عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 28 جمادى الأولى 1435هـ/29-03-2014م, 08:42 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدًا وادخلوا الباب سجّدًا وقولوا حطّةٌ نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين (58) فبدّل الّذين ظلموا قولا غير الّذي قيل لهم فأنزلنا على الّذين ظلموا رجزًا من السّماء بما كانوا يفسقون (59)}
يقول تعالى لائمًا لهم على نكولهم عن الجهاد ودخول الأرض المقدّسة، لمّا قدموا من بلاد مصر صحبة موسى، عليه السّلام، فأمروا بدخول الأرض المقدّسة الّتي هي ميراثٌ لهم عن أبيهم إسرائيل، وقتال من فيها من العماليق الكفرة، فنكلوا عن قتالهم وضعفوا واستحسروا، فرماهم اللّه في التّيه عقوبةً لهم، كما ذكره تعالى في سورة المائدة؛ ولهذا كان أصحّ القولين أنّ هذه البلدة هي بيت المقدس، كما نصّ على ذلك السّدّيّ، والرّبيع بن أنسٍ، وقتادة، [وأبو مسلمٍ الأصفهانيّ وغير واحدٍ وقد قال اللّه تعالى: {يا قوم ادخلوا الأرض المقدّسة الّتي كتب اللّه لكم} الآيات]. [المائدة: 21-24]
وقال آخرون: هي أريحا [ويحكى عن ابن عبّاسٍ وعبد الرّحمن بن زيدٍ] وهذا بعيدٌ؛ لأنّها ليست على طريقهم، وهو قاصدون بيت المقدس لا أريحا [وأبعد من ذلك قول من ذهب أنّها مصر، حكاه فخر الدّين في تفسيره، والصّحيح هو الأوّل؛ لأنّها بيت المقدس]. وهذا كان لمّا خرجوا من التّيه بعد أربعين سنةً مع يوشع بن نونٍ، عليه السّلام، وفتحها اللّه عليهم عشيّة جمعةٍ، وقد حبست لهم الشّمس يومئذٍ قليلًا حتّى أمكن الفتح، وأمّا أريحا فقريةٌ ليست مقصودةً لبني إسرائيل، ولمّا فتحوها أمروا أن يدخلوا الباب -باب البلد- {سجّدًا} أي: شكرًا للّه تعالى على ما أنعم به عليهم من الفتح والنّصر، وردّ بلدهم إليهم وإنقاذهم من التّيه والضّلال.
قال العوفيّ في تفسيره، عن ابن عبّاسٍ أنّه كان يقول في قوله: {وادخلوا الباب سجّدًا}«أي ركّعًا».
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ، حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرٍو، وعن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {وادخلوا الباب سجّدًا} قال: «ركّعًا من بابٍ صغيرٍ».
رواه الحاكم من حديث سفيان، به. ورواه ابن أبي حاتمٍ من حديث سفيان، وهو الثّوريّ، به. وزاد: «فدخلوا من قبل استاههم».
[وقال الحسن البصريّ: «أمروا أن يسجدوا على وجوههم حال دخولهم».، واستبعده الرّازيّ، وحكى عن بعضهم: أنّ المراد بالسّجود هاهنا الخضوع لتعذّر حمله على حقيقته].
وقال خصيفٌ: قال عكرمة، قال ابن عبّاسٍ: «كان الباب قبل القبلة».
وقال [ابن عباس و] مجاهد، والسّدّيّ، وقتادة، والضّحّاك: «هو باب الحطّة من باب إيلياء ببيت المقدس»، [وحكى الرّازيّ عن بعضهم أنّه عن باب جهةٍ من جهات القرية].
وقال خصيف: قال عكرمة: قال ابن عبّاسٍ: «فدخلوا على شقٍّ»، وقال السّدّيّ، عن أبي سعيدٍ الأزديّ، عن أبي الكنود، عن عبد اللّه بن مسعودٍ: «وقيل لهم ادخلوا الباب سجّدًا، فدخلوا مقنعي رؤوسهم، أي: رافعي رؤوسهم خلاف ما أمروا».
وقوله: {وقولوا حطّةٌ} قال الثّوريّ عن الأعمش، عن المنهال، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وقولوا حطّةٌ} قال: «مغفرةٌ، استغفروا».
وروي عن عطاءٍ، والحسن، وقتادة، والربيع بن أنس، نحوه.
وقال الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ: {وقولوا حطّةٌ} قال: «قولوا: هذا الأمر حقٌّ، كما قيل لكم».
وقال عكرمة: «قولوا: لا إله إلّا اللّه».
وقال الأوزاعيّ: «كتب ابن عبّاسٍ إلى رجلٍ قد سمّاه يسأله عن قوله تعالى: {وقولوا حطّةٌ} فكتب إليه: أن أقرّوا بالذّنب».
وقال الحسن وقتادة: «أي احطط عنّا خطايانا».
{نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين} هذا جواب الأمر، أي: إذا فعلتم ما أمرناكم غفرنا لكم الخطيئات وضعفنا لكم الحسنات.
وحاصل الأمر: أنّهم أمروا أن يخضعوا للّه تعالى عند الفتح بالفعل والقول، وأن يعترفوا بذنوبهم ويستغفروا منها، والشّكر على النّعمة عندها والمبادرة إلى ذلك من المحبوب للّه تعالى، كما قال تعالى: {إذا جاء نصر اللّه والفتح * ورأيت النّاس يدخلون في دين اللّه أفواجًا * فسبّح بحمد ربّك واستغفره إنّه كان توّابًا} [سورة النّصر] فسّره بعض الصّحابة بكثرة الذّكر والاستغفار عند الفتح والنّصر، وفسّره ابن عبّاسٍ بأنّه نعي إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أجله فيها، وأقرّه على ذلك عمر [بن الخطّاب] رضي اللّه عنه. ولا منافاة بين أن يكون قد أمر بذلك عند ذلك، ونعى إليه روحه الكريمة أيضًا؛ ولهذا كان عليه السّلام يظهر عليه الخضوع جدًّا عند النّصر، كما روي أنّه كان يوم الفتح -فتح مكّة-داخلًا إليها من الثّنيّة العليا، وإنّه الخاضع لربّه حتّى إنّ عثنونه ليمسّ مورك رحله، يشكر اللّه على ذلك. ثمّ لمّا دخل البلد اغتسل وصلّى ثماني ركعاتٍ وذلك ضحى، فقال بعضهم: هذه صلاة الضّحى، وقال آخرون: بل هي صلاة الفتح، فاستحبّوا للإمام وللأمير إذا فتح بلدًا أن يصلّي فيه ثماني ركعاتٍ عند أوّل دخوله، كما فعل سعد بن أبي وقّاصٍ رضي اللّه عنه لمّا دخل إيوان كسرى صلّى فيه ثماني ركعاتٍ، والصّحيح أنّه يفصل بين كلّ ركعتين بتسليمٍ؛ وقيل: يصلّيها كلّها بتسليمٍ واحدٍ، واللّه أعلم). [تفسير ابن كثير: 1 / 273 -275]

تفسير قوله تعالى: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {فبدّل الّذين ظلموا قولا غير الّذي قيل لهم} قال البخاريّ: حدّثني محمّدٌ، حدّثنا عبد الرّحمن بن مهدي، عن ابن المبارك، عن معمر، عن همّام بن منبّه، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «قيل لبني إسرائيل: {ادخلوا الباب سجّدًا وقولوا حطّةٌ} فدخلوا يزحفون على استاههم، فبدّلوا وقالوا: حطّةٌ: حبّةٌ في شعرةٍ».ورواه النّسائيّ، عن محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم، عن عبد الرّحمن بن مهديٍّ به موقوفًا وعن محمّد بن عبيد بن محمّدٍ، عن ابن المبارك ببعضه مسندًا، في قوله تعالى: {حطّةٌ} قال: «فبدّلوا. فقالوا: حبة ».
وقال عبد الرّزّاق: أنبأنا معمرٌ، عن همّام بن منبه أنّه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «قال اللّه لبني إسرائيل: {وادخلوا الباب سجّدًا وقولوا حطّةٌ نغفر لكم خطاياكم} فبدّلوا، ودخلوا الباب يزحفون على استاههم، فقالوا: حبّةٌ في شعرةٍ ».
وهذا حديثٌ صحيحٌ، رواه البخاريّ عن إسحاق بن نصرٍ، ومسلمٌ عن محمّد بن رافعٍ. والتّرمذيّ عن عبد بن حميدٍ، كلّهم عن عبد الرّزّاق، به. وقال التّرمذيّ: حسنٌ صحيحٌ.
وقال محمّد بن إسحاق: كان تبديلهم كما حدّثني صالح بن كيسان، عن صالحٍ مولى التّوأمة، عن أبي هريرة، وعمّن لا أتّهم، عن ابن عبّاسٍ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «دخلوا الباب -الّذي أمروا أن يدخلوا فيه سجّدًا-يزحفون على استاههم، وهم يقولون: حنطةٌ في شعيرةٍ».
وقال أبو داود: حدّثنا أحمد بن صالحٍ، وحدّثنا سليمان بن داود، حدّثنا عبد اللّه بن وهبٍ، حدّثنا هشام بن سعدٍ، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسارٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلم: «قال اللّه لبني إسرائيل: {ادخلوا الباب سجّدًا وقولوا حطّةٌ نغفر لكم خطاياكم}» ثمّ قال أبو داود: حدّثنا جعفر بن مسافرٍ، حدّثنا ابن أبي فديكٍ، عن هشام بن سعدٍ، مثله .
هكذا رواه منفردًا به في كتاب الحروف مختصرًا.
وقال ابن مردويه: حدّثنا عبد اللّه بن جعفرٍ، حدّثنا إبراهيم بن مهديٍّ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن المنذر القزّاز، حدّثنا محمّد بن إسماعيل بن أبي فديكٍ، عن هشام بن سعدٍ، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسارٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، قال: سرنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى إذا كان من آخر اللّيل، أجزنا في ثنيّةٍ يقال لها: ذات الحنظل، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ما مثل هذه الثّنيّة اللّيلة إلّا كمثل الباب الّذي قال اللّه لبني إسرائيل: {ادخلوا الباب سجّدًا وقولوا حطّةٌ نغفر لكم خطاياكم}».
وقال سفيان الثّوريّ، عن أبي إسحاق، عن البراء: {سيقول السّفهاء من النّاس} [البقرة: 142] «قال اليهود: قيل لهم: {ادخلوا الباب سجّدًا}، قال: ركّعًا، {وقولوا حطّةٌ}: أي مغفرةٌ، فدخلوا على استاههم، وجعلوا يقولون: حنطةٌ حمراء فيها شعيرةٌ، فذلك قول اللّه تعالى: {فبدّل الّذين ظلموا قولا غير الّذي قيل لهم}.
وقال الثّوريّ، عن السّدّيّ، عن أبي سعدٍ الأزديّ، عن أبي الكنود، عن ابن مسعودٍ: {وقولوا حطّةٌ} «فقالوا: حنطةٌ حبّةٌ حمراء فيها شعيرةٌ، فأنزل اللّه: {فبدّل الّذين ظلموا قولا غير الّذي قيل لهم}».
وقال أسباطٌ، عن السّدّيّ، عن مرّة، عن ابن مسعودٍ أنّه قال: «إنّهم قالوا: "هطّي سمعاتا أزبة مزبا" فهي بالعربيّة: حبّة حنطةٍ حمراء مثقوبة فيها شعرةٌ سوداء، فذلك قوله: {فبدّل الّذين ظلموا قولا غير الّذي قيل لهم}».
وقال الثّوريّ، عن الأعمش، عن المنهال، عن سعيدٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {ادخلوا الباب سجّدًا} «ركّعًا من بابٍ صغيرٍ، فدخلوا من قبل أستاههم، وقالوا: حنطةٌ، فهو قوله تعالى: {فبدّل الّذين ظلموا قولا غير الّذي قيل لهم}».
وهكذا روي عن عطاءٍ، ومجاهدٍ، وعكرمة، والضّحّاك، والحسن، وقتادة، والرّبيع بن أنسٍ، ويحيى بن رافعٍ.
وحاصل ما ذكره المفسّرون وما دلّ عليه السّياق أنّهم بدّلوا أمر اللّه لهم من الخضوع بالقول والفعل، فأمروا أن يدخلوا سجّدًا، فدخلوا يزحفون على أستاههم من قبل أستاههم رافعي رؤوسهم، وأمروا أن يقولوا: حطّةٌ، أي: احطط عنّا ذنوبنا، فاستهزؤوا فقالوا: حنطةٌ في شعرةٍ. وهذا في غاية ما يكون من المخالفة والمعاندة؛ ولهذا أنزل اللّه بهم بأسه وعذابه بفسقهم، وهو خروجهم عن طاعته؛ ولهذا قال: {فأنزلنا على الّذين ظلموا رجزًا من السّماء بما كانوا يفسقون}
وقال الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ: «كلّ شيءٍ في كتاب اللّه من "الرّجز" يعني به العذاب».
وهكذا روي عن مجاهدٍ، وأبي مالكٍ، والسّدّيّ، والحسن، وقتادة، «أنّه العذاب».. وقال أبو العالية: «الرّجز الغضب». وقال الشّعبيّ: «الرّجز: إمّا الطّاعون، وإمّا البرد». وقال سعيد بن جبيرٍ: «هو الطّاعون».
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، حدّثنا وكيع، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابتٍ، عن إبراهيم بن سعدٍ -يعني ابن أبي وقّاصٍ-عن سعد بن مالكٍ، وأسامة بن زيدٍ، وخزيمة بن ثابتٍ، رضي اللّه عنهم، قالوا: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «الطّاعون رجز عذابٌ عذّب به من كان قبلكم».
وهكذا رواه النّسائيّ من حديث سفيان الثّوريّ به. وأصل الحديث في الصّحيحين من حديث حبيب بن أبي ثابتٍ: «إذا سمعتم بالطّاعون بأرضٍ فلا تدخلوها». الحديث.
قال ابن جريرٍ: أخبرني يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهبٍ، عن يونس، عن الزّهريّ، قال: أخبرني عامر بن سعد بن أبي وقّاصٍ، عن أسامة بن زيدٍ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: «إنّ هذا الوجع والسّقم رجز عذّب به بعض الأمم قبلكم». وهذا الحديث أصله مخرّج في الصّحيحين، من حديث الزّهريّ، ومن حديث مالكٍ، عن محمّد بن المنكدر، وسالمٍ أبي النّضر، عن عامر بن سعدٍ، بنحوه). [تفسير ابن كثير: 1 / 275 -278]


رد مع اقتباس