عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 02:54 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {ما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتّى يميز الخبيث من الطّيّب} أي: لا بد أن يعقد سببًا من المحنة، يظهر فيه وليّه، ويفتضح فيه عدوّه. يعرف به المؤمن الصّابر، والمنافق الفاجر. يعني بذلك يوم أحدٍ الّذي امتحن به المؤمنين، فظهر به إيمانهم وصبرهم وجلدهم [وثباتهم] وطاعتهم للّه ولرسوله صلّى اللّه عليه وسلّم، وهتك به ستر المنافقين، فظهر مخالفتهم ونكولهم عن الجهاد وخيانتهم للّه ولرسوله [صلّى اللّه عليه وسلّم] ولهذا قال: {ما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتّى يميز الخبيث من الطّيّب}.
قال مجاهدٌ: ميّز بينهم يوم أحدٍ. وقال قتادة: ميّز بينهم بالجهاد والهجرة. وقال السّدّي: قالوا: إن كان محمّدٌ صادقًا فليخبرنا عمّن يؤمن به منّا ومن يكفر. فأنزل اللّه: {ما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتّى [يميز الخبيث من الطّيّب} أي: حتّى] يخرج المؤمن من الكافر. روى ذلك كلّه ابن جريرٍ:
ثمّ قال: {وما كان اللّه ليطلعكم على الغيب} أي: أنتم لا تعلمون غيب اللّه في خلقه حتّى يميز لكم المؤمن من المنافق، لولا ما يعقده من الأسباب الكاشفة عن ذلك.
ثمّ قال: {ولكنّ اللّه يجتبي من رسله من يشاء} كقوله {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا إلا من ارتضى من رسولٍ فإنّه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدًا} [الجنّ:26، 27].
ثمّ قال: {فآمنوا باللّه ورسله} أي: أطيعوا اللّه ورسوله واتّبعوه فيما شرع لكم {وإن تؤمنوا وتتّقوا فلكم أجرٌ عظيمٌ} ). [تفسير القرآن العظيم: 2/173]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ولا يحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله هو خيرًا لهم بل هو شرٌّ لهم} أي: لا يحسبنّ البخيل أنّ جمعه المال ينفعه، بل هو مضّرة عليه في دينه -وربّما كان-في دنياه.
ثمّ أخبر بمآل أمر ماله يوم القيامة فقال: " سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة " قال البخاريّ:
حدّثنا عبد اللّه بن منيرٍ، سمع أبا النّضر، حدّثنا عبد الرّحمن -هو ابن عبد اللّه بن دينارٍ-عن أبيه، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من آتاه الله مالا فلم يؤدّ زكاته مثّل له شجاعًا أقرع له زبيبتان، يطوّقه يوم القيامة، يأخذ بلهزمتيه -يعني بشدقيه-يقول: أنا مالك، أنا كنزك" ثمّ تلا هذه الآية: {ولا يحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله هو خيرًا لهم بل هو شرٌّ لهم} إلى آخر الآية.
تفرّد به البخاريّ دون مسلمٍ من هذا الوجه، وقد رواه ابن حبّان في صحيحه من طريق اللّيث بن سعدٍ، عن محمّد بن عجلان، عن القعقاع بن حكيمٍ، عن أبي صالحٍ، به.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا حجين بن المثنّى، حدّثنا عبد العزيز بن عبد اللّه بن أبي سلمة، عن عبد اللّه بن دينارٍ، عن ابن عمر، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّ الّذي لا يؤدّي زكاة ماله يمثّل الله له ماله يوم القيامة شجاعًا أقرع له زبيبتان، ثمّ يلزمه يطوّقه، يقول: أنا كنزك، أنا كنزك".
وهكذا رواه النّسائيّ عن الفضل بن سهلٍ، عن أبي النّضر هاشم بن القاسم، عن عبد العزيز بن عبد اللّه بن أبي سلمة، به ثمّ قال النّسائيّ: ورواية عبد العزيز، عن عبد اللّه بن دينارٍ، عن ابن عمر، أثبت من رواية عبد الرّحمن، عن أبيه عبد اللّه بن دينارٍ، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة.
قلت: ولا منافاة بينهما فقد يكون عند عبد اللّه بن دينارٍ من الوجهين، واللّه أعلم. وقد ساقه الحافظ أبو بكر بن مردويه من غير وجهٍ، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة. ومن حديث محمّد بن أبي حميدٍ، عن زيادٍ الخطميّ، عن أبي هريرة، به.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا سفيان، عن جامعٍ، عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم؛ قال: " ما من عبدٍ لا يؤدّي زكاة ماله إلّا جعل له شجاعٌ أقرع يتبعه، يفرّ منه وهو يتبعه فيقول: أنا كن ". ثمّ قرأ عبد اللّه مصداقه من كتاب اللّه: {سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة}.
وهكذا رواه التّرمذيّ والنّسائيّ وابن ماجه، من حديث سفيان بن عيينة، عن جامع بن أبي راشدٍ، زاد التّرمذيّ: وعبد الملك بن أعين، كلاهما عن أبي وائلٍ شقيق بن سلمة، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، به. ثمّ قال التّرمذيّ: حسنٌ صحيحٌ. وقد رواه الحاكم في مستدركه، من حديث أبي بكر بن عيّاشٍ وسفيان الثّوريّ، كلاهما عن أبي إسحاق السّبيعي، عن أبي وائلٍ، عن ابن مسعودٍ، به ورواه ابن جريرٍ من غير وجه، عن ابن مسعود، موقوفا.
حديثٌ آخر: قال الحافظ أبو يعلى: حدّثنا أميّة بن بسطام، حدّثنا يزيد بن زريع، حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة، عن ثوبان، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم؛ قال: " من ترك بعده كنزا مثّل له شجاعًا أقرع يوم القيامة له زبيبتان، يتبعه ويقول: من أنت؟ ويلك. فيقول: أنا كنزك الّذي خلّفت بعدك فلا يزال يتبعه حتّى يلقمه يده فيقضمها، ثمّ يتبعه سائر جس". إسناده جيّدٌ قويٌّ ولم يخرّجوه.
وقد رواه الطّبرانيّ عن جرير بن عبد اللّه البجلي ورواه ابن جريرٍ وابن مردويه من حديث بهز بن حكيمٍ، عن أبيه، عن جدّه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "لا يأتي الرّجل مولاه فيسأله من فضل ماله عنده، فيمنعه إيّاه، إلّا دعي له يوم القيامة شجاعٌ يتلمّظ فضله الّذي منع". لفظ ابن جريرٍ.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن المثنّى، حدّثنا عبد الأعلى، حدّثنا داود، عن أبي قزعة، عن رجلٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "ما من ذي رحمٍ يأتي ذا رحمه، فيسأله من فضلٍ جعله الله عنده، فيبخل به عليه، إلّا أخرج له من جهنّم شجاعٌ يتلمّظ، حتّى يطوّقه".
ثمّ رواه من طريقٍ أخرى عن أبي قزعة -واسمه حجير بن بيان-عن أبي مالكٍ العبديّ موقوفًا. ورواه من وجهٍ آخر عن أبي قزعة مرسلًا.
وقال العوفي عن ابن عبّاسٍ: نزلت في أهل الكتاب الّذين بخلوا بما في أيديهم من الكتب المنزّلة أن يبيّنوها.
رواه ابن جريرٍ. والصّحيح الأوّل، وإن دخل هذا في معناه. وقد يقال: [إنّ] هذا أولى بالدّخول، واللّه أعلم.
وقوله: {وللّه ميراث السّماوات والأرض} أي: فأنفقوا ممّا جعلكم مستخلفين فيه، فإنّ الأمور كلّها مرجعها إلى اللّه عزّ وجلّ. فقدّموا لكم من أموالكم ما ينفعكم يوم معادكم {واللّه بما تعملون خبيرٌ} أي: بنياتكم وضمائركم). [تفسير القرآن العظيم: 2/174-176]

رد مع اقتباس