أهله حاجةٌ أن يطأ أهله ومعه في البيت من هؤلاء أحدٌ.
فلذلك لا يدخلون في هذه الثّلاث ساعاتٍ إلا بإذنٍ.
قال: {ليس عليكم ولا عليهم جناحٌ بعدهنّ} [النور: 58] بعد هذه الثّلاث السّاعات أن يدخلوا بغير إذنٍ.
{طوّافون عليكم} [النور: 58] يدخلون بغير إذنٍ.
{بعضكم على بعضٍ كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات واللّه عليمٌ حكيمٌ} [النور: 58] حدّثني نصر بن طريفٍ وأشعث، عن عبيد اللّه بن أبي يزيد قال: دخلت على ابن عبّاسٍ فأراني وصيفةً له خماسيّةً.
وقال نصرٌ: نحو الخماسيّة أو أصغر.
فقال: ما تدخل عليّ هذه في هذه الثّلاث السّاعات إلا بإذنٍ.
نصر بن طريفٍ، عن يونس، عن الحسن قال: إذا كانوا معك في البيت فهو إذنهم.
وحدّثنا الحسن بن دينارٍ قال: قال رجلٌ للحسن: إنّا قومٌ تجّارٌ نسافر ونشتري الجواري فننزل في الخباء، فنكون جميعًا.
أفيغشى الرّجل منّا جاريةً من جواريه في الخباء وهنّ فيه فغضب وقال: لا). [تفسير القرآن العظيم: 1/460]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله:
{ليستأذنكم الّذين ملكت أيمانكم...}

يعني الرجال والنساء. ثم قال {والّذين لم يبلغوا الحلم} الصبيان (ثلاث مرّاتٍ) ثم فسرهنّ فقال {مّن قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم مّن الظّهيرة ومن بعد صلاة العشاء} عند النوم. ثم قال {ثلاث عوراتٍ لّكم} فنصبها عاصم والأعمش، ورفع غيرهما. والرفع في العربيّة أحبّ إليّ. وكذلك أقرأ. والكسائي يقرأ بالنصب؛ لأنه قد فسرها في المرات وفيما بعدها فكرهت أن تكرّ ثالثة واخترت الرفع لأنّ المعنى - والله أعلم - هذه الخصال وقت العورات ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهنّ. فمعها ضمير يرفع الثلاث. كأنك قلت: هذه ثلاث خصال كما قال (سورة أنزلناها) أي هذه سورة، وكما قال {لم يلبثوا إلاّ ساعةً من نهارٍ بلاغٌ فهل يهلك إلاّ القوم الفاسقون}.
وأمّا قوله: {طوّافون عليكم} فإنه أيضاً مستأنف كقولك في الكلام: إنما هم خدمكم، وطوّافون عليكم. ولو كان نصباً لكان صواباً تخرجه من (عليهم) لأنها معرفة {وطوّافون} نكرة ونصبه كما قال {ملعونين أينما ثقفوا} فنصب لأن في الآية قبلها ذكرهم معرفة، و{ملعونين} نكرة). [معاني القرآن: 2/260]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {ثلث عورات لكم}: ساعات. العورة والغفلة ومطرح الثياب والخلوة). [غريب القرآن وتفسيره: 274]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({ليستأذنكم الّذين ملكت أيمانكم}يعني: العبيد والإماء، {والّذين لم يبلغوا الحلم منكم}يعني: الأطفال، {ثلاث مرّات}.
ثم بينهن، فقال: {من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظّهيرة ومن بعد صلاة العشاء} يريد: عند النوم.
ثم قال: {عوراتٍ لكم} يريد هذه الأوقات، لأنها أوقات التجرّد وظهور العورة: فأمّا قبل صلاة الفجر، فللخروج من ثياب النوم، ولبس ثياب النهار.
وأمّا عند الظهيرة، فلوضع الثياب للقائلة.
وأمّا بعد صلاة العشاء، فلوضع الثياب للنوم.
ثم قال: {ليس عليكم ولا عليهم جناحٌ بعدهنّ} أي بعد هذه الأوقات.
ثم قال {طوّافون عليكم}، يريد: إنهم خدمكم، فلا بأس أن يدخلوا في غير هذه الأوقات الثلاثة، بغير إذن. قال اللّه عز وجل: {يطوف عليهم ولدانٌ مخلّدون} [ الواقعة: 17]
أي يطوفون عليهم في الخدمة.
وقال - النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلّم - في الهرّة: «ليست بنجس»، إنما هي من الطّوّافين عليكم والطّوّافات»
جعلها بمنزلة العبيد والإماء). [تفسير غريب القرآن: 307-305]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يا أيّها الّذين آمنوا ليستأذنكم الّذين ملكت أيمانكم والّذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرّات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظّهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهنّ طوّافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات واللّه عليم حكيم}
فأمر اللّه عزّ وجلّ بالاستئذان في الأوقات التي يتخفى فيها ويتكشفون، وبيّنها فقال: {من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظّهيرة ومن بعد صلاة العشاء)}.
يعنى به العتمة عشاء الآخرة، فأعلم أنها عورات فقال (ثلاث عورات لكم)، على معنى هي ثلاث عورات لكم، وقرئت " ثلاث عورات لكم "
والإسكان أكثر لثقل الحركة والواو.
تقول طلحة وطلحات، وجمرة وجمرات.
ويجوز في لوزة لوزات بحركة الواو، والأجود لوزات، ويجوز ثلاث عورات بالنصب، على معنى ليستأذنوكم ثلاث عورات، أي في أوقات ثلاث عورات.
وقوله: {ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهنّ} أي ليس عليكم جناح ولا عليهم في أن لا يستأذنوا بعد أن يمضي كل وقت من هذه.
وقوله تعالى: (طوّافون عليكم) على معنى هم طوافون عليكم.
وقوله: (بعضكم على بعض) على معنى يطوف بعضكم على بعض). [معاني القرآن: 4/53-52]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم}
في هذه الآية أقوال:
1 - روى ابن جريح عن مجاهد قال هم العبيد المملوكون
2 - وروى إسرائيل عن ليث عن نافع عن ابن عمر ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم الإناث
3 - وروى سفيان عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن قال هي للنساء خاصة
أي إن سبيل الرجال أن يستأذنوا في كل وقت والنساء يستأذن في هذه الأوقات الخاصة
ولا يجوز في اللغة أن يقال للنساء الذين ولو كان للنساء خاصة لقيل اللاتي أو اللائي أو ما أشبه ذلك إلا أن يجتمع مذكر ومؤنث فيقال الذين لهم جميعا
وروى عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس أن رجلين من أهل العراق سألاه عن قوله عز وجل: {ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم} فقال إن الله جل وعز ستير يحب السترة ولم يكن للمسلمين يومئذ ستور ولا حجال فكان ولد الرجل وخادمه ويتيمه ربما دخل عليه وهو مع أهله فأمر الله جل وعز بالاستئذان فلما بسط الله الرزق واتخذ الناس الستور والحجال رأوا أن ذلك يغنيهم عن الاستئذان وفي بعض الروايات فترك الناس العمل بالآية
قال الشعبي ليست بمنسوخة
وأولى ما في هذا وأصحه إسنادا ما رواه عبد الملك عن عطاء قال سمعت ابن عباس يقول ثلاث آيات ترك الناس العمل بها
أ- قوله: {ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم}
ب- وقوله: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}
ويقول فلان أنا أكرم من فلان وإنما أكرمهما أتقاهما
قال عطاء ونسيت الثالثة
قال أبو جعفر فهذا من ابن عباس على جهة الإنكار وهو مفسر لما رواه عكرمة في رواية من قال فترك الناس العمل بها
وقد روى ابن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس قال إني لآمر جاريتي هذه وأومأ إلى جارية بيضاء قصيرة أن تستأذن علي).
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم بين المرات فقال سبحانه: {من قبل صلاة الفجر} لأنه الوقت الذي يلبس الناس فيه ثيابهم يخرجون من فرشهم،
{وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة} لأنه وقت القائلة
{ومن بعد صلاة العشاء} قال الزهري وهي التي يسميها الناس العتمة
قال فيستأذنون في هذه الأوقات خاصة فأما غيرهم فيستأذنوا كل وقت).
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {ثلاث عورات لكم}
أي أوقات الاستئذان ثلاث عورات
والنصب بمعنى يستأذنون وقت ثلاث عورات لكم
ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن أي في الدخول بغير إذن
طوافون عليكم أي يخدمونكم
بعضكم على بعض أي يطوف بعضكم على بعض). [معاني القرآن: 4/554-550]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {ثلاث عَوْرَاتٍ}: الغفلة، الخلوة، طرح الثياب). [العمدة في غريب القرآن: 221]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الّذين من قبلهم} [النور: 59] يعني من احتلم.
[تفسير القرآن العظيم: 1/460]
{كذلك يبيّن اللّه} [النور: 59] هكذا يبيّن اللّه.
{لكم آياته واللّه عليمٌ} [النور: 59] بخلقه.
{حكيمٌ} [النور: 59] في أمره). [تفسير القرآن العظيم: 1/461]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله:
{وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الّذين من قبلهم...}

يقول: لا يدخلنّ عليكم في هذه الساعات إلا بإذن ولا في غير هذه السّاعات إلاّ بإذن. وقوله: {كما استأذن الذين من قبلهم} يريد الأحرار). [معاني القرآن: 2/260]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا} في كل وقت {كما استأذن الّذين من قبلهم} يعني: الرجال).
[تفسير غريب القرآن: 307]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الّذين من قبلهم كذلك يبيّن اللّه لكم آياته واللّه عليم حكيم}
فالبالغ يستأذن في كل الأوقات، والطفل والمملوك يستأذن في الثلاث العورات).
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا}
قال الزهري أي يستأذن الرجل على أمه وفي هذا المعنى نزلت هذه الآية). [معاني القرآن: 4/555-553]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {كما استأذن الذين من قبلهم}
يعني البالغين). [معاني القرآن: 4/555]

تفسير قوله تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {والقواعد من النّساء اللّاتي} [النور: 60] قد قعدت من المحيض والولد.
{لا يرجون نكاحًا} [النور: 60] لا يردنه.
تفسير مجاهدٍ.
قال يحيى: قد كبرن عن ذلك.
{فليس عليهنّ جناحٌ أن يضعن ثيابهنّ غير متبرّجاتٍ بزينةٍ} [النور: 60] غير متزيّنةٍ ولا متشوّفةٍ.
وأمّا الّتي قعدت من المحيض ولم تبلغ هذا الحدّ فلا.
والجلباب: الرّداء الّذي يكون فوق الثّياب، وإن كان كساءً، أو ساجًا أو ما كان من ثوبٍ.
سعيدٌ عن قتادة قال: القواعد من النّساء الّتي لا تحيض ولا تحدّث نفسها بالأزواج، رخّص لها أن تضع جلبابها.
- ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيبٍ، عن نافعٍ، عن ابن عمر قال: {فليس عليهنّ جناحٌ أن يضعن ثيابهنّ غير متبرّجاتٍ بزينةٍ} [النور: 60] قال: تضع الجلباب.
قال: فلقيت سليمان بن يسارٍ فقال: تضع الخمار إن شاءت.
- وقال عكرمة عن ابن عبّاسٍ: لا ينبغي أن يبدو من المرأة لذوي المحرم إلا السّوار والخواتم والقرط.
ذكره ابن لهيعة، عن بكير بن الأشجّ، عن عكرمة.
قال: {وأن يستعففن} [النور: 60] يعني {اللّاتي لا يرجون نكاحًا} [النور: 60] عن ترك الجلباب.
{خيرٌ لهنّ واللّه سميعٌ عليمٌ} [النور: 60] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/461]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله:
{والقواعد من النّساء الّلاتي لا يرجون نكاحاً...}

لا يطمعن في أن يتزوّجن من الكبر {فليس عليهنّ جناحٌ أن يضعن ثيابهنّ} و{من ثيابهنّ} وهو الرداء. فرخّص للكبيرة أن تضعه، لا تريد لذلك التزيّن. ثم قال {وأن يستعففن} فلا يضعن الأردية {خيرٌ لّهنّ} وفي قراءة عبد الله (أن يضعن من ثيابهم) ). [معاني القرآن: 2/261]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {والقواعد من النّساء} هن اللواتي قد قعدن عن الولد ولا يحضن قال الشماخ:
أبوال النساء القواعد). [مجاز القرآن: 2/69]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {متبرّجاتٍ} التبرج أن يظهرن محاسنهن مما ينبغي لهن أن يظهرنها). [مجاز القرآن: 2/69]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {والقواعد من النساء}: اللاتي قعدن عن الولد.
{والتبرج}: أن تظهر المرأة ما لا ينبغي أن تظهره من محاسنها). [غريب القرآن وتفسيره: 275-274]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {والقواعد} يعني: العجز. واحدها: قاعد.
ويقال: «إنما قيل لها قاعد: لقعودها عن المحيض والولد».
وقد تقعد عن المحيض والولد: ومثلها يرجو النكاح، أي يطمع فيه.
ولا أراها سميت قاعدا، إلا بالقعود. لأنها إذا أسنّت: عجزت عن التصرف وكثرة الحركة، وأطالت القعود، فقيل لها: «قاعد» بلا هاء، ليدل بحذف الهاء على انه قعود كبر.
كما قالوا: «امرأة حامل» بلا هاء، ليدل بحذف الهاء على أنه حمل حبل. وقالوا في غير ذلك: قاعدة في بيتها، وحاملة على ظهرها.
{فليس عليهنّ جناحٌ أن يضعن ثيابهنّ} يعني: الرداء.
{وأن يستعففن}: فلا يلقين الرداء، خيرٌ لهنّ. والعرب تقول: «امرأة واضع»: إذا كبرت فوضعت الخمار. ولا يكون هذا إلا في الهرمة). [تفسير غريب القرآن: 307-308]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {والقواعد من النّساء اللّاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهنّ جناح أن يضعن ثيابهنّ غير متبرّجات بزينة وأن يستعففن خير لهنّ واللّه سميع عليم}
القواعد جمع قاعدة، وهي التي قعدت عن الزواج.
{اللّاتي لا يرجون نكاحا} أي لا يردنه، ولا يرجونه، وقيل أيضا اللاتي قد قعدن عن الحيض.
{فليس عليهنّ جناح أن يضعن ثيابهنّ غير متبرّجات بزينة}
قال ابن مسعود: أن يضعن الملحفة والرّداء.
{وأن يستعففن خير لهنّ}.
أي أن لا يضعن الرداء والملحفة خير لهن من أن يضعنه). [معاني القرآن: 4/53]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا}
قال أبو جعفر أبو عبيدة يذهب إلى أن المعنى اللواتي قعدن عن الولد
وقال غيره يراد بهذا العجوز الكبيرة التي قعدت عن التصرف لأنها قد تقعد عن الولد وفيها بقية
قال ربيعة هي التي إذا رأيتها استقذرتها). [معاني القرآن: 4/555]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن}
روى أبو وائل عن عبد الله بن مسعود قال يعني الرداء
قال أبو جعفر والمعروف من قراءة عبد الله أن يضعن من ثيابهن). [معاني القرآن: 4/556]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وإن يستعففن خير لهن}
قال مجاهد أي يلبسن الجلباب خير لهن). [معاني القرآن: 4/556]

تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آَبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ليس على الأعمى حرجٌ ولا على الأعرج حرجٌ ولا على المريض حرجٌ} [النور: 61] يعني من كان به شيءٌ من مرضٍ.
تفسير السّدّيّ.
وتفسير الكلبيّ: أنّ أهل المدينة قبل أن يسلموا كانوا يعزلون الأعمى والأعرج والمريض فلا يؤاكلونهم.
وكانت الأنصار فيهم تنزّهٌ وتكرّمٌ.
فقالوا: إنّ الأعمى لا
[تفسير القرآن العظيم: 1/461]
يبصر طيّب الطّعام، والأعرج لا يستطيع الزّحام عند الطّعام، والمريض لا يأكل كما يأكل الصّحيح، فاعزلوا لهم طعامهم على ناحيةٍ.
وكانوا يرون أنّ عليهم في مؤاكلتهم جناحًا.
وكان الأعمى والأعرج والمريض يقولون: لعلّنا نؤذيهم إذا أكلنا معهم، فاعتزلوا مؤاكلتهم.
فأنزل اللّه: {ليس على الأعمى حرجٌ ولا على الأعرج حرجٌ ولا على المريض حرجٌ} [النور: 61] ليس عليهم في ذلك ولا على الّذين تأثّموا من أمرهم عليهم في ذلك حرجٌ.
وبعضهم يقول: كان قومٌ من أصحاب النّبيّ يغزون ويخلّفون على منازلهم من يحفظها، فكانوا يتأثّمون أن يأكلوا منها شيئًا، فرخّص لهم أن يأكلوا منها.
وقال بعضهم: كانوا يخلّفون عليها الأعرج والأعمى والمريض والزّمنى الّذين لا يخرجون في الغزو، فرخّص لهم أن يأكلوا منها.
سعيدٌ عن قتادة قال: منعت البيوت زمانًا.
كان الرّجل لا يتضيّف أحدًا ولا يأكل في بيت غيره تأثّمًا من ذلك.
قال يحيى: بلغني أنّ ذلك حين نزلت هذه الآية: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} [النساء: 29] قال قتادة: فكان أوّل من رخّص اللّه له الأعمى، والأعرج، والمريض.
ثمّ رخّص لعامّة المؤمنين فقال: {ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمّهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عمّاتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه} [النور: 61] ممّا تحبّون.
هكذا.
{أو صديقكم} [النور: 61] قال قتادة: فلو أكلت من بيت صديقك من غير مؤامرته لكان اللّه قد أحلّ لك ذلك.
قوله: {أو ما ملكتم مفاتحه} [النور: 61]
ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيبٍ قال: كان النّاس يغزون على عهد رسول
[تفسير القرآن العظيم: 1/462]
اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيخلّفون الضّمناء على خزائنهم، فكانوا يتحرّجون أن يصيبوا منها شيئًا، فأحلّ اللّه لهم أن يصيبوا منها.
وقال بعضهم: هم المملوكون الّذين هم خزنةٌ على بيوت مواليهم.
وقال الحسن: {أو ما ملكتم مفاتحه} [النور: 61] خزانته ممّا كنتم عليه أمناء.
وحدّثنا الحسن بن دينارٍ، عن الحسن أنّه سأله رجلٌ فقال: الرّجل يدخل على الرّجل، يعني صديقه، فيخرج الرّجل من بيته ويرى الآخر الشّيء من الطّعام في البيت، أيأكل منه؟ فقال: كل من طعام أخيك.
وقال الحسن بن دينارٍ: كنّا في بيت قتادة فأتينا ببسرٍ، فأخذ رجلٌ منّا بسراتٍ ثمّ قال: يا أبا الخطّاب، إنّي قد أخذت من هذا البسر.
فقال: هو لك حلالٌ وإن لم تذكره لي لأنّك مؤاخيّ.
قال يحيى: لم يذكر اللّه في هذه الآية بيت الابن، فرأيت أنّ النّبيّ عليه السّلام إنّما قال: «أنت ومالك لأبيك».
من هذه الآية، لأنّه قال: {ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمّهاتكم} [النور: 61] ولم يقل: أو بيوت أبنائكم، ثمّ ذكر ما بعد ذلك من القرابة حتّى ذكر الصّديق ولم يذكر الابن.
قوله: {ليس عليكم جناحٌ أن تأكلوا جميعًا أو أشتاتًا} [النور: 61] سعيدٌ عن قتادة قال: كان بنو كنانة بن خزيمة يرى أحدهم أنّ محرّمًا عليه أن يأكل وحده في الجاهليّة، حتّى إن كان الرّجل ليسوق الذّود والحفّل وهو جائعٌ حتّى يجد من يؤاكله ويشاربه.
وكان الرّجل يتّخذ الخيال إلى جنبه إذا لم يجد من يؤاكل ويشارب، فأنزل اللّه هذه الآية.
قوله: {فإذا دخلتم بيوتًا فسلّموا على أنفسكم} [النور: 61] يعني على أهل دينكم، تفسير السّدّيّ، بعضكم على بعضٍ.
{تحيّةً من عند اللّه مباركةً طيّبةً كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تعقلون} [النور: 61] لكي تعقلوا.
[تفسير القرآن العظيم: 1/463]
سعيدٌ عن قتادة قال: إذ دخلت فسلّم على أهلك فهم أحقّ من سلّمت عليه.
فإذا دخلت بيتًا لا أحد فيه فقل: سلامٌ علينا وعلى عباد اللّه الصّالحين، فإنّه كان يؤمر بذلك.
حدّثنا أنّ الملائكة تردّ عليه.
وإن دخل على قومٍ سلّم عليهم، وإذا خرج من عندهم سلّم، وإن مرّ بهم أو لقيهم سلّم عليهم، وإن كان رجلًا واحدًا، سلّم عليهم، وقوله: {فسلّموا على أنفسكم} [النور: 61] على إخوانكم.
وإذا دخل الرّجل بيته سلّم عليهم، وإذا دخل المسجد قال: بسم اللّه سلامٌ على رسول اللّه صلّى اللّه على محمّدٍ وسلّم.
اللّهمّ اغفر لي ذنبي وافتح لي باب رحمتك.
فإن كان مسجدًا كثير الأهل سلّم عليهم يسمع نفسه، وإن كانوا قليلًا أسمعهم التّسليم، وإن لم يكن فيه أحدٌ قال: السّلام علينا وعلى عباد اللّه الصّالحين، السّلام علينا من ربّنا.
وإن دخل بيتًا غير مسكونٍ ممّا قال اللّه: {فيها متاعٌ لكم} [النور: 29] وهي الفنادق ينزلها الرّجل المسافر ويجعل فيها متاعه، فإذا دخل البيت قال: السّلام علينا وعلى عباد اللّه الصّالحين.
السّلام علينا من ربّنا.
- خالدٌ عن الحسن قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يسلّم الرّاكب على الماشي، والماشي على القاعد، والرّاكب على القاعد، والصّغير على الكبير، والقليل على الكثير».
قال يحيى: يعني ويسلّم راكب الدّابّة على راكب البعير، ويسلّم الفارس على صاحب الحمار والبغل.
- خالدٌ، عن زيد بن أسلم قال: قال رسول اللّه: «إذا سلّم رجلٌ على القوم فردّ رجلٌ منهم أجزأ عنهم، وإذا كانوا ناسًا فسلّم رجلٌ منهم على المجلس أجزأ عنهم».
وكان الحسن يقول: كنّ النّساء يسلّمن على الرّجال، ولا يسلّم الرّجال على النّساء.
وكان ابن عمر يسلّم على النّساء.
وحدّثني حيوة بن شريحٍ، عن زهرة بن معبدٍ أنّه سمع محمّد بن المنكدر وأبا حازمٍ يسلّمان على النّساء إذا مرّا عليهنّ.
- وحدّثني خداشٌ، عن حميدٍ الطّويل، عن أنس بن مالكٍ قال: انتهى رسول اللّه
[تفسير القرآن العظيم: 1/464]
صلّى اللّه عليه وسلّم إلينا ونحن غلمانٌ، فسلّم علينا.
- وحدّثنا قرّة بن خالدٍ، عن الحسن قال: قال رسول اللّه عليه السّلام: «إنّ السّلام اسمٌ من أسماء اللّه».
وحدّثني الخليل بن مرّة أنّ مسعود قال: السّلام اسمٌ من أسماء اللّه وضعه في الأرض، فأفشوه بينكم، فإنّ المرء المسلم إذا مرّ بالقوم فسلّم عليهم فردّوا عليه كانت له عليهم فضيلة درجةٍ بأنّه ذكّرهم السّلام، فإن لم يردّوا عليه ردّ عليه من هو خيرٌ منهم وأطيب: الملائكة.
- وحدّثني الحسن بن دينارٍ، عن معاوية بن قرّة، عن رجلٍ أنّه كان يمشي مع أبي هريرة قال: فمررنا بقومٍ فسلّمنا عليهم قال: فلا أدري أشغلهم الحديث أو ما منعهم من أن يردّوا السّلام.
فقال أبو هريرة بيده: سلام ربّي والملائكة أحبّ إليّ، سلام ربّي والملائكة أحبّ إليّ.
- وحدّثني المبارك والحسن، عن الحسن قال: قال رسول اللّه: «للمسلم على أخيه من المعروف ستّ خصالٍ يسلّم عليه إذا لقيه، ويشمّته إذا عطس، ويجيبه إذا دعاه، ويعوده إذا مرض، وينصح له إذا تغيّب عنه، ويشهد جنازته إذا مات».
- وحدّثني عبد الرّحمن بن يزيد، عن مكحولٍ قال: " بينما رسول اللّه جالسٌ إذ دخل رجلٌ فقال: السّلام عليكم.
فقال رسول اللّه: وعليكم السّلام، عشرٌ، أي عشر حسناتٍ.
ثمّ جاء آخر فقال: السّلام عليكم ورحمة اللّه، فقال رسول اللّه: وعليكم السّلام ورحمة اللّه، عشرون حسنةً.
ثمّ جاء آخر فقال: السّلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته.
فقال رسول اللّه: السّلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته، ثلاثون حسنةً.
ثمّ قال: هكذا يتفاضل النّاس، من قعد فليسلّم، ومن قام فليسلّم.
قال: ثمّ قام رجلٌ فلم يسلّم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ما أسرع ما نسي هذا ".
- وحدّثني حمّادٌ، عن سهيل بن أبي صالحٍ، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إذا لقيتم اليهوديّ أو النّصرانيّ فلا تبدءوه بالسّلام.
وإذا لقيتموه في طريقٍ فاضطرّوه إلى أضيقه».
- سعيدٌ عن قتادة أنّ رجلًا من اليهود مرّ على النّبيّ وهو في نفرٍ من أصحابه فقال: السّام عليكم.
فقال رسول اللّه: «وعليكم السّلام».
فجاء جبريل إلى النّبيّ
[تفسير القرآن العظيم: 1/465]
فأخبره أنّه قال: السّام عليكم.
فقال رسول اللّه: " إذا سلّم عليكم أحدٌ من أهل الكتاب فقولوا: وعليك ما قلت ".
- حمّادٌ، عن سهيل بن أبي صالحٍ، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ما حسدكم اليهود على شيءٍ ما حسدوكم على السّلام وآمين»). [تفسير القرآن العظيم: 1/466]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله:
{لّيس على الأعمى حرجٌ...}

إلى آخر الآية، كانت الأنصار يتنزّهون عن مؤاكلة الأعمى والأعرج والمريض، ويقولون: نبصر طيّب الطعام ولا يبصره فنسبقه إليه، والأعرج لا يستمكن من القعود فينال ما ينال الصحيح، والمريض يضعف عن الأكل. فكانوا يعزلونهم. فنزل: ليس عليكم في مؤاكلتهم حرج. و(في) تصلح مكان (على) ها هنا تقول: ليس على صلة الرحم وإن كانت قاطعة إثم، وليس فيها إثم، لا تبالي أيّهما قلت.
ثم قال {ولا على المريض حرجٌ ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم} إلى آخر الآية. لمّا أنزل الله {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلاّ أن تكون تجارةً} ترك الناس مؤاكلة الصّغير والكبير ممّن أذن الله في الأكل معه ومنه، فقال: وليس عليكم {في أنفسكم} في عيالكم أن تأكلوا منهم ومعهم إلى قوله {أو صديقكم} معناه: أو بيوت صديقكم،
وقبلها {أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مّفاتحه} يعني بيوت عبيدكم وأموالهم فذلك قوله (مفاتحه) خزائنه وواحد المفاتح مفتح إذا أردت به المصدر وإذا كان من المفاتيح التي يفتح بها - وهو الإقليد - فهو مفتح ومفتاح.
وقوله: {فسلّموا على أنفسكم} إذا دخل على أهله فليسلّم. فإن لم يكن في بيته أحد فليقل السّلام علينا من ربّنا، وإذا دخل المسجد قال: السلام على رسول الله، السّلام علينا وعلى خيار عباد الله الصالحين، ثم قال: {تحيّةً مّن عند اللّه} أي من أمر الله أمركم بها تفعلون تحيّة منه وطاعةً له. ولو كانت رفعاً على قولك: هي تحيّةٌ من عند الله (كان صواباً) ).
[معاني القرآن: 2/261]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" ولا على المريض حرجٌ " وأصله الضيق). [مجاز القرآن: 2/69]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" أو ما ملكتم مفاتحه " أو ما ملكتم إنفاذه وإخراجه لا يزاحم في شيء منه). [مجاز القرآن: 2/69]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" أشتاتاً " شتى وشتات واحد). [مجاز القرآن: 2/69]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {أشتاتا}:متفرقين واحدهم شت وشت ويقال للإثنين شتان وللجميع شتى مثل تترى ولا يقال إلا للإثنين فما فوقهما). [غريب القرآن وتفسيره: 275]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ليس على الأعمى حرجٌ}: في مؤاكلة الناس. وكذلك الباقون: وإن اختلفوا فكان فيهم الرّغيب والزّهيد.
وقد بينت هذا في كتاب «المشكل»، واختلاف المفسرين فيه.
{ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم} يريد: من أموال نسائكم ومن ضمّته منازلكم.
{أو ما ملكتم مفاتحه} يعني: بيوت العبيد. لأن السيد يملك منزل عبده.
{ليس عليكم جناحٌ أن تأكلوا جميعاً} أي مجتمعين. {أو أشتاتاً} أي مفترقين. وكان المسلمون يتحرجون من مؤاكلة أهل الضّرّ -: خوفا من أن يستأثروا عليهم - ومن الاجتماع على الطعام: لاختلاف الناس في مأكلهم، وزيادة بعضهم على بعض. فوسّع اللّه عليهم.
{فإذا دخلتم بيوتاً فسلّموا على أنفسكم}. قال ابن عباس: «أراد المساجد، إذا دخلتها فقل: السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين».
وقال الحسن: «ليسلم بعضكم على بعض. كما قال تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم}). [تفسير غريب القرآن: 309-308]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وبعض المفسّرين يقول في قوله تعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً}، أي على أهليكم، جعلهم أنفسهم على التّشبيه.
وقال: ابن عباس في تفسير ذلك: البيوت: المساجد، إذا دخلتها سلّمت على نفسك وعلى عباد الله الصالحين). [تأويل مشكل القرآن: 151]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومن الحرج: الإثم، قال تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ} أي إثم {وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ}، أي إثم). [تأويل مشكل القرآن: 484] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آَبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا}.
كان المسلمون في صدر الإسلام حين أمروا بالنصيحة ونهوا عن الخيانة وأنزل عليهم: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}. أي: لا يأكل بعضكم مال بعض بغير حق- أدقّوا النظر وأفرطوا في التوقّي، وترك بعضهم مؤاكلة بعض:
فكان الأعمى لا يؤاكل الناس، لأنه لا يبصر الطعام فيخاف أن يستأثر، ولا يؤاكله الناس يخافون لضرره أن يقصر.
وكان الأعرج يتوقّى ذلك، لأنه يحتاج لزمانته إلى أن يتفسّح في مجلسه، ويأخذ أكثر من موضعه، ويخاف الناس أن يسبقوه لضعفه.
وكان المريض يخاف أن يفسد على الناس طعامهم بأمور قد تعتري مع المرض: من رائحة تتغيّر، أو جرح يبضّ، أو أنف يذنّ، أو بول يسلس، وأشباه ذلك.
فأنزل الله تبارك وتعالى: ليس على هؤلاء جناح في مؤاكلة الناس، وهو معنى قول ابن عباس في رواية أبي صالح.
وأما عائشة رضي الله عنها، فإنها قالت: كان المسلمون يوعبون مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم في المغازي، ويدفعون مفاتيحهم إلى الضّمنى، وهم الزّمنى، ويقولون لهم: قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في منازلنا. فكانوا يتوقّون أن يأكلوا من منازلهم حتى نزلت هذه الآية.
وإلى هذا يذهب قوم، منهم الزّهري.
ثم قال الله عز وجل: {وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ} أراد: ولا عليكم أنفسكم أن تأكلوا من أموال عيالكم وأزواجكم.
وقال بعضهم: أراد: أن تأكلوا من بيوت أولادكم، فنسب بيوت الأولاد إلى الآباء، لأن الأولاد كسبهم، وأموالهم كأموالهم. يدلك على هذا:
أن الناس لا يتوقّون أن يأكلوا من بيوتهم، وأن الله سبحانه عدّد القرابات وهم أبعد نسبا من الولد، ولم يذكر الولد.
وقال المفسرون في قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ}. أراد: ما أغنى عنه ماله وولده، فجعل الولد كسبا.
ثم قال: {أَوْ بُيُوتِ آَبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ}، يعني العبيد، لأن السيد يملك منزل عبده. هذا على تأويل ابن عباس.
وقال غيره: أو ما خزنتموه لغيركم. يريد الزّمنى الذين كانوا يخزنون للغزاة {أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا} من منازل هؤلاء إذا دخلتموها، وإن لم يحضروا ولم يعلموا، من غير أن تتزوّدوا وتحملوا، ولا جناح عليكم أن تأكلوا جميعا أو فرادى، وإن اختلفتم: فكان فيكم الزّهيد، والرّغيب، والصحيح، والعليل.
وهذا من رخصته للقرابات وذوي الأواصر- كرخصته في الغرباء والأباعد لمن دخل حائطا وهو جائع: أن يصيب من ثمره، أو مرّ في سفر بغنم وهو عطشان: أن يشرب من رسلها، وكما أوجب للمسافر على من مرّ به الضيافة، توسعة منه ولطفا بعباده، ورغبة بهم عن دناءة الأخلاق، وضيق النظر). [تأويل مشكل القرآن: 334-332]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمّهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عمّاتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا فإذا دخلتم بيوتا فسلّموا على أنفسكم تحيّة من عند اللّه مباركة طيّبة كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تعقلون}
الحرج في اللغة الضيق، ومعناه في الدّين الإثم، وجاء في التفسير أن أهل المدينة قبل أن يبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا لا يؤاكلون هؤلاء، فقيل إنهم كانوا يفعلون ذلك خوفا من تمكن الأصحاء في الطعام، وقلّة تمكن هؤلاء، فقيل لهم ليس في مؤاكلتهم حرج، وقيل إنهم كانوا يفعلون ذلك تقززا، وقيل أيضا إنّهم كانوا إذا خرجوا مع رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - خلّفوا هؤلاء فكانوا يتحوبون أن يأكلوا مما يحفظونه فأعلمو أنه ليس عليهم جناح، وقيل أيضا إنه كان قوم يدعونهم إلى طعامهم فربما صاروا إلى منازلهم فلم يجدوا فيها طعاما، فيمضون بهم إلي آبائهم.
وجميع ما ذكروا جيّد بالغ إلا ما ذكروا من ترك المؤاكلة تقززا، فإني لا أدري كيف هو.
وقوله: {ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا}.
معنى {أشتاتا} متفرقين متوحّدين.
ونصب " جميعا " على الحال، ويروى أن حيا من العرب كان الرجل منهم لا يأكل وحده، وهم حيّ من كنانة، يمكث
الرجل يومه فإن لم يجد من يؤاكله لم يأكل شيئا، وربما كانت معه الإبل الحفّل، وهي التي ملء أخلافها اللبن فلا يشرب من ألبانها حتى يجد من يشاربه، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن الرجل منهم إن أكل وحده فلا إثم عليه.
وقوله تعالى: {فإذا دخلتم بيوتا فسلّموا على أنفسكم} معناه فليسلّم بعضكم على بعض، فالسلام قد أمر الله به، وقيل أيضا: إذا دخلتم بيوتا وكانت خالية فليقل الداخل: السلام علينا وعلى عباد اللّه الصّالحين.
وقوله عزّ وجلّ: (تحيّة من عند اللّه) معناه النصب على المصدر، لأن قوله فسلموا، معناه تحيوا، ويحيي بعضكم بعضا، تحيّة من عند اللّه.
فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أن السلام مبارك طيّب). [معاني القرآن: 4/55-53]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج}
حدثنا محمد بن جعفر الأنباري قال حدثنا زيد بن أجزم قال أنبأنا بشر بن عمر الزهراني قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت كان
المسلمون يوعبون في النفير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا يدفعون مفاتحهم إلى ضمناهم ويقولون إن احتجتم فكلوا فيقولون إنما أحلوه لنا عن غير طيب نفس فأنزل الله جل وعز: {ليس عليكم جناح أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم} إلى آخر الآية
قال أبو جعفر يوعبون أي يخرجون بأجمعهم في المغازي
يقال أوعب بنو فلان لبني فلان إذا جاءوهم بأجمعهم ويقال بيت وعيب إذا كان واسعا يستوعب كل ما وضع فيه
والضمنى هم الزمنى واحدهم ضمن مثل زمن
قال معمر سألت الزهري عن قوله تعالى: {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج} ما بال هؤلاء ذكروا ههنا فقال أخبرني عبيد الله بن عبد الله أن الناس كانوا إذا خرجوا إلى الغزو دفعوا مفاتحهم إلى الزمنى وأحلوا لهم أن يأكلوا مما في بيوتهم فكانوا لا يفعلون ذلك
ويتوقون ويقولون إنما أطلقوا لنا عن غير طيب نفس فأنزل الله الآية: {ليس على الأعمى حرج}
قال أبو جعفر فالمعنى على هذا بين أي ليس عليهم في الأكل شيء
والقول الآخر قول ابن عباس حدثناه بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح قال حدثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال ليس عليكم جناح أن تأكلوا من بيوتكم إلى قوله: {جميعا أو أشتاتا} وذلك لما أنزل الله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} فقال المسلمون إن الله عز وجل قد نهى أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل والطعام هو من أفضل الأموال فلا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد فكف الناس عن ذلك فأنزل الله جل وعز بعد ذلك: {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج} إلى قوله: {أو ما ملكت مفاتحه} وهو الرجل يوكل الرجل بضيعته
قال أبو جعفر والذي رخص الله جل وعز أن يؤكل من ذلك الطعام والتمر وشرب اللبن وكانوا أيضا يتقون ويتحرجون أن يأكل الرجل الطعام وحده حتى يكون معه غيره فرخص الله لهم فقال جل وعز: {ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا}
قال أبو جعفر فبين ابن عباس في هذا الحديث ما الذي رخص لهم فيه من الطعام
وفي غير هذه الرواية عنه أن الأعمى كان يتحرج أن يأكل طعام غيره لجعله يده في غير موضعه وكان الأعرج يتحرج لاتساعه في الموضع والمريض لرائحته وما يلحقه فأباح الله جل وعز لهم الأكل مع غيرهم
وهذا معنى رواية صالح عنه). [معاني القرآن: 4/559-556]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( فأما قوله تعالى: {ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم}
فقيل معناه من بيوت عيالكم
وقيل معناه من بيوت أولادكم لأن أولادهم من كسبهم فنسبت بيوتهم إليهم
واستدل صاحب هذا القول بأنه ذكر الأقرباء بعد ولم يذكر الأولاد
ومعنى إخوانكم وإخوتكم واحد
وفي غير رواية معاوية عن ابن عباس أو ما ملكتم مفاتحه يعني العبيد
وقيل يعني الزمنى أبيح لهم ما خزنوه من هذا للغزاة
وقرأ سعيد بن جبير أو ما ملكتم مفاتحه بضم الميم وتشديد اللام
وقال مجاهد كان الرجل يذهب بالأعمى وبالأعرج وبالمريض إلى بيت أبيه أو غيره من الأقرباء فيتحرج من ذلك ويقول هو بيت غيره فنزلت هذه الآية رخصة
وقيل ليس على الأعمى حرج أي في الغزو وكذا الأعرج المريض
ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم
أي من بيوت أنفسكم لأنه قد كان يجوز أن يحظر ذلك لأنه قد يكون في بيت الرجل ما ليس له
وكان يجوز أن يحظر عليه مال غيره وإن أذن له فأبيح ذلك لهذا إذا أذن له أحد من هؤلاء
وذكر فيهم الخص والعام لأن قوله: {أو بيوت إخوانكم} عام). [معاني القرآن: 4/561-595]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم}
روى عمر بن دينار عن ابن عباس فإذا دخلتم بيوتا قال المساجد
فسلموا على أنفسكم يقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين
وقال أبو مالك إذا دخلتم بيوتا ليس فيها أحد من المسلمين فقولوا السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين
وقال ماهان: إذا دخلت بيتا ليس فيه أحد فقل السلام علينا من ربنا
وقال الحسن فسلموا على أنفسكم ليسلم بعضكم على بعض كما قال تعالى: {فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم}
قال الضحاك فسلموا على أهليكم وغيرهم
قال أبو جعفر قول الحسن في هذا قول صحيح في اللغة والمسلم من المسلم بمنزلة نفسه لأن دينهما واحد وعلى كل واحد منهما نصح صاحبه وقال الشاعر:
قد جعلت نفسي في الأديم
يعني الماء لأن الماء به العيش فجعله نفسه فكذلك المسلم يطمئن إلى المسلم كما يطمئن إلى نفسه
والأولى أن يكون لجميع البيوت لأن اللفظ عام والمعنى فليحيي بعضكم بعضا تحية من عند الله مباركة طيبة
ثم خبر أن السلام طيب مبارك فقال تحية من عند الله مباركة طيبة). [معاني القرآن: 4/563-562]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أَشْتَاتًا}: متفرقين). [العمدة في غريب القرآن: 221]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إنّما المؤمنون الّذين آمنوا باللّه ورسوله وإذا كانوا معه على أمرٍ جامعٍ} [النور: 62] الجمعة، والعيدين، والاستسقاء، وكلّ شيءٍ تكون فيه الخطبة.
{لم يذهبوا حتّى يستأذنوه إنّ الّذين يستأذنونك أولئك الّذين يؤمنون باللّه ورسوله} [النور: 62] أي: مخلصين غير منافقين.
{فإذا استأذنوك لبعض شأنهم} [النور: 62] كما أمر اللّه عن الغائط والبول.
{فأذن لمن شئت منهم} [النور: 62] وقد أوجب اللّه على النّبيّ والإمام بعده أن يأذن لهم ولكن زاد اللّه بذلك إكرام النّبيّ عليه السّلام وإعظام منزلته.
فإذا كانت لرجلٍ حاجةٌ قام حيال الإمام وأمسك بأنفه وأشار بيده.
قال: {واستغفر لهم اللّه إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ} [النور: 62] قال يحيى: وسمعت سعيدًا يذكر عن قتادة أنّها نسخت الآية في براءةٍ: {عفا اللّه عنك لم أذنت لهم حتّى يتبيّن لك الّذين صدقوا وتعلم الكاذبين} [التوبة: 43] وهي عنده في الجهاد، لأنّ المنافقين كانوا يستأذنونه في المقام عن الغزو بالعلل، فرخّص اللّه للمؤمنين أن يستأذنوا إذا كان لهم عذرٌ.
وقال مجاهدٌ: {وإذا كانوا معه على أمرٍ جامعٍ} [النور: 62] على أمر طاعةٍ، وهو واحدٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/466]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله:
{وإذا كانوا معه على أمرٍ جامعٍ...}

كان المنافقون يشهدون الجمعة مع النبي صلى الله عليه وسلم فيذكّرهم ويعيبهم بالآيات التي تنزل فيهم، فيضجرون من ذلك. فإن خفي لأحدهم القيام قام). [معاني القرآن: 2/261]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وإذا كانوا معه على أمرٍ جامعٍ} يريد: يوم الجمعة، {لم يذهبوا حتّى يستأذنوه}: لم يقوموا إلا بإذنه.
ويقال: بل نزل هذا في حفر الخندق، وكان قوم يتسلّلون منه بلا إذن). [تفسير غريب القرآن: 309]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إنّما المؤمنون الّذين آمنوا باللّه ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتّى يستأذنوه إنّ الّذين يستأذنونك أولئك الّذين يؤمنون باللّه ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم اللّه إنّ اللّه غفور رحيم}
قال بعضهم كان ذلك في الجمعة، فهو - واللّه أعلم - أن اللّه عزّ وجل أمر المؤمنين إذا كانوا مع نبيّه - صلى الله عليه وسلم - فيما يحتاج فيه إلى الجماعة، نحو الحرب للعدو، أو ما يحضرونه مما يحتاج إلى الجمع فيه، لم يذهبوا حتى يستأذنوه.
وكذلك ينبغي أن يكونوا مع أئمّتهم لا يخالفونهم ولا يرجعون عنهم في جمع من جموعهم إلا بإذنهم، وللإمام أن يأذن، وله أن لا يأذن، على قدر ما يرى من الحظّ في ذلك لقوله تعالى: {فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم}فجعل المشيئة إليه في الإذن.
(واستغفر لهم اللّه) أي استغفر لهم بخروجهم عن الجماعة إذا رأيت أنّ لهم عذرا). [معاني القرآن: 4/55]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه}
قال سعيد بن جبير إذا حزبهم أمر من حرب أو غيرها استأذنوه قبل أن يذهبوا
وقال مجاهد هذا في الغزو ويوم الجمعة
وقال قتادة والضحاك وإذا كانوا معه على أمر جامع أي على أمر طاعة
قال أبو جعفر قول سعيد بن جبير أولاها أي إذا احتاج الإمام إلى جمع المسلمين لأمر يحتاج إلى اجتماعهم فيه فالإمام مخير في الإذن لمن رأى الإذن له
فأما إذا انتقض وضوءه يوم الجمعة فلا وجه لمقامه في المسجد ولا معنى لاستئذانه الإمام في ذلك لأنه لا يجوز له منعه). [معاني القرآن: 4/564-563]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله تعالى: {فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم}
قال قتادة وقد قال سبحانه: {عفا الله عنك لم أذنت لهم} فنسخت هذه يعني التي في سورة النور التي في سورة براءة). [معاني القرآن: 4/565-564]

تفسير قوله تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {لا تجعلوا دعاء الرّسول بينكم كدعاء بعضكم بعضًا} [النور: 63] تفسير ابن مجاهدٍ عن أبيه قال: أمرهم أن يدعوه يا رسول اللّه في لينٍ وتواضعٍ ولا يقولوا: يا محمّد.
وقال قتادة: أمر اللّه أن يهاب نبيّه، وأن يعظّم ويسوّد، وأمروا أن يجيبوه لما دعاهم إليه من الجهاد والدّين.
[تفسير القرآن العظيم: 1/466]
قوله: {قد يعلم اللّه الّذين يتسلّلون منكم لواذًا} [النور: 63] سعيدٌ عن قتادة قال: أي عن نبيّ اللّه وعن كتابه وذكره.
وقال مجاهدٌ: خلفًا يعني التّخلّف، أي: فرارًا من الجهاد في سبيل اللّه.
يعني المنافقين يلوذ بعضهم ببعضٍ استتارًا من النّبيّ حتّى يذهبوا.
قال: {فليحذر الّذين يخالفون عن أمره} [النور: 63] عن أمر اللّه، يعني المنافقين.
{أن تصيبهم فتنةٌ} [النور: 63] بليّةٌ.
يقول: فليحذروا أن تصيبهم فتنةٌ، بليّةٌ.
{أو يصيبهم عذابٌ أليمٌ} [النور: 63] أي: يستخرج اللّه ما في قلوبهم من النّفاق حتّى يظهروه شركًا فيصيبهم بذلك العذاب الأليم، القتل). [تفسير القرآن العظيم: 1/467]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله:
{قد يعلم اللّه الّذين يتسلّلون منكم...}

أي يستتر (هذا بهذا) وإنّما قالوا: لو إذا لأنها مصدر لاوذت، ولو كانت مصدراً للذت لكانت لياذاً أي لذت لياذاً، كما تقول: قمت إليه قياماً، وقامتك قواماً طويلا. وقوله: {لاّ تجعلوا دعاء الرّسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً} يقول: لا تدعوه يا محمد كما يدعو يعضكم بعضاً. لكن وقّروه فقولوا: يا نبيّ الله يا رسول الله يا أبا القاسم). [معاني القرآن: 2/261]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لواذاً} مصدر " لاوذته " من الملاوذة). [مجاز القرآن: 2/69]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {الّذين يخالفون عن أمره} مجازه يخالفون أمره سواء، وعن زائدة). [مجاز القرآن: 2/69]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {لواذا}: ملاوذة). [غريب القرآن وتفسيره: 275]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {لا تجعلوا دعاء الرّسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً} يعني: فخّموه وشرفوه، وقولوا: يا رسول اللّه، ويا نبي اللّه، ونحو هذا. ولا تقولوا: يا محمد، كما يدعو بعضكم بعضا بالأسماء.
{قد يعلم اللّه الّذين يتسلّلون منكم لواذاً} أي من يستتر بصاحبه في استلاله، ويخرج. يقال: لاذ فلان بفلان، [إذا استتر به].
و«اللواذ»: مصدر «لاوذت به»، فعل اثنين ولو كان مصدرا ل «لذت» لكان «لياذا». هذا قول الفراء). [تفسير غريب القرآن: 309]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (و(عن) تزاد قال تعالى: {يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ}). [تأويل مشكل القرآن: 251]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والفتنة: الإشراك والكفر والإثم، كقوله: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ}، أي: شرك.
وقال: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} يعني الشرك.
وقال: {أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} أي: في الإثم.
وقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ}، أي: كفر وإثم). [تأويل مشكل القرآن: 473] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {لا تجعلوا دعاء الرّسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم اللّه الّذين يتسلّلون منكم لواذا فليحذر الّذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}
أي لا تقولوا: يا محمد كما يقول أحدكم لصاحبه، ولكن قولوا يا رسول الله ويا نبي اللّه بتبجيل وتوقير وخفض صوت.
أعلمهم اللّه عزّ وجلّ فضل النبي عليه السلام على سائر البريّة في المخاطبة.
وقوله: (قد يعلم اللّه الّذين يتسلّلون منكم لواذا).
أظهرت الواو في (لواذا) على معنى لاوذت لواذا، ومعنى لواذا ههنا الخلاف - أي، يخالفون خلافا، ودليل ذلك قوله: {فليحذر الّذين يخالفون عن أمره}.
فأمّا مصدر لذت فقولك: لذت به لياذا). [معاني القرآن: 4/56-55]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا}
قال مجاهد قولوا يا رسول الله في رفق ولين ولا تقولوا يا محمد بتجهم
وقال قتادة أمروا أن يفخموه ويشرفوه
ويروى عن ابن عباس كان يقول دعوة الرسول عليكم واجبة فاحذروها وهذا قول حسن لكون الكلام متصلا لأن الذي قبله والذي بعده نهي عن مخالفته أي لا تتعرضوا لما يسخطه فيدعو عليكم فتهلكوا ولا تجعلوا دعاءه كدعاء غيره من الناس). [معاني القرآن: 4/566-565]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا}
قال مجاهد أي خلافا
وقيل حيادا كما تقول لذت من فلان أي حدت عنه
وقيل لواذا في سترة ولذت من فلان تنحيت عنه في سترة
قال أبو جعفر وهذه الأقوال متقاربة
وقول مجاهد يدل عليه فليحذر الذين يخالفون عن أمره
و{لواذ} مصدر لاوذ فأما لاذ فمصدره لياذ
وزعم أبو عبيدة أن قوله: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره}
معناه يخالفون أمره
قال أبو جعفر وهذا القول خطأ على مذهب الخليل وسيبويه لأن عن وعلى لا يفعل بهما ذلك أي لا يزادان، وعن في موضعها غير زائدة
والمعنى يخالفون بعد ما أمر كما قال الشاعر:
نؤوم الضحى لم تنتطق عن تفضل
وحقيقة عن ههنا إن شئت خلافهم أن تأمر فخلافهم عن أمره وهذا مذهب الخليل وسيبويه كذا قالا في قوله جل وعز: {ففسق عن أمر ربه} ). [معاني القرآن: 4/567-566]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا}: أي يتسللون ويمضون). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 169]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {لِوَاذًا}: ملاوذة وتستراً). [العمدة في غريب القرآن: 221]

تفسير قوله تعالى: {أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ألا إنّ للّه ما في السّموات والأرض قد يعلم ما أنتم عليه} [النور: 64] من النّفاق، يعني المنافقين.
{ويوم يرجعون إليه} [النور: 64] يقول للنّبيّ: يوم يرجع المنافقون إليه يوم القيامة.
{فينبّئهم بما عملوا} [النور: 64] من النّفاق والكفر.
{واللّه بكلّ شيءٍ عليمٌ} [النور: 64]
- ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيبٍ، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامرٍ الجهنيّ قال: رأيت رسول اللّه وهو يقرأ هذه الآية، خاتمة النّور، فجعل إصبعه تحت عينه فقال: بكلّ شيءٍ بصيرٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/467]


رد مع اقتباس