عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 27 جمادى الأولى 1435هـ/28-03-2014م, 12:10 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري


تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنّما نحن مصلحون (11) ألا إنّهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون (12) }
قال السّدّيّ في تفسيره: عن أبي مالكٍ وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة الطّيّب الهمدانيّ، عن ابن مسعودٍ، وعن أناسٍ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنّما نحن مصلحون} أمّا لا تفسدوا في الأرض، قال: «الفساد هو الكفر، والعمل بالمعصية».
وقال أبو جعفرٍ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، في قوله تعالى: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض} قال: «يعني: لا تعصوا في الأرض، وكان فسادهم ذلك معصية اللّه؛ لأنّه من عصى اللّه في الأرض أو أمر بمعصية اللّه، فقد أفسد في الأرض؛ لأنّ صلاح الأرض والسّماء بالطّاعة».
وهكذا قال الرّبيع بن أنسٍ، وقتادة.
وقال ابن جريج، عن مجاهدٍ: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض} قال: «إذا ركبوا معصية اللّه، فقيل لهم: لا تفعلوا كذا وكذا، قالوا: إنّما نحن على الهدى، مصلحون».
وقد قال وكيع، وعيسى بن يونس، وعثّام بن عليٍّ، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرٍو، عن عبّاد بن عبد اللّه الأسديّ، عن سلمان الفارسيّ: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنّما نحن مصلحون} قال سلمان: «لم يجئ أهل هذه الآية بعد».
وقال ابن جريرٍ: حدّثني أحمد بن عثمان بن حكيم، حدّثنا عبد الرّحمن بن شريك، حدّثني أبي، عن الأعمش، عن زيد بن وهبٍ وغيره، عن سلمان، في هذه الآية، قال: «ما جاء هؤلاء بعد».
قال ابن جريرٍ: يحتمل أنّ سلمان أراد بهذا أنّ الّذين يأتون بهذه الصّفة أعظم فسادًا من الّذين كانوا في زمان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، لا أنّه عنى أنّه لم يمض ممّن تلك صفته أحدٌ.
قال ابن جريرٍ: فأهل النّفاق مفسدون في الأرض بمعصيتهم فيها ربّهم، وركوبهم فيها ما نهاهم عن ركوبه، وتضييعهم فرائضه، وشكّهم في دينه الّذي لا يقبل من أحدٍ عملٌ إلّا بالتّصديق به والإيقان بحقيقته، وكذبهم المؤمنين بدعواهم غير ما هم عليه مقيمون من الشّكّ والرّيب، ومظاهرتهم أهل التّكذيب باللّه وكتبه ورسله على أولياء اللّه، إذا وجدوا إلى ذلك سبيلًا. فذلك إفساد المنافقين في الأرض، وهم يحسبون أنّهم بفعلهم ذلك مصلحون فيها.
وهذا الّذي قاله حسنٌ، فإنّ من الفساد في الأرض اتّخاذ المؤمنين الكافرين أولياء، كما قال تعالى: {والّذين كفروا بعضهم أولياء بعضٍ إلا تفعلوه تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبيرٌ} [الأنفال: 73] فقطع اللّه الموالاة بين المؤمنين والكافرين كما قال: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا للّه عليكم سلطانًا مبينًا} [النّساء: 144] ثمّ قال: {إنّ المنافقين في الدّرك الأسفل من النّار ولن تجد لهم نصيرًا} [النّساء: 145] فالمنافق لمّا كان ظاهره الإيمان اشتبه أمره على المؤمنين، فكأنّ الفساد من جهة المنافق حاصلٌ؛ لأنّه هو الّذي غرّ المؤمنين بقوله الّذي لا حقيقة له، ووالى الكافرين على المؤمنين، ولو أنّه استمرّ على حالته الأولى لكان شرّه أخفّ، ولو أخلص العمل للّه وتطابق قوله وعمله لأفلح وأنجح؛ ولهذا قال تعالى: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنّما نحن مصلحون} أي: نريد أن نداري الفريقين من المؤمنين والكافرين، ونصطلح مع هؤلاء وهؤلاء، كما قال محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنّما نحن مصلحون} أي: «إنّما نريد الإصلاح بين الفريقين من المؤمنين وأهل الكتاب».). [تفسير ابن كثير: 1/ 180-181]

تفسير قوله تعالى: {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (يقول اللّه: {ألا إنّهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون} يقول: ألا إنّ هذا الّذي يعتمدونه ويزعمون أنّه إصلاحٌ هو عين الفساد، ولكن من جهلهم لا يشعرون بكونه فسادًا). [تفسير ابن كثير: 1/ 181]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن النّاس قالوا أنؤمن كما آمن السّفهاء ألا إنّهم هم السّفهاء ولكن لا يعلمون (13) }
يقول [اللّه] تعالى: وإذا قيل للمنافقين: {آمنوا كما آمن النّاس} أي: كإيمان النّاس باللّه وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت والجنّة والنّار وغير ذلك، ممّا أخبر المؤمنين به وعنه، وأطيعوا اللّه ورسوله في امتثال الأوامر وترك الزّواجر {قالوا أنؤمن كما آمن السّفهاء} يعنون -لعنهم اللّه-أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، رضي اللّه عنهم، قاله أبو العالية والسّدّيّ في تفسيره، بسنده عن ابن عبّاسٍ وابن مسعودٍ وغير واحدٍ من الصّحابة، وبه يقول الرّبيع بن أنسٍ، وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم، يقولون: أنصير نحن وهؤلاء بمنزلةٍ واحدةٍ وعلى طريقةٍ واحدةٍ وهم سفهاء!!
والسّفهاء: جمع سفيهٍ، كما أنّ الحكماء جمع حكيمٍ [والحلماء جمع حليمٍ] والسّفيه: هو الجاهل الضّعيف الرّأي القليل المعرفة بمواضع المصالح والمضارّ؛ ولهذا سمّى اللّه النّساء والصّبيان سفهاء، في قوله تعالى: {ولا تؤتوا السّفهاء أموالكم الّتي جعل اللّه لكم قيامًا} [النّساء: 5] قال عامّة علماء السّلف: هم النّساء والصّبيان.
وقد تولّى اللّه، سبحانه، جوابهم في هذه المواطن كلّها، فقال: {ألا إنّهم هم السّفهاء} فأكّد وحصر السّفاهة فيهم.
{ولكن لا يعلمون} يعني: ومن تمام جهلهم أنّهم لا يعلمون بحالهم في الضّلالة والجهل، وذلك أردى لهم وأبلغ في العمى، والبعد عن الهدى). [تفسير ابن كثير: 1/ 181-182]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وإذا لقوا الّذين آمنوا قالوا آمنّا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنّا معكم إنّما نحن مستهزئون (14) اللّه يستهزئ بهم ويمدّهم في طغيانهم يعمهون (15) }
يقول [اللّه] تعالى: وإذا لقي هؤلاء المنافقون المؤمنين قالوا: {آمنّا} أي: أظهروا لهم الإيمان والموالاة والمصافاة، غرورًا منهم للمؤمنين ونفاقًا ومصانعةً وتقيّةً، وليشركوهم فيما أصابوا من خيرٍ ومغنمٍ، {وإذا خلوا إلى شياطينهم} يعني: وإذا انصرفوا وذهبوا وخلصوا إلى شياطينهم، فضمّن {خلوا} معنى انصرفوا؛ لتعديته بإلى، ليدلّ على الفعل المضمر والفعل الملفوظ به.
ومنهم من قال: "إلى" هنا بمعنى "مع"، والأوّل أحسن، وعليه يدور كلام ابن جريرٍ.
وقال السّدّيّ عن أبي مالكٍ: «{خلوا} يعني: مضوا، و {شياطينهم} يعني: سادتهم وكبراءهم ورؤساءهم من أحبار اليهود ورؤوس المشركين والمنافقين».
قال السّدّيّ في تفسيره، عن أبي مالكٍ وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة عن ابن مسعودٍ، عن ناسٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {وإذا خلوا إلى شياطينهم} «يعني: هم رؤوسهم من الكفر».
وقال الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ: «وإذا خلوا إلى أصحابهم، وهم شياطينهم».
وقال محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ: {وإذا خلوا إلى شياطينهم} «من يهود الّذين يأمرونهم بالتّكذيب وخلاف ما جاء به الرّسول».
وقال مجاهدٌ: «{وإذا خلوا إلى شياطينهم} إلى أصحابهم من المنافقين والمشركين».
وقال قتادة: {وإذا خلوا إلى شياطينهم} قال: «إلى رؤوسهم، وقادتهم في الشّرك، والشّرّ».
وبنحو ذلك فسّره أبو مالكٍ، وأبو العالية والسّدّيّ، والرّبيع بن أنسٍ.
قال ابن جريرٍ: وشياطين كلّ شيءٍ مردته، وتكون الشّياطين من الإنس والجنّ، كما قال تعالى: {وكذلك جعلنا لكلّ نبيٍّ عدوًّا شياطين الإنس والجنّ يوحي بعضهم إلى بعضٍ زخرف القول غرورًا} [الأنعام: 112].
وفي المسند عن أبي ذرٍّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «نعوذ باللّه من شياطين الإنس والجنّ»، فقلت: يا رسول اللّه، وللإنس شياطينٌ؟ قال: «نعم».
وقوله تعالى: {قالوا إنّا معكم} قال محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة، أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: «أي إنّا على مثل ما أنتم عليه {إنّما نحن مستهزئون} أي: إنّما نحن نستهزئ بالقوم ونلعب بهم».
وقال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: «قالوا {إنّما نحن مستهزئون} ساخرون بأصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم».
وكذلك قال الرّبيع بن أنسٍ، وقتادة.
وقوله تعالى جوابًا لهم ومقابلةً على صنيعهم: {اللّه يستهزئ بهم ويمدّهم في طغيانهم يعمهون} ). [تفسير ابن كثير: 1/ 182 -183]

تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى جوابًا لهم ومقابلةً على صنيعهم: {اللّه يستهزئ بهم ويمدّهم في طغيانهم يعمهون}
وقال ابن جريرٍ: أخبر اللّه تعالى أنّه فاعلٌ بهم ذلك يوم القيامة، في قوله: {يوم يقول المنافقون والمنافقات للّذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورًا فضرب بينهم بسورٍ له بابٌ باطنه فيه الرّحمة وظاهره من قبله العذاب} الآية [الحديد: 13]، وقوله تعالى: {ولا يحسبنّ الّذين كفروا أنّما نملي لهم خيرٌ لأنفسهم إنّما نملي لهم ليزدادوا إثمًا ولهم عذابٌ مهينٌ} [آل عمران: 178]، قال: فهذا وما أشبهه، من استهزاء اللّه، تعالى ذكره، وسخريّته ومكره وخديعته للمنافقين، وأهل الشّرك به عند قائل هذا القول، ومتأوّل هذا التّأويل.
قال: وقال آخرون: بل استهزاؤه بهم توبيخه إيّاهم، ولومه لهم على ما ركبوا من معاصيه، والكفر به.
قال: وقال آخرون: هذا وأمثاله على سبيل الجواب، كقول الرّجل لمن يخدعه إذا ظفر به: أنا الّذي خدعتك، ولم تكن منه خديعةٌ، ولكن قال ذلك إذ صار الأمر إليه، قالوا: وكذلك قوله: {ومكروا ومكر اللّه واللّه خير الماكرين} [آل عمران: 54] و {اللّه يستهزئ بهم} على الجواب، والله لا يكون منه المكر ولا الهزء، والمعنى: أنّ المكر والهزء حاق بهم.
وقال آخرون: قوله: {إنّما نحن مستهزئون * اللّه يستهزئ بهم}، وقوله: {يخادعون اللّه وهو خادعهم} [النّساء: 142]، وقوله: {فيسخرون منهم سخر اللّه منهم} [التّوبة: 79] و {نسوا اللّه فنسيهم} [التّوبة: 67] وما أشبه ذلك، إخبارٌ من اللّه تعالى أنّه يجازيهم جزاء الاستهزاء، ويعاقبهم عقوبة الخداع فأخرج خبره عن جزائه إيّاهم وعقابه لهم مخرج خبره عن فعلهم الّذي عليه استحقّوا العقاب في اللّفظ، وإن اختلف المعنيان كما قال تعالى: {وجزاء سيّئةٍ سيّئةٌ مثلها} [الشّورى: 40] وقوله تعالى: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه} [البقرة: 194]، فالأوّل ظلمٌ، والثّاني عدلٌ، فهما وإن اتّفق لفظاهما فقد اختلف معناهما.
قال: وإلى هذا المعنى وجّهوا كلّ ما في القرآن من نظائر ذلك.
قال: وقال آخرون: إنّ معنى ذلك: أنّ اللّه أخبر عن المنافقين أنّهم إذا خلوا إلى مردتهم قالوا: إنّا معكم على دينكم، في تكذيب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وما جاء به، وإنّما نحن بما يظهر لهم -من قولنا لهم: صدّقنا بمحمّدٍ، عليه السّلام، وما جاء به مستهزئون؛ فأخبر اللّه تعالى أنّه يستهزئ بهم، فيظهر لهم من أحكامه في الدّنيا، يعني من عصمة دمائهم وأموالهم خلاف الّذي لهم عنده في الآخرة، يعني من العذاب والنّكال.
ثمّ شرع ابن جريرٍ يوجّه هذا القول وينصره؛ لأنّ المكر والخداع والسّخرية على وجه اللّعب والعبث منتفٍ عن اللّه، عزّ وجلّ، بالإجماع، وأمّا على وجه الانتقام والمقابلة بالعدل والمجازاة فلا يمتنع ذلك.
قال: وبنحو ما قلنا فيه روي الخبر عن ابن عبّاسٍ: حدّثنا أبو كريب، حدّثنا عثمان، حدّثنا بشرٌ، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، في قوله تعالى: {اللّه يستهزئ بهم} قال: «يسخر بهم للنّقمة منهم».
وقوله تعالى: {ويمدّهم في طغيانهم يعمهون} قال السّدّيّ: عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة، عن ابن مسعودٍ، وعن أناسٍ من الصّحابة [قالوا] {يمدهم}: «يملي لهم».
وقال مجاهدٌ: «يزيدهم».
قال ابن جريرٍ: والصّواب يزيدهم على وجه الإملاء والتّرك لهم في عتوّهم وتمرّدهم، كما قال: {ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أوّل مرّةٍ ونذرهم في طغيانهم يعمهون} [الأنعام: 110].
والطّغيان: هو المجاوزة في الشّيء. كما قال: {إنّا لمّا طغى الماء حملناكم في الجارية} [الحاقّة: 11]، وقال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: {في طغيانهم يعمهون} «في كفرهم يتردّدون».
وكذا فسّره السّدّيّ بسنده عن الصّحابة، وبه يقول أبو العالية، وقتادة، والرّبيع بن أنسٍ، ومجاهدٌ، وأبو مالكٍ، وعبد الرّحمن بن زيدٍ: «في كفرهم وضلالتهم».
قال ابن جريرٍ: والعمه: الضّلال، يقال: عمه فلانٌ يعمه عمهًا وعموهًا: إذا ضلّ.
قال: وقوله: {في طغيانهم يعمهون} في ضلالهم وكفرهم الّذي غمرهم دنسه، وعلاهم رجسه، يتردّدون [حيارى] ضلالا لا يجدون إلى المخرج منه سبيلًا؛ لأنّ اللّه تعالى قد طبع على قلوبهم وختم عليها، وأعمى أبصارهم عن الهدى وأغشاها، فلا يبصرون رشدًا، ولا يهتدون سبيلًا.
[وقال بعضهم: العمى في العين، والعمه في القلب، وقد يستعمل العمى في القلب -أيضًا-: قال اللّه تعالى: {فإنّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب الّتي في الصّدور} [الحجّ: 46] ويقال: عمه الرّجل يعمه عموهًا فهو عمهٌ وعامهٌ، وجمعه عمّهٌ، وذهبت إبله العمهاء: إذا لم يدر أين ذهبت). [تفسير ابن كثير: 1/ 183 -185]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {أولئك الّذين اشتروا الضّلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين (16) }
قال السّدّيّ في تفسيره، عن أبي مالكٍ وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ من الصّحابة: {أولئك الّذين اشتروا الضّلالة بالهدى} قال: «أخذوا الضّلالة وتركوا الهدى».
وقال [محمّد] بن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {أولئك الّذين اشتروا الضّلالة بالهدى} «أي: الكفر بالإيمان».
وقال مجاهدٌ: «آمنوا ثمّ كفروا»
وقال قتادة: «استحبّوا الضّلالة على الهدى [أي: الكفر بالإيمان]»، وهذا الّذي قاله قتادة يشبهه في المعنى قوله تعالى في ثمود: {وأمّا ثمود فهديناهم فاستحبّوا العمى على الهدى} [فصّلت: 17].
وحاصل قول المفسّرين فيما تقدّم: أنّ المنافقين عدلوا عن الهدى إلى الضّلال، واعتاضوا عن الهدى بالضّلالة، وهو معنى قوله تعالى: {أولئك الّذين اشتروا الضّلالة بالهدى} أي بذلوا الهدى ثمنًا للضّلالة، وسواءٌ في ذلك من كان منهم قد حصل له الإيمان ثمّ رجع عنه إلى الكفر، كما قال تعالى فيهم: {ذلك بأنّهم آمنوا ثمّ كفروا فطبع على قلوبهم} [المنافقون: 3]، أو أنّهم استحبّوا الضّلالة على الهدى، كما يكون حال فريقٍ آخر منهم، فإنّهم أنواعٌ وأقسامٌ؛ ولهذا قال تعالى: {فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين} أي: ما ربحت صفقتهم في هذه البيعة، {وما كانوا مهتدين} أي: راشدين في صنيعهم ذلك.
قال ابن جريرٍ: حدّثنا بشرٌ، حدّثنا يزيد، حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة {فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين} «قد -واللّه-رأيتموهم خرجوا من الهدى إلى الضّلالة، ومن الجماعة إلى الفرقة، ومن الأمن إلى الخوف، ومن السّنّة إلى البدعة»، وهكذا رواه ابن أبي حاتمٍ، من حديث يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة، بمثله سواء). [تفسير ابن كثير: 1/ 185 - 186]


رد مع اقتباس