عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 13 محرم 1432هـ/19-12-2010م, 09:23 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 35 إلى 45]

{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (42) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43) يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (44) وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45)}


تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {اللّه نور السّموات والأرض} [النور: 35] يعني هدى السّموات والأرض.
{مثل نوره} [النور: 35] يعني مثل هداه.
وهو تفسير السّدّيّ.
{كمشكاةٍ فيها مصباحٌ المصباح في زجاجةٍ الزّجاجة كأنّها كوكبٌ درّيٌّ} [النور: 35] قال قتادة: منيرٌ ضخمٌ.
{يوقد من شجرةٍ مباركةٍ زيتونةٍ لا شرقيّةٍ ولا غربيّةٍ يكاد زيتها يضيء ولو لم
[تفسير القرآن العظيم: 1/448]
تمسسه نارٌ نورٌ على نورٍ يهدي اللّه لنوره من يشاء ويضرب اللّه الأمثال للنّاس واللّه بكلّ شيءٍ عليمٌ} [النور: 35] أمّا قوله: {مثل نوره} [النور: 35]
- حدّثني أشعث، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: {اللّه نور السّموات والأرض مثل نوره} [النور: 35] لا مثل لنور اللّه، مثل نور المؤمن كمشكاةٍ.
قال يحيى: يقول مثل نوره الّذي أعطى المؤمن في قلبه كمشكاةٍ.
- قرّة بن خالدٍ، عن عطيّة العوفيّ، عن ابن عمر قال: المشكاة: الكوّة في البيت الّتي ليست بنافذةٍ.
وهي بلسان الحبشة.
وهي مثل صدر المؤمن.
- أشعث، عن عاصمٍ الجحدريّ، عن سليمان بن قتّة، عن ابن عبّاسٍ قال: المشكاة الرّزونة في البيت.
قال يحيى: وهي بالفارسيّة.
قال: {فيها مصباحٌ} [النور: 35] وهو النّور الّذي في قلب المؤمن.
قال: {المصباح في زجاجةٍ} [النور: 35] صافيةٍ.
والزّجاجة القنديل.
وهو مثل قلب المؤمن.
قلبٌ صافٍ.
{الزّجاجة كأنّها كوكبٌ درّيٌّ} [النور: 35] قال قتادة: منيرٌ ضخمٌ.
{يوقد} [النور: 35] من قرأها بالياء يعني المصباح، ومن قرأها بالتّاء: توقد يعني الزّجاجة بما فيها.
فكذلك قلب المؤمن يتوقّد نورًا.
{من شجرةٍ مباركةٍ زيتونةٍ} [النور: 35] وهي مثل المؤمن.
{لا شرقيّةٍ ولا غربيّةٍ} [النور: 35] قال بعضهم: لا شرقيّةٌ تصيبها الشّمس إذا أشرقت ولا تصيبها إذا غربت، ولا غربيّةٌ تصيبها الشّمس إذا غربت ولا تصيبها إذا أشرقت ليس يغلب عليها الشّرق دون الغرب، ولا الغرب دون الشّرق، ولكن يصيبها الشّرق والغرب.
وقال قتادة: لا يفيء عليها ظلٌّ شرقيٌّ ولا غربيٌّ.
كنّا نحدّث أنّها ضاحيةٌ للشّمس.
وهي أصفى الزّيت، وأعذبه، وأطيبه.
[تفسير القرآن العظيم: 1/449]
وقال بعضهم: لا تصيبها في شرقٍ ولا في غربٍ.
هي في سفح جبلٍ، وهي شديدة الخضرة، وهي مثل المؤمن.
لا شرقيّةٌ، لا نصرانيّةٌ تصلّي إلى الشّرق، ولا غربيّةٌ، ولا يهوديّةٌ تصلّي إلى المغرب، إلى بيت المقدس.
الموضع الّذي نزل فيه القرآن غربيّه بيت المقدس.
{يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نارٌ} [النور: 35] يكاد زيت الزّجاجة يضيء ولو لم تمسسه نارٌ وهو مثل قلب المؤمن يكاد أن يعرف الحقّ من قبل أن يبيّن له فيما يذهب إليه قلبه من موافقة الحقّ فيما أمر به وفيما يذهب إليه من كراهية ما نهي عنه.
وهو مثلٌ لقوله: {ولو لم تمسسه نارٌ نورٌ على نورٍ} [النور: 35] قال مجاهدٌ: نور النّار على الزّيت في المصباح، فكذلك قلب المؤمن، إذا تبيّن له صار نورًا على نورٍ كما صار المصباح حين جعلت فيه النّار نورًا على نورٍ.
فكذلك قلب المؤمن نورًا على نورٍ، نور الزّجاجة، ونور الزّيت، ونور المصباح.
{يهدي اللّه لنوره} [النور: 35] قال السّدّيّ: يعني لدينه.
وقال في قوله: {نورٌ على نورٍ} [النور: 35] يعني: نبيًّا من نسل نبيٍّ.
قال: {من يشاء ويضرب اللّه الأمثال للنّاس واللّه بكلّ شيءٍ عليمٌ} [النور: 35] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/450]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {كمشكاةٍ...}

المشكاة الكوّة التي ليست بنافذة، وهذا مثل ضربه الله لقلب المؤمن والإيمان فيه. وقوله: {الزّجاجة} اجتمع القراء على ضمّ الزجاجة. وقد يقال زجاجة وزجاجة.
وقوله: {كوكبٌ درّيٌّ} يخفض أوله ويهمز، ... حدثني بذلك المفضّل الضبيّ قال قرأها عاصم كذلك {درّيء} بالكسر. وقال أبو بكر بن عيّاش: قرأها عاصم {درّيء} بضم الدال والهمز. وذكر عن الأعمش أنه قرأ {درّيء} و{درّي} بهمزٍوغير همز رويا عنه جميعاً ولا تعرف جهة ضمّ أوله وهمزه لا يكون في الكلام فعيل إلاّ عجمياً. فالقراءة إذا ضممت أوّله بترك الهمز. وإذا همزته كسرت أوّله. وهو من قولك: درأ الكوكب إذا انحط كأنه رجم به الشيطان فدمغه.
ويقال في التفسير: إنه واحد من الخمسة: المشتري وزحل عطارد والزهرة والمريّخ. والعرب قد تسمّى الكواكب العظام التي لا تعرف أسماءها الداراريّ بغير همز.
ومن العرب من يقول: كوكب درّي فينسبه إلى الدّرّ فيكسر أوّله ولا يهمز؛ كما قالوا: سخري وسخري، ولجّيّ ولجّيّ.
وقوله: {توقد من شجرةٍ} (تذهب إلى الزجاجة. إذا قال (توقد) . ومن قال (يوقد) ذهب إلى المصباح ويقرأ (توقّد) مرفوعة مشدّدة. ويقرأ (توقّد) بالنصب والتشديد.
من قال (توقّد) ذهب إلى الزجاجة. ومن قال (توقّد) نصبا ذهب إلى المصباح) وكلّ صواب.
وقوله: {شجرةٍ مّباركةٍ زيتونةٍ لاّ شرقيّةٍ ولا غربيّةٍ} وهي شجرة الزيت تنبت على تلعة من الأرض، فلا يسترها عن الشمس شيء. وهو أجود لزيتها فيما ذكر.
والشرقيّة: التي تأخذها الشمس إذا شرقت، ولا تصيبها إذا غربت لأن لها سترا.
والغربية التي تصيبها الشمس بالعشيّ ولا تصيبها بالغداة، فلذلك قال لا شرقيّة وحدها ولا غربيّةٍ وحدها ولكنها شرقية غربية.
وهو كما تقول في الكلام: فلان لا مسافر ولا مقيم إذا كان يسافر ويقيم، معناه؛ أنه ليس بمنفرد بإقامة ولا بسفر.
وقوله: {ولو لم تمسسه نارٌ} انقطع الكلام ها هنا ثم استأنف فقال {نّورٌ على نورٍ} ولو كان: نوراً على نورٍ كان صواباً تخرجه من الأسماء المضمرة من الزجاجة والمصباح).
[معاني القرآن: 2/253-252]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {مثل نوره كمشكاةٍ} وهي الكوة في الحائط التي ليست بنافذة، ثم رجع إلى المشكاة فقال: {كأنّها كوكبٌ درّيٌ} بغير همز أي مضيءٌ ويراد كالدر إذا ضممت أوله، فإن كسرت جعلته فعيلا من درأت وهو من النجوم الدراريء اللاتي يدرأن). [مجاز القرآن: 2/66]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يوقد من شجرةٍ مباركةٍ زيتونةٍ لا شرقيةّ ولا غربيّةٍ} مجازه لا بشرقية تضحى للشمس ولا تصيب ظلاً ولا بغربية في الظل ولا يصيبها الشرق ولكنها شرقية وغربية يصيبها الشرق والغرب وهو خير الشجر والنبات). [مجاز القرآن: 2/66]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {اللّه نور السّماوات والأرض مثل نوره كمشكاةٍ فيها مصباحٌ المصباح في زجاجةٍ الزّجاجة كأنّها كوكبٌ درّيٌّ يوقد من شجرةٍ مّباركةٍ زيتونةٍ لاّ شرقيّةٍ ولا غربيّةٍ يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نارٌ نّورٌ على نورٍ يهدي اللّه لنوره من يشاء ويضرب اللّه الأمثال للنّاس واللّه بكلّ شيءٍ عليمٌ}
وقال: {كمشكاةٍ} أي: كمثل مشكاةٍ.
وقال: {كوكبٌ درّيٌّ} إذا جعله من "الدرّ" و{درّيء} من "درأ" همزها وجعلها "فعّيل" وذلك من تلالئه. وقال بعضهم{درّيٌ} مثل (فعّيل).
وأمّا {مثل نوره كمشكاةٍ فيها مصباحٌ} فالمصباح في المعنى أن مثل ما أنار من الحق في بيانه كمثل المشكاة. ليس لله مثل تبارك وتعالى). [معاني القرآن: 3/15-14]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {المشكاة}: الكوة في الحائط ليست بنافذة.
{كوكب دريء}: من كسر الدال فهو من قولهم درأ من مطلعه أي طلع. ومن ضم الدال ولم يهمز أراد به مضيء كالدر.
{لا شرقية ولا غربية}: يقول: لا شرقية: لا تضحى للشرق، ولا غربية لا تضحى للغرب، ولكنها شرقية غربية يصيبها الشرق والغرب أي الشمس والظل.
يقولون: لا خير في شجرة في مقناه. لا يصيبها شمس ولا خير فيها مضحاة ((وهي التي تبرز للشمس ولا يصيبها الظل)).
المقناة ما كان في أسفل الجبل مما لا تصيبه الشمس والمضحاة ما كان أعلى الجبل مما تصيبه الشمس). [غريب القرآن وتفسيره: 273-371]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {اللّه نور السّماوات والأرض، مثل نوره} في قلب المؤمن.
{كمشكاةٍ} وهي: الكوّة غير النافذة. {فيها مصباحٌ} أي سراج {كوكبٌ درّيٌّ}: مضيء، منسوب إلى الدّر.
ومن قرأ: دري: بالهمز وكسر الدال، فإنه من الكواكب الدّراري وهن: اللائي يدرأن عليك، أي يطلعن. وتقديره: فعّيل، من «درأت» أي دفعت.
{لا شرقيّةٍ ولا غربيّةٍ} أي ليست في مشرقة أبدا، فلا يصيبها ظلّ.
ولا في مقنأة أبدا، فلا تصيبها الشمس. ولكنها قد جمعت الأمرين فهي شرقية غريبة: تصيبها الشمس في وقت وتصيبها الظل في وقت الظلّ في وقت.
{تتقلّب فيه القلوب والأبصار} أي تتقلب عمّا كانت عليه في الدنيا: من الشك والكفر، وتتفتّح فيه الأبصار من الأغطية). [تفسير غريب القرآن: 305]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (قول الله عز وجل:{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}.
هذا مثل ضربه الله لقلب المؤمن، وما أودعه بالإيمان والقرآن من نوره فيه. فبدأ فقال:
{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، أي بنوره يهتدي من في السموات والأرض.
ثم قال: {مَثَلُ نُورِهِ}، يعني في قلب المؤمن. كذلك قال المفسّرون. وكان أبيّ يقرأ: الله نور السموات والأرض مثل نور المؤمن، روى ذلك عبيد الله بن موسى، عن أبي جعفر الرّازي،
عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية.
كمشكاةٍ، وهي: الكوّة غير النافذة.
فيها مصباحٌ، أي سراج المصباح في قنديل، القنديل كأنه من شدة بياضه وتلألئه، كوكب درّي، يتوقّد ذلك المصباح بزيت من شجرة لا شرقيّةٍ، أي لا بارزة للشمس كلّ النهار ولا غربيّةٍ لا مستترة في الظلّ كلّ النهار. ولكنها شرقية غربية تصيبها الشمس في بعض النهار، والظلّ في بعض النهار. وإذا كان كذلك فهو أنضر لها، وأجود لحملها، وأكثر لنزلها، وأصفى لدهنها.
{يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ} يسرج به من شدة صفائه. وتم الكلام ثم ابتدأ فقال: {نُورٌ عَلَى نُورٍ}، يعني نور المصباح على نور الزّجاجة والدّهن، {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ}
ثم قال: هذا المصباح في بيوتٍ، يعني المساجد. وذكر أهلها فقال: {يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}، يريد أن القلوب يوم القيامة تعرف أمره يقينا فتتقلّب عما كانت عليه من الشك والكفر، وأن الأبصار يومئذ ترى ما كانت مغطّاة عنه فتتقلّب عمّا كانت عليه. ونحوه قوله تعالى: {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}.
ثم ضرب مثلا للكافرين، فقال: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً}، أي كالسراب يحسبه العطشان من البعد ماء يرويه {حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا}.
كذلك الكافر يحسب ما قدّم من عمله نافعه، حتى إذا جاءه، أي مات، لم يجد عمله شيئا، لأنّ الله، عزّ وجلّ، قد أبطله بالكفر ومحقه، ووجد الله عنده، أي عند عمله فوفّاه حسابه.
ثم ضرب مثلا آخر، فقال: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ}، يريد: أنه في حيرة من كفره كهذه الظلمات.
{وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا} في قلبه، {فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} ). [تأويل مشكل القرآن: 329-327]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ثم أعلم عزّ وجلّ أنه قد بيّن جميع أمر السماء، وأمر الأرض بيانا نيّرا لا غاية بعد نوره فقال:
(اللّه نور السّماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزّجاجة كأنّها كوكب درّيّ يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقيّة ولا غربيّة يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي اللّه لنوره من يشاء ويضرب اللّه الأمثال للنّاس واللّه بكلّ شيء عليم}
{اللّه نور السّماوات والأرض} أي مدبّر أمرهما بحكمة بالغة وحجة نيّرة.
ثم مثل مثل نوره ذلك في القلوب بأبين النور الذي لم يدرك بالأبصار فقال:
{مثل نوره كمشكاة فيها مصباح}.
فنوره يجوز أن يكون ما ذكرنا من تدبيره، وجائز أن يكون كتابه الذي بيّن به فقال: {قد جاءكم من اللّه نور وكتاب مبين} وجائز أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - هو النور الذي قال مثل نوره، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو المرشد والمبيّن والناقل عن الله ما هو نيّر، بيّن.
وقال: (كمشكاة)، وهي الكوّة، وقيل إنها بلغة الحبش، والمشكاة من كلام العرب، ومثلها - وإن كانت لغير الكوّة - الشكوة وهي معروفة، وهي الدقيق الصغير أو ما يعمل مثله.
{فيها مصباح المصباح في زجاجة}.
والمصباح السراج.
وقال: {المصباح في زجاجة}- لأن النور في الزّجاج.
وضوء النار أبين منه في كل شيء، وضوؤه يزيد في الزّجاج.
ثم وصف الزجاجة فقال:
{كأنّها كوكب درّيّ}.
و (درّيّ)، منسوب إلى أنه كالدّر، في صفائه وحسنه، وقرئت درّيّ ودرّيّ - بالكسر والفتح - وقد رويت بالهمز.
والنحويون أجمعون لا يعرفون الوجه فيه، لأنه ليس في كلام العرب شيء على فعّيل، ولكن الكسر جيّد بالهمز - يكون على وزن فعّيل، ويكون من النجوم الدّراري التي تدر.
أي ينحط ويسير متدافعا، ويجوز أن يكون درّيّ بغير همز مخففا من هذا.
قال أبو إسحاق: ولا يجوز أن يضم الدال ويهمز، لأنه ليس في الكلام
فعّيل، ومثال " درّيّ " فعليّ منسوب إلى الدّرّ، ومن كسر الدال قال درّيّ - فكان له، أن يهمز ولا يهمز، فمن همز أخذه من درأ يدرأ الكوكب إذا تدافع منقضّا، فتضاعف ضوءه، يقال: تدارأ الرجلان إذا تدافعا، ويكون وزنه على فعّيل.
ومن كسرها فإنما أصله الهمز فخفف، وبقيت كسرة الدال على أصلها.
ووزنه أيضا فعّيل كما كان وهو مهموز.
وقوله: {يوقد من شجرة مباركة} ويقرأ (توقد) بالتاء، فمن قرأ بالياء عنى به المصباح، وهو مذكر.
ومن قرأ بالتاء عنى به الزجاجة.
ويجوز " في زجاحة " بفتح الزاي وفيها وجهان آخران قرئ بهما - توقّد - بفتح الدال وضمها وتشديد القاف فيهما جميعا.
فمن قرأ توقّد، فالمعنى تتوقد الزجاجة، ومن قرأ توقّد فتحه لأنه فعل ماض.
ويكون المعنى: المصباح في زجاجة توقّد المصباح.
وقوله: {من شجرة مباركة زيتونة} وليس شيء في الشجر يورق غصنه من أوله إلى آخره مثل الزيتون والرمّان
قال الشاعر:

بورك الميت الغريب كما=بورك نظم الرمان والزيتون

قوله عزّ وجلّ: {لا شرقيّة ولا غربيّة}.
أكثر التفسير أنها ليست مما تطلع عليه الشمس في وقت شروقها فقط أو عند الغروب، أي ليس يسترها في وقت من النهار شيء، أي فهي شرقية غربيّة، أي تصيبها الشمس بالغداة، والعشى، فهو أنضر لها وأجود لزيتها وزيتونها.
وقال الحسن: إن تأويل قوله: {لا شرقيّة ولا غربيّة} أنها ليست من شجر الدّنيا أي هي من شجر الجنّة). [معاني القرآن: 4/43-45]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {الله نور السموات والأرض}
هو تمثيل أي بنوره يهتدي أهل السموات والأرض
والتقدير الله ذو نور السموات والأرض
والهدي يمثل بالنور ثم قال جل وعز: {مثل نوره كمشكاة فيها مصباح}
روى علي بن طلحة عن ابن عباس {الله نور السموات والأرض} قال: هادي أهل أهل السموات والأرض، كما هداه في قلب المؤمن، كما يكاد الزيت الصافي يضيء قبل أن تمسه نار فإذا مسته ازداد ضوءا على ضوء، كذا قلب المؤمن يعمل الهدى قبل أن يأتيه العلم فإذا جاءه العلم ازداد هدى ونورا على نور
كما قال إبراهيم صلى الله عليه وعلى آله قبل أن تجيئه المعرفة حين رأى الكوكب هذا ربي من غير أن يخبره أحد أن له ربا فلما أخبره الله جل وعز أنه ربه ازداد هدى على هداه
قال ابن عباس هذا للمؤمن
وقال سعيد بن جبير أي مثل نور المؤمن
وروى أبو العالية عن أبي بن كعب أنه قرأ مثل نور المؤمن
وقال زيد بن أسلم مثل نوره يعني القرآن
قال أبو جعفر ويجوز أن يكون المعنى مثل نوره للمؤمن ويكون معنى قول ابن عباس للمؤمن
ويجوز أن يكون معناه مثل نور المؤمن كمشكاة
قال ابن عباس وابن عمر المشكاة هي الكوة
وروى أبي بن كعب في قوله تعالى: {لا شرقية ولا غربية} أي تصيبها الشمس وقت الشروق فهي شرقية غربية
وقال عكرمة لا تخلو من الشمس وقت الشروق والغروب وذلك أصفى لدهنها
ثم قال تعالى: {يكاد زيتها يضيء} أي لصفائه ولو لم تمسسه نار تم الكلام). [معاني القرآن: 4/537-534]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {نور على نور}
قال الضحاك أي الإيمان والعمل
وقال غيره نور السراج على نور الزيت والقنديل
وقال أبي بن كعب مثله كمثل شجرة التفت بها الشجر لا تصيبها الشمس عل حال فهي خضراء ناعمة فكذا المؤمن نور على نور كلامه نور وعلمه نور ومصيره إلى النور يوم القيامة
وقال السدي نور النار ونور الزيت لا يغير واحدا تغير صاحبه وكذا نور القرآن ونور الإيمان). [معاني القرآن: 4/537]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {لا شرقية ولا غربية} قال الإمامان جميعا: معناه: لا شرقية كلها، ولا غربية كلها، هي شرقية وغربية، وهو أحسن ما يكون من الشجر تطلع عليها الشمس، وتغرب عليها الشمس). [ياقوتة الصراط: 378]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مثل نوره كمِشْكَاةٍ}: وهو الكوة غير النافذة.
{دُرِّيٌّ}: منسوب إلى الدر. في قراءة من قرأ ولم يهمز. ومن كسر وهمز نسبه إلى الدراري من الكواكب). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 169-168]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {المِشْكَـاةُ}: الكوة التي لا منفذ لها.
{دُرِّيٌّ}: كلون البدر
{لَّا شَرْقِيَّةٍ}: هي شرقية
{وَلَا غَرْبِيَّةٍ}: وغربية). [العمدة في غريب القرآن: 220-219]

تفسير قوله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (36)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {في بيوتٍ أذن اللّه أن ترفع} [النور: 36] ابن مجاهدٍ عن أبيه قال: أن تبنى.
{ويذكر فيها اسمه} [النور: 36] سعيدٌ عن قتادة قال: هي المساجد.
- مندلٌ، عن الأعمش، عن إبراهيم التّيميّ، عن أبيه، عن أبي ذرٍّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من بنى مسجدًا ولو مثل مفحص قطاةٍ بني له بيتٌ في الجنّة».
- ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة بن الزّبير، عن عليٍّ قال: قال رسول اللّه:
[تفسير القرآن العظيم: 1/450]
«من بنى مسجدًا من ماله بنى اللّه له بيتًا في الجنّة».
سعيدٌ عن قتادة أنّ كعبًا قال: إنّ في التّوراة مكتوبًا: إنّ بيوتي في الأرض المساجد فمن توضّأ فأحسن الوضوء ثمّ زارني في بيتي أكرمته، وحقٌّ على المزور كرامة الزّائر.
قوله: {يسبّح له فيها بالغدوّ والآصال} [النور: 36] الغدوّ صلاة الصّبح، والآصال العشيّ، الظّهر والعصر.
وقد ذكر في غير هذه الآية المغرب والعشاء وجميع الصّلوات الخمس في غير آيةٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/451]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {يسبّح له فيها بالغدوّ والآصال...}

قرأ الناس بكسر الباء. وقرأ عاصم (يسبّح) بفتح الباء. فمن قال {يسبّح} رفع الرجال بنيّة فعل مجدّد. كأنه قال يسبّح له رجال لا تلهيهم تجارة. ومن قال {يسبّح} بالكسر جعله فعلاً للرجال ولم يضمر سواه.
وأمّا وقوله: {في بيوتٍ أذن اللّه أن ترفع} فإن دخول (في) لذكر المصباح الذي وصفه فقال: كمثل مصباح في مسجد. ولو جعلت (في)
لقوله: {يسبّح} كان جائزاً، كأنه: قال في بيوت أذن الله أن ترفع يسبح له فيها رجال.
وأمّا قوله: {أذن اللّه أن ترفع} أي تبنى). [معاني القرآن: 2/254-253]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {في بيوت أذن اللّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبّح له فيها بالغدوّ والآصال}
جاء في التفسير أن تبنى، وقال الحسن: تأويل " أن ترفع " أن تعظّم.
و " في " من صلة قوله (كمشكاة).
المعنى كمشكاة في بيوت، أي في مساجد.
وقال الحسن يعنى به بيت المقدس.
ويجوز أن تكون " في " متصلة بـ (يسبّح)
ويكون فيها تكريرا على التوكيد، فيكون المعنى يسبح للّه رجال في بيوت أذن اللّه لأن ترفع.
وتقرأ (يسبّح) له فيها، فيكون رفع رجال ههنا على تفسير ما لم يسم فاعله، فيكون المعنى على أنه لما قال: (يسبّح له فيها) كأنّه قيل: من يسبّح الله فقيل يسبّح رجال كما قال الشاعر:
ليبك يزيد ضارع لخصومة=ومختبط مما تطيح الطّوائح
(والآصال): واحدها أصل، وهي العشايا). [معاني القرآن: 4/46-45]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه}
والمعنى كمشكاة في بيوت
وقيل المعنى المصباح في بيوت
وقيل المعنى يسبح له رجال في بيوت
قال الحسن في بيوت أي مساجد أذن الله أن ترفع أي تعظم وتصان
وقال عكرمة هي البيوت كلها
وقال مجاهد أن ترفع أي تبنى). [معاني القرآن: 4/538]

تفسير قوله تعالى: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {رجالٌ لا تلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ} [النور: 37] التّجارة، الجالب، والبيع الّذي يبيع على يديه.
قال: {عن ذكر اللّه} [النور: 37] قال السّدّيّ: يعني عن الصّلوات الخمس.
قال: {وإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة} [النور: 37] كانوا إذا سمعوا المؤذّن تركوا بيعهم وقاموا إلى الصّلاة.
وذكر اللّه في هذا الموضع الأذان والصّلاة، والصّلوات الخمس.
وإيتاء الزّكاة، الزّكاة المفروضة.
عاصم بن حكيمٍ، عن مسلمٍ أبي عبد اللّه، عن إبراهيم قال: قومٌ لا تلهيهم التّجارة عن وقت الصّلاة، وهم هؤلاء الّذين سمّى اللّه.
- إبراهيم بن محمّدٍ، عن صفوان بن سليمٍ أنّ رسول اللّه رأى امرأةً في المسجد فقال: «يا أيّها النّاس كفّوا عليكم نساءكم فإنّما عذّبت بنو إسرائيل حين أرسلوا نساءهم إلى المساجد والأسواق».
- حمّاد بن سلمة بن كهيلٍ، عن أبي عمرٍو الشّيبانيّ، عن ابن مسعودٍ قال: ما صلّت امرأةٌ في مكانٍ خيرٌ من قعر بيتها، إلا أن يكون المسجد الحرام ومسجد النّبيّ، إلا أن تخرج في منقليها.
قال حمّادٌ: المنقلان: الخفّان.
- إبراهيم بن محمّدٍ، عن أسيد بن سليمان السّاعديّ، عن سعيد بن المنذر، عن أمّ حميدٍ السّاعديّة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «صلاة المرأة في بيتها
[تفسير القرآن العظيم: 1/451]
أفضل من صلاتها في حجرتها، وحجرتها خيرٌ لها من دارها، ودارها خيرٌ لها من مسجد عشيرتها، ومسجد عشيرتها خيرٌ لها من مسجدي».
همّامٌ عن قتادة أنّ كعبًا قال: صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في صفّتها وصلاتها في صفّتها أفضل من صلاتها في حجرتها.
ثمّ يتبعه قتادة: وما ستر امرأةٍ فهو خيرٌ لها.
قال يحيى: وهذا الحرف يقرأ على وجهين: {يسبّح له فيها} [النور: 36] في المسجد {رجالٌ} [النور: 37]، قال: {يسبّح له فيها بالغدوّ والآصال {36} رجالٌ} [النور: 36-37] والحرف الآخر {يسبّح له فيها بالغدوّ والآصال} [النور: 36] ثمّ قال: {رجالٌ} [النور: 37] فهم الّذين يسبّحون له فيها بالغدوّ والآصال.
قوله: {يخافون يومًا تتقلّب فيه القلوب والأبصار} [النور: 37] قلوب الكفّار وأبصارهم.
وتقلّب القلوب أنّ القلوب انتزعت من أماكنها، فغصّت به الحناجر، فلا هي ترجع إلى أماكنها ولا هي تخرج وهو قوله: {إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين} [غافر: 18] وأمّا تقلّب الأبصار، فالزّرق بعد الكحل، والعمى بعد البصر). [تفسير القرآن العظيم: 1/452]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {لاّ تلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ...}

فالتجارة لأهل الجلب، والبيع ما باعه الرجل على يديه كذا جاء في التفسير.
وقوله: {تتقلّب فيه القلوب والأبصار} يقول: من كان في دنياه شاكاً أبصر ذلك في أمر آخرتته، ومن كان يشكّ ازداد قلبه بصرا؛ لأنه لم يره في دنياه: فذلك تقلّبها.
وأمّا قوله: {وإقام الصّلاة...}
فإن المصدر من ذوات الثلاثة إذا قلت: أفعلت كقيلك: أقمت وأجرت وأجبت يقال فيه كله: إقامةً وإجارةً وإجابةً لا يسقط منه الهاء. وإنما أدخلت لأن الحرف قد سقطت منه العين، كان ينبغي أن يقال: أقمته إقواماً وإجوابا فلمّا سكّنت الواو وبعدها ألف الإفعال فسكّنتا سقطت الأولى منهما. فجعلوا فيها الهاء كأنها تكثير للحرف. ومثله ممّا أسقط منه بعضه فجعلت فيه الهاء قولهم: وعدته عدة ووجدت في المال جدةٍ، وزنة ودية وما أشبه ذلك، لما أسقطت الواو من أوّله كثّر من آخره بالهاء.
وإنما استجيز سقوط الهاء من قوله: {وإقام الصّلاة} لإضافتهم إيّاه، وقالوا: الخافض وما خفض بمنزلة الحرف الواحد. فلذلك أسقطوها في الإضافة.
وقال الشاعر:
إنّ الخليط أجدّوا البين فانجردوا=وأخلفوك عد الأمر الذي وعدوا
يريد عدة الأمر فاستجاز إسقاط الهاء حين أضافها). [معاني القرآن: 2/254]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللّه وإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة يخافون يوما تتقلّب فيه القلوب والأبصار}
ومعنى: {لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللّه وإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة}.
أي لا يشغلهم أمر عن ذلك.
ويروى أن ابن مسعود رأى قوما من أهل السوق، وقد نودي بالصّلاة فتركوا بياعاتهم ونهضوا إلى الصّلاة، فقال: هؤلاء من الذين قال اللّه - عز وجل - فيهم، {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللّه}.
وقوله: (وإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة)
الكلام أقمت الصلاة إقامة، وأصلها أقمت إقواما، ولكن قلبت الواو أيضا فاجتمعت ألفان، فحذفت إحداهما لالتقاء السّاكنين، فبقي أقمت الصلاة إقامة وأدخلت الهاء عوضا من المحذوف، وقامت الإضافة ههنا في التعويض مقام الهاء المحذوفة.
وهذا إجماع من النحويين.
وقوله: {يخافون يوما تتقلّب فيه القلوب والأبصار}.
ويجوز تقلّب فيه القلوب والأبصار، في غير القرآن، ولا يجوز في القران " تقلّب، لأن القراءة سنة لا تخالف وإن جاز في العربية ذلك.
ومعنى تتقلب أي ترجف وتجف من الجزع والخوف، ومعناه أن من كان قلبه موقنا بالبعث والقيامة ازداد بصيرة، ورأى ما يحبّه مما وعد به، ومن كان قلبه على غير ذلك رأى ما يوقن معه بأمر القيامة والبعث، فعلم ذلك بقلبه وشاهده ببصره، فذلك تقلب القلوب والأبصار). [معاني القرآن: 4/47-46]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {يسبح له فيها بالغدو والآصال * رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله}
قال عطاء أي لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن حضور الصلاة في جماعة
وقال سالم جاز عبد الله بن عمر بالسوق وقد أغلقوا حوانيتهم وقاموا ليصلوا في جماعة فقال فيهم نزلت رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة).
[معاني القرآن: 4/539-538]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار}
أي تعرف القلوب الأمر عيانا فتنقلب عما كانت عليه من الشك والكفر ويزداد المؤمنون يقينا ويكشف عن الأبصار غطاؤها فتنظر ومثله فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد). [معاني القرآن: 4/540-539]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تَتَقَلَّبُ فِيهِ القلوب والأبصار}: أي تتقلب عما كانت عليه في الدنيا من الكفر، وتنكشف الأغطية عن الأبصار).
[تفسير المشكل من غريب القرآن: 169]

تفسير قوله تعالى: {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ليجزيهم اللّه أحسن ما عملوا} [النور: 38] ثواب ما عملوا، الجنّة.
{ويزيدهم من فضله} [النور: 38] فأهل الجنّة أبدًا في مزيدٍ.
حمّادٌ، عن ثابتٍ البنانيّ، عن مطرّف بن عبد اللّه، عن كعبٍ قال: وجدت في التّوراة: إنّ بيوتي في الأرض المساجد فمن توضّأ في بيته ثمّ زارني في بيتي أكرمته وحقٌّ على المزور أن يكرم الزّائر، ووجدت في القرآن: {في بيوتٍ أذن اللّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبّح له فيها بالغدوّ والآصال {36} رجالٌ لا تلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر اللّه وإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة يخافون
يومًا تتقلّب فيه القلوب والأبصار {37}
[تفسير القرآن العظيم: 1/452]
ليجزيهم اللّه أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله واللّه يرزق من يشاء بغير حسابٍ {38}} [النور: 36-38] قوله: {بغير حسابٍ} [النور: 38] بغير أن يحاسب نفسه، أي: لا ينقص ما عند اللّه كما ينقص ما في أيدي النّاس.
وقال السّدّيّ: {بغير حسابٍ} [النور: 38] يقول: ليس فيه تباعةٌ فيما يرزق.
ويقول: أنا الملك أعطي من شئت بغير حسابٍ أخافه من أحدٍ، ليس فوقي ملكٌ يحاسبني.
وبعضهم يقول: لا أحدٌ يحاسبهم بما أعطاهم اللّه كقوله: {لهم أجرٌ غير ممنونٍ} [فصلت: 8] غير محسوبٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/453]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (وقال: {والّذين كفروا أعمالهم كسرابٍ بقيعةٍ} [النور: 39] قال مجاهدٌ: وهو القاع القرقرة.
وقال قتادة: بقيعةٍ من الأرض.
{يحسبه الظّمآن} [النور: 39] العطشان.
{ماءً حتّى إذا جاءه لم يجده شيئًا} [النور: 39] كقوله: {مثل الّذين كفروا بربّهم أعمالهم كرمادٍ اشتدّت به الرّيح في يومٍ عاصفٍ لا يقدرون ممّا كسبوا على شيءٍ ذلك هو الضّلال البعيد} [إبراهيم: 18] والعطشان مثل الكافر، والسّراب مثل عمله، يحسب أنّه يغني عنه شيئًا حتّى يأتيه الموت، فإذا جاءه الموت لم يجد عمله أغنى عنه شيئًا إلا كما ينفع السّراب العطشان.
سعيدٌ عن قتادة قال: هذا مثل عمل الكافر، يرى أنّ له خيرًا وأنّه قادمٌ على خيرٍ حتّى إذا كان يوم القيامة لم يجد خيرًا قدمه.
قوله: {ووجد اللّه عنده فوفّاه حسابه} [النور: 39] ثواب عمله.
{واللّه سريع الحساب} [النور: 39] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/453]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {والّذين كفروا أعمالهم كسرابٍ بقيعةٍ...}

القيعة جماع القاع واحدها قاع؛ كما قولوا: جارٌ وجيرة. والقاع من الأرض: المنبسط الذي لا نبت فيه، وفيه يكون السّراب. والسّراب ما لصق بالأرض، والآل الذي يكون ضحى كالماء بين السّماء والأرض.
وقوله: {حتّى إذا جاءه} يعني السّراب {لم يجده شيئاً} وهو مثل للكافر كان يحسب أنه على شيء فلمّا قدم على ربّه لم يجد له عملاً، بمنزلة السراب {ووجد اللّه} عند عمله
يقول: قدم على الله فوفّاه حسابه). [معاني القرآن: 2/254]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {كسرابٍ بقيعة} السراب يكون نصف النهار وإذا اشتد الحر والآل يكون أول النهار يرفع كل شخص.
والقيعة والقاع واحد). [مجاز القرآن: 2/66]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({كسراب بقيعة}: السراب الذي يرتفع إذا حميت الشمس {والقيعة} والقاع واحد). [غريب القرآن وتفسيره: 273]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( (السراب): ما رأيته من الشمس كالماء نصف النهار. و«الآل»: ما رأيته في أول النهار وآخره، الذي يرفع كل شيء.
{بقيعةٍ} والقيعة: القاع. قال ذلك أبو عبيدة.
وأهل النظر من أصحاب اللغة يذكرون: أن «القيعة» جمع «القاع»، قالوا: والقاع واحد مذكر، وثلاثة: أقواع، والكثيرة منها: قيعان وقيعة). [تفسير غريب القرآن: 305]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (والّذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظّمآن ماء حتّى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد اللّه عنده فوفّاه حسابه واللّه سريع الحساب}
والقيعة جمع قاع، مثل جار وجيرة، والقيعة والقاع ما انبسط من الأرض ولم يكن فيه نبات، فالذي يسير فيه يرى كأن فيه ماء يجري.
وذلك هو السّراب، والآل مثل السراب إلا أنه يرتفع وقت الضحى كالماء بين السماء والأرض.
{يحسبه الظّمآن ماء} يجوز يحسبه ويحسبه، ويجوز الظّمآن والظّمان، على تخفيف الهمزة.
وهو الشديد العطش يقال ظمئ الرجل يظمأ ظمأ فهو ظمآن، مثل عطش يعطش عطشا فهو عطشان.
وقوله: {حتّى إذا جاءه لم يجده شيئا}.
أي حتى إذا جاء إلى السراب وإلى موضعه رأى أرضا لا ماء فيها.
فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أن الكافر يظن عمله قد نفعه عند اللّه، ظنه كظنّ الذي يظن أن السراب ماء، وأن عمله قد حبط وذهب.
وضرب الله هذا المثل للكافر فقال: إن أعمال الكفار كهذا السراب). [معاني القرآن: 4/47]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم مثل جل وعز عمل الكافر بعد المؤمن فقال {والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة}
قال الفراء قيعة جمع قاع كما يقال جيرة وجار
وقال أبو عبيدة قيعة وقاع واحد
والقاع والقيعة عند أهل اللغة ما انبسط من الأرض ولم يكن فيه نبت). [معاني القرآن: 4/540]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {يحسبه الظمآن ماء}
أي العطشان والسراب ما ارتفع نصف النهار فإذا رؤي من بعد ظن أنه ماء). [معاني القرآن: 4/541]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {حتى إذا جاءه لم يجده شيئا}
أي حتى إذا جاء إلى الموضع الذي فيه السراب لم يجده شيئا مما قدره ووجد أرضا لا ماء فيها
وفي الكلام حذف فكذلك مثل الكافر يتوهم أن عمله ينفعه حتى إذا جاءه أي مات لم يجد عمله شيئا لأن الله جل وعز قد محقه وأبطله بكفره ووجد الله عنده أي عند عمله فوفاه حسابه أي جزاءه، فمثل جل وعز عمل الكافر بما يوجد، ثم مثله بما يرى فقال:
قال جل وعز: {أو كظلمات في بحر لجي} ). [معاني القرآن: 4/541]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {والقيعة}: جمع القاع في الكثير، ومثله قيعان. وأقواع جمع قاع في القليل. والقاع: وجه الأرض). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 169]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {السَرَابٍ}: الذي تراه في وسط النهار عند شدة الحر كأنه ماء
{بقيعة}: يعني القاع وهو المكان الذي يعلوه الماء). [العمدة في غريب القرآن: 220]


تفسير قوله تعالى: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {أو كظلماتٍ} [النور: 40] هذا مثل قلب الكافر.
{في بحرٍ لجّيٍّ} [النور: 40]
[تفسير القرآن العظيم: 1/453]
قال قتادة: أي عميقٌ قعيرٌ.
أي غمرٌ.
{يغشاه موجٌ من فوقه موجٌ} [النور: 40] ثمّ وصف ذلك الموج فقال: {من فوقه سحابٌ ظلماتٌ بعضها فوق بعضٍ} [النور: 40] ظلمة البحر، وظلمة الموج وظلمة السّحاب، وظلمة اللّيل.
وقال السّدّيّ: يعني به الكافر يقول: قلبه مظلمٌ، في صدرٍ مظلمٍ، في جسدٍ مظلمٍ.
قلبه بالشّرك، وصدره بالكفر، وجسده بالشّكّ، وهو النّفاق.
قال: {إذا أخرج يده لم يكد يراها} [النور: 40] من شدّة الظّلمة.
{ومن لم يجعل اللّه له نورًا فما له من نورٍ} [النور: 40] يعني الكافر.
سعيدٌ عن قتادة قال: هذا مثل عمل الكافر، في ضلالاتٍ متكسّعٌ فيها). [تفسير القرآن العظيم: 1/454]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(قوله: {أو كظلماتٍ...}

والظلمات مثل لقب الكافر، أي أنه لا يعقل ولا يبصر، فوصف قلبه بالظلمات. ثم قال: {إذا أخرج يده لم يكد يراها} فقال بعض المفسّرين: لا يراها، وهو المعنى؛ لأن أقل من الظلمات التي وصفها الله لا يرى فيها الناظر كفّه. وقال بعضهم إنما هو مثل ضربه الله فهو يراها ولكنه لا يرها إلاّ بطيئا؛ كما تقول: ما كدت أبلغ إليك وأنت قد بلغت. وهو وجه العربية. ومن العرب من يدخل كاد ويكاد في اليقين فيجعلها بمنزلة الظن إذا دخل، فيما هو يقين؛ كقوله: {وظنّوا مالهم من محيصٍ} في كثيرٍ من الكلام). [معاني القرآن: 2/255]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لجّيّءٍ} مضاف إلى اللجة وهي معظم البحر). [مجاز القرآن: 2/67]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لم يكد يراها} لباب كاد مواضعٌ: موضع للمقاربة، وموضع للتقديم والتأخير، وموضع لا يدنو لذلك وهو لم يدن لأن يراها ولم يرها فخرج مخرج لم يرها ولم يكد وقال في موضع المقاربة: ما كدت أعرف إلا بعد إنكار، وقال في الدنو: كاد العروس أن يكون أميراً، وكاد النعام يطير). [مجاز القرآن: 2/67]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {اللجي}: من اللجة وهو المعظم من البحر.
{لم يكد يراها}: قالوا لم يطمع وقالوا المعنى لم يرها ويكاد صلة في الكلام). [غريب القرآن وتفسيره: 273]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ}،
يريد: أنه في حيرة من كفره كهذه الظلمات.
{وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا} في قلبه، {فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} ). [تأويل مشكل القرآن: 329] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {أو كظلمات في بحر لجّيّ يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل اللّه له نورا فما له من نور}
لأنه عزّ وجل وصف نوره الذي هو للمؤمنين، وأعلم أن قلوب المؤمنين وأعمالهم بمنزلة النور الّذي وصفه، وأنهم يجدونه عند اللّه يجازيهم عليه بالجنة، وأن أعمال الكافرين وإن مثلت بما يوجد فمثله كمثل السراب، وإن مثلت بما يرى فهي كهذه الظلمات التي وصف في قوله: (أو كظلمات في بحر لجّيّ) الآية.
وقوله: {إذا أخرج يده لم يكد يراها}
معناه لم يرها ولم يكد، وقال بعضهم يراها من بعد أن كان لا يراها من شدة الظلمة، والقول الأول أشبه بهذا المعنى، لأن في دون هذه الظّلمات لا يرى الكف.
وقوله: {ومن لم يجعل اللّه له نورا فما له من نور} أي: من لم يهده اللّه إلى الإسلام لم يهتد). [معاني القرآن: 4/48-47]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( قال جل وعز: {أو كظلمات في بحر لجي}
وهو منسوب إلى اللج وهو وسط البحر
قال أبي بن كعب الكافر كلامه ظلمة وعمله ظلمة ومصيره إلى ظلمة). [معاني القرآن: 4/542]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {إذا أخرج يده لم يكد يراها}
قال أبو عبيدة أي لم يرها ولم يكد يراها
أي لا يراها إلا على بعد
قال أبو جعفر وأصح الأقوال في هذا أن المعنى لم يقارب رؤيتها وإذا لم يقارب رؤيتها فلم يرها رؤية بعيدة ولا قريبة). [معاني القرآن: 4/542]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (اللُّجِّيٍّ): من اللجة). [العمدة في غريب القرآن: 220]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ألم تر أنّ اللّه يسبّح له من في السّموات والأرض والطّير صافّاتٍ} [النور: 41] قال قتادة: صافّاتٌ بأجنحتها.
{كلٌّ قد علم صلاته وتسبيحه} [النور: 41] تفسير ابن مجاهدٍ عن أبيه: {كلٌّ قد علم صلاته وتسبيحه} [النور: 41] الصّلاة للإنسان يعني المؤمن، {وتسبيحه} [النور: 41] التّسبيح لما سوى ذلك من خلقه.
{واللّه عليمٌ بما يفعلون} [النور: 41] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/454]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {والطّير صافّاتٍ كلٌّ قد علم صلاته...}

وتسبيحه ترفع كلاًّ بما عاد إليه من ذكره وهي الهاء في (صلاته وتسبيحه) وإن شئت جعلت العلم لكل، أي كل قد عاد صلاته وتسبيحه فإن شئت جعلت الهاء صلاة نفسه وتسبيحها. وإن شئت: تسبيح الله وصلاته التي نصلّيها له وتسبيحها، وفي القول الأوّل: كلّ قد علم الله صلاته وتسبيحه، ولو أتت كلاًّ قد علم بالنصب على قولك: علم الله صلاة كلٍّ وتسبيحه فتنصب لوقوع الفعل على راجع ذكرهم، أنشدني بعض العرب:
كلاً قرعنا في الحروب صفاته=ففررتم وأطلتم الخذلانا

ولا يجوز أن تقول: زيداً ضربته. وإنما جاز في كلّ لأنها لا تأتي إلاّ وقبلها كلام، كأنها متّصلةٌ به؛ كما تقول: مررت بالقوم كلّهم ورأيت القوم كلاّ يقول ذلك، فلمّا كانت نعتاً مستقصىً به كانت مسبوقةً بأسمائها وليس ذلك لزيدٍ ولا لعبد الله ونحوهما؛ لأنها أسماء مبتدآتٌ.
وقد قال بعض النحويين: زيداً ضربته، فنصبه بالفعل كما تنصبه إذا كان قبله كلامٌ. ولا يجوز ذلك إلا أن تنوي التكرير، كأنه نوى أن يوقع ب: يقع الضرب على زيد قبل: أن يقع على الهاء، فلمّا تأخّر الفعل أدخل الهاء على التكرير، ومثله مّما يوضحه.
قولك: بزيدٍ مررت به. ويدخل على من قال زيدا ضربته على كلمة أن يقول: زيداً مررت به وليس ذلك بشيء لأنه ليس قبله شيء يكون طرفاً للفعل). [معاني القرآن: 2/256-255]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {والطّير صافّاتٍ}: قد صفّت أجنحتها في الطيران). [تفسير غريب القرآن: 306]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ألم تر أنّ اللّه يسبّح له من في السّماوات والأرض والطّير صافّات كلّ قد علم صلاته وتسبيحه واللّه عليم بما يفعلون}
ويجوز {والطير} على معنى: {يسبح له الخلق مع الطير} ولم يقرأ بها.
وقوله: {كلّ قد علم صلاته وتسبيحه}.
معناه كل قد علم اللّه صلاته وتسبيحه، والصلاة للناس، والتسبيح لغير الناس، ويجوز أن يكون (كلّ قد علم صلاته وتسبيحه) كل شيء قد علم صلاة نفسه وتسبيحها، ويجوز أن يكون كل إنسان قد علم صلاة الله، وكل شيء قد علم تسبيح اللّه.
والأجود أن يكون كل قد علم اللّه صلاته وتسبيحه.
ودليل ذلك قوله - {واللّه عليم بما يفعلون} ). [معاني القرآن: 4/49-48]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ألم تر أن الله يسبح له من في السموات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه}
حدثنا الفريابي قال أنبأنا أبو بكر بن أبي شيبة قال أخبرنا شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله: {كل قد علم صلاته وتسبيحه} الصلاة للإنسان والتسبيح لما سوى ذلك من خلقه). [معاني القرآن: 4/542-543]

تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (42)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وللّه ملك السّموات والأرض وإلى اللّه المصير} [النور: 42] البعث). [تفسير القرآن العظيم: 1/454]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ألم تر أنّ اللّه يزجي سحابًا} [النور: 43] ينشئ سحابًا.
{ثمّ يؤلّف بينه} [النور: 43] يجمع بعضه إلى بعضٍ.
{ثمّ يجعله ركامًا} [النور: 43] بعضه على بعضٍ.
[تفسير القرآن العظيم: 1/454]
{فترى الودق} [النور: 43] المطر.
{يخرج من خلاله} [النور: 43] من خلل السّحاب.
{وينزّل من السّماء من جبالٍ فيها من بردٍ} [النور: 43] ينزّل من تلك الجبال الّتي هي من بردٍ.
إنّ في السّماء جبالًا من بردٍ.
{فيصيب به من يشاء} [النور: 43] فيهلك الزّرع كقوله: {ريحٍ فيها صرٌّ} [آل عمران: 117] بردٌ.
وقال بعضهم: ريحٌ باردةٌ {أصابت} [آل عمران: 117] الرّيح {حرث قومٍ ظلموا أنفسهم فأهلكته} [آل عمران: 117] وما أصاب العباد من مصيبةٍ فبذنوبهم، وما يعفو اللّه عنه أكثر كقوله: {وما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثيرٍ} [الشورى: 30] نصر بن طريفٍ أنّ رجلًا قال لابن عبّاسٍ: بتنا اللّيلة نمطر الضّفادع.
فقال ابن عبّاسٍ: صدق، إنّ في السّماء بحارًا.
قوله: {ويصرفه عن من يشاء} [النور: 43] يصرف ذلك البرد عمّن يشاء.
{يكاد سنا برقه} [النور: 43] قال قتادة: أي ضوء برقه.
{يذهب بالأبصار} [النور: 43]
- حدّثني إبراهيم بن محمّدٍ، عن سليمان بن عويمرٍ، عن عروة بن الزّبير قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إذا رأى أحدكم البرق أو الودق فلا يشر إليه ولينعت».
- وحدّثني إبراهيم، عن عبد العزيز بن عمر، عن مكحولٍ قال: قال رسول اللّه: «اطلبوا استجابة الدّعاء عند التقاء الجيوش، وإقامة الصّلاة، وعند نزول الغيث»). [تفسير القرآن العظيم: 1/455]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {يزجي سحاباً...}

يسوقه حيث يريد. والعرب تقول: نحن نزجي المطي أي نسوقه.
وقوله: {يؤلّف بينه} يقول القائل: بين لا تصلح إلاّ مضافة إلى اثنين فما زاد، فكيف قال {ثمّ يؤلّف بينه} وإنما هو واحدٌ؟ قلنا: هو واحد في اللفظ ومعناه جميع؛ ألا ترى قوله: {ينشئ السّحاب الثقال} ألا ترى أن واحدته سحابة، فإذا ألقيت الهاء كان بمنزلة نخلةٍ ونخلٍ وشجرة وشجر، وأنت قائل: فلان بين الشجرة وبين النخل، فصلحت (بين) مع النخل واحده لأنه جمع في المعنى. والذي لا يصلح من ذلك قولك: المال بين زيد، فهذا خطأ حتى تقول: بين زيد وعمرو وإن نويت بزيد أنه اسم لقبيلة جاز ذلك؛ كما تقول: المال بين تميم تريد: المال بين بني تميم وقد قال الأشهب بن رميلة:
قفا نسأل منازل آل ليلى=بتوضح بين حومل أو عرادا
أراد بحومل منزلاً جامعاً فصلحت (بين) فيه لأنه أراد بين أهل حومل أو بين أهل عراد.
وقوله: {فترى الودق} الودق: المطر.
وقوله: {فيصيب به من يشاء} يعذّب به من يشاء.
قوله: {من جبالٍ فيها من بردٍ} والمعنى - والله أعلم - أن الجبال في السّماء من برد خلقةً مخلوقة. كما تقول في الكلام. الآدميّ من لحمٍ ودم فـ (من) ها هنا تسقط فتقول: الآدميّ لحمٌ ودمٌ، والجبال برد، وكذا سمعت تفسيره. وقد يكون في العربيّة أمثال الجبال ومقاديرها من البرد، كما تقول: عندي بيتان تبناً، والبيتان ليسا من التبن، إنما تريد: عندي قدر بيتين من التبن، فمن في هذا الموضع إذا أسقطت نصبت ما بعدها، كما قال {أو عدل ذلك صياماً} وكما قال {ملء الأرض ذهباً}.
وقوله: {يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار} وقد قرأها أبو جعفر (يذهب بالأبصار) ). [معاني القرآن: 2/257-256]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ألم تر أنّ الله يزجي سحاباً} أي يسوق). [مجاز القرآن: 2/67]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ثمّ يجعله ركاماً} أي متراكما بعضه على بعض). [مجاز القرآن: 2/67]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فترى الودق} أي القطر والمطر، قال عامر بن جوبن الطائي:
فلا مزنة ودقت ودقها=ولا أرض أبقل إبقالها).
[مجاز القرآن: 2/67]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يخرج من خلاله} أي من بين السحاب، يقال: من خلاله ومن خلله، قال زيد الخيل:
ضربن بغمرة فخرجن منها=خروج الودق من خلل السّحاب).
[مجاز القرآن: 2/68]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {سنا برقه} منقوص أي ضوء البرق " وسناء " الشرف ممدود). [مجاز القرآن: 2/68]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({يزجي سحابا}: يسوق.
{ركاما}: بعضه على بعض.
{الودق}: القطر.
{سنا برقه}: ضياؤه والإثنان سنوان). [غريب القرآن وتفسيره: 274-273]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يزجي سحاباً} أي يسوقه، {ثمّ يجعله ركاماً}: بعضه فوق بعض.
{فترى الودق} يعني المطر، {يخرج من خلاله} أي من خلله.
{سنا برقه}: ضوءه). [تفسير غريب القرآن: 306]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: ( ألم تر أنّ اللّه يزجي سحابا ثمّ يؤلّف بينه ثمّ يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزّل من السّماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار}
معنى: (يزجي) يسوق، (ثمّ يؤلّف بينه) أي يجعل القطع المتفرّقة من السحاب قطعة واحدة (ثمّ يجعله ركاما)، أي يجعل بعض السحاب يركب بعضا.
(فترى الودق يخرج من خلاله) الودق المطر، ويقرأ من خلله، وخلاله أعم وأجود في القراءة، وخلال جمع خلل وخلال، مثل جبل وجبال، ويجوز أن يكون السحاب جمع سحابة،
ويكون " بينه " أي بين جميعه، ويجوز أن يكون السحاب واحدا إلا أنه قال بينه لكثرته، ولا يجوز أن تقول جلست بين زيد حتى تقول وعمرو.
وتقول ما زلت أدور بين الكوفة، لأن الكوفة اسم يتضمّن أمكنة كثيرة، فكأنك تقول ما زلت أدور بين طرق الكوفة.
وقوله تعالى: {وينزّل من السّماء من جبال فيها من برد}.
ويجوز وينزل بالتخفيف، ومعنى {من السّماء من جبال فيها من برد} من جبال برد فيها كما تقول هذا خاتم في يدي من حديد.
المعنى هذا خاتم حديد في يدي.
ويجوز - واللّه أعلم - أن يكون معنى " من جبال " من مقدار جبال من برد كما تقول عند فلان جبال مال تريد مقدار جبال من كثرته.
قوله: {يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار}.
وقرأ أبو جعفر المدني: يذهب بالأبصار، ولم يقرأ بها غيره، ووجهها في العربيّة ضعيف، لأن كلام العرب: ذهبت به وأذهبته.
وتلك جائزة أيضا - أعني الضم في الياء في يذهب.
ومعنى {سنا برقه} ضوء برقه، وقرئت {سنا برقه يذهب بالأبصار}
على جمع برقة وبرق، والفرق بين برقه - بالضم -وبرقه بالفتح أن البرق المقدار من البرق، والبرقة أن يبرق الشيء مرة واحدة، كما تقول: غرفت غرفة واحدة تريد مرة واحدة.
والغرفة مقدار ما يغرف، وكذلك اللّقمة واللّقمة). [معاني القرآن: 4/49-50]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ألم تر أن الله يزجي سحابا}
أي يسوقه ثم يؤلف بينه أي يجمع القطع المتفرقة حتى تتألف ثم يجعله ركاما أي بعضه فوق بعض فترى الودق يخرج من خلاله
الودق المطر يقال ودقت سرته تدق ودقا ودقة وكل خارج وادق كما قال:
فلا مزنة ودقت ودقها = ولا أرض أبقل إبقالها

وخلال جمع خلل يقال جبل وجبال). [معاني القرآن: 4/544-543]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وينزل من السماء من جبال فيها من برد}
قيل المعنى من جبال برد فيها كما تقول هذا خاتم في يدي من حديد أي هذا خاتم حديد في يدي
كما يقال جبال من طين وجبال طين
وقيل إن المعنى من مقدار جبال ثم حذف كما تقول عند فلان جبال مال
والأخفش يذهب إلى أن من فيهما زائدة أي جبالا فيها برد
قال وقال بعضهم الجبال من برد فيها في السماء وتجعل الإنزال منها). [معاني القرآن: 4/544]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار}
أي ضوء برقه وروى ربيعة بن أبيض عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال البرق مخاريق الملائكة
وقال عبد الله بن عمرو هو ما يكون من جبال البرد
حدثني محمد بن أحمد الكاتب قال حدثني عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن طلحة بن مصرف أنه قرأ يكاد سنا برقه
قال أحمد بن يحيى وهو جمع برقة
قال أبو جعفر البرقة المقدار من البرق والبرقة المرة الواحدة مثل غرفة وغرفة). [معاني القرآن: 4/545]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {ثم يجعله ركاما} أي: ويجعل بعضه على بعض، ليثخن ويغلظ). [ياقوتة الصراط: 379-378]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : (و{الودق}: المطر. والسنا: الضوء، مقصور). [ياقوتة الصراط: 379]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يُزْجِي سحابا}: أي: يسوقه ويسيره.
{ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا}: أي يسوق بعضه فوق بعض.
{الْوَدْقَ}: المطر.
{سَنَا بَرْقِهِ}: ضوء برقه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 169]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يُزْجِي}: يسوق
{رُكَامًا}: بعضه على بعض
{الْوَدْقَ}: المطر كبار القطر
(السَنَا): لمع البرق). [العمدة في غريب القرآن: 221-220]

تفسير قوله تعالى: {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (44)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {يقلّب اللّه اللّيل والنّهار} [النور: 44] هو أخذ كلّ واحدٍ منهما من صاحبه كقوله: {يولج اللّيل في النّهار ويولج النّهار في اللّيل} [الحديد: 6]
[تفسير القرآن العظيم: 1/455]
قال: {إنّ في ذلك لعبرةً} [النور: 44] لآيةً.
وقال السّدّيّ: لمعرفةً.
{لأولي} [النور: 44] لذوي.
{الأبصار} [النور: 44] وهم المؤمنون أبصروا الهدى). [تفسير القرآن العظيم: 1/456]

تفسير قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {واللّه خلق كلّ دابّةٍ من ماءٍ} [النور: 45] يعني النّطفة، تفسير السّدّيّ.
- وحدّثنا همّامٌ، عن قتادة، عن أبي ميمونة، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «كلّ شيءٍ خلق من الماء».
أراه يعني الحيوان.
نحو قول السّدّيّ.
قوله: {فمنهم من يمشي على بطنه} [النور: 45] الحيّة.
{ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربعٍ} [النور: 45] أي: ومنهم من يمشي على أكثر من ذلك.
وإنّما قال: فمنهم من يمشي على كذا، ومنهم من يمشي على كذا، ومنهم يمشي على كذا، خلق اللّه كثيرٌ.
قال: {ويخلق ما لا تعلمون} [النحل: 8] قوله: {يخلق اللّه ما يشاء إنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ} [النور: 45] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/456]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {واللّه خلق كلّ دآبّةٍ...}

و (خلق) وأصحاب عبد الله قرأوا (خالق) ذكر من أبي إسحاق السّبيعيّ - ... وهو الهمداني - أنه قال: صليت إلى جنب عبد الله بن معقل فسمعته يقول (واللّه خالق كلّ دابّة) والعوامّ بعد {خلق كلّ}.
وقوله: {كلّ دآبّةٍ مّن مّاء فمنهم مّن يمشي على بطنه} يقال: كيف قال {مّن يمشي} وإنما تكون (من) للناس وقد جعلها ها هنا للبهائم؟
قلت: لمّا قال {خالق كل دابّة} فدخل فيهم الناس كنى عنهم فقال (منهم) لمخالطتهم الناس، ثم فسّرهم بمن لمّا كنى عنهم كناية الناس خاصّة، وأنت قائل في الكلام: من هذان المقبلان لرجل ودابّته، أو رجلٍ وبعيره. فتقوله بمن وبما لاختلاطهما، ألا ترى أنك تقول: الرجل وأباعره مقبلون فكأنهم ناس إذا قلت: مقبلون). [معاني القرآن: 2/257]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فمنهم مّن يمشي على بطنه} فهذا من التشبيه لأن المشي لا يكون على البطن إنما يكون لمن له قوائم فإذا خلطوا ماله قوائم بما لا قوائم له جاز ذلك كما يقولون: أكلت خبزاً ولبناً ولا يقال: أكلت لبناً، ولكن يقال: أكلت الخبز قال الشاعر:
[مجاز القرآن: 2/68]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: (واللّه خلق كلّ دابّة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق اللّه ما يشاء إنّ اللّه على كلّ شيء قدير}
{واللّه خالق كلّ دابّة من ماء}
ويقرأ، {واللّه خلق كلّ دابّة من ماء}، فدابّة اسم لكل حيوان مميز وغيره: فلما كان لما يعقل ولما لا يعقل قال (فمنهم)، ولوكان لما لا يعقل لقيل فمنها أو منهنّ.
ثم قال: {من يمشي على بطنه فقال (من) - وأصل من لما يعقل- لأنه لمّا خلط الجماعة فقيل فمنهم جعلت العبارة بمن، وقيل يمشي على بطنه، لأن كل سائر كان له رجلان أو أربع أو لم تكن له قوائم، يقال له ماش وقد مشى، ويقال لكل مستمر ماش، وإن لم يكن من الحيوان حتى يقال قد مشى. هذا الأمر.
(من ماء)، وإنما قيل من ماء كما قال اللّه سبحانه: {وجعلنا من الماء كلّ شيء حيّ} ). [معاني القرآن: 4/50]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {والله خلق كل دابة من ماء}
يقال لكل شيء من الحيوان مميزا كان أو غير مميز دابة). [معاني القرآن: 4/546]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {فمنهم من يمشي على بطنه}
ولم يقل فمنها ولا فمنهن لأنه غلب ما يميز، فلما وقعت الكناية على ما يكون لما يميز جاء ب من ولم يأت ب ما ألا ترى أنه قد خلط في أول الكلام ما يميز مع ما لا يميز).
[معاني القرآن: 4/546]


رد مع اقتباس