عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 28 جمادى الأولى 1435هـ/29-03-2014م, 07:58 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنّكم ظلمتم أنفسكم باتّخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خيرٌ لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنّه هو التّوّاب الرّحيم (54) وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتّى نرى اللّه جهرةً فأخذتكم الصّاعقة وأنتم تنظرون (55)}
هذا القول من موسى صلى الله عليه وسلم كان بأمر من الله تعالى، وحذفت الياء في «يا قومي» لأن النداء موضع حذف وتخفيف، والضمير في «اتخاذكم» في موضع خفض على اللفظ، وفي موضع رفع بالمعنى، و «العجل» لفظة عربية، اسم لولد البقرة.
وقال قوم: سمي عجلا لأنه استعجل قبل مجيء موسى عليه السلام.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وليس هذا القول بشيء.
واختلف هل بقي العجل من ذهب؟ قال ذلك الجمهور وقال الحسن بن أبي الحسن: صار لحما ودما، والأول أصح.
و «توبوا»: معناه ارجعوا عن المعصية إلى الطاعة.
وقرأ الجمهور: «بارئكم» بإظهار الهمزة وكسرها.
وقرأ أبو عمرو: «بارئكم» بإسكان الهمزة.
وروي عن سيبويه اختلاس الحركة وهو أحسن، وهذا التسكين يحسن في توالي الحركات.
وقال المبرد: لا يجوز التسكين مع توالي الحركات في حرف الإعراب، وقراءة أبي عمرو «بارئكم» لحن.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رحمه الله: وقد روي عن العرب التسكين في حرف الأعراب، قال الشاعر:

إذا اعوججن قلت صاحب قوم ....... ... ... ... ...

وقال امرؤ القيس:

فاليوم أشرب غير مستحقب ....... إثما من الله ولا واغل

وقال آخر:

قالت سليمى اشتر لنا سويقا ....... ... ... ... ...

وقال الآخر:

... ... ... ... ......... وقد بدا هنك من المئزر

وقال جرير:

... ... ... ... ....... ونهر تيري فما تعرفكم العرب

وقال وضاح اليمن:

إنما شعري شهد ....... قد خلط بجلجلان

ومن أنكر التسكين في حرف الإعراب فحجته أن ذلك لا يجوز من حيث كان علما للإعراب.
قال أبو علي: وأما حركة البناء فلم يختلف النحاة في جواز تسكينها مع توالي الحركات.
وقرأ الزهري «باريكم» بكسر الياء من غير همز، ورويت عن نافع.
وقرأ قتادة: «فاقتالوا أنفسكم»: وقال: «هي من الاستقالة».
قال أبو الفتح: «اقتال» هذه افتعل، ويحتمل أن يكون عينها واوا كاقتادوا، ويحتمل أن يكون ياء «كاقتاس» والتصريف يضعف أن تكون من الاستقالة، ولكن قتادة رحمه الله ينبغي أن يحسن الظن به في أنه لم يورد ذلك إلا بحجة عنده.
وقوله تعالى: {فتاب عليكم} قبله محذوف تقديره ففعلتم.
وقوله: {عليكم} معناه: على الباقين، وجعل الله تعالى القتل لمن قتل شهادة وتاب على الباقين وعفا عنهم.
قال بعض الناس: فاقتلوا في هذه الآية معناه بالتوبة وإماتة عوارض النفوس من شهوة وتعنت وغضب، واحتج بقوله عليه السلام في الثوم والبصل فلتمتهما طبخا، وبقول حسان:

... ... ... ... ....... قتلت قتلت فهاتها لم تقتل

). [المحرر الوجيز: 1 / 214-216]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وإذ قلتم يا موسى} يريد السبعين الذين اختارهم موسى، واختلف في وقت اختيارهم.
فحكى أكثر المفسرين أن ذلك بعد عبادة العجل، اختارهم ليستغفروا لبني إسرائيل.
وحكى النقاش وغيره أنه اختارهم حين خرج من البحر وطلب بالميعاد، والأول أصح، وقصة السبعين أن موسى صلى الله عليه وسلم لما رجع من تكليم الله ووجد العجل قد عبد قالت له طائفة ممن لم يعبد العجل: نحن لم نكفر ونحن أصحابك، ولكن أسمعنا كلام ربك، فأوحى الله إليه أن اختر منهم سبعين شيخا، فلم يجد إلّا ستين، فأوحى الله إليه أن اختر من الشباب عشرة، ففعل، فأصبحوا شيوخا، وكان قد اختار ستة من كل سبط فزادوا اثنين على السبعين، فتشاحوا فيمن يتأخر، فأوحى الله إليه أن من تأخر له مثل أجر من مضى، فتأخر يوشع بن نون وطالوت بن يوقنا وذهب موسى عليه السلام بالسبعين بعد أن أمرهم أن يتجنبوا النساء ثلاثا ويغتسلوا في اليوم الثالث، واستخلف هارون على قومه، ومضى حتى أتى الجبل، فألقي عليهم الغمام.
قال النقاش وغيره: غشيتهم سحابة وحيل بينهم وبين موسى بالنور فوقعوا سجودا.
قال السدي وغيره: وسمعوا كلام الله يأمر وينهى، فلم يطيقوا سماعه، واختلطت أذهانهم، ورغبوا أن يكون موسى يسمع ويعبر لهم، ففعل، فلما فرغ وخرجوا بدلت منهم طائفة ما سمعت من كلام الله فذلك قوله تعالى: {وقد كان فريقٌ منهم يسمعون كلام اللّه ثمّ يحرّفونه} [البقرة: 75]، واضطرب إيمانهم وامتحنهم الله بذلك فقالوا: لن نؤمن لك حتّى نرى اللّه جهرةً ولم يطلبوا من الرؤية محالا، أما إنه عند أهل السنة ممتنع في الدنيا من طريق السمع، فأخذتهم حينئذ الصاعقة فاحترقوا وماتوا موت همود يعتبر به الغير.
وقال قتادة: «ماتوا وذهبت أرواحهم ثم ردوا لاستيفاء آجالهم، فحين حصلوا في ذلك الهمود جعل موسى يناشد ربه فيهم ويقول: أي رب، كيف أرجع إلى بني إسرائيل دونهم فيهلكون ولا يؤمنون بي أبدا، وقد خرجوا معي وهم الأخيار».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: يعني وهم بحال الخير وقت الخروج.
وقال قوم: بل ظن موسى عليه السلام أن السبعين إنما عوقبوا بسبب عبادة العجل، فذلك قوله أتهلكنا يعني السبعين بما فعل السّفهاء منّا [الأعراف: 155] يعني عبدة العجل.
وقال ابن فورك: يحتمل أن تكون معاقبة السبعين لإخراجهم طلب الرؤية عن طريقه، بقولهم لموسى «أرنا» وليس ذلك من مقدور موسى صلى الله عليه وسلم، وجهرةً مصدر في موضع الحال، والأظهر أنها من الضمير في نرى، وقيل من الضمير في نؤمن، وقيل من الضمير في قلتم، والجهرة العلانية، ومنه الجهر ضد السر، وجهر الرجل الأمر كشفه.
وقرأ سهل بن شعيب وحميد بن قيس: «جهرة» بفتح الهاء، وهي لغة مسموعة عند البصريين فيما فيه حرف الحلق ساكنا قد انفتح ما قبله، والكوفيون يجيزون فيه الفتح وإن لم يسمعوه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويحتمل أن يكون جهرةً جمع جاهر، أي حتى نرى الله كاشفين هذا الأمر.
وقرأ عمر وعلي رضي الله عنهما: «فأخذتكم الصعقة»، ومضى في صدر السورة معنى الصّاعقة، والصعقة ما يحدث بالإنسان عند الصاعقة.
وتنظرون معناه إلى حالكم.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رحمه الله: حتى أحالهم العذاب وأزال نظرهم). [المحرر الوجيز: 1 / 216 -218]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ثمّ بعثناكم من بعد موتكم لعلّكم تشكرون (56) وظلّلنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المنّ والسّلوى كلوا من طيّبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون (57) وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغداً وادخلوا الباب سجّداً وقولوا حطّةٌ نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين (58)}
أجاب الله تعالى فيهم رغبة موسى عليه السلام وأحياهم من ذلك الهمود أو الموت، ليستوفوا آجالهم، وتاب عليهم، والبعث هنا الإثارة كما قال الله تعالى: {من بعثنا من مرقدنا} [يس: 52].
وقال قوم: إنهم لما أحيوا وأنعم عليهم بالتوبة سألوا موسى عليه السلام أن يجعلهم الله أنبياء، فذلك قوله تعالى: {ثمّ بعثناكم من بعد موتكم} أي أنبياء {لعلّكم تشكرون} أي على هذه النعمة، والترجي إنما هو في حق البشر، ونزلت الألواح بالتوراة على موسى في تلك المدة، وهذا قول جماعة، وقال آخرون: إن الألواح نزلت في ذهابه الأول وحده.
وذكر المفسرون في تظليل الغمام: أن بني إسرائيل لما كان من أمرهم ما كان من القتل وبقي منهم من بقي حصلوا في فحص التيه بين مصر والشام، فأمروا بقتال الجبارين فعصوا وقالوا: {فاذهب أنت وربّك فقاتلا} [المائدة: 24] فدعا موسى عليهم فعوقبوا بالبقاء في ذلك الفحص أربعين سنة يتيهون في مقدار خمسة فراسخ أو ستة، روي أنهم كانوا يمشون النهار كله وينزلون للمبيت فيصبحون حيث كانوا بكرة أمس، فندم موسى عليه السلام على دعائه عليهم، فقيل له: {فلا تأس على القوم الفاسقين} [المائدة: 26].
وروي أنهم ماتوا بأجمعهم في فحص التيه، ونشأ بنوهم على خير طاعة، فهم الذين خرجوا من فحص التيه وقاتلوا الجبارين، وإذ كان جميعهم في التيه قالوا لموسى: من لنا بالطعام؟ قال: الله، فأنزل الله عليهم المن والسلوى، قالوا: من لنا من حر الشمس؟ فظلل عليهم الغمام، قالوا: بم نستصبح بالليل؟
فضرب لهم عمود نور في وسط محلتهم، وذكر مكي: عمود نار. فقالوا: من لنا بالماء؟ فأمر موسى بضرب الحجر، قالوا: من لنا باللباس؟ فأعطوا أن لا يبلى لهم ثوب ولا يخلق ولا يدرن، وأن تنمو صغارها حسب نمو الصبيان). [المحرر الوجيز: 1 / 218 -220]

تفسير قوله تعالى: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ومعنى ظلّلنا جعلناه ظللا، والغمام السحاب لأنه يغم وجه السماء أي يستره.
وقال مجاهد: «هو أبرد من السحاب وأرق وأصفى، وهو الذي يأتي الله فيه يوم القيامة».
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رحمه الله: يأتي أمره وسلطانه وقضاؤه. وقيل الغمام ما ابيض من السحاب.
والمنّ صمغة حلوة، هذا قول فرقة، وقيل: هو عسل، وقيل: شراب حلو، وقيل: الذي ينزل اليوم على الشجر، وقيل: المنّ خبز الرقاق مثل النقي. وقيل: هو الترنجبين وقيل الزنجبيل، وفي بعض هذه الأقوال بعد. وقيل: المنّ مصدر يعني به جميع ما من الله به مجملا.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب مسلم: «الكمأة مما من الله به على بني إسرائيل وماؤها شفاء للعين».
فقيل: أراد عليه السلام أن الكمأة نفسها مما أنزل نوعها على بني إسرائيل.
وقيل: أراد أنه لا تعب في الكمأة ولا جذاذ ولا حصاد، فهي منة دون تكلف من جنس من بني إسرائيل في أنه كان دون تكلف.
وروي أن المنّ كان ينزل عليهم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس كالثلج فيأخذ منه الرجل ما يكفيه ليومه، فإن ادخر فسد عليه إلا في يوم الجمعة فإنهم كانوا يدخرون ليوم السبت فلا يفسد عليهم، لأن يوم السبت يوم عبادة، والمنّ هنا اسم جمع لا واحد له من لفظه، والسّلوى طير بإجماع من المفسرين، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والربيع بن أنس وغيرهم.
قيل: هو السمانى بعينه. وقيل: طائر يميل إلى الحمرة مثل السمانى، وقيل: طائر مثل الحمام تحشره عليهم الجنوب.
قال الأخفش: «السلوى جمعه وواحده بلفظ واحد». قال الخليل: السّلوى جمع واحدته سلواة.
قال الكسائي: السّلوى واحدة جمعها سلاوى، والسّلوى اسم مقصور لا يظهر فيه الإعراب، لأن آخره ألف، والألف حرف هوائي أشبه الحركة فاستحالت حركته ولو حرك لرجع حرفا آخر، وقد غلط الهذلي فقال:
وقاسمها بالله عهدا لأنتم ....... ألذّ من السلوى إذا ما نشورها


ظن السلوى العسل.
وقوله تعالى: {كلوا} الآية، معناه وقلنا كلوا، فحذف اختصارا لدلالة الظاهر عليه، والطيبات هنا قد جمعت الحلال واللذيذ.
وقوله تعالى: {وما ظلمونا} يقدر قبله: فعصوا ولم يقابلوا النعم بالشكر، والمعنى وما وضعوا فعلهم في موضع مضرة لنا ولكن وضعوه في موضع مضرة لهم حيث لا يجب.
وقال بعض المفسرين: ما ظلمونا ما نقصونا، والمعنى يرجع إلى ما لخصناه). [المحرر الوجيز: 1 / 220 -221]


رد مع اقتباس