عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 3 محرم 1436هـ/26-10-2014م, 08:23 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَالضُّحَى (1)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (بسم الله الرّحمن الرّحيم
{والضّحى * واللّيل إذا سجى * ما ودّعك ربّك وما قلى * وللآخرة خيرٌ لّك من الأولى * ولسوف يعطيك ربّك فترضى * ألم يجدك يتيمًا فآوى * ووجدك ضالًّا فهدى * ووجدك عائلًا فأغنى * فأمّا اليتيم فلا تقهر * وأمّا السّائل فلا تنهر * وأمّا بنعمة ربّك فحدّث}
قال الإمام أحمد: حدّثنا أبو نعيمٍ، حدّثنا سفيان، عن الأسود بن قيسٍ، قال:
«سمعت جندباً يقول: اشتكى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- فلم يقم ليلةً أو ليلتين، فأتت امرأةٌ فقالت: يا محمد، ما أرى شيطانك إلاّ قد تركك. فأنزل الله عزّ وجلّ: {والضّحى * واللّيل إذا سجى * ما ودّعك ربّك وما قلى}».
رواه البخاريّ، ومسلمٌ، والتّرمذيّ، والنّسائيّ، وابن أبي حاتمٍ، وابن جريرٍ، من طرقٍ، عن الأسود بن قيسٍ، عن جندبٍ، هو ابن عبد الله البجليّ ثمّ العلقيّ به، وفي رواية سفيان بن عيينة، عن الأسود بن قيسٍ سمع جندباً قال:
« أبطأ جبريل على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فقال المشركون: ودّع محمّدٌ. فأنزل الله تعالى: {والضّحى * واللّيل إذا سجى * ما ودّعك ربّك وما قلى}».
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، وعمرو بن عبد الله الأوديّ، قالا: حدّثنا أبو أسامة، حدّثني سفيان، حدّثني الأسود بن قيسٍ، أنه سمع جندباً يقول: رمي رسول الله -صلّى الله تعالى عليه وسلّم- بحجرٍ في إصبعه، فقال:
«هل أنت إلاّ إصبعٌ دميت وفي سبيل الله ما لقيت». قال: فمكث ليلتين أو ثلاثاً لا يقوم، فقالت له امرأةٌ: ما أرى شيطانك إلاّ قد تركك. فنزلت: {والضّحى * واللّيل إذا سجى * ما ودّعك ربّك وما قلى}. والسّياق لأبي سعيدٍ.
قيل: إنّ هذه المرأة هي أمّ جميلٍ امرأة أبي لهبٍ، وذكر أنّ إصبعه عليه السلام دميت. وقوله هذا الكلام الذي اتّفق أنه موزونٌ ثابتٌ في الصحيحين، ولكنّ الغريب ههنا جعله سبباً لتركه القيام ونزول هذه السورة.
فأمّا ما رواه ابن جريرٍ: حدّثنا ابن أبي الشّوارب، حدّثنا عبد الواحد بن زيادٍ، حدّثنا سليمان الشّيبانيّ، عن عبد الله بن شدّادٍ، أن خديجة قالت للنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-:
«ما أرى ربّك إلاّ قد قلاك. فأنزل الله: {والضّحى * واللّيل إذا سجى * ما ودّعك ربّك وما قلى}».
وقال أيضاً: حدّثنا أبو كريبٍ، حدّثنا وكيعٌ، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: أبطأ جبريل على النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- فجزع جزعاً شديداً، فقالت خديجة:
«إنّي أرى ربّك قد قلاك ممّا نرى من جزعك. قال: فنزلت: {والضّحى * واللّيل إذا سجى * ما ودّعك ربّك وما قلى} إلى آخرها».
فإنه حديثٌ مرسلٌ من هذين الوجهين، ولعلّ ذكر خديجة ليس محفوظاً، أو قالته على وجه التأسّف والتحزّن. والله أعلم.
وقد ذكر بعض السّلف، منهم ابن إسحاق، أنّ هذه السورة التي أوحاها جبريل إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- حين تبدّى له في صورته التي هي خلقه الله عليها، ودنا إليه وتدلّى منهبطاً عليه، وهو بالأبطح {فأوحى إلى عبده ما أوحى} قال: قال له هذه: {والضّحى * واللّيل إذا سجى}.
قال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: لمّا نزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم القرآن، أبطأ عنه جبريل أيّاماً، فتغيّر بذلك، فقال المشركون: ودّعه ربّه وقلاه. فأنزل الله: {ما ودّعك ربّك وما قلى}.
وهذا قسمٌ منه تعالى بالضّحى، وما جعل فيه من الضّياء). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 424-425]

تفسير قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({واللّيل إذا سجى}؛ أي: سكن فأظلم وادلهمّ. قاله مجاهدٌ وقتادة والضحّاك وابن زيدٍ وغيرهم. وذلك دليلٌ ظاهرٌ على قدرة خالق هذا وهذا، كما قال: {واللّيل إذا يغشى * والنّهار إذا تجلّى} وقال: (فالق الإصباح وجاعل اللّيل سكناً والشّمس والقمر حسباناً ذلك تقدير العزيز العليم) ). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 425]

تفسير قوله تعالى: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قوله: {ما ودّعك ربّك}؛ أي: ما تركك، {وما قلى}؛ أي: وما أبغضك). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 425]

تفسير قوله تعالى: {وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وللآخرة خيرٌ لك من الأولى}؛ وللدّار الآخرة خيرٌ لك من هذه الدار.
ولهذا كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أزهد الناس في الدنيا، وأعظمهم لها اطّراحاً، كما هو معلومٌ بالضرورة من سيرته، ولمّا خيّر عليه السلام في آخر عمره بين الخلد في الدنيا إلى آخرها، ثمّ الجنّة، وبين الصّيرورة إلى الله عزّ وجلّ اختار ما عند الله على هذه الدنيا الدّنيّة.
قال الإمام أحمد: حدّثنا يزيد، حدّثنا المسعوديّ، عن عمرو بن مرّة، عن إبراهيم النّخعيّ، عن علقمة، عن عبد الله - هو ابن مسعودٍ - قال:
«اضطجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على حصيرٍ فأثّر في جنبه، فلمّا استيقظ جعلت أمسح جنبه وقلت: يا رسول الله، ألا آذنتنا حتى نبسط لك على الحصير شيئاً؟» فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما لي وللدّنيا؟! ما أنا والدّنيا؟! إنّما مثلي ومثل الدّنيا كراكبٍ ظلّ تحت شجرةٍ ثمّ راح وتركها».
ورواه التّرمذيّ وابن ماجه من حديث المسعوديّ به، وقال التّرمذيّ: حسنٌ صحيحٌ). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 425]

تفسير قوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ولسوف يعطيك ربّك فترضى} أي: في الدار الآخرة يعطيه حتّى يرضيه في أمّته، وفيما أعدّه له من الكرامة، ومن جملته نهر الكوثر، الذي حافتاه قباب اللّؤلؤ المجوّف، وطينه مسكٌ أذفر، كما سيأتي.
وقال الإمام أبو عمرٍو الأوزاعيّ، عن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر المخزوميّ، عن عليّ بن عبد الله بن عبّاسٍ، عن أبيه، قال:
«عرض على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما هو مفتوحٌ على أمّته من بعده كنزاً كنزاً، فسرّ بذلك، فأنزل الله:{ولسوف يعطيك ربّك فترضى} فأعطاه في الجنّة ألف ألف قصرٍ، في كلّ قصرٍ ما ينبغي له من الأزواج والخدم. رواه ابن جريرٍ وابن أبي حاتمٍ من طريقه»، وهذا إسنادٌ صحيحٌ إلى ابن عبّاسٍ، ومثل هذا لا يقال إلاّ عن توقيفٍ.
وقال السّدّيّ عن ابن عبّاسٍ: من رضى محمدٍ -صلّى الله عليه وسلّم- ألاّ يدخل أحدٌ من أهل بيته النار. رواه ابن جريرٍ وابن أبي حاتمٍ.
وقال الحسن: يعني بذلك الشفاعة. وهكذا قال أبو جعفرٍ الباقر.
وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدّثنا معاوية بن هشامٍ، عن عليّ بن صالحٍ، عن يزيد بن أبي زيادٍ، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-:
«إنّا أهل بيتٍ اختار الله لنا الآخرة على الدّنيا» {ولسوف يعطيك ربّك فترضى}). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 425-426]


رد مع اقتباس