عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 13 ذو القعدة 1439هـ/25-07-2018م, 12:42 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون}
المعنى: واذكر إذ قال إبراهيم، و"البلد": مكة، و"آمنا" معناه: فيه أمن، فوصفه بالأمن تجوزا، كما قال: في يوم عاصف، وكما قال الشاعر:
وما ليل المطي بنائم
و"اجنبني" معناه: وامنعني، يقال: جنبه كذا وجنبه وأجنبه إذا منعه من الأمر وحماه
[المحرر الوجيز: 5/253]
منه، وقرأ الجحدري، والثقفي: "وأجنبني" بقطع الألف وكسر النون. و"بني" أراد بني صلبه، ولذلك أجيبت دعوته فيهم، وأما باقي نسله فقد عبدوا الأصنام، وهذا الدعاء من الخليل عليه الصلاة والسلام يقتضي إفراط خوفه على نفسه ومن حصل في رتبته، فكيف يخاف أن يعبد صنما؟ لكن هذه الآية ينبغي أن يقتدى بها في الخوف وطلب الخاتمة.
و"الأصنام" هي المنحوتة على خلقة البشر، وما كان منحوتا على غير خلقة البشر فهي أوثان، قاله الطبري عن مجاهد). [المحرر الوجيز: 5/254]

تفسير قوله تعالى: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ونسب إلى الأصنام أنها أضلت كثيرا من الناس تجوزا إذ كانت عرضة الإضلال والأسباب المنصوبة للغي، وعليها تنشأ الأعمال، وحقيقة الإضلال إنما هي لمخترعه.
وقوله: {ومن عصاني} ظاهره بالكفر لمعادلة قوله: {فمن تبعني فإنه مني} وإذا كان ذلك، كذلك فقوله: {فإنك غفور رحيم} معناه: بتوبتك على الكفرة حتى يؤمنوا، لا أنه أراد أن الله يغفر لكافر، ولكن حمله على هذه العبارة ما كان يأخذ نفسه به من القول الجميل والنطق الحسن وجميل الأدب صلى الله عليه وسلم، قال قتادة: اسمعوا قول الخليل، والله ما كانوا طعانين ولا لعانين، وكذلك قال نبي الله عيسى عليه السلام: وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم، وأسند الطبري عن عبد الله بن عمر حديثا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه تلا هاتين الآيتين، ثم دعا لأمته، فبشر فيهم، وكان إبراهيم التيمي يقول: من يأمن على نفسه بعد خوف الخليل على نفسه من عبادة الأصنام؟). [المحرر الوجيز: 5/254]

تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله: {من ذريتي} يريد إسماعيل عليه السلام، وذلك أن سارة لما غارت بهاجر بعد أن ولدت إسماعيل تعذب إبراهيم عليه السلام بهما، فركب البراق هو وهاجر والطفل، فجاء في يوم واحد من الشام إلى بطن مكة، فنزل وترك ابنه وأمته هنالك، وركب منصرفا من يومه ذلك، وكان هذا كله بوحي من الله تبارك تعالى، فلما ولى دعا
[المحرر الوجيز: 5/254]
بمضمن هذه الآية، وأما كيفية بقاء هاجر وما صنعت وسائر خبر إسماعيل ففي كتاب البخاري والسير وغيره، و"من" في قوله: {من ذريتي} للتبعيض، لأن إسحاق كان بالشام. و"الوادي": ما بين الجبلين وليس من شرطه أن يكون فيه ماء، وهذه الآية تقتضي أن إبراهيم عليه السلام قد كان علم من الله تعالى أنه لا يضيع هاجر وابنها في ذلك الوادي، وأنه يرزقهما الماء، وإنما نظر النظر البعيد للعاقبة فقال: {غير ذي زرع}، ولو لم يعلم ذلك من الله لقال: "غير ذي ماء" على ما كانت عليه حال الوادي عند ذلك.
وقوله: {عند بيتك المحرم} إما أن يكون البيت قد كان قديما على ما روي قبل الطوفان، وكان علمه عند إبراهيم، وإما أن يكون قالها لما كان قد أعلمه الله تعالى أنه سيبني هنالك بيتا لله تعالى فيكون محرما، والمعنى: محرما على الجبابرة وأن تنتهك حرمته ويستخف بحقه، قاله قتادة وغيره، وجمعه الضمير في قوله: "ليقيموا" يدل على أن الله قد أعلمه أن ذلك الطفل سيعقب هنالك ويكون له نسل. واللام في قوله: "ليقيموا" هي لام "كي"، هذا هو الظاهر فيها، على أنها متعلقة بـ "أسكنت"، والنداء اعتراض، ويصح أن تكون لام أمر، كأن رغب إلى الله أن يوفقهم بإقامة الصلاة، ثم ساق عبارة ملزمة لهم إقامة الصلاة، وفي اللفظ -على هذا التأويل- بعض تجوز يربطه المعنى ويصلحه.
و"الأفئدة": القلوب، جمع فؤاد. سمي بذلك لإنفاده، مأخوذ من: فأد، ومنه المفتأد وهو مستوقد النار حيث يشوى اللحم، وقرأ ابن عامر بخلاف عنه: "فاجعل أفيدة" بياء بعد الهمزة. وقوله: {من الناس} تبعيض، ومراده: المؤمنون، قال
[المحرر الوجيز: 5/255]
مجاهد: لو قال إبراهيم: "أفئدة الناس" لازدحمت على البيت فارس والروم، وقال سعيد بن جبير: "لحجته اليهود والنصارى". و"تهوي" معناه: تسير بجد وقصد مستعجل، ومنه قول الشاعر:
وإذا رميت به الفجاج رأيته ... يهوي مخارمها هوي الأجدل
ومنه البيت المروي:
تهوي إلى مكة تبغي الهدى ... ما مؤمنو الجن كأجناسها
وقرأ سلمة بن عبد الله: "تهوي" بضم التاء، من أهوى، وهو الفعل المذكور معدى بالهمزة، وقرأ علي بن أبي طالب، ومحمد بن علي ومجاهد (تهوي) بفتح التاء والواو، ويعدى هذا الفعل -وهو من الهوى- بـ "إلى"، لما كان مقترنا بسير وقصد، وروي عن مسلم بن محمد الطائفي أنه لما دعا عليه السلام بأن يرزق سكان مكة من الثمرات بعث الله جبريل عليه السلام فاقتلع بجناحه قطعة من أرض فلسطين، وقيل -من الأردن - فجاء بها وطاف حول البيت بها سبعا، ووضعها قريب مكة، فهي الطائف، وبهذه القصة سميت، وهي موضع ثقيف، وبها أشجار وثمرات). [المحرر الوجيز: 5/256]

تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (38)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب}
مقصد إبراهيم عليه السلام التنبيه على اختصاره في الدعاء، وتفويضه إلى
[المحرر الوجيز: 5/256]
ما علم الله من رغائبه وحرصه على هداية بنيه والرفق بهم، وغير ذلك. ثم انصرف إلى الثناء على الله تعالى بأنه علام الغيوب، وإلى حمده على هباته، وهذه من الآيات المعلمة أن علم الله تعالى بالأشياء هو على التفصيل التام). [المحرر الوجيز: 5/257]

تفسير قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وروي في قوله: {على الكبر} أنه لما ولد له إسماعيل وهو ابن مائة وسبعة عشر عاما، وروي أقل من هذا، وإسماعيل أسن من إسحاق فيما روي، وبحسب ترتيب هذه الآية، وروي عن سعيد بن جبير أنه قال: بشر إبراهيم وهو ابن مائة وسبعة عشر عاما). [المحرر الوجيز: 5/257]

تفسير قوله تعالى: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله: {رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي}. دعا إبراهيم عليه السلام في أمر كان مثابرا عليه، متمسكا به، ومتى دعا الإنسان في مثل هذا فإنما القصد إدامة ذلك الأمر واستمراره، وقرأ طلحة والأعمش: "دعاء ربنا" بغير ياء، وقرأ أبو عمرو، وابن كثير: "دعاي" بياء ساكنة في الوصل، وأثبتها بعضهم في الوصل دون الوقف، وقرأ نافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي بغير ياء في وصل ولا وقف، وروى ورش عن نافع إثبات الياء في الوصل). [المحرر الوجيز: 5/257]

تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقرأت فرقة: "ولوالدي"، واختلف في تأويل ذلك، فقالت فرقة: كان هذا من إبراهيم قبل يأسه من إيمان أبيه وتبينه أنه عدو لله، فأراد أباه وأمه لأنها كانت مؤمنة، وقيل: أراد أمه ونوحا عليه السلام، وقيل: أراد آدم وحواء لأن أمه لم تكن مؤمنة، وقيل أراد آدم ونوحا عليهما السلام، وقرأ سعيد بن جبير: "ولوالدي" بإفراد الأب وحده، وهذا يدخله ما تقدم من التأويلات، وقرأ الزهري، وإبراهيم النخعي: "ولولدي" على أنه دعاء لإسماعيل وإسحاق، وأنكرها عاصم الجحدري، وقال إن في مصحف أبي بن كعب: "ولأبوي"، وقرأ يحيى بن يعمر: "ولولدي" بضم الواو وسكون اللام، والولد لغة في الولد، ومنه ما أنشده أبو علي وغيره:
فليت زيادا كان في بطن أمه ... وليت زيادا كان ولد حمار
ويحتمل أن يكون الولد جمع ولد، لا كأسد في جمع أسد.
[المحرر الوجيز: 5/257]
وقوله: {يوم يقوم الحساب} يعني: يوم يقوم الناس للحساب، فأسند القيام للحساب إيجازا إذ المعنى مفهوم، ويتوجه أن يريد قيام الحساب نفسه، ويكون القيام بمعنى ظهوره وتلبس العباد بين يدي الله به كما تقول: قامت السوق، وقامت الصلاة، كما قال: وقامت الحرب على ساق). [المحرر الوجيز: 5/258]

رد مع اقتباس