عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 18 صفر 1440هـ/28-10-2018م, 02:46 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة يس
[ من الآية (30) إلى الآية (36) ]

{يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون (30) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ (31) وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32) وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35) سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36)}


قوله تعالى: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون (30)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الأعرج ومسلم بن جندب وأبي الزناد: [يَا حَسْرَهْ]، ساكنة الهاء، [عَلَى الْعِبَادِ].
وقرأ: [يَا حَسْرَةَ الْعِبَادِ] -مضافًا- ابن عباس والضحاك وعلى بن حسين ومجاهد وأبي ابن كعب.
قال أبو الفتح: أما [يَا حَسْرَهْ]، بالهاء ساكنة ففيه النظر. وذلك أن قوله: {عَلَى الْعِبَادِ} متعلق بها، أو صفة لها. وكلاهما لا يحسن الوقوف عليها دونه، ووجه ذلك عندي ما أذكره. وذلك أن العرب إذا أخبرت عن الشيء -غير مُعْتَمِدَتٍهٍ ولا مُعْتَزِمَةٍ عليه- أسرعت فيه، ولم تتأن على اللفظ. المعبر به عنه. وذلك كقوله:
قُلْنَا لَها قِفِي لَنا قالَتْ قَافْ
معناه: وقفْتُ، فاقتصَرَتْ من جملة الكلمة على حرف منها؛ تهاوُنًا بالحالِ، وتثاقُلًا على الإجابة، واعتماد المقال. ويكفي في ذلك قول الله سبحانه: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ
[المحتسب: 2/208]
فِي أَيْمَانِكُمْ}. قالوا في تفسيره: هو كقولك: لا والله، وبلى والله. فأين سرعة اللفظ بذكر اسم الله تعالى هنا من التثبت فيه، والإشباع له، والمماطلة عليه من قول الهذلي:
فَوَاللهِ لا أَنْسَى قَتِيلا رُزِئْتُهُ ... بِجَانِبِ قُوسَى مَا مَشَيْتُ علَى الأرْضِ؟
أفلا ترى إلى تَطَعُّمِكَ هذه اللفظة في النطق هنا بها، وتَمَطِّيكَ لإشباع معنى القسم عليها؟ وكذلك أيضا قد ترى إلى إطالة الصوت بقوله من بعده:
بَلَى إنَّها تَعْفُو الكُلُومُ وإنما ... نُوكَّلُ بِالأَدْنَى وإنْ جَلَّ مَا يَمْضِي
أفلا تراهُ -لما أكذب نفسه، وتدارك ما كان أفرط في اللفظ- أطال الإقامة على قوله: بلى؛ رجوعا إلى الحق عنده، وانتكاثًا عما كان عقد عليه يمينه؟ فأين قوله هنا: "فوالله"، وقوله: بلى، منهما في قوله: لا والله، وبلى والله؟
وعليه قوله تعالى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ}، أي: وكَّدتموها، وحققتموها وإذا أوليت هذا أدنى تأمل عرفت منه وبه ما نحن بسبيله وعلى سمته، وعلى هذا قال سيبويه: إنهم يقولون: سِيرَ عليه لَيْلٌ، يريدون: ليلٌ طويلٌ. وهذا إنما يفهم عنهم بتطويل الياء، فيقولون: سِيرَ عليه ليلٌ، فقامت المدة مقام الصفة.
ومن ذلك ما تستعمله العرب من إشباع مدات التأسيس والردف والوصل والخروج عناية بالقافية، إذ كانت للشعر نظاما، وللبيت اختتاما.
أخبرنا أبو أحمد الطبراني عن شيخ له ذكره عن البحتري، قال: سمعت ابن الأعرابي يقول: استجيدوا القوافي، فإنها حوافر الشعر. وقال لي الشجري في بعض كلامه: القافية
[المحتسب: 2/209]
رأس البيت، وهذا ليس نقضا للأول، وإنما غرضه فيه أنها أشرف ما فيه، كما أن حوافر الفرس هي أوثق ما فيه، وبها نهوضه، وعليها اعتماده. ولقد تغنّى يوما خفير لنا بشعر مؤسس نحو قوله:
ألا عَلِّلانِي قَبْلَ لَوْمِ العَوَاذِلِ
فلَعهدي به وهو يمطُل الألف حتى يَخْطُوَ به فرسُه الخطوة والعشرين، ولولا ظاهر ما في القولِ لقلْتُ الأكثر. فإذا تجاوز الألف أسرع عند الدخيل، فاختلس الذال والروي بعدها. وكان أيضا يمده بتقبُّل صدى صوته مع تماديه واغتراق أقصى النفَسِ فيه ما كان يعطيه إياه نقل الفرس به؛ فإن ذلك كان يهزُّ الألف، ويصنعها، ويزيل تحيَّرها والساذَجِيَّة المملولة عنها.
وعلى ذكر طول الأصوات وقصرها لقوة المعاني المعبر بها عنها وضعفها ما يحكى أن رجلا ضرب ابنا له، فقالت له أمه: لا تضربه، ليس هو ابنك؛ فرافعها إلى القاضي فقال: هذا ابني عندي، وهذه أمه تذكر أنه ليس مني. فقالت المرأة: ليس الأمر على ما ذكره، وإنما أخذ يضرب ابنه فقلت له: لا تضربه ليس هو ابنك، ومدت فتحة النون جدا، فقال الرجل: والله ما كان فيه هذا الطويل الطويل، والأمر يذكر للأمر على تقاربهما، أو تفاوتهما إذا كان ذلك للغرض مُوَضِحًا، وإليه بطالبه مُفْضِيًا. وقد قال:
وَعِنْدَ سَعِيدٍ غَيْرَ أنْ لَمْ أَبُحْ بِهِ ... ذَكَرْتُكِ إنَّ الأمرَ يُذْكَرُ لِلْأَمْرِ
وإذا كان جميع ما أوردناه ونحوه مما استطلناه فحذفناه يدل أن الأصوات تابعة للمعاني -فمتى قويت قويت، ومتى ضعفت ضعفت. ويكفيك من ذلك قولهم: قَطَعَ وقَطَّعَ، وكَسَرَ وكَسَّرَ. زادوا في الصوت لزيادة المعنى، واقتصدوا فيه لاقتصادهم فيه- علمت أن قراءة من قرأ: [يَا حَسْرَهْ عَلَى الْعِبَادِ]، بالهاء ساكنة إنما هو لتقوية المعنى في النفس، وذلك أنه في موضع وعظ. وتنبيه، وإيقاظ وتحذير، فطال الوقوف على الهاء كما يفعله المستعظم للأمر، المتعجب منه، الدال على أنه قد بهره، وملك عليه لفظه وخاطره. ثم قال من بعد: [على العباد]، عاذرا نفسه في الوقوف على الموصول دون صلته لما كان فيه، ودالَّا للسامع
[المحتسب: 2/210]
على أنه إنما تجشم ذلك -على حاجة الموصول إلى صلته وضعف الإعراب وتحجره على جملته- ليفيد السامع منه ذهابَ الصورة بالناطق.
ولا يَجْفُ ذلك عليك على ما به من ظاهر انتقاض صنعته؛ فإن العرب قد تحمل على ألفاظها لمعانيها حتى تفسد الإعراب لصحة المعنى. ألا ترى إلى أن أقوى اللغتين - وهي الحجازية في الاستفهام عن الأعلام نحو قولهم فيمن قال: مررت بزيدٍ: من زَيْدٍ؟
فالجر حكاية لجر المسئول عنه، فهذا مما احتُمل فيه إضعاف الإعراب لتقوية المعنى. ألا ترى أنه لو ركب اللغة التميمية طلبا لإصابة الإعراب فقال: مَنْ زَيْدُ؟ لم يَضِحْ من ظاهر اللفظ أنه إنما يسأل عن زيد هذا المذكور آنفا ولم يؤمن أن يُظن به أنه إنما ارتجل سؤالا عن زيد آخر مستأنفا؟
ومن الحمل على اللفظ للمعنى قوله:
يا بُؤْسَ لِلْجَهْلِ ضَرَّارًا لأقْوَام
فتجشَّم الفصل بين المضاف والمضاف إليه بلام الجر؛ لما يعقبه من توكيد معنى الإضافة، فهذا ونظائره يؤكد أن المعاني تتلعّب بالألفاظ، تارة كذا، وأخرى كذا. وفيه بيان لما مضى.
وقد يجوز غير هذا كله، وهو أن يكون "حسرة" غير متعلقة بـ"على"، فيحسن الوقوف عليها, ثم تُعَلَّق "على" بمضمر، وتدل عليه "حسرة" حتى كأنه قال: أتحسَّر على العباد. وهذا في القرآن ما لا أحصيه لكثرته.
وأما [يا حسرةَ العِبادِ] مضافا فإن لك فيه ضربين من التأويل:
إن شئت كان "العباد" فاعلين في المعنى، كقولك: يا قيام زيد ويا جلوس عمرو أي: كأن العباد إذا شاهدوا العذاب تحسروا.
وإن شئت كان "العباد" مفعولين في المعنى، وشاهده للقراءة الظاهرة: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ}، أي: يتحسر عليهم مَنْ يعنيه أمْرُهُم ويهمُه ما يمسهم، وهذا ظاهر). [المحتسب: 2/211]

قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ (31)}
قوله تعالى: {وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وإن كلٌّ لمّا جميعٌ لدينا محضرون (32)
قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة (لمّا) مشددة.
وقرأ الباقون (لما) خفيفة.
قال أبو منصور: من قرأ (لمّا) مشددة فالمعنى: ما كلٌّ إلا جميعٌ.
(لمّا) بمعنى: (إلا)، وهي لغة هذيل.
ومن قرأ (لما) بتخفيفٍ فـ (ما) صلة والتقدير: وإنّ كلًّا للجميع لدينا محضرون.
فلمّا خفف (إن) رفع (كلّ).
[معاني القراءات وعللها: 2/305]
وقال الفراء والمعنى: وإن كلٌّ لجميع لدينا محضرون.
قال أبو إسحاق: معناه:
ما كلٌّ إلا جميع لدينا - قاله في تخفيف (لما) ومن قرأ به). [معاني القراءات وعللها: 2/306]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وإن كل لما جميع لدينا محضرون}
قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائيّ {وإن كل لما} بالتّشديد بمعنى إلّا وإن بمعنى ما التّقدير ما كل إلّا جميع لدينا محضرون
وقرأ الباقون {لما} بالتّخفيف المعنى وإن كل لجميع لدينا محضرون ف ما زائدة وتفسير الآية أنهم يحضرون يوم القيامة فيقفون على ما عملوا). [حجة القراءات: 597]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (6- قوله: {لما جميع} قرأه ابن عامر وعاصم وحمزة بالتشديد، وخفف الباقون، ومثله في الزخرف والطارق غير أن ابن ذكوان خفف في الزخرف.
وحجة من خفف أنه جعل «ما» زائدة واللام لام تأكيد دخلت في خبر «إن» للفرق بين الخفيفة بمعنى «ما» والخفيفة من الثقيلة، فـ «أن» في حكم الثقيلة؛ لأن التثقيل أصلها، وإن كان لم تعمل، لأن معناها قائم في الكلام، وتقديره: وإن كلًا لجميع لدينا محضرون.
7- وحجة من شدد أنه جعل {لما} بمعنى «إلا» و{إن} بمعنى «ما»، وتقديره: وما كل إلا جميع لدينا محضرون، فهو ابتداء وخبر، وقد قال الفراء في هذه القراءة: إن «لما» أصلها «لمن ما» ثم أدغم النون في الميم، فاجتمع ثلاث ميمات، فحذفت ميم استخفافًا، وشبهه بقولهم: «علماء بنو فلان» يريدون: «على الماء» فأدغم اللام في اللام ثم حذفوا إحدى اللامين استخفافًا، وهي الأولى، وبقيت الثانية ساكنة وهي لام الماء). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/215]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (6- {وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ} [آية/ 32] بتشديد الميم:
قرأها ابن عامر وعاصم وحمزة.
والوجه أن {إنْ} بمعنى ما، و{لَمَّا} بمعنى إلا، والمعنى: ما كلٌّ إلا جميع لدينا محضرون. ولما قد تأتي بمعنى إلا نحو قولهم نشدتك الله لما فعلت كذا، وإلا فعلت كذا، وكلاهما بمعنى واحدٍ.
والمعنى في الآية إننا نجمع كلهم للحساب والجزاء.
وقرأ الباقون {لَمَا} بالتخفيف.
والوجه أن {إنْ} هي المخففة من الثقيلة، والشأن مضمرٌ، واللام في {لَمَا} هي الفارقة بين إن المؤكدة وإن النافية، و{مَا} زيادةٌ، والتقدير: وإن الأمر أو الشأن كل لجميعٌ محضرون لدينا). [الموضح: 1071]

قوله تعالى: {وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33)}

قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (7- {الْأَرْضُ الْمَيِّتَةُ} [آية/ 33] بالتشديد:
قرأها نافع وحده.
وقرأ الباقون {الْمَيْتَةُ} بالتخفيف.
والوجه فيهما قد تقدم). [الموضح: 1072]

قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ (34)}
قوله تعالى: {لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35)}

قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وما عملته أيديهم (35)
قرأ أبو بكر عن عاصم، وحمزة، والكسائي (وما عملت أيديهم) بغير هاء وقرأ الباقون بالهاء (وما عملته).
وقال الفرّاء: (ما) فما موضع خافض ها هنا، أراد: ليأكلوا من ثمرٍ هو مما عملته أيديهما.
قال: وإن شئت جعلت (ما) ها هنا جحدًا فلم تجعل لها موضعا، ويكون المعنى: ولم تعمله أيديهم نحن جعلنا لهم الجنات والنخيل والأعناب). [معاني القراءات وعللها: 2/306]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (6- قوله تعالى: {وما عملته أيديهم} [35].
قرأ أ هل الكوفة إلا حفصًا: {عملت أيديهم} بغير هاء اتباعًا لمصحفهم.
والباقون {عملته} بالهاء ابتاعًا لمصاحفهم، والهاء تعود على «ما» وعملت صلتها، ومن حذفه حذفه اختصارًا؛ لأنه مفعول، وكل مفعول يجوز
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/231]
حذفه اختصارًا كقوله: {ما ودعك ربك وما قلى} يريد: وما قلاك، ولا سيما إذا كان في اسم يحتاج إلى صلة فتحذف الهاء لما طال الاسم بالصلة كقوله: {منهم من كلم الله} يريد كلمه الله). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/232]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في إثبات الهاء وإسقاطها من قوله عزّ وجلّ: وما عملته أيديهم [يس/ 35].
فقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي وما عملت بغير هاء، وقرأ الباقون، وحفص عن عاصم: عملته بالهاء.
[الحجة للقراء السبعة: 6/40]
القول أن أكثر ما جاء في التنزيل من هذا على حذف الهاء، كقوله: أهذا الذي بعث الله رسولا [الفرقان/ 41] وسلام على عباده الذين اصطفى [النحل/ 59] وأين شركائي الذين كنتم تزعمون [الأنعام/ 22] ولا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم [هود/ 43] فكلّ على إرادة الهاء وحذفها.
وقد جاء الإثبات في قوله: إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان [البقرة/ 275] وكذلك قوله: وما عملته أيديهم [يس/ 35] وموضع ما* على هذا جرّ تقديره: ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم. ويجوز أن تقدّر ما* نافية فيكون المعنى: ليأكلوا من ثمره، ولم تفعله أيديهم، ويقوّي ذلك: أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون [الواقعة/ 63 - 64] ومن قدّر هذا التقدير لم يكن صلة، وإذا لم يكن صلة لم يقتض الهاء الراجعة إلى الموصول). [الحجة للقراء السبعة: 6/41]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم}
قرأ حمزة والكسائيّ {ليأكلوا من ثمره} بضم الثّاء والميم تقول ثمرة وثمار وثمر جمع الجمع ويجوز أن يكون ثمر جمع ثمرة مثل خشبة وخشب وقرأ الباقون {من ثمرة} جعلوه جمع ثمرة مثل بقرة وبقر وشجرة وشجر
قرأ حمزة والكسائيّ وأبو بكر (وما عملت أيديهم) بغير هاء وقرأ الباقون {وما عملته أيديهم} بالهاء وحجتهم أنّها كذلك في مصاحفهم فالهاء عائدة على {ما} و{ما} في معنى الّذي وموضع ما خفض نسقا على {ثمرة} المعنى ليأكلوا من ثمره وممّا عملته أيديهم قال الزّجاج ويجوز أن يكون {ما} نفيا وتكون الهاء عائدة على الثّمر فلا موضع ل ما حينئذٍ ويكون المعنى ليأكلوا من ثمره ولم تعمله أيديهم قال السّديّ قوله {وما عملته أيديهم} يقول نحن عملناه نحن أنبتناه لم يعملوه هم ويقوّي النّفي قوله {أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون} ويقوّي إثبات الهاء قوله تعالى {كما يقوم الّذي يتخبطه الشّيطان} ولم يقل يتخبط فكذلك قوله {عملته} وحجّة من حذف الهاء إجماع الجميع على حذف الهاء في قوله {ممّا عملت أيدينا أنعاما} و{ما} في قوله ليأكلوا من ثمره وما عملت في موضع خفض المعنى ليأكلوا من ثمره وممّا عملته أيديهم قال الزّجاج إذا حذفت الهاء فالاختيار أن يكون {ما} في موضع خفض فيكون في معنى الّذي فيحسن حذف الهاء
[حجة القراءات: 598]
واعلم أن العرب تضمر الهاء عائدة على من والّذي وما وأكثر ما جاء في التّنزيل من هذا على حذف الهاء كقوله أهذا الّذي بعث الله رسولا أي بعثه الله وقال {وسلام على عباده الّذين اصطفى} أي اصطفاهم وقال {لا عاصم اليوم من أمر الله إلّا من رحم} و{منهم من كلم الله} أي كلمه الله وكل هذا على إرادة الهاء وإنّما حذفوا اختصارا وإيجازا). [حجة القراءات: 599]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (8- قوله: {وما عملته أيديهم} قرأ أبو بكر وحمزة والكسائي بغير هاء، حذفوا الهاء من صلة «ما» لطول الاسم، وهي مرادة مقدرة، وقرأ الباقون بالهاء على الأصل، ولأنها ثابتة في المصحف، وهو الاختيار، وكلهم قرأ {عملت أيديهم} بغير هاء، والأصل الهاء). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/216]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (8- {لِيَأْكُلُوا مِنْ ثُمُرِهِ} [آية/ 35] بضم الثاء والميم:
قرأها حمزة والكسائي.
وقرأ الباقون {مِنْ ثَمَرِهِ} بفتح الثاء والميم.
والوجه فيهما قد سبق في سورة الكهف، وذكرنا أن الثُمُر بضمتين يجوز أن يكون واحدًا كعُنُقٍ، وأن يكون جمعًا لثمارٍ ككتبٍ لجمع كتابٍ، أو لثمرةٍ كبُدُنٍ لجمع بَدَنَةٍ، والثَمَرَ بفتحتين جمع ثَمَرَةٍ، كبقرٍ لجمع بقرةٍ). [الموضح: 1072]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (9- {وَمَا عَمِلَتْ أَيْدِيهِمْ} [آية/ 35] بغير هاء:
قرأها حمزة والكسائي و-ياش- عن عاصم.
والوجه أنه يجوز أن تكون {مَا} موصولةً بمعنى الذي، والضمير العائد إليها من الصلة قد حُذف استخفافًا لطول الكلام، والتقدير: والذي عملته، فيكون معطوفًا على {ثَمَرِهِ}، والمعنى: ليأكلوا من ثمره ومن الذي عمته أيديهم، وحذف الهاء من الصلة حسنٌ، قال الله تعالى {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ الله رَسُولًا} ومثله كثيرٌ.
[الموضح: 1072]
ويجوز أن تكون {ما} نافيةً فتكون حرفًا فلا يكون لها موضعٌ من الإعراب، وليس لها صلة؛ لأنها ليس باسم موصولٍ، ولا يقتضي عائدًا؛ لأنها حرف، والمعنى ليأكلوا من ثمره ولم تعمله أيديهم، وهذا كما قال تعالى {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ}.
وقرأ الباقون {عَمِلَتْهُ} بالهاء.
والوجه أنه يجوز أن تكون موصولةً، وقوله {عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} صلتها، والهاء راجعةٌ من الصلة إلى الموصول ولم تُحذف، وهو الأصل، أعني إثبات الهاء.
ويجوز أن تكون {ما} نافيةً أيضًا، كما سبق، والهاء راجعةٌ إلى الثمر من قوله {لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ}، وقيل: معناه ولم تعمل ذلك أيديهم...). [الموضح: 1073]

قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس