عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 6 ربيع الأول 1440هـ/14-11-2018م, 04:25 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فإذا انشقّت السّماء فكانت وردةً كالدّهان (37) فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان (38) فيومئذٍ لا يسأل عن ذنبه إنسٌ ولا جانٌّ (39) فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان (40) يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنّواصي والأقدام (41) فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان (42) هذه جهنّم الّتي يكذّب بها المجرمون (43) يطوفون بينها وبين حميمٍ آنٍ (44) فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان (45)}.
يقول [تعالى]: {فإذا انشقّت السّماء} يوم القيامة، كما دلّت عليه هذه الآية مع ما شاكلها من الآيات الواردة في معناها، كقوله: {وانشقّت السّماء فهي يومئذٍ واهيةٌ} [الحاقّة: 16]، وقوله: {ويوم تشقّق السّماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا} [الفرقان:25]، وقوله: {إذا السّماء انشقّت. وأذنت لربّها وحقّت} [الانشقاق:1، 2].
وقوله: {فكانت وردةً كالدّهان} أي: تذوب كما يذوب الدّردي والفضّة في السّبك، وتتلوّن كما تتلوّن الأصباغ الّتي يدهن بها، فتارةً حمراء وصفراء وزرقاء وخضراء، وذلك من شدّة الأمر وهول يوم القيامة العظيم. وقد قال الإمام أحمد:
حدّثنا أحمد بن عبد الملك، حدّثنا عبد الرّحمن بن أبي الصّهباء، حدّثنا نافعٌ أبو غالبٍ الباهليّ، حدّثنا أنس بن مالكٍ قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "يبعث النّاس يوم القيامة والسّماء تطش عليهم".
قال الجوهريّ: الطّشّ: المطر الضّعيف.
وقال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {وردةً كالدّهان}، قال: هو الأديم الأحمر. وقال أبو كدينة، عن قابوسٍ، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {فكانت وردةً كالدّهان}: كالفرس الورد. وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: تغيّر لونها. وقال أبو صالحٍ: كالبرذون الورد، ثمّ كانت بعد كالدّهان.
وحكى البغوي وغيره: أنّ الفرس الورد تكون في الرّبيع صفراء، وفي الشّتاء حمراء، فإذا اشتدّ البرد اغبرّ لونها.
وقال الحسن البصريّ: تكون ألوانًا. وقال السّدّيّ. تكون كلون البغلة الوردة، وتكون كالمهل كدرديّ الزّيت. وقال مجاهدٌ: {كالدّهان}: كألوان الدّهان. وقال عطاءٌ الخراسانيّ: كلون دهن الورد في الصّفرة. وقال قتادة: هي اليوم خضراء، ويومئذٍ لونها إلى الحمرة يوم ذي ألوان. وقال أبو الجوزاء: في صفاء الدهن. وقال [أبو صالح] بن جريجٍ: تصير السّماء كالدّهن الذّائب، وذلك حين يصيبها حرّ جهنّم). [تفسير ابن كثير: 7/ 498-499]

تفسير قوله تعالى: {فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (38) }

تفسير قوله تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (39) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (40) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ (41) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {فيومئذٍ لا يسأل عن ذنبه إنسٌ ولا جانٌّ}، وهذه كقوله: {هذا يوم لا ينطقون. ولا يؤذن لهم فيعتذرون} [المرسلات:35، 36]، فهذا في حالٍ، وثمّ حالٌ يسأل الخلائق فيها عن جميع أعمالهم، قال اللّه تعالى: {فوربّك لنسألنّهم أجمعين. عمّا كانوا يعملون} [الحجر:92، 93]؛ ولهذه قال قتادة: {فيومئذٍ لا يسأل عن ذنبه إنسٌ ولا جانٌّ}، قال: قد كانت مسألةٌ، ثمّ ختم على أفواه القوم، وتكلّمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون.
قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: لا يسألهم: هل عملتم كذا وكذا؟ لأنّه أعلم بذلك منهم، ولكن يقول: لم عملتم كذا وكذا؟ فهو قولٌ ثانٍ.
وقال مجاهدٌ في هذه الآية: لا يسأل الملائكة عن المجرم، يعرفون بسيماهم.
وهذا قولٌ ثالثٌ. وكأنّ هذا بعد ما يؤمر بهم إلى النّار، فذلك الوقت لا يسألون عن ذنوبهم، بل يقادون إليها ويلقون فيها، كما قال تعالى: {يعرف المجرمون بسيماهم} أي: بعلاماتٍ تظهر عليهم.
وقال الحسن وقتادة: يعرفونهم باسوداد الوجوه وزرقة العيون.
قلت: وهذا كما يعرف المؤمنون بالغرّة والتّحجيل من آثار الوضوء.
وقوله: {فيؤخذ بالنّواصي والأقدام} أي: تجمع الزّبانية ناصيته مع قدميه، ويلقونه في النّار كذلك.
وقال الأعمش عن ابن عبّاسٍ: يؤخذ بناصيته وقدمه، فيكسر كما يكسر الحطب في التّنّور.
وقال الضّحّاك: يجمع بين ناصيته وقدميه في سلسلةٍ من وراء ظهره.
وقال السّدّيّ: يجمع بين ناصية الكافر وقدميه، فتربط ناصيته بقدمه، ويفتل ظهره.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا أبو توبة الرّبيع بن نافعٍ، حدّثنا معاوية بن سلّامٍ، عن أخيه زيد بن سلّامٍ أنّه سمع أبا سلّامٍ -يعني جدّه- أخبرني عبد الرّحمن، حدّثني رجلٌ من كندة قال: أتيت عائشة فدخلت عليها، وبيني وبينها حجابٌ، فقلت: حدّثك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه يأتي عليه ساعةٌ لا يملك لأحدٍ فيها شفاعةً؟ قالت: نعم، لقد سألته عن هذا وأنا وهو في شعار واحدٍ، قال: "نعم حين يوضع الصّراط، ولا أملك لأحدٍ فيها شفاعةً، حتّى أعلم أين يسلك بي؟ ويوم تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوهٌ، حتّى أنظر ماذا يفعل بي -أو قال: يوحى-وعند الجسر حين يستحدّ ويستحرّ" فقالت: وما يستحدّ وما يستحرّ؟ قال: "يستحدّ حتّى يكون مثل شفرة السيف، ويستحر حتى يكون مثل الجمرة، فأمّا المؤمن فيجيزه لا يضرّه، وأمّا المنافق فيتعلّق حتّى إذا بلغ أوسطه خرّ من قدمه فيهوي بيده إلى قدميه، فتضربه الزّبانية بخطّافٍ في ناصيته وقدمه، فتقذفه في جهنّم، فيهوي فيها مقدار خمسين عامًا". قلت: ما ثقل الرّجل؟ قالت: ثقل عشر خلفاتٍ سمانٍ، فيومئذٍ يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنّواصي والأقدام.
هذا حديثٌ غريبٌ [جدًّا]، وفيه ألفاظٌ منكرٌ رفعها، وفي الإسناد من لم يسمّ، ومثله لا يحتجّ به، واللّه أعلم). [تفسير ابن كثير: 7/ 499-500]

تفسير قوله تعالى: {فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (42) }

تفسير قوله تعالى: {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آَنٍ (44) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (45) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {هذه جهنّم الّتي يكذّب بها المجرمون} أي: هذه النّار الّتي كنتم تكذّبون بوجودها ها هي حاضرةٌ تشاهدونها عيانًا، يقال لهم ذلك تقريعًا وتوبيخًا وتصغيرًا وتحقيرًا.
وقوله: {يطوفون بينها وبين حميمٍ آنٍ} أي: تارةً يعذّبون في الجحيم، وتارةً يسقون من الحميم، وهو الشّراب الّذي هو كالنّحاس المذاب، يقطّع الأمعاء والأحشاء، وهذه كقوله تعالى: {إذ الأغلال في أعناقهم والسّلاسل يسحبون. في الحميم ثمّ في النّار يسجرون} [غافرٍ: 71، 72].
وقوله: {آنٍ} أي: حارٌّ وقد بلغ الغاية في الحرارة، لا يستطاع من شدّة ذلك.
قال ابن عبّاسٍ في قوله: {يطوفون بينها وبين حميمٍ آنٍ} قد انتهى غليه، واشتدّ حرّه. وكذا قال مجاهدٌ، وسعيد بن جبيرٍ، والضّحّاك، والحسن، والثّوريّ، والسّدّيّ.
وقال قتادة: قد أنى طبخه منذ خلق الله السموات والأرض. وقال محمّد بن كعبٍ القرظيّ: يؤخذ العبد فيحرّك بناصيته في ذلك الحميم، حتّى يذوب اللّحم ويبقى العظم والعينان في الرّأس. وهي كالّتي يقول اللّه تعالى: {في الحميم ثمّ في النّار يسجرون}. والحميم الآن: يعني الحارّ. وعن القرظيّ روايةٌ أخرى: {حميمٍ آنٍ} أي: حاضرٌ. وهو قول ابن زيدٍ أيضًا، والحاضر، لا ينافي ما روي عن القرظيّ أوّلًا أنّه الحارّ، كقوله تعالى: {تسقى من عينٍ آنيةٍ} [الغاشية: 5] أي حارّةٍ شديدة الحرّ لا تستطاع. وكقوله: {غير ناظرين إناه} [الأحزاب:53] يعني: استواءه ونضجه. فقوله: {حميمٍ آنٍ} أي: حميمٌ حارٌّ جدًّا.
ولـمّا كان معاقبة العصاة المجرمين وتنعيم المتّقين من فضله ورحمته وعدله ولطفه بخلقه، وكان إنذاره لهم عذابه وبأسه ممّا يزجرهم عمّا هم فيه من الشّرك والمعاصي وغير ذلك، قال ممتنًّا بذلك على بريّته: {فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان}). [تفسير ابن كثير: 7/ 500]

رد مع اقتباس