عرض مشاركة واحدة
  #80  
قديم 1 صفر 1440هـ/11-10-2018م, 07:54 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (267) إلى الآية (271)]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269) وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (270) إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الزهري ومسلم بن جندب: [ولا تُيمِّموا الخبيث] بضم التاء وكسر الميم.
قال أبو الفتح: فيها لغات: أمَمْتُ الشيء ويممْتُه وأَمَّمْتُه ويَمَّمْتُه وتَيمَّمْتُه، وكله قَصَدتُه.
قال الأعشى:
تؤمُّ سنانا وكم دونه ... من الأرض مُحْدَوْدِبا غارُها
وقال الآخر:
يمْمتُ بها أبا صخر بن عمرو
[المحتسب: 1/138]
وقال:
تيممت العين التي عند ضارج ... يفيء عليها الظل عَرْمضُها طام
الأَمُّ: القصد، ومثله الأَمْتُ، ومنه الإمام لأنه المقصود المعتمد، والإمام أيضًا: خيط البنَّاء؛ لأنه يمده ويعتمد بالبناء عليه، والأُمَّة: الطريقة لأنها متعمدة، قال الله سبحانه: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} أي: على طريقة مقصودة). [المحتسب: 1/139]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الزهري: [إلا أن تَغْمُضُوا فيه] بفتح التاء من غمض، ورُوي أيضًا: [تُغَمِّضُوا فيه] مشددة الميم، وقرأ قتادة: [إلا أن تُغْمَضُوا فيه] بضم التاء وفتح الميم.
قال أبو الفتح: أما قراءة العامة؛ وهي: {إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} فوجهها أن تأتوا غامضًا من الأمر لتطلبوا بذلك التأول على أخذه، فأغمض على هذا: أتى غامضًا من الأمر، كقولهم: أعمن الرجل: أتى عَمان، وأعرق: أتى العراق، وأنجد: أتى نجدًا، وأغار: أتى الغور. واختيار الأصمعي هنا غار، وليس هذا على قول الأصمعي أتى الغور، وإنما هو غار؛ أي: غمض وانشام هناك، كقولك: ساخ وسرب، ولو أراد معنى صار إلى هناك لكان أغار، كما قال:
نَبِيٌّ يرى ما لا تَرون وذكره ... أغار لعمري في البلاد وأنجدا
ورواية الأصمعي: غار، على ما مضى، وليس المعنى على ما قدمنا واحدًا.
وأما [تُغْمَضُوا فيه] فيكون منقولًا من غَمَض هو وأغمضه غيره، كقولك: خفي وأخفاه غيره، فهو كقراءة مَن قرأ: [أن تَغْمُضُوا فيه]، ولم يذكر ابن مجاهد هل الميم مع فتح التاء مكسورة أو مضمومة، والمحفوظ في هذا غَمَض الشيء يغمُض، كغار يغور، ودخل يدخُل، وكمن يكمُن، وغرب يغرُب.
والمعنى: أن غيرهم يُغْمِضُهم فيه من موضعين:
أحدهما: أن الناس يجدونهم قد غَمَضُوا فيه، فيكون من أفعلت الشيء وجدته كذلك، كأحمدت الرجل: وجدته محمودًا، وأذممته: وجدته مذمومًا، ومنه قوله:
وقومٍ كرامٍ قد نقلنا قِرَاهمُ ... إليهم فأَتلفنا المنايا وأتلفوا
[المحتسب: 1/139]
أي: وجدناها مُتْلِفة.
وقوله:
فمضى وأخاف من قُتَيلة موعِدا
أي: صادفه مخلفًا.
وقول رؤبة:
وأهيج الخلطاء من ذات البرق
أي: صادفها مهتاجة النبت.
ومنه قوله الله تعالى: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا} أي: صادفناه غافلًا، ولو كان أغفلنا هنا منقولًا من غفل -أي: منعناه وصددناه- لكان معطوفًا عليه بالفاء "فاتَّبَعَ هواه".
وذلك أنه كان يكون مطاوعًا، وفعل المطاوعة إنما يكون معطوفًا بالفاء دون الواو، وذلك كقوله: أعطيته فأخذ، ودعوته فأجاب، ولا تقول هنا: أعطيته وأخذ، ولا دعوته وأجاب، كما لا تقول: كسرته وانكسر، ولا جذبته وانجذب؛ إنما تقول: كسرته فانكسر، وجذبته فانجذب، وهذا شديد الوضوح والإنارة على ما تراه.
وكذلك لو كان معنى أغفلنا في الآية منعنا وصددنا لكان معطوفًا عليه بالفاء، وأن يقال: ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا فاتبع هواه، وإذ لم يكن هكذا، وكان إنما هو "واتبع" فطريقه أنه لما قال: {أغفلنا قبله عن ذكرنا} فكأنه قال: وجدناه غافلًا، وإذا وُجد غافلًا فقد غفل لا محالة، فكأنه قال إذن: ولا تطع من غفل قبله عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطًا؛ أي: لا تطع مَن فعل كذا، يعدد أفعاله التي توجب ترك طاعة الله سبحانه، ونسأل الله توفيقًا من عنده ودُنُوًّا من مرضاته بمنِّه ومشيئته، فهذا أحد وجهي [تُغْمَضُوا فيه]؛ أي: إلا أن توجدوا مُغْمِضين متغاضين عنه.
والآخر: أن يكون [تُغْمَضُوا فيه] أي: إلا أن تُدخلوا فيه وتُجذبوا إليه، وذلك الشيء الذي يدعوهم إليه، ويحملهم عليه هو: رغبتهم في أخذه ومحبتهم لتناوله، فكأنه -والله أعلم-
[المحتسب: 1/140]
إلا أن تسوِّل لكم أنفسُكم أَخْذه فتُحسِّن ذلك لكم، وتعترض بشكه على يقينكم حتى تكاد الرغبة فيه تكرهكم عليه.
ويزيد في وضوح هذا المعنى لك ما روي عن الزهري أيضًا من قراءته: [إلا أن تُغَمِّضُوا فيه] أي: إلا أن تغمِّضوا بصائركم وأعين علمكم عنه؛ فيكون نحوًا من قوله:
إذا تخازرت وما بي من خزر
وهو معنى مطروق، منه قول الله تعالى: {فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ}، وجاء به بعض المولدين فقال:
خالدَ اللُّؤْمِ أمغض ... أنت لا بل متغاضي
وآخرُ ذلك قول شاعرنا:
تصفو الحياة لجاهل أو غافل ... عما مضى منها وما يُتوقع
ولمن يغالط في الحقائق نفسَه ... ويسومها طلب المحال فتتبع
وما أظرف الأول وأدمثه في قوله:
أبكي إلى الشرق ما كانت منازلها ... مما يلي الغرب خوف القِيل والقال
وأذكر الخال في الخد اليمين لها ... خوف الوُشاة وما بالخد من خال). [المحتسب: 1/141]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون}
قرأ ابن كثير في راوية البزي {ولا تيمموا الخبيث} بتشديد التّاء وكان الأصل تتيمموا فأدغم التّاء بالتّاء وقرأ الباقون بالتّخفيف وحذفوا التّاء الثّانية). [حجة القراءات: 146]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (تشديد التاء للبزي
185- قرأ البزي بتشديد التاء فيما أصله تاءان، وحذفت واحدة من الخط، وذلك في أحد وثلاثين موضعًا، قد ذكرتها في غير هذا، وذلك نحو: {ولا تيمموا} «البقرة 267» و{لا تكلم نفس} «هود 105» و{تنازعوا} «الأنفال 46» {فتفرق} «الأنعام 153» وشبهه، ولا يقاس على الأحد والثلاثين الموضع غيرها، في سورة البقرة منها {ولا تيمموا} وعلته في ذلك أنه حاول الأصل؛ لأن الأصل في جميعها تاءان، فلم يحسن له أن يظهرهما، فيخالف الخط في جميعها، إذ ليس في الخط إلا تاء واحدة، فلما حاول الأصل وامتنع عليه الإظهار أدغم إحدى التائين في الأخرى، وحسن له ذلك، وجاز الاتصال المدغم بما قبله، فإن ابتدأ بالتاء لم يزد شيئًا، وخفف كالجماعة، لئلا يخالف الخط، ولم يمكنه إدغام في الابتداء؛ لأنه لا يبتدأ بمدغم؛ لأن أوله ساكن، والساكن لا يبتدأ به، فكان يلزمه إدخال ألف وصل للابتداء، فيتغير الكلام، ويزيد في
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/314]
الخط ما ليس فيه، فرجع إلى التخفيف في الابتداء ضرورة، واعلم أن هذا الإدغام يأتي على ثلاثة أضرب.
186- ضرب قبل المدغم، متحرك من كلمة ومن كلمتين، وذلك ثمانية مواضع نحو: {فتفرق بكم} «الأنعام 153» ونحو: {إن الذين توفاهم} «النساء 97» فهذا إدغام حسن، لا دخل فيه ولا علة.
187- والضرب الثاني أن يكون قبل المدغم ألف أو واو ساكنة، قبلها ضمة وذلك ثلاثة عشر موضعًا، فيحتاج إلى مد، لوقوع المشدد بعد حرف المد واللين نحو: {ولا تيمموا}، و{ولا تفرقوا} «آل عمران 105»، و{عنه تلهى} «عبس 10» فهذا أيضًا حسن، ولابد من زيادة مد فيه للتشديد.
188- والضرب الثالث أن يكون قبل المشدد حرف ساكن من غير حروف المد واللين نحو: {ولا تيمموا}، و{لا تفرقوا} «آل عمران 105»، و{وإذ تلقونه} «النور 15»، و{إن تولوا} «آل عمران 32» و{على من تنزل} «الشعراء 221» و{نارًا تلظى} «الليل 14» و{شهر. تنزل} «القدر 3، 4» فهذا وقوع الإدغام بعده قبيح صعب، لا يجيزه جميع النحويين، إذ لا يجوز المد في الساكن الذي قبل المشدد، وقد قال بعض القراء فيه: إنه إخفاء، وليس بإدغام، فهذا أسهل قليلًا من الإدغام؛ لأن الإخفاء لا تشديد فيه، ولكن الرواية والنقل فيه، كله بالتشديد، وهو على ما ذكرت لك من الضعف، وقرأ باقو القراء في ذلك كله مخفضًا، ولم يختلف في الابتداء به أنه مخفف كله). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/315]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (98- {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ} [آية/ 267]:-
بتشديد التاء، رواه ابن أبي بزة عن ابن كثير، وروى أنه شدد إحدى وثلاثين تاءً، منها في البقرة: {ولا تيمموا}.
[الموضح: 344]
والوجه أن أصله: تتيمموا، بتاءين، فأسكن الأولى منهما، وأدغم في الثانية، وإنما أمكن هذا الإدغام؛ لأن قبل الكلمة ألف لا، فيحسن الإدغام لكونه بعد الألف، فإن الألف لما فيها من المد تجري مجرى المتحرك، ولو كان مكان الألف ساكن غير الألف لم يحسن، وهذا الادغام في هذا الموضع فيه ضعف؛ لأن {لا} غير متصل بالكلمة، فلا يلزم أن يكون معها.
وقرأ الباقون {ولا تيمموا} بغير إدغام.
والوجه أن أصله تتيمموا، فاجتمع تاءان، فحذف إحداهما لاجتماعهما، والمحذوفة هي الثانية، وهي تاء التفعل). [الموضح: 345]

قوله تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268)}

قوله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ومن يؤت الحكمة... (269).
قرأ يعقوب وحده: (ومن يؤت الحكمة) بكسر التاء، وتقديره: ومن يؤته الله الحكمة.
وقرأ الباقون: (ومن يؤت الحكمة) بفتح التاء.
قال أبو منصور: القراءة بفتح التاء، و(يؤت) جزم ب (من)، والجواب الفاء في قوله: (فقد أوتي خيرًا كثيرًا) ). [معاني القراءات وعللها: 1/227]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الزهري ويعقوب: [ومن يُوتِ الحكمةَ] بكسر التاء.
قال أبو الفتح: وجهه على أن الفاعل فيه اسم الله تعالى؛ أي: ومَن يُوت الله الحكمة، مَن منصوبة على أنها المفعول الأول والحكمة المفعول الثاني، كقولك: أيَّهم تعطي درهمًا يشكرك). [المحتسب: 1/143]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (99- {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ} [آية/ 269]:-
مكسورة التاء، قرأها يعقوب وحده.
واتفقوا على كسر التاء من {يُؤتِي}.
إنه على إسناد الفعل إلى الله تعالى، وقد جرى ذكره سبحانه في قوله {وَالله يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا}، كأنه قال: ومن يؤته الله الحكمة، وحذف الضمير؛ لأن العلم به حاصل.
وقرأ الباقون {وَمَنْ يُؤْتَ} بفتح التاء.
والوجه ظاهر وهو أن الفعل مبني للمفعول به؛ لأن المقصود ذكر من أعطي
[الموضح: 345]
الحكمة، فقال: ومن يعط الحكمة فقد أعطي خيرًا كثيرًا). [الموضح: 346]

قوله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (270)}

قوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فنعمّا هي... (271)
قرأ ابن كثير، وعاصم في رواية حفص عنه، والأعشى عن أبي بكر عنه، ويعقوب (فنعمّا هي) بكسرة النون والعين، وكذلك روى ورش عن نافع
[معاني القراءات وعللها: 1/227]
بكسر النون والعين.
وقرأ أبو عمرو ونافع وعاصم في رواية يحيى عن أبي بكر عن عاصم والمفضل عنه: (فنعمّا هي) بكسر النون وتسكين العين.
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي: (فنعمّا هي) بفتح النون وكسر العين وتشديد الميم.
قال أبو منصور: من قرأ (فنعمّا هي) بكسر النون والعين فهو جيد؛ لأن الأصل في نعم: نعم ونعم ثلاث لغات.
ومن قرأ (فنعْما) فهي على لغة من يقول: نعم. وأما من قرأ (فنعمّا) بكسر النون وسكون العين وتشديد الميم فهي على لغة من يقول: نعم كإثم، أدغم الميم من (نعم) في (ما) وشددها، وترك العين على حالها ساكنة، وهذه القراءة عند نحويي أهل البصرة
[معاني القراءات وعللها: 1/228]
غير جائزة؛ لأن فيها الجمع بين ساكنين مع غير حرف مد ولا لين، وكان أبو عبيد يختار هذه القراءة، ولم يجرها أهل النحو، والقراءة فنعمّا أو فنعمّا ومعناهما فنعم الشيء.
وقوله جلّ وعزّ: (ونكفّر عنكم (271).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم ويعقوب: (ونكفّر عنكم) بالنون والرفع، وكذلك أبو خليد عن نافع.
وقرأ نافع وحمزة والكسائي: (ونكفّر عنكم) بالنون والجزم.
وكذلك قال الكسائي عن أبي بكر عن عاصم بالنون والجزم.
وقرأ ابن عامر وحفص عن عاصم: (ويكفّر عنكم) بالياء والرفع.
[معاني القراءات وعللها: 1/229]
قال أبو منصور: من قرأ (نكفر) جزما عطفه على موضع الجزم في قوله: (فهو خيرٌ لكم) لأن معناه: يكن خيرا لكم.
ومن قرأ (ونكفر عنكم) بالنون والرفع رفعه لأن ما بعد الفاء قد صار بمنزلته في غير الجزاء، وهو اختيار سيبويه، كأنه استئناف، وكذلك من قرأ (ويكفّر) بالياء والرفع). [معاني القراءات وعللها: 1/230]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (39- وقوله تعالى: {إن تبدوا الصدقات فنعما هي} [271]
قرأ ابن كثير، وورش عن نافع، وحفص عن عاصم {فنعما هي} بكسر النون والعين.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/100]
وقرأ حمزة والكسائي {نعما هي}. بكسر العين وفتح النون.
وابنُ عامٍ كمثل.
وقرأ أبو عمرو ونافع في سائر الروايات وعاصم في رواية أبي بكر {نعما هي} بكسر النون وإسكان العين.
وزعم بعض النحويين أنه أردأ القراءات؛ لأنه قد جمع بين ساكنين الميم والعين، وليس إحدهما حرف لين. والاختيار إسكان العين؛ لأن هذه اللفظة رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لعبد الله بن عمرو بن العاص: «نعما بالمال الصالح» كذا تُحفظ هذه اللفظة عن النبي، ومتى ما صح الشيء عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحل للنحوي ولا غيره أن يعترض عليه. والأصل في نعم وبئس: نعم وبئس، فلما كانا فعلين غير متصرفين، وعين الفعل حرف من حروف الحلق أتبعوا فاء الفعل عينه، فقالوا: نعم وبئس ثم اسكنوه وخففوه، فيجوز فيه أربع لغات: نعم على الأصل، ونعم مثل فخذ ونعم مثل فخذ، ونعم مثل فخذ وذكر ذلك المبرد رحمه الله.
وقرأ يحيى بن وثاب {نعم العبد} على الأصل.
قال الشاعر:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/101]
ما استقلت قدم إنهم = نعم الساعون في الأمر المبر
واختلف الناس في قوله: {فنعما هي} فقال قوم: «ما» هي صلة، كقوله: {عما قليل}، أي: عن قليل. وقال آخرون: «ما» اسم يرتفع بنعم مثل «ذا» بـ «حب» ثم جعلوا حبذا ونعما اسمًا واحدًا. وقال الكسائي: الأصل: (فنعم ما هي) فحذفوا «ما» الأخيرة اختصارًا، وفي حرف ابن مسعود {إن تبدوا الصدقات فنعم ما هي} وروى الحلواني، عن عاصم (فنعما) مخففًا، وأخطأ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/102]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (40- وقوله تعالى: {ويكفر عنكم من سيئاتكم} [271].
وقرأ نافع وحمزة والكسائي بالنون والجزم، نسقًا على الشرط الذي تقدم وهو قوله: {إن تبدوا الصدقات} فيكون تكفيره السيئات مع قبول الصدقات.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر بالرفع والنون؛ وذلك أن الشرط إذا وقع جوابًا بالفاء كان من بعد الفاء مرفوعًا، وكذلك المنسوق على ما بعد الفاء الرفع الاختيار فيه.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/102]
وقرأ ابن عامر، وحفص عن عاصم {ويكفر} بالياء والرفع، جعلا الفعل لله تعالى.
وكذلك من قرأ بالنون غير أن المخبر بالنون هو الله تعالى عن نفسه، ووجه الياء: قل يا محمد يكفر الله من سيئاتكم عنكم.
وروي عن ابن عباس، وعن حميد {وتكفر} بالتاء كأنه رده إلى الصدقات، ويجوز أن يريد السيئات من هذا الوجه ولا يُعتد بـ «من»). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/103]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح النّون وكسرها من قوله [جلّ وعزّ]:
[الحجة للقراء السبعة: 2/395]
فنعمّا هي [البقرة/ 271] وإسكان العين وكسرها.
فقرأ نافع في غير رواية ورش وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر والمفضّل فنعمّا بكسر النون، والعين ساكنة.
وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية حفص، ونافع في رواية ورش فنعمّا هي بكسر النون والعين.
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي فنعمّا هي بفتح النون وكسر العين، وكلّهم شدّد الميم.
قال أبو عليّ: من قرأ فنعمّا، بسكون العين من فنعمّا لم يكن قوله مستقيما عند النحويين، لأنّه جمع بين ساكنين، الأول منهما ليس بحرف مدّ ولين، والتقاء الساكنين عندهم إنّما يجوز إذا كان الحرف الأول منهما حرف لين، نحو: دابّة وشابّة، وتمودّ الثوب، وأصيم لأنّه ما في الحروف من المدّ يصير عوضاً من الحركة، ألا ترى أنّه إذا صار عوضاً من الحرف المتحرك المحذوف من تمام بناء الشعر عندهم، فأن يكون عوضاً من الحركة أسهل.
وقد أنشد سيبويه شعراً قد اجتمع فيه الساكنان على
[الحجة للقراء السبعة: 2/396]
حدّ ما اجتمعا في فنعمّا في قراءة من أسكن العين وهو:
كأنّه بعد كلال الزاجر... ومسحي مرّ عقاب كاسر
وأنكره أصحابه. ولعل أبا عمرو أخفى ذلك كأخذه بالإخفاء في نحو بارئكم [البقرة/ 54]، ويأمركم [البقرة/ 67] فظنّ. السامع الإخفاء إسكاناً للطف ذلك في السّمع وخفائه.
وأمّا من قرأ: فنعمّا، فحجّته أنّه أصل الكلمة نعم، ثم كسر الفاء من أجل حرف الحلق. ولا يجوز أن يكون ممن قال: نعم، فلمّا أدغم حرّك، كما يقول: يهدي
[الحجة للقراء السبعة: 2/397]
[يونس/ 35] ألّا ترى أنّ من قال: هذا قدّم مالك، فأدغم، لم يدغم نحو قوله: هذا قدم مالك، وجسم ماجد، لأنّ المنفصل لا يجوز فيه ذلك كما جاز في المتصل قال سيبويه: أمّا قول بعضهم في القراءة: فنعمّا، فحرك العين، فليس على لغة من قال: نعم ما، فأسكن العين، ولكن على لغة من قال: نعم فحرك العين. وحدّثنا أبو الخطاب: أنّها لغة هذيل، وكسر، كما قال: لعب. ولو كان الذي يقول:
نعمّا ممن يقول في الانفصال: نعم لم يجز الإدغام على قوله، لما يلزم من تحريك الساكن في المنفصل. وأمّا من قال:
فنعمّا فإنّما جاء بالكلمة على أصلها، وهو نعم كما قال:
ما أقلّت قدماي إنّهم... نعم الساعون في الأمر المبرّ
[الحجة للقراء السبعة: 2/398]
ولا يجوز أن يكون ممن يقول: قبل الإدغام نعم، كما أن من قال: نعمّا لا يكون ممن قال قبل الإدغام: نعم، ولكن ممن يقول نعم، فجاء بالكلمة على أصلها وكل حسن.
والمعنى في قوله تعالى: إن تبدوا الصّدقات فنعمّا هي [البقرة/ 271] أن في نعم ضمير الفاعل و (ما) في موضع نصب وهي تفسير الفاعل المضمر قبل الذكر فالتقدير نعم شيئاً إبداؤها، فالإبداء هو: المخصوص بالمدح إلّا أنّ المضاف حذف، وأقيم المضاف إليه الذي هو ضمير الصدقات مقامه، فالمخصوص بالمدح هو الإبداء بالصدقات لا الصدقات يدلّك على ذلك قوله تعالى: وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خيرٌ لكم [البقرة/ 271] أي: الإخفاء خير لكم، فكما أن هو ضمير الإخفاء، وليس بالصّدقات، كذلك ينبغي أن يكون ضمير الإبداء مراداً، وإنّما كان الإخفاء- والله أعلم- خيراً لأنّه أبعد من أن تشوب الصدقة مراءاة للنّاس وتصنع لهم، فتخلص لله سبحانه. ولم يكن المسلمون إذ ذاك ممن تسبق إليهم ظنة في منع واجب.
واختلفوا في الياء والنون والرفع والجزم من قوله:
ونكفر عنكم من سيئاتكم [البقرة/ 271].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر:
[الحجة للقراء السبعة: 2/399]
ونكفر بالنون والرفع.
وقرأ نافع وحمزة والكسائي ونكفر بالنون وجزم الراء.
وروى أبو جعفر عن نافع ونكفر بالنون والرفع.
وروى الكسائيّ عن أبي بكر عن عاصم ونكفر جزم بالنون.
وقرأ ابن عامر ويكفّر بالياء والرفع وكذلك حفص عن عاصم.
قال أبو عليّ: من قرأ ونكفر عنكم من سيئاتكم فرفع، كان رفعه من وجهين:
أحدهما: أن يجعله خبر مبتدأ محذوف تقديره: ونحن نكفّر عنكم سيئاتكم. والآخر: أن يستأنف الكلام ويقطعه مما قبله، فلا يجعل الحرف العاطف للاشتراك ولكن لعطف جملة على جملة.
وأمّا من جزم فقال: ونكفر عنكم فإنّه حمل الكلام على موضع قوله: فهو خيرٌ لكم لأنّ قوله: فهو خيرٌ لكم في موضع جزم، ألّا ترى أنّه لو قال: وإن تخفوها يكن أعظم لأجركم، لجزم.
فقد علمت أنّ قوله: فهو خيرٌ لكم في موضع جزم فحمل قوله: ويكفر على الموضع. ومثل هذا في الحمل على الموضع أن سيبويه زعم أن بعض القراء قرأ:
[الحجة للقراء السبعة: 2/400]
من يضلل اللّه فلا هادي له ويذرهم [الأعراف/ 186] لأنّ قوله: فلا هادي له: في أنّه في موضع جزم مثل قوله: فهو خيرٌ لكم.
ومثله في الحمل على الموضع، قوله تعالى: لولا أخّرتني إلى أجلٍ قريبٍ فأصّدّق وأكن [المنافقون/ 10] حمل قوله وأكن على موضع قوله: فأصّدّق لأنّ هذا موضع فعل مجزوم، لو قال: أخّرني إلى أجل قريب أصّدق، لجزم، فإذا ثبت أنّ قوله: فأصّدق في موضع فعل مجزوم حمل قوله:
أكن عليه، ومثل ذلك قوله الشاعر:
أنّى سلكت فإنّني لك كاشح... وعلى انتقاصك في الحياة وأزدد
فحمل قوله وأزدد على موضع قوله: فإنني لك كاشح.
ومثله قول الآخر، وأظنّه أبا دؤاد:
فأبلوني بليّتكم لعلّي... أصالحكم وأستدرج نويّا
فأمّا النون والياء في قوله: نكفّر، ويكفّر، فمن قال:
ويكفّر فلأن ما بعده على لفظ الإفراد، فيكفّر أشبه بما بعده من الإفراد منه بالجمع.
[الحجة للقراء السبعة: 2/401]
وأمّا من قال: نكفّر على لفظ الجمع، فإنّه أتى بلفظ الجمع، ثم أفرد بعد كما أتى بلفظ الإفراد ثمّ جمع في قوله تعالى: سبحان الّذي أسرى بعبده [الإسراء/ 1] ثمّ قال: وآتينا موسى الكتاب [الإسراء/ 2] ). [الحجة للقراء السبعة: 2/402]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إن تبدوا الصّدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيّئاتكم}
قرأ نافع وأبو عمرو وأبو بكر {فنعما هي} بكسر النّون وسكون العين وحجتهم قول النّبي صلى الله عليه لعمرو بن العاص
[حجة القراءات: 146]
نعما بالمال الصّالح للرجل الصّالح واصل الكلمة نعما بفتح النّون وكسر وكسر العين فكسروا النّون لكسرة العين ثمّ سكنوا العين هربا من الاستثقال
وقرا حمزة وابن عامر والكسائيّ {فنعما هي} بفتح النّون وكسر العين وحجتهم أن أصل الكلمة نعم فأتوا بالكلمة على أصلها وهي أحسن لأنّه لا يكون فيها الجمع بين ساكنين
فأتوا بالكلمة على أصلها وهي أحسن لأنّه لا يكون فيها الجمع بين ساكنين
وقرأ ورش وابن كثير وحفص {فنعما} بكسر النّون والعين وقد بينا أن الأصل فيها نعم بفتح النّون وكسر العين وتركوا العين على أصلها
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر {ونكفر} برفع الرّاء على الاستئناف يقول الله جلّ وعز ونحن نكفر وحجته قوله {فهو خير} لكم لما كان جواب الجزاء في الفاء ولم يكن فعلا مجزومًا لم يستجيزوا أن ينسقوا فعلا على غير جنسه ولو كان جزما لجزموا الفعل المنسوق على الجزاء إذا كان فعلا مثله وقرأ نافع وحمزة والكسائيّ
[حجة القراءات: 147]
{ونكفر} بالجزم على موضع {فهو خير لكم} لأن المعنى يكن خيرا واحتجّوا بأن قالوا الجزم أولى ليخلص معنى الجزاء ويعلم بأن تكفير السّيّئات إنّما هو ثواب للمتصدق على صدقته وجزاء له وإذا رفع الفعل احتمل أن يكون ثوابًا وجزاء واحتمل أن يكون على غير مجازاة وكان الجزم أبين المعنيين
وقرأ ابن عامر وحفص {ويكفر} بالياء والرّفع على الاستئناف أيضا ويكون إخبارًا عن الله عز وجل أنه يكفر السّيّئات). [حجة القراءات: 148]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (189- قوله: {فنعما هي} قرأ أبو عمرو وأبو بكر وقالون بإخفاء حركة العين، وكسر النون، ومثله في النساء، وقرأ ابن كثير وحفص وورش بكسر النون والعين، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي بكسر العين، وفتح النون فيهما.
190- وحجة من قرأ بكسر النون والعين أن الأصل فيه «نعم» بفتح النون، وكسر العين، لكن حرف الحلق إذا كان عين الفعل، وهو مكسور أتبع بما قبله، فكسر لكسرة، يقولون: شَهِد وشِهِد، ولَعِب ولِعبِ، فقالوا «نعم»: نِعم، وهي لغة هذيل.
191- وحجة من فتح النون وكسر العين أنه أتى بالكلمة على أصلها، والأصل «نعم» كما قالوا: شهد ولعب، فتركوا الأول على فتحه.
192- وحجة من أخفى حركة العين، أنه كسر النون لكسرة العين وأسكن العين استخفافًا، لتوالي كسرتين، فلما اتصل الفعل بـ «ما» وأدغمت الميم في الميم، ثقلت الكلمة بالكسرتين والإدغام، وطالت، فلم يمكن إسكان العين للتخفيف، لئلا يجتمع ساكنان: العين وأول المدغم، فأخفى كسرة العين استخفافًا، والذي خفيت حركته في الوزن والحكم كالمتحرك، إلا أنه أخف من المتحرك، وقد روي عن أهل الإخفاء الاختلاس، وهو حسن. وروي الإسكان للعين، وليس بشيء ولا قرأت به، لأن فيه جمعًا بين ساكنين، ليس الأول حرف مد ولين، وذلك غير جائز عن أحد من النحويين). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/316]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (193- قوله: {ويكفر عنكم} قرأه ابن عامر وحفص بالياء، وقرأ
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/316]
الباقون بالنون، وقرأ نافع وحمزة والكسائي بالجزم، وقرأ الباقون بالرفع.
194- وحجة من قرأه بالياء أن بعده: {والله بما تعملون خبير} ولم يقل «ونحن» فأتى بلفظ الغائب في «يكفر» لما بعده من لفظ الغائب، ويجوز أن يكون رده على الإعطاء، في قوله: {تؤتوها الفقراء} فالمعنى: ويكفر الإعطاء من سيئاتكم، والقول الأول معناه: ويكفر الله من سيئاتكم.
195- وحجة من قرأه بالنون أنه أجراه على الإخبار من الله جل ذكره عن نفسه؛ لأنه هو المكفر للسيئات، وحسن أن يأتي على لفظ المخبر للتفخيم والتعظيم، وحسن أن يأتي المفرد، بعد لفظ الجمع، في قوله تعالى: {والله} كما قال: {سبحان الذي أسرى} «الإسراء 1» ثم قال: {وآتينا موسى} «2» فهذا أتى بلفظ التوحيد، ثم جمع بعد ذلك، وذلك أتى بلفظ الجمع، ثم وحده بعد ذلك، فذلك كله شائع حسن، وهو كثير في القرآن، والقراءة بالنون أحب إلي؛ لأن أكثر القراء على ذلك، ولأنه أفخم وأعظم، وبه قرأ ابن عباس والأعرج.
196- وحجة من جزم الفعل أنه عطفه على موضع الفاء، في قوله: {فهو خيرٌ لكم} لأن موضع ذلك جزم، إذ هو جواب الشرط، وله نظائر حُملت على الموضع، وذلك حسن.
197- وحجة من رفع الفعل أنه قطعه مما قبله، وجعله خبر ابتداء محذوف، فالمعنى: ونحن نكفر عنكم، في قراءة من قرأ بالنون، ومن قرأ بالياء فتقديره: والله يكفر عنكم). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/317]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (100- {فَنِعِمَّا هِيَ} [آية/ 271]:-
بكسر النون والعين جميعًا، قرأها ابن كثير ونافع ش- وعاصم- ص- ويعقوب. والوجه في ذلك أن أصل نعم: نعم بفتح النون وكسر العين، فكسرت فاء الكلمة من أجل حرف الحلق، كما كسروه من نحو: لعب وشهد؛ لأن حرف الحلق لما فيه من الاستعلاء، يستتبع حركة ما قبله.
وقرأ أبو عمرو ونافع ن- و- يل- وعاصم- ياش- {فَنِعْما} بكسر النون وإسكان العين.
وهذا غير مستقيم عند النحاة؛ لأن فيه جمعًا بين ساكنين، وليس الأول منهما حرف لين، وإنما جاز التقاؤهما عندهم إذا كان الأول منهما حرف لين نحو: {دابة}، وشابة، و{الضّالّين}.
ويشبه أن يكون أبو عمرو سلك في ذلك طريقته في الإخفاء نحو {بارئكم}، فتوهموا أنه أسكن.
[الموضح: 346]
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي {فَنَعِمّا} بفتح النون وكسر العين.
[الموضح: 347]
وهذا هو الأصل في هذه الكلمة أعني: نعم بفتح النون وكسر العين.
وهؤلاء كلهم شددوا الميم؛ لأن أصله: نعم على ما سبق من الوجوه، و{ما} هي النكرة التي تفيد معنى شيء، وهي في موضع نصب على التفسير للفاعل المضمر في {نعما}، والمعنى نعم شيئًا هي). [الموضح: 348]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (101- {وَنُكَفِّرُ عَنْكُمْ} [آية/ 271]:-
بالنون والرفع، قرأها ابن كثير وأبو عمرو وعاصم ياش- ويعقوب.
أما النون فعلى خطاب المخبر عن نفسه إخبار الجمع إذا كان ملكًا وهذا حسن وإن كان ما بعده على الإفراد، على تلوين الخطاب، كما جاء الإفراد وإن كان ما بعده على الجمع في قوله تعالى {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى} ثم قال {وَآتَيْنا}.
وأما الرفع فيجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوفٍ، وتقديره: ونحن نكفر، ويجوز أن يكون مستأنفًا مقطوعًا مما قبله، ولا يكون الواو للإشراك وعطف الجملة على الجملة.
وقرأ نافع وحمزة والكسائي {نُكَفِّرْ} بالنون والجزم.
وذلك لأن الكلام على هذا محمول على قوله {فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} وموضعه جزم؛ لأنه لو قال وإن تخفوها يكن خيرًا لكم كان جزمًا.
[الموضح: 348]
وقرأ ابن عامر وعاصم ص- {ويُكَفِّرُ} بالياء والرفع، على تقدير: والله يكفر عنكم، وقد تقدم بيان مثله). [الموضح: 349]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس