عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 29 ذو الحجة 1431هـ/5-12-2010م, 11:28 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 114 إلى 134]

{لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114) وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115) إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116) إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (117) لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (120) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا (121) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122) لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124) وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا (126) وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا (127) وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128) وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (129) وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا (130) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا (131) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (132) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآَخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا (133) مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (134)}

تفسير قوله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {لاّ خير في كثيرٍ مّن نّجواهم إلاّ من أمر بصدقةٍ...}
(من) في موضع خفض ونصب؛ الخفض: إلا فيمن أمر بصدقة. والنجوى هنا رجال؛ كما قال {وإذ هم نجوى} ومن جعل النجوى فعلا كما قال {ما يكون من نجوى ثلاثةٍ} فـ (من) حينئذ في موضع رفع. وأمّا النصب فأن تجعل النجوى فعلا. فإذا استثنيت الشيء من خلافه كان الوجه النصب، كما قال الشاعر:
وقفت فيها أصيلاناً أسائلها * عيّت جوابا وما بالربع من أحد
إلا الأواري لأياً ما أبيّنها * والنؤى كالحوض بالمظلومة الجلد
وقد يكون في موضع رفع وإن ردّت على خلافها؛ كما قال الشاعر:
وبلد ليس به أنيس * إلا اليعافير وإلاّ العيس). [معاني القرآن: 1/287-288]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (لا خير في كثيرٍ من نجواهم إلاّ من أمر بصدقةٍ) فالنجوى فعل والأمر بالصدقة ليس من نجواهم التي لا خير فيها. إلا أن يكونوا يأمرون بصدقة أو معروف، والنّجوى: فعل، ومن: اسمٌ، قال النابغة:
وقد خفت حتى ما تزيد مخافتي... على وعلٍ في ذي القفارة عاقل
والمخافة: فعل، والوعل اسم؛ وفي آية أخرى: (ليس البرّ أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكنّ البرّ من آمن بالله) فالبرّ ها هنا مصدر، و(من) في هذا الموضع اسم). [مجاز القرآن: 1/139-140]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({لاّ خير في كثيرٍ مّن نّجواهم إلاّ من أمر بصدقةٍ أو معروفٍ أو إصلاحٍ بين النّاس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات اللّه فسوف نؤتيه أجراً عظيماً}
[و] قال: {لاّ خير في كثيرٍ مّن نّجواهم إلاّ من أمر بصدقةٍ} يقول: "إلاّ في نجوى من أمر بصدقةً"). [معاني القرآن: 1/211]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (لا خير في كثير من نجواهم إلّا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين النّاس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات اللّه فسوف نؤتيه أجرا عظيما (114)
النجوي في الكلام ما تنفرد به الجماعة أو الاثنان سرا كان أو ظاهرا.
ومعنى نجوت الشيء في اللغة خلّصته وألقيته، يقال نجوت الجلد إذا ألقيته عن البعير وغيره.
قال الشاعر:
فقلت انجوا عنها نجا الجلد إنه... سيرضيكما منها سنام وغاربه
وقد نجوت فلانا إذا استنكهته.
قال الشاعر:
نجوت مجالدا فوجدت منه... كريح الكلب مات حديث عهد
ونجوت الوبر واستنجيته إذا خلصته.
قال الشاعر:
فتبازت فتبازخت لها... جلسة الأعسر يستنجي الوتر
وأصله كله من النجوة، وهو ما ارتفع من الأرض
قال الشاعر:
فمن بنجوته كمن بعقوته... والمستكنّ كمن يمشي بقرواح
ويقال: ما أنجى فلان شيئا وما نجا شيئا منذ أيام، أي لم يدخل الغائط.
والمعنى واللّه أعلم: لا خير في كثير من نجواهم، أي مما يدبرونه بينهم من الكلام.
(إلّا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين النّاس).
فيجوز أن يكون موضع " من " خفضا، المعنى إلا في نجوى من صدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس، ويجوز أن يكون - واللّه أعلم - استثناء ليس من الأول ويكون موضعها نصبا، ويكون على معنى لكن من أمر بصدقة أو معروف ففي نجواه خير. وأعلم الله عزّ وجلّ أن ذلك إنما ينفع من ابتغى به ما عند اللّه فقال:
(ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات اللّه فسوف نؤتيه أجرا عظيما).
ومعنى (ابتغاء مرضات اللّه) طلب مرضاة اللّه.
ونصب (ابتغاء مرضات اللّه) لأنه مفعول له.
المعنى ومن يفعل ذلك لابتغاء مرضاة اللّه، وهو راجع إلى تأويل المصدر، كأنه قال: ومن يبتغ ابتغاء مرضاة اللّه). [معاني القرآن: 2/104-106]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {لا خير في كثير من نجواهم} النجوى كل كلام ينفرد به جماعة سرا كان أو جهرا). [معاني القرآن: 2/189]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {إلا من أمر بصدقة} يجوز أن يكون المعنى إلا نجوى من أمر بصدقة ثم حذف ويجوز أن يكون استثناء ليس من الأول ويكون المعنى لكن من أمر بصدقة في نجواه خيرا). [معاني القرآن: 2/189]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( (مِنْ نجوَاهُم) النجوى الجماعة والنجوى: الكلام الخفي). [ياقوتة الصراط: 202]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (ثم عاد الأمر إلى ذكر طعمة هذا ومن أشبهه فقال:
(ومن يشاقق الرّسول من بعد ما تبيّن له الهدى ويتّبع غير سبيل المؤمنين نولّه ما تولّى ونصله جهنّم وساءت مصيرا (115)
لأن طعمة هذا كان قد تبين لصه ما أوحى اللّه إلى نبيه في أمره، وأظهر من سرقته في الآية ما فيه بلاغ، فعادى النبي - صلى الله عليه وسلم - وصار إلى مكة، وأقام مع المشركين.
ومعنى (نولّه ما تولّى) ندعة وما اختار لنفسه في الدنيا لأن اللّه جلّ وعزّ وعد بالعذاب في الآخرة، وأعلم تعالى أنه لا يغفر الشرك، وذكر قبل هذه الآية: (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثمّ يستغفر اللّه يجد اللّه غفورا رحيما (110).
وأعلم بعدها أن الشرك لا يجوز أن يغفره ما أقام المشرك عليه، فإن قال قائل فإنما قال: (إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به) فإن سمّي رجل كافرا ولم يشرك مع اللّه غيره فهو خارج عن قوله: (إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به)؟
فالجواب في هذا أن كل كافر مشرك باللّه لأن الكافر إذا كفر بنبي فقد زعم أن الآيات التي أتى بها ليست من عند اللّه، فيجعل ما لا يكون إلا لله لغير اللّه فيصير مشركا. فكل كافر مشرك.
فالمعنى أن الله لا يغفر كفر من كفر به وبنبيّ من أنبيائه لأن كفره بنبيه كفر به.
(ومن يشرك باللّه فقد ضلّ ضلالا بعيدا).
لأن جعله مع اللّه غيره من أبعد الضلال والعمى، وهذا أكثر ما جرى ههنا من أجل الذين عبدوا الأصنام.
والدليل على ذلك قوله عزّ وجلّ بعقب هذا:
(إن يدعون من دونه إلّا إناثا)
فأمّا (نولّه ما تولّى ونصله جهنّم).
ففيها أوجه، يجوز فيها نولهي - بإثبات الياء، ويجوز نولهو بإثبات الواو: ويجوز " نوله " بكسر الهاء، فأما " نوله " - بإسكان الهاء و " نصله جهنم "، فلا يجوز إسكان الهاء لأن الهاء حقها أن يكون معها - ياء، وأما حذف الياء فضعيف فيها، ولا يجوز حذف الياء ولا تبقى الكسرة التي تدل عليها). [معاني القرآن: 2/106-107]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ومن يشاقق الرسول} أي يخالف كأنه يصير في شق خلاف شقة أي في ناحية قال سعيد بن جبير لما أطلع الله النبي على أمر ابن أبيرق هرب إلى المشركين فارتد فأنزل الله: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى} قال مجاهد أي نتركه وما يعبد وكذلك هو في اللغة يقال وليته ما تولى إذا تركته في اختياره قال سعيد بن جبير لما صار إلى مكة نقب بيتا بمكة فلحقه المشركون فقتلوه فأنزل الله: {إن الله لا يغفر أن يشرك به} إلى قوله: {فقد ضل ضلالا بعيدا}). [معاني القرآن: 2/190-191]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ومن يشاقق الرسول} أي يخالف كأنه يصير في شق خلاف شقة أي في ناحية قال سعيد بن جبير لما أطلع الله النبي على أمر ابن أبيرق هرب إلى المشركين فارتد فأنزل الله: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى} قال مجاهد أي نتركه وما يعبد وكذلك هو في اللغة يقال وليته ما تولى إذا تركته في اختياره قال سعيد بن جبير لما صار إلى مكة نقب بيتا بمكة فلحقه المشركون فقتلوه فأنزل الله: {إن الله لا يغفر أن يشرك به} إلى قوله: {فقد ضل ضلالا بعيدا}). [معاني القرآن: 2/190-191] (م)

تفسير قوله تعالى: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (117)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {إن يدعون من دونه إلاّ إناثاً...}
يقول: اللات والعزّى وأشباههما من الآلهة المؤنثة. وقد قرأ ابن عباس {إن يدعون من دونه إلاّ إناثاً} جمع الوثن فضم الواو فهمزها، كما قال {وإذا الرّسل أقّتت}
وقد قرئت (إن يدعون من دونه إلا أنثا) جمع الإناث، فيكون مثل جمع الثمار والثمر {كلوا من ثمره}). [معاني القرآن: 1/288-289]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (إن يدعون من دونه إلاّ إناثاً) إلا الموات؛ حجراً أو مدراً أو ما أشبه ذلك.
(شيطاناً مريداً) أي متمرداً). [مجاز القرآن: 1/140]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({إن يدعون من دونه إلّا إناثاً} يعني اللات والعزّى ومناة.
{وإن يدعون إلّا شيطاناً مريداً} أي ماردا. مثل قدير وقادر، والمارد: العاتي). [تفسير غريب القرآن: 135]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (إن يدعون من دونه إلّا إناثا وإن يدعون إلّا شيطانا مريدا (117)
إن يدعون تقرأ إلا أنثا، وإلا أثنا - بتقديم الثاء، وتأخيرها. فمن قال أناث فهو جمع أنثى وإناث، ومن قال أنث فهو جمع إناث، لأن إناثا على وزن مثال، وإناث وأنث مثل مثال ومثل. ومن قال أثنا فإنه جمع وثن.
والأصل وثن، إلا أنّ الواو إذا انضمّت يجوز إبدالها همزة، كقوله تعالى: (وإذا الرّسل أقتت) الأصل وقّتت، ومثال وثن في الجمع مثل سقف.
وجائز - أن يكون اثن مثل أسد وأسد، وجائز أن يكون اثن أصلها اثن، فاتبعت الضمّة الضمّة.
وقوله جلّ وعزّ: (وإن يدعون إلّا شيطانا مريدا).
يعني به إبليس لأنهم إذا أطاعوه فيما سوّل لهم فقد عبدوه، ويدعون في معنى يعبدون، لأنهم إذا دعوا اللّه مخلصين فقد عبدوه.
وكذلك قوله: (وقال ربّكم ادعوني أستجب لكم) أي اعبدوني.
والدليل على ذلك قوله عزّ وجلّ: (إنّ الّذين يستكبرون عن عبادتي).
ومعنى (مريدا) أي خارج عن الطاعة متملص منها، ويقال " شجرة مرداء.
إذا تناثر ورقها، ومن ذلك يسمى من لم تنبت له لحية أمرد أي أملس موضع اللحية، وقد مرد الرجل يمرد مرودا إذا عتا وخرج عن الطاعة).
[معاني القرآن: 2/108]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {إن يدعون من دونه إلا إناثا} قال مجاهد يعني الأوثان وعن أبي مع كل صنم جنية وقال أهل اللغة إنما سميت إناثا لأنهم سموها اللات والعزى ومناة وهذا عندهم إناث وقال الحسن أي ما يعبدون إلا حجارة وخشبا
قال وكان لكل حي صنم يعبدونه فيقال أنثى بني فلان فأنزل الله هذا وهذا قول حسن في اللغة لأن هذه الأشياء يخبر عنها بالتأنيث يقال الحجارة يعجبنه ولا يقال يعجبونه وروي عن ابن عباس أنه قرأ (إن يدعون من دونه إلا أثنا) وهذا جمع الجمع كأنه جمع وثنا على وثان كما تقول مثال ومثل ثم أبدل من الواو همزة لما انضمت كما قال جل وعز: {وإذا الرسل أقتت} من الوقت وقرئ (إن يدعون من دونه إلا أنثا) وهو جمع إناث). [معاني القرآن: 2/191-192]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {وإن يدعون إلا شيطانا مريدا لعنه الله} فالمريد الخارج من الخير المتجرد منه وأمرد من هذا وقيل المريد الممتد في الشر من قولهم بيت ممرد أي مطول). [معاني القرآن: 2/193]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({إِلاَّ إِنَاثًا} يعني اللات وعزى ومناة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 64]

تفسير قوله تعالى: {لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (118)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {نصيباً مّفروضاً...} جعل الله له عليه السبيل؛ فهو كالمفروض). [معاني القرآن: 1/289]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({نصيباً مفروضاً} أي حظا افترضته لنفسي منهم فأضلهم). [تفسير غريب القرآن: 135]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( (وقال لأتّخذنّ من عبادك نصيبا مفروضا (118)
قيل في مفروض إن معناه مؤقت، وجاء في بعض التفسير من كل ألف واحد للّه وسائرهم لإبليس.
ومعنى مفروض - واللّه أعلم - أي أفترضه على نفسي وأصل الفرض في اللغة القطع، والفرضة الثلمة تكون في النهر، يقال سقاها بالفراض وبالفرض، والفرض الحز الذي يكون في المسواك يشد فيه الخيط، والفرض في القوس الحز الذي يشدّ فيه الوتر، والفريضة في سائر ما افترض ما أمر الله به العباد فجعله أمرا حتما عليهم قاطعا، وكذلك قوله: (وقد فرضتم لهنّ فريضة فنصف ما فرضتم) أي جعلتم لهنّ قطعة من المال وقد فرضت الرجل جعلت له قطعة من مال الفيء.
فأما قول الشاعر:
إذا أكلت سمكا وفرضا... ذهبت طولا وذهبت عرضا
فالفرض ههنا التمر، وإنما سمي التمر فرضا لأنه يؤخذ في فراض الصدقة). [معاني القرآن: 2/108-109]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ومعنى لعنه باعده من رحمته. ثم قال جل وعز: {وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا} أي موقتا وهو من فرضت أي قطعت). [معاني القرآن: 2/193]

تفسير قوله تعالى: {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولأضلّنّهم...} وفي قراءة أبيّ "وأضلهم وأمنّيهم"). [معاني القرآن: 1/289]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (فليبتّكنّ آذان الأنعام)، بتكه: قطعه). [مجاز القرآن: 1/140]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({فليبتكن آذان الأنعام}: يقطعونها بتكة قطعة). [غريب القرآن وتفسيره: 124]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فليبتّكنّ آذان الأنعام} أي يقطعونها ويشقّونها. يقال: بتكه، إذا فعل ذلك به.
{فليغيّرنّ خلق اللّه} يقال: دين اللّه. ويقال لا، يغيرون خلقه بالخصاء وقطع الآذان وفقء العيون. وأشباه ذلك). [تفسير غريب القرآن: 136]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (والخلق: الدّين، كقوله تعالى: {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}، أي لدين الله.
وقال تعالى: {وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}، أي دينه: ويقال:
تغيير خلقه بالخصاء وبتك الآذان، وأشباه ذلك). [تأويل مشكل القرآن: 507]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (ولأضلّنّهم ولأمنّينّهم ولآمرنّهم فليبتّكنّ آذان الأنعام ولآمرنّهم فليغيّرنّ خلق اللّه ومن يتّخذ الشّيطان وليّا من دون اللّه فقد خسر خسرانا مبينا (119)
(ولأمنّينّهم).
أي أجمع لهم مع الإضلال أن أوهمهم أنهم ينالون من الآخرة حظا.
كما قال: (وزيّن لهم الشيطان أعمالهم).
(ولآمرنّهم فليبتّكنّ آذان الأنعام).
كأنه - واللّه أعلم - ولآمرنهم بتبتيك آذان الأنعام فليبتكن، أي يشققن، يقال بتكت الشيء أبتكه بتكا إذا قطعته، وبتكة وبتك، مثل قطعة وقطع، وهذا في البحيرة، كانت الجاهلية إذا ولدت الناقة خمسة أبطن فكان الخامس ذكرا شقوا أذن الناقة وامتنعوا من الانتفاع بها ولم تطرد عن ماء ولا
مرعى، وإذا لقيها المعي لم يركبها. فهذا تأويل (فليبتّكنّ آذان الأنعام).
سوّل لهم إبليس أن في تركها لا ينتفع بها قربة إلى الله.
(ولآمرنّهم فليغيّرنّ خلق اللّه).
قيل إن معناه أن الله خلق الأنعام ليركبوها ويأكلوها فحرموها على أنفسهم، وخلق الشمس والقمر والأرض والحجارة سخرة للناس ينتفعون بها فعبدها المشركون، فغيروا خلق اللّه، أي دين اللّه، لأن الله فطر الخلق على الإسلام، خلقهم من بطن آدم كالذر، وأشهدهم أنه ربهم فآمنوا، فمن كفر فقد غير فطرة الله التي فطر الناس عليها.
فأمّا قوله: (لا تبديل لخلق الله)، فإنّ معناه ما خلقه الله هو الصحيح، لا يقدر أحد أن يبدل معنى صحة الدين.
وقال بعضهم: (فليغيّرنّ خلق اللّه) هو الخصاء لأن الذي يخصي الفحل قد غير خلق اللّه.
ومعنى (إن يدعون من دونه إلّا إناثا).
أي ما يعبدون إلا ما قد سموه باسم الإناث، يعني به المشركون، سمّوا الأصنام اللات والعزى ومناة، وما أشبهه، وقيل إن معنى قوله: (إن يدعون من دونه إلّا إناثا) أي مواتا، والموات كلها يخبر عنها كما يخبر عن المؤنث، تقول من ذلك: هذه الأحجار تعجبني، ولا تقول يعجبونني، وكذلك الدراهم تنفعني). [معاني القرآن: 2/109-110]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {ولأضلنهم ولأمنينهم} أي ولأوهمنهم أن لهم حظا في المخالفة).
[معاني القرآن: 2/194]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام} يقال بتك إذا قطع قال قتادة يعني البحيرة والبحيرة الناقة إذا أنتجت خمسة أبطن وكان آخرها ذكرا شقوا آذانها ولم ينتفعوا بها
والتقدير في العربية ولآمرنهم بتبتيك آذان الأنعام). [معاني القرآن: 2/194-195]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {ولآمرنهم فليغيرن خلق الله} عن ابن عباس دين الله وعنه أيضا الخصاء وكذلك روي عن أنس وقال سعيد بن جبير ومجاهد وإبراهيم والضحاك وقتادة يعني دين الله وزاد مجاهد يعني الفطرة أي أنهم ولدوا على الإسلام وأمرهم الشيطان بتغييره
وروي عن عكرمة قولان: أحدهما أنه الخصاء والآخر أنه دين الله وهذه الأقوال ليست بمتناقضة لأنها ترجع إلى الأفعال فأما قوله: {لا تبديل لخلق الله} وقال ههنا فليغيرن خلق الله فإن التبديل هو بطلان عين الشيء فهو ههنا مخالف للتغيير وقال محمد بن جرير أولاهما أنه دين الله وإذا كان ذلك معناه دخل فيه فعل كل ما نهى الله عنه من خصاء ووشم وغير ذلك من المعاصي لأن الشيطان يدعو إلى جميع المعاصي أي فليغيرن ما خلق الله من دينه). [معاني القرآن: 2/195-197]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( (فليبتكن آذان الأنعام) أي: فليقطعن آذان الإبل). [ياقوتة الصراط: 203]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( (فليغيرن خلق الله) قال: يعني: الإخصاء.
(قيلا) أي: قولا). [ياقوتة الصراط: 203]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ} أي يقطعونها، ويشقونها.
{فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ} أي دين الله، وقيل: يغيرونه بالخصاء وقطع الآذان ونحوه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 64]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({فَلَيُبَتِّكُنَّ}: يقطعن). [العمدة في غريب القرآن: 115]

تفسير قوله تعالى: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (120)}

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا (121)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (محيصاً) (120)، حاص عنه: عدل عنه). [مجاز القرآن: 1/140]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({محيصا}: معدلا حاص عن الطريق عدل عنه). [غريب القرآن وتفسيره: 124]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (أولئك مأواهم جهنّم ولا يجدون عنها محيصا (121)
(ولا يجدون عنها محيصا).
أي لا يجدون عنها معدلا ولا ملجأ.
يقال حصت عن الرجل أحيص، ورووا جضت عنه أجيض بالجيم والضاد المعجمة، بمعنى حصت، ولا يجوز ذلك في القرآن، وإن كان المعنى واحدا والخط غير مخالف، لأن القرآن سنة لا تخالف فيه الرواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والسلف وقراء الأمصار بما يجوز في النحو واللغة، وما فيه أفصح ممّا يجوز. فالاتباع فيه أولى.
يقال حصت أحوص حوصا وحياصا، إذا خطت، قال الأصمعي: يقال حص عين صقرك أي خط عينه، والحوص في العين ضيق مؤخرها.
والخوص بالخاء - معجمة - غؤورها). [معاني القرآن: 2/110-111]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا} المحيص في اللغة المعدل والملجأ يقال حصت وجضت وعدلت بمعنى واحد). [معاني القرآن: 2/197]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({مَحِيصاً}: معدلا). [العمدة في غريب القرآن: 115]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (ومن أصدق من الله قيلاً) أو (قولا) واحد). [مجاز القرآن: 1/140]

تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون اللّه وليّا ولا نصيرا (123)
اسم ليس مضمر، المعنى ليس ثواب الله بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب، وقد جرى ما يدل على إضمار الثواب، وهو قوله: (والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات سندخلهم جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وعد اللّه حقّا).
أي إنما يدخل الجنة من آمن وعمل صالحا. ليس كما يتمنى أهل الكتاب، لأنهم كانوا يزعمون أنهم أبناء الله وأحباؤه.
وقالوا: (لن تمسّنا النّار إلّا أيّاما معدودة)، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن دخول الجنة وثواب الله على الحسنات والسيئات ليس بالأماني ولكنه بالأعمال.
ثم ذكر بعض ذلك فقال عزّ وجلّ: (من يعمل سوءا يجز به).
أي لا ينفعه تمنيه.
(ولا يجد له من دون اللّه وليّا ولا نصيرا (123) ومن يعمل من الصّالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنّة ولا يظلمون نقيرا (124)
فأعلم الله أن عامل السوء لا ينفعه تمنيه، ولا يتولاه فتول ولا ينصره ناصر.
وقد احتج قوم من أصحاب الوعيد بقوله: (ولا يجد له من دون اللّه وليّا ولا نصيرا).
فزعموا أن هذا يدل على أن من عمل السوء جزي به). [معاني القرآن: 2/111-112]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب} المعنى ليس الثواب بأمانيكم ودل على أن هذا هو المعنى قوله جل وعز: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار}).[معاني القرآن: 2/197]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {من يعمل سوءا يجز به} روي عن أبي هريرة أنه قال لما نزلت من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا بكينا وحزنا وقلنا يا رسول الله ما أبقت هذه الآية من شيء قال أما والذي نفسي بيده إنها لكما أنزلت ولكن أبشروا وقاربوا وسددوا فإنه لا تصيب أحدا منكم مصيبة إلا كفر الله عنه بها خطيئة حتى الشوكة يشاكها أحدكم في قدمه وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس من يعمل سوء يجز به يقول من يشرك به وهو السوء إلا أن يتوب قبل موته فيتوب الله عليه حدثنا عبد السلام بن سهل السكري قال حدثنا عبيد الله قال حدثنا عبد الواحد بن زياد قال حدثنا عاصم عن الحسن من يعمل سوء يجز به قال ذلك لمن أراد الله جل وعز هو أنه فأما من أراد كرامته فلا قد ذكر الله قوما وقال {أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون} والحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أنه عام روى عنه أبو هريرة أنه قال لما نزلت هذه الآية كل ما يصاب به العبد كفارة
ولفظ الآية عام لكل من عمل سوءا من مؤمن وكافر كان الذنب صغيرا أو كبيرا وهذا موافق لـ «نكفر» لأن معنى نكفر نغطي عليها في القيامة فلا نفضحكم بها). [معاني القرآن: 2/198-200]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه قول الله عز وجل: {وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا}،{وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}، والفتيل: ما يكون في شقّ النّواة. والنّقير: النّقرة في ظهرها.
ولم يرد أنهم لا يظلمون ذلك بعينه، وإنما أراد أنهم إذا حوسبوا لم يظلموا في الحساب شيئا ولا مقدار هذين التّافهين الحقيرين.
والعرب تقول: ما رزأتُه زِبَالاً. (وَالزِّبَالُ) ما تحمله النَّمْلَةُ بفَمِهَا، يريدون ما رزأته شيئاً.
وقال النابغة الذّبياني:
يجمعُ الجيش ذا الألوفِ ويغزو = ثم لا يرزأُ العدوَّ فَتيلا). [تأويل مشكل القرآن: 138] (م)

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقد أعلم اللّه عزّ وجلّ أنّه يغفر ما دون الشرك لمن يشاء، فعامل السوء - ما لم يكن كافرا - مرجو له العفو والرحمة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - شافع لأمته يشفع فيهم.
ومعنى: (ولا يظلمون نقيرا).
النقير النقطة في ظهر النواة، وهي منبت النخلة، والمعنى: ولا يظلمون مقدار ذلك). [معاني القرآن: 2/112]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ولا يظلمون نقيرا} المعنى لا يظلمون مقدار نقير والنقير النقطة التي تكون في النواة يقال إن النخلة تنبت منها). [معاني القرآن: 2/200]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {واتّخذ اللّه إبراهيم خليلاً...}
يقول القائل: ما هذه الخلّة؟ فذكر أنّ إبراهيم صلى الله عليه وسلم كان يضيف الضيفان ويطعم الطعام، فأصاب الناس سنة جدب فعزّ الطعام. فبعث إبراهيم صلى الله عليه وسلم إلى خليل له بمصر كانت الميرة من عنده، فبعث غلمانه معهم الغرائر والإبل ليميره، فردّهم وقال: إبراهيم لا يريد هذا لنفسه، إنما يريده لغيره. قال: فرجع غلمانه، فمرّوا ببطحاء لينة. فاحتملوا من رملها فملئوا الغرائر؛ استحياء من أن يردّوها فارغة، فردّوا على إبراهيم صلى الله عليه وسلم فأخبروه الخبر وامرأته نائمة، فوقع عليه النوم همّا، وانتبهت والناس على الباب يلتمسون الطعام. فقالت للخبّازين: افتحوا هذه الغرائر واعتجنوا، ففتحوها فإذا أطيب طعام، فعجنوا واختبزوا. وانتبه إبراهيم صلى الله عليه وسلم فوجد ريح الطعام، فقال: من أين هذا؟ فقالت امرأة إبراهيم صلى الله عليه وسلم: هذا من عند خليلك المصريّ. قال فقال إبراهيم: هذا من عند خليلي الله لا من عند خليلي المصريّ. قال: فذلك خلّته). [معاني القرآن: 1/289-290]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( (ومن أحسن دينا ممّن أسلم وجهه للّه وهو محسن واتّبع ملّة إبراهيم حنيفا واتّخذ اللّه إبراهيم خليلا (125)
وقوله: (واتّخذ اللّه إبراهيم خليلا).
الخليل المحب الذي ليس في محبته خلل فجائز أن يكون إبراهيم سمى خليل الله بأنّه الذي أحبه الله واصطفاه محبة تامّة كاملة.
وقيل أيضا الخليل الفقير، فجائز أن يكون فقير اللّه، أي الذي لم يجعل فقره وفاقته إلا إلى الله مخلصا في ذلك، قال الله عزّ وجلّ: (يا أيّها النّاس أنتم الفقراء إلى اللّه).
ومثل أن إبراهيم الخليل الفقير إلى اللّه قول زهير يمدح هرم بن سنان:
وإن أتاه خليل يوم مسغبة... يقول لا غائب مالي ولا حرم
وجاء في التفسير أن إبراهيم كان يضيف الضيفان ويطعم المساكين الطعام، وأصاب الناس جدب فبعث إلى خليل له كان بمصر يمتار منه.
فقال ذلك الخليل لنفسه: لو كان إبراهيم إنما يريد الميرة لنفسه لوجهت إليه بها، ولكنه يريدها للناس فرجع غلمان إبراهيم بغير ميرة، فاجتازوا ببطحاء ليّنة فأخذوا من رمل كان فيها وجعلوه في أوعيتهم استحياء من الناس أن يرجعوا بغير شيء، فلما رآهم عليه السلام، سألهم عن الخبر فأعلموه، فحملته عينه فنام مهموما، وانتبهت امرأته وقد بصرت بالأوعية مملوءة، فأمرت بأن يخرج منها ويخبز فأخرج منها طعام في غاية الحسن فاختبز، وانتبه إبراهيم وشئمّ رائحة الطعام، فقال: من أين هذا؟
فقالت امرأته من عد خليلك المصري.
فقال إبراهيم هذا من عند خليلي اللّه عزّ وجلّ.
فهذا ما روي في التفسير وهو من آيات الأنبياء عليهم السلام غير منكر. والذي فسرنا من الاشتقاق لا يخالف هذا.
والخلة الصداقة، والخلة الحاجة.
فأمّا معنى الحاجة فإنه الاختلال الذي يلحق الإنسان فيما يحتاج إليه.
وأمّا الخلة الصداقة فمعناها إنّه يسد كل محب خلل صاحبه في المودة وفي الحاجة إليه، والخلل كل فرجة تقع في شيء، والخلال الذي يتخلل به.
وإنما سمي خلالا لأنه، يتبع به الخلل بين الأسنان.
وقول الشاعر:
ونظرن من خلل الستور بأعين... مرضى مخالطها السّقام صحاح
فإن معناه نظرن من الفرج التي تقع في الستور.
وقوله القائل: " لك خلّة من خلال " تأويله أني أخلى لك من رأيي أو مما عندي عن خلة من خلال.
وتأويل أخلّي إنما هو أخلل، وجائز أن يكون أخلي من الخلوة، والخلوة والخلل يرجعان إلى معنى، والخل الطريق في الرمل معناه أنه انفرجت فيه فرجة فصارت طريقا.
والخل الذي يؤكل إنما سمي خلّا لأنه اختلّ منه طعم الحلاوة). [معاني القرآن: 2/112-114]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {واتخذ الله إبراهيم خليلا} الخليل في اللغة يكون بمعان أحدها الفقير كأنه به الاختلال كما قال زهير:
وإن أتاه خليل يوم مسألة يقول لا غائب مالي ولا حرم
والخليل المحب وقيل في قول الله جل وعز: {واتخذ الله إبراهيم خليلا} أي محتاجا فقيرا إليه والقول الآخر هو الذي عليه أصحاب الحديث أنه المحب المنقطع إلى الله الذي ليس في انقطاعه اختلال والقول الثالث أنه يقال فلان خليل فلان أي هو يختصه ومنه الحديث لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا فدل بهذا على أنه صلى الله عليه وسلم لا يختص أحدا بشيء من العلم دون غيره). [معاني القرآن: 2/200-202]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( (خليلا): محبا). [ياقوتة الصراط: 203]

تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا (126)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (وللّه ما في السّماوات وما في الأرض وكان اللّه بكلّ شيء محيطا (126)
أي إن إبراهيم الذي اتخذه اللّه خليلا هو عبد اللّه، وهو له وكل ما في السّماوات والأرض). [معاني القرآن: 2/114]

تفسير قوله تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا (127)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {قل اللّه يفتيكم فيهنّ وما يتلى...}
(معناه: قل الله يفتيكم فيهنّ وما يتلى). فموضع (ما) رفع كأنه قال: يفتيكم فيهنّ ما يتلى عليكم. وإن شئت جعلت ما في موضع خفض: يفتيكم الله فيهنّ وما يتلى عليكم غيرهنّ.
وقوله: {والمستضعفين} في موضع خفض، على قوله: يفتيكم فيهنّ وفي المستضعفين. وقوله: {وأن تقوموا} (أن) موضع خفض على قوله: ويفتيكم في أن تقوموا لليتامى بالقسط). [معاني القرآن: 1/290]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (ويستفتونك في النّساء قل اللّه يفتيكم فيهنّ وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النّساء اللّاتي لا تؤتونهنّ ما كتب لهنّ وترغبون أن تنكحوهنّ والمستضعفين من الولدان وأن تقوموا لليتامى بالقسط وما تفعلوا من خير فإنّ اللّه كان به عليما (127)
(ويستفتونك في النّساء قل اللّه يفتيكم فيهنّ وما يتلى عليكم)
موضع " ما " رفع.
المعنى اللّه يفتيكم فيهن، وما يتلى عليكم في الكتاب.
أيضا يفتيكم فيهن. ويجوز أن يكون " ما " في موضع جر، وهو بعيد جدا، لأن الظاهر لا يعطف على المضمر، فلذلك اختير الرفع، ولأن معنى الرفع أيضا أبين، لأن ما يتلى في الكتاب هو الذي بين ما سألوا.
فالمعنى: (قل الله يفتيكم فيهن)، وكتابه يفتيكم فيهن.
وقوله: (وترغبون أن تنكحوهنّ).
المعنى وترغبون عن أن تنكحوهنّ.
وقوله: (والمستضعفين من الولدان).
يعني اليتامى، وموضع " المستضعفين " جر، عطف على قوله: (وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء) المعنى وفي المستضعفين من الولدان والذي يفتيهم من القرآن قوله عزّ وجلّ: (وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدّلوا الخبيث بالطّيّب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) والذي تلي عليهم في التزويج هو قوله: (فانكحوا ما طاب لكم من النّساء مثنى وثلاث ورباع).
فالمعنى قل الله يفتيكم فيهنّ، وهذه الأشياء التي في الكتاب يفتيكم فيهن.
وقوله: (وأن تقوموا لليتامى بالقسط)
" أن " في موضع جر: المعنى وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء وفي أن تقوموا لليتامى بالقسط). [معاني القرآن: 2/114-115]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب} وما في موضع رفع والمعنى قل الله يفتيكم فيهن والقرآن يفتيكم فيهن والذي يفتيكم من القرآن في النساء قوله عز وجل: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع}). [معاني القرآن: 2/202]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن} قالت عائشة رحمها الله هذا في اليتيمة تكون عند الرجل وترغبون أن تنكحوهن رغبة أحدكم عن يتيمته التي تكون في حجره حين تكون قليلة المال والجمال فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء إلا بالقسط
وفي بعض الروايات عنها هذا في اليتيمة لعلها تكون شريكته في المال ولا يريد أن ينكحها ولا يحب أن تتزوج غيره لئلا يأخذ مالها قال الله جل اسمه {وترغبون أن تنكحوهن} قال سعيد بن جبير ومجاهد ويرغب في نكاحها إذا كانت كثيرة المال ولأهل اللغة في هذا تقديران: أحدهما أن المعنى وترغبون عن أن تنكحوهن ثم حذفت عن
وحديث عائشة يقوي هذا القول والقول الآخر وترغبون في أن تنكحوهن ثم حذفت في وإذا تدبرت قول سعيد بن جبير تبينت أنه قد جاء بالمعنيين). [معاني القرآن: 2/202-204]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {والمستضعفين من الولدان} قال سعيد بن جبير كانوا لا يورثون الصغير فنزلت: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين} فعلى قول سعيد بن جبير أفتاهم في المستضعفين قوله: {يوصيكم الله في أولادكم}). [معاني القرآن: 2/204]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {وأن تقوموا لليتامى بالقسط} والقسط العدل وأفتاهم في اليتامى قوله جل وعز: {ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم}). [معاني القرآن: 2/205]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {خافت من بعلها نشوزاً...}
والنشوز يكون من قبل المرأة والرجل. والنشوز هاهنا من الرجل لا من المرأة. ونشوزه أن تكون تحته المرأة الكبيرة فيريد أن يتزوج عليها شابّة فيؤثرها في القسمة والجماع. فينبغي له أن يقول للكبيرة: إني أريد أن أتزوّج عليك شابّة وأوثرها عليك، فإن هي رضيت صلح ذلك له، وإن لم ترض فلها من القسمة ما للشابّة.
وقوله: {وأحضرت الأنفس الشّحّ} إنما عنى به الرجل وامرأته الكبيرة. ضنّ الرجل بنصيبه من الشابة، وضنّت الكبيرة بنصيبها منه. ثم قال: وإن رضيت بالإمرة). [معاني القرآن: 1/290-291]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وإن امرأةٌ خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً} أي عنها.
{فلا جناح عليهما أن يصلحا} أي يتصالحا. هذا في قسمة الأيام بينها وبين أزواجه، فترضى منه بأقل من حظها). [تفسير غريب القرآن: 136]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصّلح خير وأحضرت الأنفس الشّحّ وإن تحسنوا وتتّقوا فإنّ اللّه كان بما تعملون خبيرا (128)
النشوز من بعل المرأة أن يسيء عشرتها وأن يمنعها نفسه ونفقته واللّه عز وجلّ قال في النساء: (وعاشروهنّ بالمعروف)، وقال: (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)، وقال: (ولا تمسكوهنّ ضرارا لتعتدوا). فشدد الله في العدل في أمر النساء فلو لم يعلم عزّ وجلّ أن رضا المرأة من زوجها بالإقامة على منعها - في كثير من الأوقات - نفسه ومنعها بعض ما يحتاج إليه لما جاز الإمساك إلا على غاية العدل والمعروف، فجعل الله عزّ وجلّ الصلح جائزا بين الرجل وامرأته إذا رضيت منه بإيثار غيرها عليه.
فقال: " لا إثم عليهما في أن يتصالحا بينهما صلحا.
والصلح خير من الفرقة ".
وقوله: (وأحضرت الأنفس الشّحّ).
وهو أن المرأة تشح على مكانها من زوجها، والرجل يشح على المرة بنفسه إن كان غيرها أحب إليه منها.
وقوله: (وإن تحسنوا وتتّقوا).
أي إن تحسنوا إليهن، وتحملوا عشرتهن.
(فإنّ اللّه كان بما تعملون خبيرا).
أي يخبر ذلك فيجازيكم عليه.
فإن قال قائل إنما قيل: (وإن امرأة خافت)، ولم يقل وإن نشز رجل على المرأة لأن الخائف للشيء ليس بمتيقن له؟
فالجواب في هذا إن خافت الإقامة منه على النشوز والإعراض، وليس أن تخاف الإقامة إلا وقد بدا منه شيء، فأما التفرقة بين (إن) الجزاء والفعل الماضي فجيد. ولكن " إن " وقعت التفرقة بين " إن " والفعل المستقبل فذلك قبيح.
إن قلت: إن امرأة تخاف - فهو قبيح، لأن " إن " لا يفصل بينها وبين ما يجزم، وذلك في الشعر جائز في (إن) وغيرها.
قال عدي بن زيد.
فمتى واغل ينبهم يحيّوه... وتعطف عليه كأس الساقي
فأما الماضي فـ "إن " غير عاملة في لفظه، و " إن " أمّ حروف الجزم.
فجاز أن تفرق بينها وبين الفعل، وامرأة ارتفعت بفعل مضمر يدل عليه ما بعد الاسم، المعنى إن خافت امرأة خافت فأمّا غير " إن " فالفصل يقبح فيه مع الماضي والمستقبل جميعا، لو قلت: " متى زيد جاءني أكرمته " كان قبيحا.
ولو قلت إن اللّه أمكنني فعلت كان حسنا جميلا). [معاني القرآن: 2/115-117]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا} النشوز من الزوج أن يسيء عشرتها ويمنعها نفسه ونفقته). [معاني القرآن: 2/205]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: (فلا جناح عليهما أن يصالحا بينهما صلحا) وقرأ أكثر الكوفيين {أن يصلحا} وقرأ الجحدري وعثمان البتي (أن يصلحا) والمعنى يصطلحا ثم أدغم فأما تفسير الآية فروى سماك بن حرب عن خالد بن عرعرة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال هي المرأة تكون عند الرجل وهي دميمة أو عجوز تكره مفارقته فيصطلحا على أن يجيئها كل ثلاثة أيام أو أربعة وقالت عائشة هو الرجل تكون عنده المرأة لعله لا يكون له منها ولد ولا يحبها فيريد تخليتها فتصالحه فتقول لا تطلقني وأنت في حل من شأني وروى الزهري عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار أن هذه الآية نزلت في رافع بن خديج طلق امرأته تطليقة وتزوج شابة فلما قاربت انقضاء العدة قالت له أنا أصالحك على بعض الأيام فراجعها ثم لم تصبره فطلقها أخرى ثم سألته ذلك فراجعها فنزلت الآية وفي حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن سودة وهبت يومها لعائشة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة ابتغت سودة بذلك رضى رسول الله صلى الله عليه وسلم). [معاني القرآن: 2/205-207]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {والصلح خير} والمعنى والصلح خير من الفرقة ثم حذف هذا لعلم السامع
وقيل في معنى الله أكبر الله أكبر من كل شيء). [معاني القرآن: 2/207-208]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {وأحضرت الأنفس الشح} قال عطاء يعني الشح في الأيام والنفقة ومعنى هذا أن المرأة تشح بالنفقة على ضرايرها وإيثارهن وقال سعيد بن جبير هذا في المرأة تشح بالمال والنفس). [معاني القرآن: 2/208]

تفسير قوله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (129)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {فلا تميلوا كلّ الميل...} إلى الشابة، فتهجروا الكبيرة كل الهجر {فتذروها كالمعلّقة} وهي في قراءة أبيّ (كالمسجونة) ). [معاني القرآن: 1/291]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (فلا تميلوا كلّ الميل) أي لا تجوروا). [مجاز القرآن: 1/140]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم}
قال عبيدة في الحب والجماع). [معاني القرآن: 2/208-209]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {فلا تميلوا كل الميل} قال عبيدة يعني بالأنفس وقال مجاهد لا تتعمدوا الإساءة والمعنى اقسموا بينهن بالسوية وروي عن عائشة رحمها الله أنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه بالعدل ثم يقول اللهم هذا ما أملك فلا تؤاخذني بما تملكه ولا أملكه). [معاني القرآن: 2/209]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {فتذروها كالمعلقة} قال الحسن هي التي ليس لها زوج ولا هي مطلقة وقال قتادة كالمحبوسة وكالمسجونة). [معاني القرآن: 2/210]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا (130)}

تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا (131)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وللّه ما في السّماوات وما في الأرض ولقد وصّينا الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإيّاكم أن اتّقوا اللّه وإن تكفروا فإنّ للّه ما في السّماوات وما في الأرض وكان اللّه غنيّاً حميداً}
قال: {ولقد وصّينا الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإيّاكم أن اتّقوا اللّه} أي بأن اتّقوا الله). [معاني القرآن: 1/211]

تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (132)}
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( (وكيلا) أي: كفيلا كافيا). [ياقوتة الصراط: 203]

تفسير قوله تعالى: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآَخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا (133)}

تفسير قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (134)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({مّن كان يريد ثواب الدّنيا فعند اللّه ثواب الدّنيا والآخرة وكان اللّه سميعاً بصيراً}
[وقال] {مّن كان يريد ثواب الدّنيا فعند اللّه ثواب الدّنيا والآخرة} فموضع {كان} جزم والجواب الفاء وارتفعت {يريد} لأنه ليس فيها حرف عطف. كما قال: {من كان يريد الحياة الدّنيا وزينتها نوفّ إليهم}، وقال: {من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدّنيا نؤته منها} فجزم لأن الأول في موضع جزم ولكنه فعل واجب فلا ينجزم، و{يريد} في موضع نصب بخبر {كان}. [و] قال: {وإن امرأةٌ خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً} فجعل الاسم يلي {إن} لأنّها أشدّ حروف الجزاء تمكنا. وإنّما حسن هذا فيها إذا لم يكن لفظ ما وقعت عليه جزما نحو قوله:
* عاود هراة وإن معمورها خربا *). [معاني القرآن: 1/211-212]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (ومنه أن يأتي الفعل على بنية الماضي وهو دائم، أو مستقبل: كقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}، أي أنتم خير أمّة.
وقوله: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ}، أي وإذ يقول الله يوم القيامة. يدلك على ذلك قوله سبحانه: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ}
وقوله: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ}، يريد يوم القيامة. أي سيأتي قريبا فلا تستعجلوه.
وقوله: {قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا}، أي من هو صبيّ في المهد.
وكذلك قوله: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}، وكذلك قوله: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا}
إنما هو: الله سميع بصير، والله على كل شيء قدير). [تأويل مشكل القرآن:295-296] (م)

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (من كان يريد ثواب الدّنيا فعند اللّه ثواب الدّنيا والآخرة وكان اللّه سميعا بصيرا (134)
كان مشركو العرب لا يؤمنون بالبعث، وكانوا مقرين بأن اللّه خالقهم.
فكان تقربهم إلى الله عزّ وجلّ إنما هو ليعطيهم من خير الدنيا، ويصرف عنهم شرها، فأعلم الله عزّ وجلّ أن خير الدنيا والآخرة عنده).
[معاني القرآن: 2/117]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {من كان يريد ثواب الدنيا} فعند الله ثواب الدنيا والآخرة روي أن أكثر المشركين كانوا لا يؤمنون بالقيامة وإنما يتقربون إلى الله ليوسع عليهم في الدنيا ويدفع عنهم مكروهها فأنزل الله: {من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة}). [معاني القرآن: 2/210]


رد مع اقتباس