عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 08:25 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {أتتّخذنا هزواً قال...} وهذا في القرآن كثيرٌ بغير الفاء، وذلك لأنه جوابٌ يستغنى أوّله عن آخره بالوقفة عليه، فيقال: ماذا قال لك؟ فيقول القائل: قال كذا وكذا؛ فكأنّ حسن السّكوت يجوز به طرح الفاء. وأنت تراه في رءوس الآيات -لأنها فصولٌ- حسناً؛ من ذلك: {قال فما خطبكم أيّها المرسلون * قالوا إنّا أرسلنا}، والفاء حسنة مثل قوله: {فقال الملأ الّذين كفروا} ولو كان على كلمة واحدة لم تسقط العرب منه الفاء. من ذلك: قمت ففعلت، لا يقولون: قمت فعلت، ولا: قلت قال، حتى يقولوا: قلت فقال، وقمت فقام؛ لأنها نسقٌ وليست باستفهام يوقف عليه؛ ألا ترى أنه {قال}: فرعون {لمن حوله ألا تستمعون * قال رب‍ّكم وربّ آبائكم الأوّلين} فيما لا أحصيه.
ومثله من غير الفعل كثيرٌ في كتاب الله بالواو وبغير الواو؛ فأما الذي بالواو فقوله: {قل أؤنبّئكم بخيرٍ من ذلكم للّذين اتّقوا عند ربّهم} ثم قال بعد ذلك: {الصّابرين والصّادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار}. وقال في موضع آخر: {التّائبون العابدون الحامدون} وقال في غير هذا: {إنّ الّذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات} ثم قال في الآية بعدها: {إنّ الّذين آمنوا} ولم يقل: وإنّ.
فاعرف بما جرى تفسير ما بقى، فإنّه لا يأتي إلا على الذي أنبأتك به من الفصول أو الكلام المكتفى يأتي له جوابٌ. وأنشدني بعض العرب:

لــمّـــا رأيـــــت نـبــطــاً أنـــصـــارا
شـمّــرت عـــن ركـبـتـي الإزارا
كنت لها من النّصارى جارا

). [معاني القرآن: 1 / 43 -44]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة أهل المدينة، وهي قراءة الأعمش {هزؤا}، و{كفوا}، و{جزءا} بإسكان الأوسط.
والعامة {هزؤا} بالإشباع). [معاني القرآن لقطرب: 249]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله عز وجل {هزؤا} قالوا في فعل الهزء: هزئت به، وهزأت به، وتهزأت به، واستهزأت). [معاني القرآن لقطرب: 316]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجل: {وإذ قال موسى لقومه إنّ اللّه يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتّخذنا هزوا قال أعوذ باللّه أن أكون من الجاهلين (67)}
المعنى: واذكروا إذ قال موسى لقومه، أمروا بذبح بقرة يضرب ببعضها قتيل تشاجروا فيمن قتله فلم يعلم قاتله، فأمر اللّه عزّ وجلّ بضرب المقتول بعضو من أعضاء البقرة.
وزعموا في التفسير أنهم أمروا أن يضربوه بالفخذ اليمنى أو الذنب، وأحب الله تعالى أن يريهم كيف إحياء الموتى،
وفي هذه الآية احتجاج على مشركي العرب لأنهم لم يكونوا مؤمنين بالبعث، فأعلمهم النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الخبر الذي لا يجوز أن يعلمه إلا من قرأ الكتب أو أوحى إليه، وقد علم المشركون أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمّيّ وأن أهل الكتاب يعلمون -وهم يخالفونه- أن ما أخبر به من هذه الأقاصيص حق.
{قالوا أتتّخذنا هزوا} فانتفى موسى من الهزؤ، لأن الهازئ جاهل لاعب فقال: {أعوذ باللّه أن أكون من الجاهلين} فلما وضح لهم أنه من عند الله {قالوا ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما هي} وإنّما سألوا ما هي؟ لأنهم لا يعلمون أن بقرة يحيا بضرب بعضها ميت). [معاني القرآن: 1 / 149 -150]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {لاّ فارضٌ ولا بكرٌ عوانٌ بين ذلك...}
و"العوان" ليست بنعتٍ للـ"بكر"؛ لأنها ليست بهرمة ولا شابّة؛ انقطع الكلام عند قوله: {ولا بكرٌ} ثم استأنف فقال: {عوانٌ بين ذلك} و"العوان" يقال منه: قد عوّنت.
و"الفارض": قد فَرَضَت، وبعضهم: قد فَرُضَت.
وأما "البكر" فلم نسمع فيها بفعل؛ والبكر يكسر أوّلها إذا كانت بكرا من النّساء، والبكر مفتوح أوّله من بكارة الإبل.
ثم قال {بين ذلك} و"بين" لا تصلح إلاّ مع اسمين فما زاد، وإنمّا صلحت مع "ذلك" وحده؛ لأنّه في مذهب اثنين، والفعلان قد يجمعان بـ"ذلك" و"ذاك"؛ ألا ترى أنّك تقول: أظنّ زيدا أخاك، وكان زيدٌ أخاك، فلا بدّ لـ"كان" من شيئين، ولا بدّ لـ"أظن" من شيئين، ثم يجوز أن تقول: قد كان ذاك، وأظنّ ذلك.
وإنما المعنى في الاسمين اللذين ضمّهما "ذلك": بين الهرم والشّباب.
ولو قال في الكلام: بين هاتين، أو بين تينك، يريد الفارض والبكر كان صوابا، ولو أعيد ذكرهما لم يظهر إلا بتثنية؛ لأنهما اسمان ليسا بفعلين، وأنت تقول في الأفعال فتوحّد فعلهما بعدها. فتقول: إقبالك وإدبارك يشقّ عليّ، ولا تقول: أخوك وأبوك يزورني.
ومما يجوز أن يقع عليه "بين" وهو واحدٌ في اللّفظ مما يؤدّى عن الاثنين فما زاد قوله: {لا نفرّق بين أحدٍ منهم} ولا يجوز: لا نفرق بين رجل منهم؛ لأنّ "أحدا" لا يثنّى كما يثنى الرجل ويجمع، فإن شئت جعلت "أحدا" في تأويل اثنين، وإن شئت في تأويل أكثر؛ من ذلك قول الله عزّ وجلّ: {فما منكم من أحدٍ عنه حاجزين} وتقول: بين أيّهم المال؟ وبين من قسم المال؟ فتجرى "من" و"أيّ" مجرى أحد، لأنّهما قد يكونان لواحد ولجمع). [معاني القرآن: 1 / 44 -45]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({إنّها بقرةٌ لا فارضٌ ولا بكرٌ عوانٌ}
{لا فارض}: مسنّة، {ولا بكر}: صغيرة. {بين ذلك}: والعرب تقول: لا كذا ولا كذا ولكن بين ذلك؛ فمجاز هذه الآية: بين هذا الوصف، ولذلك قال: {بين ذلك}، وقال رؤبة:

فيها خطوطٌ من سوادٍ وبلق

فـ"الخطوط" مؤنثة و"السواد" و"البلق" اثنان، ثم قال:

كأنه في الجلد توليع البهق

قال أبو عبيدة: فقلت لرؤبة: إن كانت خطوط فقل: كأنها، وإن كان سواد وبلق فقل: كأنهما، فقال: كأنّ ذاك ويلك توليع البهق، ثم رجع إلى السواد والبلق والخطوط فقال:

يحسبن شاماً أو رقاعاً من بنق

جماعة "شأمة"). [مجاز القرآن: 1 / 43 -44]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({قالوا ادع لنا ربّك يبيّن لّنا ما هي قال إنّه يقول إنّها بقرةٌ لاّ فارضٌ ولا بكرٌ عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون}
أما قوله: {إنّها بقرةٌ لاّ فارضٌ ولا بكرٌ عوان} فارتفع ولم يصر نصبا كما ينتصب النفي، لأن هذه صفة في المعنى للبقرة. والنفي المنصوب لا يكون صفة من صفتها، إنما هو اسم مبتدأ وخبره مضمر، وهذا مثل قولك: "عبد اللّه لا قائمٌ ولا قاعدٌ" أدخلت "لا" للمعنى وتركت الإعراب على حاله لو لم يكن فيه "لا"). [معاني القرآن: 1 / 79]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله {لا فارض ولا بكر عون} فالفارض: العظيمة، وقد فرضت تفرض فروضًا، وفرضت أيضًا؛ وقالوا: الحية فارضة؛ أي ضخمة عظيمة؛ وكان ابن عباس يقول: الفارض الهرمة.
وقال الراجز:
لها زجاج ولهاة فارض = حدلاء كالوطب نحاه الماخض
وقال الآخر:
شيب أصداغي فرأسي أبيض = محامل فيها رجال فرض
كأنها هاهنا العظام.
وقال خفاف بن ندبة:
لعمري لقد أعطيت ضيفك فارضا تساق إليه ما تقوم على رجل
[معاني القرآن لقطرب: 317]
وأما العوان فالنصف؛ وهو قول ابن عباس؛ عونت تعوينا.
وقال زهير بن أبي سلمى:
إذا شمرت حرب عوان مضرة = ضروس تهر الناس أنيابها عصل
أي حرب شديدة، ليست بالصغيرة ولا الهرمة.
وأما البكر والثني للثاني: فإنه يقال للناقة والفرس وكل ذات رحم، كما يقال للناس.
والدرة التي لم تثقب؛ يقال لها: بكر.
وقال امرئ القيس:
كبكر المقاناة البياض بصفرة = غذاها نمير الماء غير محلل
قال أبو علي: كأنه يريد هاهنا الدرة.
وقالوا: بكر بينة البكارة). [معاني القرآن لقطرب: 318]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({إنها بقرة لا فارض}: لا مسنة، كما يقال: فرضت تفرض، إذا أسنت.
{ولا بكر} أي: لا صغيرة). [غريب القرآن وتفسيره: 72-73]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({لا فارضٌ} أي: لا مسنّة، يقال: فرضت البقرة فهي فارض، إذا أسنّت. قال الشاعر:


يا ربّ ذي ضغن وضب فارض لــــــه قــــــروء كـــقـــروء الــحــائــض

أي: ضغن قديم.
{ولا بكرٌ} أي: ولا صغيرة لم تلد، ولكنها {عوانٌ بين} تينك.
ومنه يقال في المثل: «العوان لا تعلّم الخمرة» يراد أنها ليست بمنزلة الصغيرة التي لا تحسن أن تختمر). [تفسير غريب القرآن: 52 -53]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({قال إنه يقول إنّها بقرة لا فارض ولا بكر}
ارتفع {فارض} بإضمار هي، ومعنى {لا فارض}: لا كبيرة، {ولا بكر}: لا صغيرة، أي: ليست بكبيرة ولا صغيرة.
{عوان} العوان: دون المسنة وفوق الصغيرة.
ويقال من الفارض: فرضت تفرض فروضا، ومن العوان: قد عوّنت تعوّن، ويقال: حرب عوان، إذا لم تكن أول حرب وكانت ثانية. قال زهير:

إذا لقحـت حـرب عـوان مـضـرّة ضروس تهرّ الناس أنيابها عصل

ومعنى {بين ذلك} بين البكر والفارض، وبين الصغيرة والكبيرة وإنما جاز {بين ذلك} و "بين" لا يكون إلا مع اثنين أو أكثر، لأن ذلك ينوب عن الخمل، فتقول: ظننت زيدا قائما، فيقول القائل: "ظننت ذلك"). [معاني القرآن: 1 / 150]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): (وكل عوان فهو بعد شيء، يقال: حرب عوان، إذا كانت قبلها حرب، هذا أصل العوان، والعوان -في غير هذا من الحيوان-: الشيء بين الشيئين، لا كبير ولا صغير). [ياقوتة الصراط: 174]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({لا فارض} لا مسنة، {ولا بكر} صغيرة، {عوان} أي: بين صغيرة وكبيرة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 29]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ("الفَارِض": المسنة. "البِكْر": الصغيرة). [العمدة في غريب القرآن: 77]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ادع لنا ربّك يبيّن لّنا ما لونها...}
"الّلون" مرفوعٌ؛ لأنك لم ترد أن تجعل "ما" صلةً فتقول: (بيّن لنا ما لونها)، ولو قرأ به قارئٌ كان صوابا، ولكنه أراد -والله أعلم-: ادع لنا ربك يبيّن لنا أي شيء لونها، ولم يصلح للفعل الوقوع على "أيّ"؛ لأن أصل "أيّ" تفرّق جمع من الاستفهام، ويقول القائل: بين لنا أسوداء هي أم صفراء؟ فلما لم يصلح للتّبيّن أن يقع على الاستفهام في تفرّقه لم يقع على أيّ؛ لأنها جمع ذلك المتفرّق، وكذلك ما كان في القرآن مثله، فأعمل في "ما" "وأيّ" الفعل الذي بعدهما، ولا تعمل الذي قبلهما إذا كان مشتقّاً من العلم؛ كقولك: ما أعلم أيّهم قال ذاك، ولا أعلمنّ أيّهم قال ذاك، وما أدري أيّهم ضربت، فهو في العلم والإخبار والإنباء وما أشبهها على ما وصفت لك.
منه قول الله تبارك وتعالى: {وما أدراك ما هيه}، {وما أدراك ما يوم الدّين} "ما" الثانية رفعٌ، فرفعتها بـ"يوم"؛ كقولك: ما أدراك أي شيء يوم الدّين، وكذلك قول الله تبارك وتعالى: {لنعلم أي الحزبين أحصى} رفعته بـ"أحصى"، وتقول -إذا كان الفعل واقعا على "أيّ"-: ما أدرى أيّهم ضربت.
وإنما امتنعت من أن توقع على "أي" الفعل الذي قبلها من العلم وأشباهه؛ لأنك تجد الفعل غير واقع على "أي" في المعنى؛ ألا ترى أنك إذا قلت: اذهب فاعلم أيّهما قام، أنك تسأل غيرهما عن حالهما فتجد الفعل واقعا على الذي أعلمك، كما أنك تقول: سل أيّهم قام، والمعنى: سل الناس أيّهم قام. ولو أوقعت الفعل على "أيّ" فقلت: اسأل أيّهم قام، لكنت كأنك تضمر أيّاً مرّة أخرى؛ لأنك تقول: سل زيدا أيّهم قام، فإذا أوقعت الفعل على زيد فقد جاءت "أيّ" بعده. فكذلك "أيّ" إذا أوقعت عليها الفعل خرجت من معنى الاستفهام، وذلك إن أردته جائز، تقول: لأضربنّ أيّهم يقول ذاك؛ لأنّ الضرب لا يقع على [اسم ثم يأتي بعد ذلك استفهام، وذلك لأن الضرب لا يقع على] اثنين، وأنت تقول في المسألة: سل عبد الله عن كذا، كأنك قلت: سله عن كذا، ولا يجوز ضربت عبد الله كذا وكذا، إلا أن تريد صفة الضرب، فأما الأسماء فلا.
وقول الله: {ثمّ لننزعنّ من كلّ شيعةٍ أيّهم أشدّ على الرّحمن عتيّاً} من نصب (أيّاً) أوقع عليها النزع وليس باستفهام، كأنه قال: ثم لنستخرجن العاتي الذي هو أشد. وفيها وجهان من الرفع:
أحدهما: أن تجعل الفعل مكتفيا بـ"من" في الوقوع عليها، كما تقول: قد قتلنا من كل قوم، وأصبنا من كل طعام، ثم تستأنف أيّاً فترفعها بالذي بعدها، كما قال جلّ وعزّ: {يبتغون إلى ربّهم الوسيلة أيّهم أقرب} أي ينظرون أيّهم أقرب. ومثله {يلقون أقلامهم أيّهم يكفل مريم}.
وأما الوجه الآخر: فإن في قوله تعالى: {ثم لننزعنّ من كلّ شيعةٍ} لننزعن من الذين تشايعوا على هذا، ينظرون بالتشايع أيهم أشدّ وأخبث، وأيهم أشدّ على الرحمن عتيّاً، والشيعة ويتشايعون سواء في المعنى.
وفيه وجه ثالث من الرفع: أن تجعل {ثمّ لننزعنّ من كلّ شيعةٍ} بالنداء؛ أي: لننادين أيّهم أشدّ على الرّحمن عتيّاً، وليس هذا الوجه يريدون.
ومثله مما تعرفه به قوله: {أفلم ييأس الّذين آمنوا أن لو يشاء اللّه لهدى النّاس جميعاً}، فقال بعض المفسرين: {أفلم ييأس الّذين آمنوا}: ألم يعلم، والمعنى -والله أعلم-: أفلم ييأسوا علما بأن الله لو شاء لهدى الناس جميعا. وكذلك {لننزعنّ} يقول: يريد ننزعهم بالنداء).
[معاني القرآن: 1 / 46 -48]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({بقرةٌ صفراء} إن شئت صفراء، وإن شئت سوداء، كقوله: {جمالاتٌ صفر} أي: سود. {فاقعٌ لونها} أي: ناصع). [مجاز القرآن: 1 / 44]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({قالوا ادع لنا ربّك يبيّن لّنا ما لونها قال إنّه يقول إنّها بقرةٌ صفراء فاقعٌ لّونها تسرّ النّاظرين}
أما قوله: {بقرةٌ صفراء فاقعٌ} فـ"الفاقع": الشديد الصفرة. ويقال: "أبيض يققٌ": أي: شديد البياض، و"لهاقٌ" و"لهقٌ" و"لهاقٌ"، و"أخضر ناضرٌ" و"أحمر قانئٌ" و"ناصعٌ" و"فاقمٌ". ويقال: "قد قنأت لحيته فهي تقنأ قنوءا" أي: احمّرت. قال الشاعر:


.............كما قنأت أنامل صاحب الكرم


و "قاطف الكرم". وقال آخر:


من خمرّ ذي نطفٍ أغنّ كأنّما قــنــأت أنـامــلــه مـــــن الـفــرصــاد

). [معاني القرآن: 1 / 79 -80]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله {صفراء فاقع لونها} فقال بعضهم: كل ناصع اللون فهو فاقع، من بياض أو غيره؛ وقالوا: فقع يفقع فقوعًا، إذا اشتد بياضه؛ وقالوا أيضًا: فقع لونه، يفقع فقعًا إذا احمر؛ وقالوا: أحمر فقاعي، وأحمر فاقع، وحانط، وقد حنط لونه، وهو شدة الحمرة.
وقال أمية:
كأن كسورها غيم خفيف = تلألأ مثل ما فقع الأديم
وقالوا: أحمر قانئ يا هذا، وعانك، وذريحي؛ وأحمر ناكع، وأحمر قاتم؛ إذا اشتدت حمرته حتى يضرب إلى السواد.
وقالوا: أصفر فاقع، وأصفر مزهر.
[معاني القرآن لقطرب: 318]
وقالوا: أسود غربيب، وحلكوك وحلكوك، ودحوحي، وحلبوت وحلبوت؛ ومثل حنك للغراب، وأسود حانك وحالك، وقد حللك حلكا: اشتد سواده.
وأبيض لهق يقق، ولياح.
وأخضر ناضر، لم أسمع غيره؛ إلا أنهم يقولون: إنه لناصع الخضرة). [معاني القرآن لقطرب: 319]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({بقرة صفراء} قالوا: سوداء. كقوله {جمالات صفر} أي: سود. {فاقع لونها}: أي ناصع). [غريب القرآن وتفسيره: 73]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({صفراء فاقعٌ لونها} أي: ناصع صاف.
وقد ذهب قوم إلى أن الصفراء: السوداء، وهذا غلط في نعوت البقر. وإنما يكون ذلك في نعوت الإبل؛ يقال: بعير أصفر، أي أسود، وذلك أن السّود من الإبل يشوب سوادها صفرة. قال الشاعر:

تلك خيلي منه وتلك ركابيهـنّ صفـر أولادهـا كالزّبيـب

أي: سود.
ومما يدلك على أنه أراد الصفرة بعينها قوله {فاقع لونها}، والعرب لا تقول: أسود فاقع -فيما أعلم-، إنما تقول: أسود حالك، وأحمر قاني وأصفر فاقع). [تفسير غريب القرآن: 53 -54]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {قالوا ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما لونها قال إنه يقول إنّها بقرة صفراء فاقع لونها تسرّ النّاظرين}
موضع (ما) رفع بالابتداء، لأن تأويله الاستفهام، كقولك: ادع لنا ربك يبين لنا أيّ شيء لونها، ومثله {فلينظر أيّها أزكى طعاما}.
ولا يجوز في القراءة {ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما لونها} على أن يجعل (ما) لغوا، ولا يقرأ القرآن إلا كما قرأت القرّاء المجمع عليهم في الأخذ عنهم.
{قال إنه يقول إنها} ما بعد القول من باب "إن" مكسور أبدا، كأنك تذكر القول في صدر كلامك، وإنما وقعت "قلت" في كلام العرب أن يحكى بها ما كان كلاما يقوم بنفسه قبل دخولها فيؤدي مع ذكرها ذلك اللفظ، تقول: قلت زيد منطلق. كأنك قلت: زيد منطلق، وكذلك: إن زيدا منطلق، لا اختلاف بين النحويين في ذلك، إلا أن قوما من العرب -وهم بنو سليم- يجعلون باب "قلت" أجمع كباب "ظننت"، فيقولون: قلت زيدا منطلقا، فهذه لغة لا يجوز أن يوجد شيء منها في كتاب الله عزّ وجلّ، ولا يجوز (قال أنه يقول إنها)، لا يجوز إلا الكسر.
وأمّا قوله عزّ وجلّ: {صفراء فاقع لونها}
{فاقع} نعت للأصفر الشديد الصفرة، يقال: أصفر فاقع وأبيض ناصع وأحمر قان، قال الشاعر:


يسقي بها ذو تومتين كأنما قنـأت أنامـلـه مــن الفـرصـاد


أي: احمرت حمرة شديدة، ويقال: أحمر قاتم وأبيض يقق، ولهق ولهاق، وأسود حالك وحلوك وحلوكي ودجوجي، فهذه كلها صفات مبالغة في الألوان، وقد قالوا: إن {صفراء} ههنا: سوداء.
ومعنى {تسر الناظرين} أي: تعجب الناظرين). [معاني القرآن: 1 / 150 -152]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت 437هـ): ({صفراء}: سوداء، وقيل: هي صفراء وليست سوداء. {فاقع} أي: ناصع). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 29]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({صَفْرَاء}: سوداء، وقيل: صفراء حتى قرنها وظلفها. {فَاقِعٌ}: ناصع). [العمدة في غريب القرآن:77-78]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({قالوا ادع لنا ربّك يبيّن لّنا ما هي إنّ البقر تشابه علينا وإنّا إن شاء اللّه لمهتدون}
أما قوله: {إنّ البقر تشابه علينا} [فـ] جعل "البقر" مذكرا مثل "التمر" و"البسر"، كما تقول: إنّ زيداً تكلم يا فتى.
وإن شئت قلت (يشّابه) وهي قراءة مجاهد.
ذكّر "البقر" يريد {يتشابه} ثم أدغم التاء في الشين. ومن أنّث "البقر" قال: {تشّابه} فادغم، وإن شاء حذف التاء الآخرة ورفع كما تقول "إنّ هذه تكلّم يا فتى" لأنها في "تتشابه" إحداهما تاء "تفعل" والأخرى التي في "تشابهت" فهو في التأنيث معناه "تفعل". وفي التذكير معناه "فعل" و"فعل" أبدا مفتوح كما ذكرت لك والتاء محذوفة إذا أردت التأنيث لأنك تريد "تشابهت فهي تتشابه" وكذلك كل [ما كان] من نحو "البقر" ليس بين الواحد والجماعة [فيه] إلا الهاء، فمن العرب من يذكره ومنهم من يؤنثه، ومنهم من يقول: "هي البرّ والشعير" وقال: {والنّخل باسقاتٍ لّها طلعٌ نّضيدٌ} فأنث على تلك اللغة وقال: {باسقات} فجمع لأن المعنى جماعة.
وقال الله -جل ثناؤه-: {ألم تر أنّ اللّه يزجي سحاباً ثمّ يؤلّف بينه} فذكر في لغة من يذكر، وقال: {وينشئ السّحاب الثّقال} فجمع على المعنى لأن المعنى معنى سحابات، وقال: {ومنهم مّن ينظر إليك}، وقال: {ومنهم مّن يستمعون إليك} على المعنى واللفظ.
وقد قال بعضهم: (إنّ الباقر) مثل "الجامل"، يعني: "البقر" و"الجمال" قال الشاعر:

مالي رأيتك بعد أهلك موحشا خلقـاً كحـوض الباقـر المتهـدّم

وقال:

[فإن تك ذا شاءٍ كثيرٍ فإنّهـم]ذوو جاملٍ لا يهدأ اللّيل سامره

وأما قوله: {إنّها بقرةٌ لاّ ذلولٌ تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلّمةٌ}
{مسلمة} على "إنّها بقرةٌ مسلّمةٌ"). [معاني القرآن: 1 / 80 -82]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن "إن البقر تشابه علينا"، يرفع الهاء و"يشابه علينا" مدغم.
قراءة عمرو بن عبيد وعيسى بن عمر "تشابه علينا" بالتاء والتشديد ورفع الهاء.
أبو عمرو {تشابه علينا} مفتوح؛ أي تشابهت علينا.
محمد ذو الشامة "إن الباقر" يريد البقر). [معاني القرآن لقطرب: 250]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة الحسن "تشابه" بتشديد الشين ورفع الهاء، بمعنى الاستقبال، تتشابه؛ وأنهم يقولون: البقر والبقير والأبقور والبيقور والباقر، على قراءة محمد ذي الشامة للبقر كله.
قال الأعشى - على قراءة محمد -:
فما ذنبه أن عافت الشرب باقر = وما أن تعاف الشرب إلا لتضربا
وقال حميد الأرقط:
إذا هاجه الربع على سقامه = قفرًا سوى الباقر أو أرآمه). [معاني القرآن لقطرب: 319]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {مسلّمةٌ لا شية فيها...} غير مهموز؛ يقول: ليس فيها لونٌ غير الصّفرة.
وقال بعضهم: هي صفراء حتى ظلفها وقرنها أصفران). [معاني القرآن: 1 / 48]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({إنّها بقرةٌ لا ذلولٌ تثير الارض ولا تسقى الحرث مسلّمةٌ لاشية فيها} أي: لون سوى لون جميع جلدها). [مجاز القرآن: 1 / 44]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({قالوا الآن جئت بالحقّ} أي: الآن تبّينا ذلك، ولم تزل جائياً بالحق). [مجاز القرآن: 1 / 44]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({قال إنّه يقول إنّها بقرةٌ لاّ ذلولٌ تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلّمةٌ لاّ شية فيها قالوا الآن جئت بالحقّ فذبحوها وما كادوا يفعلون}
{لاّ شية فيها} يقول: "لا وشي فيها" من "وشيت شيةً" كما تقول: "وديته ديةً" و"وعدته عدةً".
وإذا استأنفت (ألآن) قطعت الألفين جميعا، لأن الألف الأولى مثل ألف "الرّجل" وتلك تقطع إذا استؤنفت، والأخرى همزة ثابتة تقول "ألآن" فتقطع ألف الوصل، ومنهم من يذهبها ويثبت الواو التي في {قالوا} لأنه إنّما كان يذهبها لسكون اللام، واللام قد تحرّكت لأنه قد حوّل عليها حركة الهمزة). [معاني القرآن: 1 / 82]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قوله {لا ذلول}، قراءة لبعضهم "لا ذلول تثير الأرض" بالنصب بغير تنوين.
قراءة العامة {لا ذلول} لأنها صفة للبقرة التي ذكر؛ فقد قصد إليها، فقال: هذا كقولك: هذا رجل لا ظريف ولا عاقل؛ وقد يجوز أن يكون أراد: لا ذلول مثلها أو في موضعها؛ فتدخل هي في المعنى، وليست الصفة لها، وهذا شبيه بهذا البيت:
ولقد أكون من الفتاة بمنزل = فأبيت لا حرج ولا محروم
كأنه قال: لا حرج ولا محروم في موضع ذلك، وهو واحد منه، وكذلك {لا ذلول} ). [معاني القرآن لقطرب: 251]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله {لا ذلول}، وقرأ بعضهم {لا ذلول} فقال: الذلول: الخاضعة من الدواب، بينة الذل والذل، وقد ذلت، ذلا وذلا وذلالة.
[معاني القرآن لقطرب: 319]
وقوله عز وجل {لا شية فيها} فلا لون فيها مخالف للونها؛ فتلك الشية، من: وشيت الثوب أشيه شية؛ ووشيت بين الناس وشاية: أفسدت بينهم). [معاني القرآن لقطرب: 320]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله عز وجل {لا ذلول تثير} قرأ بعضهم: "لا ذلول"؛ كأنه قال: لا ذلول مثلها؛ أو في موضع "الذي"، فيدخل في ذلك المعنى؛ وإلا فإن المعنى الأكثر الرفع؛ لأنه قد قصد إليها، كقولك: إنها امرأة لا جميلة ولا عاقلة؛ فهذا رفع كالآية في المعنى). [معاني القرآن لقطرب: 416]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({لا شية فيها}: لا لون فيها سوى لون جلدها.
وقال بعضهم: هي صفراء حتى ظلفها وقرنها أصفران). [غريب القرآن وتفسيره: 74]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({لا ذلولٌ} يقال في الدّواب: دابّة ذلول بيّنة الذل -بكسر الذال-، وفي الناس: رجل ذليل بيّن الذّل -بضم الذال-.
{تثير الأرض} أي: تقلّبها للزراعة، ويقال للبقرة: المثيرة.
{ولا تسقي الحرث} أي: لا يسنى عليها فيستقي بها الماء لسقي الزرع.
{مسلّمةٌ} من العمل.
{لا شية فيها} أي: لا لون فيها يخالف معظم لونها، كالقرحة والرثمة والتحجيل، وأشباه ذلك.
و"الشّية": مأخوذة من وشيت الثوب فأنا أشيه، وهي من المنقوص أصلها "وشية" مثل: "زنة" و"عدة"). [تفسير غريب القرآن: 54]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {قال إنه يقول إنّها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلّمة لا شية فيها قالوا الآن جئت بالحقّ فذبحوها وما كادوا يفعلون} معناه: ليست بذلول ولا مثيرة.
وقوله: {ولا تسقي الحرث} يقال: سقيته إذا ناولته فشرب، وأسقيته جعلت له سقيا، فيصح ههنا (ولا تُسقي) بالضم.
وقوله: {لا شية فيها} أي: ليس فيها لون يفارق لونها، و"الوشي" في اللغة: خلط لون بلون وكذلك في الكلام، يقال: وشيت الثوب أشيه شية ووشيا، كقولك: وديت فلانا أديه دية، ونصب {لا شية} فيه على النّفي، ولو قرئ (لَا شيةٌ) فيها لجاز، ولكن القراءة بالنصب.
وقوله: {الآن جئت بالحقّ} فيه أربعة أوجه حكى بعضها الأخفش:
فأجودها: (قالوا الآن) بإسكان اللام وحذف الواو من اللفظ، وزعم الأخفش أنه يجوز قطع ألف الوصل ههنا فيقول: (قالوا ألآن جئت بالحقّ) وهذه رواية، وليس له وجه في القياس ولا هي عندي جائز، ولكن فيها وجهان غير هذين الوجهين -وهما جيدان في العربية-:
يجوز: (قالوا لآن) على إلقاء الهمزة، وفتح اللام من الآن، وترك الواو محذوفة لالتقاء الساكنين، ولا يعتد بفتحة اللام.
ويجوز: (قالوا لان جيت بالحق) ولا أعلم أحدا قرأ بها، فلا يقرأن بحرف لم يقرأ به وإن كان ثابتا في العربية.
والذين أظهروا الواو: أظهروها لحركة اللام لأنهم كانوا حذفوها لسكونها، فلما تحركت ردوها.
والأجود في العربية حذفها؛ لأن قرأ (ب تقول "الأحمر"، ويلقون الهمزة فيقولون "لحمر" فيفتحون اللام ويقرأون ألف الوصل لأن اللام في نية السكون، وبعضهم يقول "لحمر" ولا يقرّ ألف الوصل يريد: الأحمر.
فأمّا نصب {الآن} فهي حركة لالتقاء السّاكنين، ألا ترى أنك تقول: أنا الأن أكرمك، وفي الآن فعلت كذا وكذا، وإنما كان في الأصل مبنيا وحرك لالتقاء السّاكنين.
وبنى {الآن} وفيه الألف واللام، لأن الألف واللام دخلتا بعهد غير متقدم. إنما تقول: الغلام فعل كذا، إذا عهدته أنت ومخاطبتك، وهذه الألف واللام تنوبان عن معنى الإشارة. المعنى أنت إلى هذا الوقت تفعل، فلم يعرب {الآن} كما لا يعرب هذا). [معاني القرآن: 1 / 152 -153]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): (و"الشية": لون مخالف لسائر الجلد). [ياقوتة الصراط: 174]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({لا شية} أي: لا لون فيها سوى لون جلدها). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 29]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ("الشِيَةَ": اختلاط الألوان.
{لاَّ ذَلُولٌ}: لا تمتهن بالعمل. {تُثِيرُ}: تقلع. {الْحَرْثَ}: الزرع.{مُسَلَّمَةٌ}: مسلمة من كل عمل). [العمدة في غريب القرآن: 78]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {وإذ قتلتم نفساً فادّارأتم فيها...}، وقوله: {وإذ واعدنا موسى أربعين ليلةً}، {وإذ فرقنا بكم البحر} يقول القائل: وأين جواب "إذ" وعلام عطفت؟ ومثلها في القرآن كثيرٌ بالواو ولا جواب معها ظاهرٌ؟
والمعنى -والله أعلم- على إضمار "واذكروا إذ أنتم" أو "إذ كنتم" فاجتزئ بقوله: "اذكروا" في أوّل الكلام، ثم جاءت "إذ" بالواو مردودةً على ذلك.
ومثله من غير "إذ" قول الله: {وإلى ثمود أخاهم صالحاً} وليس قبله شيء تراه ناصباً لـ"صالح"؛ فعلم بذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- والمرسل إليه أنّ فيه إضمار "أرسلنا"، ومثله قوله: {ونوحاً إذ نادى من قبل}، {وذا النّون إذ ذهب مغاضباً}، {وإبراهيم إذ قال لقومه} يجرى هذا على مثل ما قال في "ص": {واذكر عبادنا إبراهيم وإسحق} ثم ذكر الأنبياء الذين من بعدهم بغير "واذكر" لأنّ معناهم متّفق معروفٌ، فجاز ذلك. ويستدل على أنّ "واذكروا" مضمرة مع "إذ" أنه قال: {واذكروا إذ أنتم قليلٌ مستضعفون في الأرض}، {واذكروا إذ كنتم قليلاً فكثّركم} فلو لم تكن ها هنا "واذكروا" لاستدللت على أنّها تراد؛ لأنّها قد ذكرت قبل ذلك.
ولا يجوز مثل ذلك في الكلام بسقوط الواو إلاّ أن يكون معه جوابه متقدّما أو متأخّرا؛ كقولك: ذكرتك إذ احتجت إليك أو إذ احتجت ذكرتك). [معاني القرآن: 1 /35]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فادّارأتم فيها}: اختلفتم فيها، من التدارئ والدرء). [مجاز القرآن: 1 /45]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وإذ قتلتم نفساً فادّارأتم فيها واللّه مخرجٌ مّا كنتم تكتمون}
أما قوله: {وإذ قتلتم نفساً فادّارأتم فيها} فإنما هي "فتدارأتم"، ولكن التاء تدغم -أحياناً- كذا في الدال لأن مخرجها من مخرجها، فلما أدغمت فيها حوّلت فجعلت دالا مثلها، وسكنّت فجعلوا ألفاً قبلها حتى يصلوا إلى الكلام بها كما قالوا: "اضرب" فألحقوا الألف حين سكنت الضاد.
ألا ترى أنك إذا استأنفت قلت "ادّارأتم" ومثلها {يذّكّرون} و{تذّكّرون} [و] {أفلم يدّبّروا القول} ومثله في القرآن كثير، وإنما هو "يتدبّرون" فأدغمت التاء في الدال، لأن التاء قريبة المخرج من الدال، مخرج الدال بطرف اللسان وأطراف الثنيتين، ومخرج التاء بطرف اللسان وأصول الثنيتين. فكل ما قرب مخرجه فافعل به هذا، ولا تقل في "يتنزّلون": "ينّزّلون" لأن النون ليست من حروف الثنايا كالتاء). [معاني القرآن: 1 /82]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {فادارأتم فيها} فإنما هي دأرأت الرجل مدارءة، من درأت الرجل عني: دفعته؛ {ويدرأ عنها العذاب} من ذلك؛ أي يدفعه عنها). [معاني القرآن لقطرب: 320]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({فادارأتم فيها} أي: اختلفتم فيها). [غريب القرآن وتفسيره: 74]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فادّارأتم فيها}: اختلفتم، والأصل: تدارأتم، فأدغمت التاء في الدال، وأدخلت الألف ليسلم السكون للدال الأولى، يقال: كان بينهم تدارؤا في كذا، أي: اختلاف.
ومنه قول القائل في رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلم-: «كان شريكي فكان خير شريك؛ لا يماري ولا يداري» أي: لا يخالف).
[تفسير غريب القرآن: 54 -55]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذ قتلتم نفسا فادّارأتم فيها واللّه مخرج ما كنتم تكتمون} معناه: فتدارأتم فيها، أي: تدافعتم، أي: ألقى بعضكم على بعض، يقال: "درأت فلانا" إذا دافعته، و"داريته" إذا لاينته، و"درّيته" إذا ختلته، ولكن التاء أدغمت في الدال لأنها من مخرج واحد، فلما أدغمت سكنت فاجتلبت لها ألف الوصل، فتقول: "ادارأ القوم" أي: تدافع القوم.
وقوله عزّ وجلّ: {مخرج ما كنتم تكتمون} الأجود في {مخرجٌ} التنوين؛ لأنه إنما هو لما يستقبل أو للحال، ويجوز حذف التنوين استخفافا فيقرأ(مخرجُ ما كنتم تكتمون)، فإن كان قرئ به وإلا فلا يخالف القرآن كما شرحنا.
وقوله عزّ وجلّ: {إن البقر تشابه علينا} القراءة في هذا على أوجه،
فأجودها والأكثر {تشابه علينا} على فتح الهاء والتخفيف، ويجوز "تشّابه علينا"، و"يشّابه علينا" بالتاء والياء.
وقد قرئ "إن الباقر يشّابه علينا" والعرب تقول في جمع "البقر والجمال": "الباقر والجامل"، يجعلونه اسما للجنس، قال طرفة بن العبد:

وجــامـــل خـــــوّع مـــــن نــيــبــهزجر المعلّى أصلا والسفيح

ويروي "مني به" وهو أكثر الرواية، وليس بشيء، وقال الشاعر:

ما لي رأيتك بعد عهدك موحشا خلـقـا كـحـوض البـاقـر المتـهـدم

وما كان مثل بقرة وبقر، ونخلة ونخل، وسحابة وسحاب، فإن العرب تذكره وتؤنثه، فتقول: هذا بقر وهذه بقر، وهذا نخل وهذه نخل.
فمن ذكّر؛ فلأن في لفظ الجمع أن يعبر عن جنسه، فيقال: فتقول هذا جمع، وفي لفظه أن يعبر عن الفرقة والقطعة، فتقول: هذه جماعة وهذه فرقة، قال اللّه عزّ وجلّ: {ألم تر أنّ اللّه يزجي سحابا ثمّ يؤلّف بينه} فذكر، وواحدته "سحابة"، وقال: {والنخل باسقات} فجمع على معنى جماعة، ولفظها واحد.
فمن قرأ (إن البقر تشابه علينا) فمعناه أن (جماعة البقر تتشابه علينا)، فأدغمت التاء في الشين لقرب مخرج التاء من الشين، ومن قرأ (تشّابه علينا) أراد (تتشابه)، فحذف التاء الثانية لاجتماع تاءين كما قرئ {لعلكم تذكرون}، ومن قرأ (يشّابه علينا) -بالياء- أراد جنس البقر -أيضا-، والأصل (يتشابه علينا)، فأدغم التاء في الشين). [معاني القرآن: 1 / 153 -155]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({فادرأتم}: اختلفتم وتدافعتم. و"الدرء": الدفع). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 29]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({فَادَّارَأْتُمْ}: اختلفتم). [العمدة في غريب القرآن: 78]

تفسير قوله تعالى: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {فقلنا اضربوه ببعضها...} يقال: إنه ضرب بالفخذ اليمنى، وبعضهم يقول: ضرب بالذّنب.
ثم قال الله عزّ وجلّ: {كذلك يحيي اللّه الموتى} معناه -والله أعلم-: {اضربوه ببعضها} فيحيا {كذلك يحيي اللّه الموتى}، أي: اعتبروا ولا تجحدوا بالبعث، وأضمر "فيحيا"، كما قال: {أن اضرب بعصاك البحر فانفلق} والمعنى -والله أعلم-: فضرب البحر فانفلق). [معاني القرآن: 1 / 48 -49]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فقلنا اضربوه ببعضها} أي: اضربوا القتيل ببعضها، ببعض البقرة.
{ويريكم آياته} أي: عجائبه، ويقال: فلان آية من الآيات، أي: عجب من العجب، ويقال: اجعل بيني وبينك آية، أي: علامة، وآيات بينات، أي: علامات وحجج، و"الآية" من القرآن: كلام متصل إلى انقطاعه). [مجاز القرآن: 1 / 45]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({ويريكم آياته}: أي عجائبه، يقال: اجعل بيني وبينك آية، أي: علامة، و"الآية" من القرآن: كلام متصل إلى انقطاعه). [غريب القرآن وتفسيره: 74]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فقلنا اضربوه ببعضها} أي: اضربوا القتيل ببعض البقرة.
قال بعض المفسرين: فضربوه بالذّنب. وقال بعضهم: بالفخذ، فحيي). [تفسير غريب القرآن: 55]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({بِبَعْضِهَا} قيل: بالذنب، وقيل: بالفخذ. {آيَاتِهِ}: علاماته). [العمدة في غريب القرآن: 78-79]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {وإنّ من الحجارة لما يتفجّر منه الأنهار...} تذكير {منه} على وجهين:
إن شئت ذهبت به -يعني "منه"- إلى أن البعض حجرٌ، وذلك مذكر، وإن شئت جعلت البعض جمعا في المعنى فذكّرته بتذكير بعض، كما تقول للنسوة: ضربني بعضكنّ.
وإن شئت أنثته هاهنا بتأنيث المعنى كما قرأت القرّاء: {ومن يقنت منكنّ للّه} "ومن تقنت" بالياء والتاء، على المعنى، وهي في قراءة أبيّ: "وإنّ من الحجارة لما يتفجّر منها الأنهار"). [معاني القرآن: 1 / 49]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({قست قلوبكم} أي: جفت، والقاسي: الجافي اليابس). [مجاز القرآن: 1 / 45]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ثمّ قست قلوبكم مّن بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشدّ قسوةً وإنّ من الحجارة لما يتفجّر منه الأنهار وإنّ منها لما يشّقّق فيخرج منه الماء وإنّ منها لما يهبط من خشية اللّه وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون}
قال: {فهي كالحجارة أو أشدّ قسوةً}، وليس قوله: {أو أشدّ} كقولك: "هو زيدٌ أو عمرو" إنّما هذه {أو} التي في معنى الواو، نحو قولك: "نحن نأكل البرّ أو الشعير أو الأرزّ، كلّ هذا نأكل" فـ{أشدّ} ترفع على خبر المبتدأ. وإنما هو "وهي أشدّ قسوةً".
وقال بعضهم (فهْي كالحجارة) فأسكن الهاء، وبعضهم يكسرها، وذلك أن لغة العرب في "هي" و"هو" ولام الأمر، إذا كان قبلهن واو أو فاء أسكنوا أوائلهن، ومنهم من يدعها، قال: (وَهُوَ اللّه لا إله إلاّ هو) [و] قال: (وَهُوَ العزيز الحكيم). [و] قال: وَ(لِيَتُوبوا) وقف وكسر. وقال: (فَلِيَعْبُدُوا) وقف وكسر.
باب إنّ وأنّ.
قال: {وإنّ من الحجارة لما يتفجّر منه الأنهار وإنّ منها لما يشّقّق فيخرج منه الماء وإنّ منها لما يهبط} فهذه اللاّم لام التوكيد، وهي منصوبة تقع على الاسم الذي تقع عليه "إنّ" إذا كان بينها وبين "إنّ" حشو نحو هذا، [و] هو مثل: "إنّ في الدار لزيداً"، وتقع أيضاً في خبر "إنّ" وتصرف "إنّ" إلى الابتداء، تقول: "أشهد إنّه لظريفٌ "قال الله عزّ وجل: {واللّه يعلم إنّك لرسوله واللّه يشهد إنّ المنافقين لكاذبون}، وقال: {أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور * وحصّل ما في الصّدور * إنّ ربّهم بهم يومئذٍ لّخبيرٌ}، وهذا لو لم تكن فيه اللام كان "أنّ ربّهم" لأن "أنّ" الثقيلة إذا كانت هي وما عملت فيه بمنزلة "ذاك" أو بمنزلة اسم فهي أبدا "أنّ" مفتوحة، وإن لم يحسن مكانها وما عملت فيه اسم فهي "إنّ" على الابتداء، ألا ترى إلى قوله: {اذكروا نعمتي الّتي أنعمت عليكم وأنّي فضّلتكم على العالمين}، يقول: "اذكروا هذا" وقال: {فلولا أنّه كان من المسبّحين للبث}، لأنه يحسن في مكانه "لولا ذاك" وكل ما حسن فيه "ذاك" أن تجعله مكان "أنّ" وما عملت فيه فهو "أنّ"، وإذا قلت {يعلم إنّك لرسوله} لم يحسن أن تقول: "يعلم لذالك"، فإن قلت: اطرح اللام أيضاً وقل "يعلم ذاك"، فاللام ليست مما عملت فيه "إنّ".
وأما قوله: {إلاّ إنّهم ليأكلون الطّعام} فلم تنكسر هذه من أجل اللام، [و] لو لم تكن فيها لكانت "إنّ" أيضاً، لأنه لا يحسن أن تقول "ما أرسلنا قبلك إلاّ ذاك" و"ذاك" هو القصة، قال الشاعر:

ما أعطيانـي ولا سألتهمـا إلاّ وإني لحاجزي كرمي

فلو ألقيت من هذه اللام أيضاً لكانت "أن"، وقال: {ذلكم فذوقوه وأنّ للكافرين عذاب النّار} كأنه قال: "ذاك الأمر"، وهذا قوله: {وأنّ للكافرين عذاب النّار} تقع في مكانه "هذا"، وقال: {ذلكم وأنّ اللّه موهن كيد الكافرين} كأنه على جواب من قال: "ما الأمر"؟ أو نحو ذلك فيقول للذين يسألون: "ذلكم" كأنه قال: "ذلكم الأمر وأنّ اللّه موهن كيد الكافرين" فحسن أن يقول: "ذلكم" و"هذا"، وتضمر الخبر أو تجعله خبر مضمر.
وقال: {إنّ لك ألاّ تجوع فيها ولا تعرى * وأنّك لا تظمأ فيها ولا تضحى} لأنه يجوز أن تقول: "إنّ لك ذاك" و"هذا" وهذه الثلاثة الأحرف يجوز فيها كسر "إنّ" على الابتداء، {فنادته الملائكة.. أنّ اللّه يبشّرك} فيجوز أن تقول: "فنادته الملائكة بذاك" وإن شئت رفعته على الحكاية كأنه يقول: (فنادته الملائكة فقالت: "إنّ اللّه يبشّرك") لأنّ كلّ شيء بعد القول حكاية، تقول: (قلت: "عبد اللّه منطلقٌ") و(قلت: "إنّ عبد اللّه زيداً منطلقٌ") إلاّ في لغة من أعمل القول من العرب كعمل الظن، فذاك ينبغي [له] أن يفتح "أنّ".
وقال: {إنّ هذه أمّتكم أمّةً واحدةً} فيزعمون أنّ هذا "ولأنّ هذه أمّتكم أمّةٌ واحدةٌ وأنا ربّكّم فاتّقون" يقول: "فاتّقون لأنّ هذه أمّتكم"، وهذا يحسن فيه كَذَاكَ، فإن قلت: "كيف تلحق اللام ولم تكن في الكلام"؟
فإن طرح اللام وأشباهها من حروف الجرّ من "أنّ" حسن ألا تراه يقول "أشهد أنّك صادقٌ" وإنّما هو "أشهد على ذلك".
وقال: {وأنّ المساجد للّه فلا تدعوا مع اللّه أحداً} يقول: "فلا تدعوا مع الله أحدا لأنّ المساجد لله"، وفي هذا الإعراب ضعف، لأنه عمل فيه ما بعده، أضافه إليه بحرف الجر، ولو قلت "أنّك صالحٌ بلغني" لم يجز، وإن جاز في "ذلك"، لأنّ حرف الجر لما تقدم ضميره قوي، وقد قرئ مكسورا، قال بعضهم: إنّما هذا على {أوحي إليّ أنّه استمع نفرٌ مّن الجنّ} و"أوحي إلي أنّ المساجد للّه" و"أوحي إليّ أنه لمّا قام عبد اللّه"، وقد قرئ {وأنّه تعالى جدّ ربّنا} ففتح كل "أن" يجوز فيه على الوحي، وقال بعضهم (وإنّه تعالى جدّ ربّنا) فكسروها من قول الجن، فلما صار بعد القول صار حكاية وكذاك ما بعده مما هو من كلام الجن.
وأما "إنّما" فإذا حسن مكانها "أنّ" فتحتها، وإذا لم تحسن كسرتها، قال: {إنّما أنا بشرٌ مّثلكم يوحى إليّ أنّما إلهكم إله واحدٌ} فالآخرة يحسن مكانها "أنّ" فتقول: "يوحى إليّ أنّ إلهكم إلهٌ واحد"، قال الشاعر:


أراني -ولا كفران للّه- إنّمـا أواخي من الأقوام كلّ بخيل


لأنّه لا يحسن ههنا "أنّ" [فـ] لو قلت: "أراني أنما أواخي من الأقوام" لم يحسن. وقال:


أبلغ الحارث بن ظالم الموعـــد والـنــاذر الـنّــذور عـلـيّــا
أنّـمــا تـقـتـل الـنّـيـام، ولا تـــقــتل يقظـان ذا سـلاحٍ كميّـا


فحسن أن تقول: "أنّك تقتل النّيام".
وأمّا قوله عز وجل: {أيعدكم أنّكم إذا متٌّم وكنتم تراباً وعظاماً أنّكم مّخرجون} فالآخرة بدلٌ من الأولى.
وأمّا "إن" الخفيفة فتكون في معنى "ما" كقول الله عز وجل: {إن الكافرون إلاّ في غرورٍ} أي: ما الكافرون، وقال: {إن كان للرّحمن ولدٌ} أي: ما كان للرحمن ولد، {فأنا أول العابدين} من هذه الأمة للرّحمن، بنفي الولد عنه، أي: أنا أول العابدين بأنّه ليس للرحمن ولد، وقال بعضهم (فأنا أول العبدين) يقول: "أنا أول من يغضب من ادّعائكم للّه ولدا"، ويقول: "عبد يعبد عبدا" أي: غضب.
وقال: {وتظنّون إن لّبثتم إلاّ قليلاً} فهي مكسورة أبدا إذا كانت في معنى "ما"، وكذلك {ولقد مكّناهم فيما إن مّكّنّاكم فيه} فـ"إن" بمنزلة "ما"، و"ما" التي قبلها بمنزلة "الذي"، ويكون للمجازاة نحو قوله: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه}، {وإن تعفوا وتصفحوا}، وتزاد "إن" مع "ما"، يقولون: "ما إن كان كذا وكذا" أي: "ما كان كذا وكذا"، و"ما إن هذا زيدٌ"، ولكنها تغير "ما" "فلا ينصب بها الخبر، وقال الشاعر:

وما إن طبنا جبنٌ ولكن منـايـانـا وطـعـمـة آخـريـنـا

وتكون خفيفة في معنى الثقيلة، وهي مكسورة ولا تكون إلاّ وفي خبرها اللام، يقولون: "إن زيدٌ لمنطلقٌ" ولا يقولونه بغير لام مخافة أن تلتبس بالتي معناها "ما".
وقد زعموا أن بعضهم يقول: "إن زيداً لمنطلقٌ" يعملها على المعنى وهي مثل {إن كلّ نفسٍ لّمّا عليها حافظٌ} يقرأ بالنصب والرفع، و"ما" زيادة للتوكيد، واللام زيادة للتوكيد وهي التي في قوله: {وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين} ولكنها إنما وقعت على الفعل حين خففت كما تقع "لكن" على الفعل إذا خففت. ألا ترى أنك تقول: "لكن قد قال ذاك زيد" ولم يعرّوها من اللام في قوله: {وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين} وعلى هذه اللغة فيما نرى -والله أعلم- {إن هذان لساحران} وقد شددها قوم فقالوا (إنّ هذان)، وهذا لا يكاد يعرف إلا أنهم يزعمون أن بلحارث بن كعب يجعلون الياء في أشباه هذا ألفا فيقولون: "رأيت أخواك" و"رأيت الرجلان" و"أوضعته علاه" و"ذهبت إلاه" فزعموا أنه على هذه اللغة بالتثقيل تقرأ، وزعم أبو زيد أنه سمع أعرابياً فصيحا من بلحارث يقول: "ضربت يداه" و"وضعته علاه" يريد: يديه وعليه. وقال بعضهم (إنّ هذين لساحران) وذلك خلاف الكتاب، قال الشاعر:


طــاروا عليـهـن فـشـلٌ عـلاهــا
واشدد بمثنى حقبٍ حقواها
نـــاجـــيــــةً ونـــاجــــيــــاً أبـــــاهــــــا


وأمّا "أن" الخفيفة فتكون زائدةً مع "فلمّا" و"لمّا"، قال: {فلمّا أن جاء البشير} وإنما هي "فلمّا جاء البشير"، وقال: {ولمّا جاءت رسلنا} يقول "ولمّا جاءت"، وتزاد أيضاً مع "لو" يقولون: "أن لو جئتني كان خيراً لك" يقول "لو جئتني".
وتكون في معنى "أي" قال: {وانطلق الملأ منهم أن امشوا} يقول "أي امشوا".
وتكون خفيفة في معنى الثقيلة في مثل قوله: {أن الحمد للّه} و{أنّ لعنة اللّه عليه} على قولك "أنه لعنة اللّه" و"أنه الحمد للّه"، وهذه بمنزلة قوله: {أفلا يرون ألاّ يرجع إليهم قولاً} [و] {وحسبوا ألاّ تكون فتنةٌ} ولكن هذه إذا خففت وهي إلى جنب الفعل لم يحسن إلا "إن" معها "لا" حتى تكون عوضا من ذهاب التثقيل والإضمار، ولا تعوض "لا" في قوله: {أن الحمد للّه} لأنها لا تكون، وهي خفيفة، عاملة في الاسم، وعوّضتها "لا" إذا كانت مع الفعل لأنهم أرادوا أن يبيّنوا أنها لا تعمل في هذا المكان وأنها ثقيلة في المعنى، وتكون "أن" الخفيفة تعمل في الفعل وتكون هي والفعل اسما للمصدر، نحو قوله: {على أن نّسوّي بنانه} إنما هي "على تسوية بنانه"). [معاني القرآن: 1 / 83 -89]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (أبو جعفر وشيبة {لما يتفجر}، و{لما يهبط} مخففتان.
وقراءة أخرى "لما يتفجر" بالتثقيل.
أما "لما" المخففة فهي على: للذي يتفجر، وهي بمنزلة الذي، وهي الجيدة المعروفة.
وأما "لما" فإنها تكون على لما التي تقع في معنى "إلا"، في قولك: بالله لما فعلت، وغلا فعلت؛ ولا تقع هاهنا إلا بتخفيف "إن"؛ لو قال: إن زيدًا لما لظريف، لم يجز إلا على إلغاء "لما"، وقد حكيناها عن الثقات أنها زائدة في كلامهم؛ وهذه مرغوب عنها). [معاني القرآن لقطرب: 250]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله {فهي كالحجارة أو أشد قسوة} فيجوز أن يكون: وأشد قسوة، فتكون "أو" كالواو في اللغة، وكذلك {إلى مائة ألف أو يزيدون} وكذلك {ولا تطع منهم آثما أو كفورا} المعنى وكفورا، وكذلك {ولا يبدين زينتهم إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن} وكذلك {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم} المعنى الواو؛ كأنه قال: وبيوت آبائكم، ولم يرد واحدًا دون آخر؛ وقد قالت ذلك الشعراء، وقال توبة بن الحمير:
وقد زعمت ليلى بأني فاجر = لنفسي تقاها أو عليها فجورها
المعنى: وعليها.
وقال النابغة:
قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا = إلى حمامتنا أو نصفه فقد
يريد: ونصفه.
[معاني القرآن لقطرب: 320]
وقال الأخر:
نال الخلافة أو كانت على قدر = كما أتى ربه موسى على قدر
يريد بـ"أو" الواو.
وقال الآخر:
قرى عنكما شهرين أو نصف ثالث = إلى ذاك ما قد غيبتني غيابيا
يريد: ونصف ثالث.
وقد يجوز أن يكون معنى {أو يزيدون}، و{فكان قاب قوسين أو أدنى} عندكم في علمكم، وأبهم ذلك عليهم وهو يعلمه؛ لأنه لا يكون من الله شك، كما تقول: أكلت رطبة أو تمرة، وركبت فرسا أو حمارًا، فأبهمت ذلك على من كلمت، وقد علمت ذلك أنت في ضميرك.
وقد يجوز {أو أشد قسوة} على معنى آخر: كأنه قال: هما صنفان: بعضها كالحجارة، وبعضها أشد قسوة، كما تقول: ما أخذت منه إلا أبيض أو أسود؛ أي هكذا أخذت من ضربين). [معاني القرآن لقطرب: 321]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله عز وجل {وإن من الحجارة لما} فإنها تكون على "لما" التي تقع في معنى "إلا"، في قولك: بالله لما فعلت وإلا فعلت، ولا تقع هاهنا إلا بتخفيف "إن" حتى تكون على معنى "ما" النفي، مثل {إن الكافرون}؛ ولو قلت بالثقيلة: إن زيدًا إلا ظريف، لم يجز؛ لأنك تدخل واجبًا على واجب؛ فهذه قراءة غير معروفة في "لما"؛ إلا أنه قد حكي لنا عن بعض القراء: أن "لما" زيادة تزيدها العرب في كلامها، فيصير على هذا كأنه قال: إن من الحجارة لحجارة تتفجر منه، وتضمر أيضًا اسم إن؛ وهذا أيضًا قبيح ضعيف). [معاني القرآن لقطرب: 416]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({قست قلوبكم}: جفت وعست، و"عتتت" مثلها). [غريب القرآن وتفسيره: 74]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ثمّ قست قلوبكم} أي: اشتدت وصلبت). [تفسير غريب القرآن: 55]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ثمّ قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشدّ قسوة وإنّ من الحجارة لما يتفجّر منه الأنهار وإنّ منها لما يشّقّق فيخرج منه الماء وإنّ منها لما يهبط من خشية اللّه وما اللّه بغافل عمّا تعملون}
تأويل {قست} في اللغة: غلظت ويبست وصلبت، فتأويل القسو في القلب: ذهاب اللين والرحمة والخضوع والخشوع منه.
ومعنى {من بعد ذلك} أي: من بعد إحياء الميت لكم بعضو من أعضاء البقرة، وهذه آية عظيمة كان يجب على من يشاهدها -فشاهد بمشاهدتها من قدرة عزّ وجلّ ما يزيل كل شك- أن يلين قلبه ويخضع،
ويحتمل أن يكون {من بعد ذلك} من بعد إحياء الميت والآيات التي تقدمت ذلك نحو مسخ القردة والخنازير، ونحو رفع الجبل فوقهم، ونحو انبجاس الماء من حجر يحملونه معهم، وإنما جاز ذلك وهؤلاء الجماعة مخاطبون، ولم يقل "ذلكم" -ولو قال "ذلكم" كان جيدا- وإنما جاز أن تقول للجماعة بعد "ذلك" وبعد "ذلكم"؛ لأن الجماعة تؤدي عن لفظها: الجميع والفريق، فالخطاب في لفظ واحد، ومعنى جماعة.
وقوله عزّ وجلّ: {فهي كالحجارة أو أشدّ قسوة} وقد روي (أو أشدَّ قسوة) ومعنى تشبيه القسوة بالحجارة قد بيناه، ودخول "أو" ههنا لغير معنى الشك، ولكنها (أو) التي تأتي للإباحة، تقول: الذين ينبغي أن يؤخذ عنهم العلم الحسن أو ابن سيرين، فلست بشاك، وإنما المعنى ههنا: هذان أهل أن يؤخذ عنهما العلم، فإن أخذته عن الحسن فأنت مصيب، وإن أخذته عن ابن سيرين فأنت مصيب، وإن أخذته عنهما جميعا فأنت مصيب، فالتأويل: اعلموا أن قلوب هؤلاء إن شبهتم قسوتها بالحجارة فأنتم مصيبون أو بما هو أشد فأنتم مصيبون ولا يصلح أن تكون (أو) ههنا بمعنى الواو.
وكذلك قوله: {مثلهم كمثل الذي استوقد نارا... أو كصيّب} أي: إن مثلتهم بالمستوقد فذلك مثلهم، وإن مثلتهم بالصيّب فهو لهم مثل، وقد شرحناه في مكانه شرحا شافيا كافيا إن شاء اللّه.
فمن قرأ {أشد قسوة} رفع أشد بإضمار "هي" كأنّه قال: أو هي أشد قسوة، ومن نصب (أو أشد قسوة) فهو على خفض في الأصل بمعنى الكاف. ولكن "أشد" أفعل لا ينصرف لأنه على لفظ الفعل، وهو نعت ففتح وهو في موضع جر.
ويجوز في قوله تعالى {فهي كالحجارة}: (فهْي كالحجارة) -بإسكان الهاء-، لأن الفاء مع هي قد جعلت الكلمة بمنزلة (فخذ)، فتحذف الكسرة استثقالا، وقد روى بعض النحويين أنه يجوز في "هي" الإسكان في الياء من (هي) ولا أعلم أحدا قرأ بها، وهي عندي لا يجوز إسكانها ولا إسكان الواو في هو، لا يجوز "هو ربكم" وقد روى الإسكان بعض النحويين وهو رديء لأن كل مضمر فحركته -إذا انفرد- الفتح، نحو (أنا ربكم)، فكما لا تسكن نون أنا لا تسكن هذه الواو.
وقوله عزّ وجلّ: {وإنّ من الحجارة لما يتفجّر منه الأنهار} بين عزّ وجلّ كيف كانت قلوبهم أنها أشد قسوة وأصلب من الحجارة، وأعلم أن الحجارة تتفجر منها الأنهار، ومنها ما يشّقّق فيخرج منه الماء يعني: العيون التي تخرج من الحجارة ولا تكون أنهارا، ومنها ما يهبط من خشية الله، فقالوا: إن الذي يهبط من خشية الله نحو الجبل الذي تجلى اللّه له حين كلم موسى عليه السلام، وقال قوم: إنها أثر الصنعة التي تدل على أنّها مخلوقة، وهذا خطأ، لأن ليس منها شيء ليس أثر الصنعة بينا في جميعها وإنما الهابط منها مجعول فيه التميز كما قال عزّ وجلّ: {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدّعا من خشية اللّه}، وكما قال: {ألم تر أنّ اللّه يسجد له من في السّماوات}، ثم قال: {والنّجوم والجبال} فأعلم أن ذلك تمييز أراد اللّه منها، ولو كان يراد بذلك الصنعة لم يقل: {وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب}، لأن أثر الصنعة شامل للمؤمن وغيره). [معاني القرآن: 1 / 155 -158]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({قست قلوبكم} أي: اشتدت وصلبت). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 30]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({قَسَتْ}: صلبت). [العمدة في غريب القرآن: 79]


رد مع اقتباس