عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 1 محرم 1436هـ/24-10-2014م, 11:33 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عزّ وجلّ: {سبّح اسم ربّك الأعلى * الّذي خلق فسوّى * والّذي قدّر فهدى * والّذي أخرج المرعى * فجعله غثاء أحوى * سنقرؤك فلا تنسى * إلّا ما شاء اللّه إنّه يعلم الجهر وما يخفى * ونيسّرك لليسرى * فذكّر إن نّفعت الذّكرى * سيذّكّر من يخشى * ويتجنّبها الأشقى * الّذي يصلى النّار الكبرى * ثمّ لا يموت فيها ولا يحيى}.
{سبّح} في هذه الآية بمعنى: نزّه وقدّس وقل: سبحانه عن النقائص والغير جميعاً، وما يقول المشركون.
و(الاسم) الذي هو (ألفٌ، سينٌ، ميمٌ) يأتي في مواضع من الكلام الفصيح يراد به المسمّى، ويأتي في مواضع يراد به التسمية، نحو قوله [صلّى اللّه عليه وسلّم]: «إنّ للّه تسعةً وتسعين اسماً
» وغير ذلك، ومتى أريد به المسمّى فإنما هو صلةٌ كالزائد، كأنه تعالى قال في هذه الآية: سبّح ربّك، أي: نزّه.
وإذا كان الاسم واحداً من الأسماء؛ كزيدٍ وعمرٍو، فيجيء في الكلام على ما قلت، تقول: زيدٌ قائمٌ تريد المسمّى، وتقول: زيدٌ ثلاثة أحرفٍ تريد التّسمية.
وهذه الآية تحتمل الوجه الأوّل، وتحتمل أن يراد بالاسم التسمية نفسها، على معنى: نزّه اسم ربّك عن أن يسمّى به صنمٌ أو وثنٌ فيقال له: إلهٌ وربٌّ، ونحو ذلك.
و{الأعلى}؛ يصحّ أن يكون صفةً للاسم، ويصحّ أن يكون صفةً للربّ تعالى، وذكر الطبريّ أنّ ابن عمر وعليًّا [رضي اللّه عنهما] قرآ هذه السّورة:
«سبحان ربّي الأعلى الّذي خلق فسوّى» ؛ قال: وهي في مصحف أبيّ بن كعبٍ كذلك، وهي قراءة أبي موسى الأشعريّ وابن الزّبير ومالك بن دينارٍ.
وروى ابن عبّاسٍ [رضي اللّه عنهما]، أنّ النبيّ [صلّى اللّه عليه وسلّم] كان إذا قرأ هذه الآية قال:
«سبحان ربّي الأعلى».
وكان ابن مسعودٍ وابن عمر وابن الزبير يفعلون ذلك.
ولمّا نزلت هذه السّورة قال النبيّ [صلّى اللّه عليه وسلّم]:
«اجعلوها في سجودكم».
وقال قومٌ: معنى {سبّح اسم ربّك} نزّه اسم اللّه تعالى عن أن تذكره إلاّ وأنت خاشعٌ. وقال ابن عبّاسٍ: معنى الآية: صلّ باسم ربّك الأعلى. كما تقول: ابدأ باسم اللّه تعالى، وحذف حرف الجرّ). [المحرر الوجيز: 8/ 589-590]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (و(سوّى) معناه: عدّل وأتقن حتى صارت الأمور مستويةً دالّةً على قدرته ووحدانيّته). [المحرر الوجيز: 8/ 590]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقرأ جمهور القرّاء: {قدّر} بشدّ الدال، فيحتمل أن تكون من القدر والقضاء، ويحتمل أن تكون من التّقدير والموازنة بين الأشياء.
وقرأ الكسائيّ وحده: (قدر) بتخفيف الدال، فيحتمل أن تكون من القدرة، ويحتمل أن تكون من التّقدير والموازنة.
وقوله تعالى: {فهدى} عامٌّ لجميع الهدايات في الإنسان والحيوان، وقد خصّص بعض المفسّرين أشياء من الهدايات؛ فقال الفرّاء: معناه: هدى وأضلّ، واكتفى بالواحدة؛ لدلالتها على الأخرى.
وقال مقاتلٌ، والكلبيّ: هدى الحيوان إلى وطء الذّكور الإناث.
وقيل: هدى المولود عند وضعه إلى مصّ الثّدي.
وقال مجاهدٌ: هدى الناس إلى الخير والشرّ، والبهائم للمراتع.
قال القاضي أبو محمّدٍ رحمه اللّه: وهذه الأقوال مثالاتٌ، والعموم في الآية أصوب من كلّ تقديرٍ وفي كلّ هدايةٍ). [المحرر الوجيز: 8/ 590-591]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (و{المرعى}: النبات، وهو أصلٌ في قوام العيش؛ إذ هو غذاء الأنعام، ومنه ما ينتفع به الناس في ذواتهم). [المحرر الوجيز: 8/ 591]

تفسير قوله تعالى: {فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (5)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (و(الغثاء): ما يبس وجفّ وتحطّم من النبات، وهو الذي يحمله السّيل، وبه شبّه الناس الذين لا قدر لهم.
و(الأحوى) قيل: هو الأخضر الذي عليه سوادٌ من شدّة الخضرة والغضارة. وقيل: هو الأسود سواداً يضرب إلى الخضرة. ومنه قول ذي الرّمّة:
لمياء في شفتيها حوّةٌ لعسٌ ....... وفي اللّثات وفي أنيابها شنب
وتقدير هذه الآية: أخرج المرعى أحوى، أي: أسود من خضرته ونضارته، فجعله غثاءً عند يبسه، فـ{أحوى} حالٌ. وقال ابن عبّاسٍ [رضي اللّه عنهما]: المعنى: {فجعله غثاءً أحوى} أي: أسود؛ لأنّ الغثاء إذا قدم وأصابته الأمطار اسودّ وتقبّض فصار أحوى، فهذا صفةٌ). [المحرر الوجيز: 8/ 591]

تفسير قوله تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {سنقرئك فلا تنسى}؛ قال الحسن، وقتادة، ومالك بن أنسٍ: هذه الآية في معنى قوله تعالى: {لا تحرّك به لسانك} الآية، وعده اللّه تعالى أن يقرئه وأخبره أنه لا ينسى نسياناً لا يكون بعده تذكّرٌ فيذهب الآية.
وذلك أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان يحرّك شفتيه مبادرةً؛ خوفاً منه أن ينسى.
وفي هذا التأويل آيةٌ للنبيّ [صلّى اللّه عليه وسلّم] في أنه أمّيٌّ، وحفظ اللّه تعالى عليه الوحي وأمّنه من نسيانه.
وقال آخرون: ليست الآية في معنى تلك، وإنما هذه وعدٌ بإقراء الشّرع والسّور وأمرٌ بألاّ ينسى، على معنى التثبيت والتأكيد، وقد علم تعالى أنّ ترك النّسيان ليس في قدرته، فهو نهيٌ عن إغفال التعاهد.
وأثبت الياء في {تنسى} لتعديل رءوس الآي، وقال الجنيد: معنى (لا تنسى): لا تترك العمل بما تضمّن من أمرٍ ونهيٍ). [المحرر الوجيز: 8/ 591]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (7)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {إلاّ ما شاء اللّه}؛ قال الحسن وقتادة وغيرهما: معناه: مما قضى اللّه سبحانه بنسخه، وأن ترفع تلاوته وحكمه.
وقال الفرّاء وجماعةٌ من أهل المعاني: هو استثناء صلةٍ في الكلام على سنّة اللّه تعالى في الاستثناء، وليس ثمّ شيءٌ أبيح نسيانه.
وقال ابن عبّاسٍ: إلاّ ما شاء اللّه أن ينسيكه لتسنّ به، على نحو قوله [صلّى اللّه عليه وسلّم]:
«إنّي لأنسى وأنسّى لأسنّ».
وقال بعض المتأوّلين: إلاّ ما شاء اللّه أن يغلبك النّسيان عليه ثمّ يذكّرك به بعد. ومن هذا قول النبيّ [عليه الصلاة والسلام] حين سمع قراءة عبّاد بن بشرٍ:
«رحمه اللّه تعالى، لقد أذكرني كذا وكذا آيةً في سورة كذا».
قال القاضي أبو محمّدٍ رحمه اللّه: ونسيان النبيّ [صلّى اللّه عليه وسلّم] ممتنعٌ فيما أمر بتبليغه؛ إذ هو معصومٌ، فإذا بلغه ووعي عنه فالنّسيان جائزٌ على أن يتذكّر بعد ذلك، أو على أن يسنّ أو على النّسخ.
ثم أخبره تعالى أنه يعلم الجهر من الأشياء وما يخفى منها؛ وذلك لإحاطته بكلّ شيءٍ علماً، وبهذا يصحّ الخبر أنه لا ينسى شيئاً إلا ذكّره اللّه تعالى به). [المحرر الوجيز: 8/ 592]

تفسير قوله تعالى: {وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى (8)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ونيسّرك لليسرى}؛ معناه: نذهب بك نحو الأمور المستحسنة في دنياك وأخراك؛ من النّصر والظّفر وعلوّ الرّسالة والمنزلة يوم القيامة، والرّفعة في الجنّة). [المحرر الوجيز: 8/ 592]

تفسير قوله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثمّ أمره تعالى بالتذكير. واختلف الناس في معنى قوله تعالى: {إن نفعت الذّكرى}؛ فقال الفرّاء، والنحّاس، والزّهراويّ: معناه: وإن لم تنفع فاقتصر، على القسم الواحد لدلالته على الثاني.
وقال بعض الحذّاق: إنما قوله تعالى: {إن نفعت الذّكرى} اعتراضٌ بين الكلامين على جهة التوبيخ لقريشٍ، أي: إن نفعت الذّكرى في هؤلاء الطّغاة العتاة. وهذا كنحو قول الشاعر:
لقد أسمعت –لو ناديت حيًّا– ....... ولكن لا حياة لمن تنادي
وهذا كلّه كما تقول لرجلٍ: قل لفلانٍ وأعد له إن سمعك. إنما هو توبيخٌ للمشار إليه). [المحرر الوجيز: 8/ 592-593]

تفسير قوله تعالى: {سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم أخبر اللّه تعالى أنه سيذّكّر من يخشى اللّه تعالى والدار الآخرة، وهم العلماء والمؤمنون، كلٌّ بقدر ما وفّق). [المحرر الوجيز: 8/ 593]


رد مع اقتباس