عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 4 ربيع الأول 1440هـ/12-11-2018م, 06:04 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم أقسم الله تعالى بمخلوق آخر فقال: {والسماء ذات الحبك}، فظاهر لفظة "السماء" أنها لجميع السماوات، وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: هي السماء السابعة، و"الحبك" -بضم الحاء والباء- الطرائق التي هي على نظام في الأجرام، فحبك الرمال والماء: الطرائق التي تصنع فيها الريح الهابة عليها، ومنه قول زهير:
مكلل بعميم النبت تنسجه ريح خريف لضاحي مائه حبك
وحبك الدرع: الطرائق المتصلة في موضع اتصال الحلق بعضها ببعض، وفي بعض أجنحة الطير حبك على نحو هذا، ويقال لتكسير الشعر: حبك، وفي الحديث: "إن من ورائكم الكذاب المضل، وإن رأسه من ورائه حبكاحبكا"، يعني جعودة شعره، فهو تكسره، ويظهر في المنسوجات من الأكسية وغيرها طرائق في موضع تداخل الخيوط هن حبك، ويقال: نسج الثوب فأجاد حبكه، فهذه هي الحبك في اللغة، وقال منذر بن سعيد: إن السماء في تألف جرمها هي هكذا لها حبك، وذلك لجودة خلقتها وإتقان صنعتها، ولذلك عبر ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: {والسماء ذات الحبك} بأن قال: حبكها: حسن خلقتها، وقال ابن جبير: الحبك الزينة، وقال الحسن: حبكها كواكبها، وقال ابن زيد: الحبك الشدة، حبكت: شدت، وقرأ: "سبعا شدادا"، وقال ابن جني: الحبك طرائق الغيم ونحو هذا، وواحد "الحبك" حباك، ويقال للظفيرة التي يشد بها حظار القصب ونحوه، وهي مستطيلة تصنع في ترحيب الغراسات المصطفة-: حباك، وقد يكون واحد الحبك حبيكة، وقال الراجز:
كأنما جللها الحواك ... طنفسة في وشيها حباك
وقرأ جمهور الناس: "الحبك" بضم الحاء والباء، وقرأ الحسن بن أبي الحسن، وأبو مالك الغفاري بضم الحاء وسكون الباء تخفيفا، وهي لغة بني تميم، كرسل في رسل، وهي قراءة أبي حيوة، وأبي السمال، وقرأ الحسن أيضا، وأبو مالك الغفاري: "الحبك" بكسر الحاء والباء على أنها لغة كإطل وإبل، وقرأ الحسن أيضا: "الحبك" بكسر الحاء وسكون الباء، كما قالوا على جهة التخفيف: "إبل" و"إطل" بسكون الباء والطاء، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما: "الحبك" بفتح الحاء والباء، وقرأ الحسن أيضا فيما روي عنه: "الحبك" بكسر الحاء وضم الباء، وهي لغة شاذة غير متوجهة، وكأنه أراد كسرهما ثم توهم "الحبك" قراءة الضم بعد أن كسر الحاء فضم الباء، وهذا على تداخل اللغات، وليس في كلام العرب هذا البناء، وقرأ عكرمة: "الحبك" بضم الحاء وفتح الباء جمع حبكة، وهذه كلها لغات، والمعنى ما ذكرناه، والفرس المحبوك: الشديد الخلقة الذي له حبك في مواضع من منابت شعره، وذلك دليل على حسن بنيته). [المحرر الوجيز: 8/ 62-64]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (8) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {إنكم لفي قول مختلف} يحتمل أن يكون خطابا لجميع الناس، مؤمن وكافر، أي: اختلفتم بأن قال منكم: فريق: آمنا بمحمد وكتابه، وقال فريق آخر: كفرنا، وهذا قول قتادة، ويحتمل أن يكون خطابا للكفرة فقط، أي: أنتم في جنس من الأقوال مختلف في نفسه، قوم منكم يقولون: ساحر، وقوم يقولون كاهن، وقوم يقولون: شاعر، وقوم يقولون: مجنون، إلى غير ذلك، وهذا قول ابن زيد،
والضمير في: "عنه" قال الحسن، وقتادة: هو عائد على محمد صلى الله عليه وسلم، أو كتابه أو شرعه، و"يؤفك" معناه: يصرف، فالمعنى: يصرف من الكفار عن كتاب الله تعالى كثير، ويحتمل أن يعود الضمير على القول الذي يصرف بسببه من أراد الإسلام بأن يقال: هو سحر، هو كهانة، وهذا قول حكاه الزهراوي، ويحتمل أن يعود الضمير في "عنه" على القول، أي: يصرف عنه بتوفيق الله تعالى إلى الإسلام من غلبت سعادته، وهذا على أن يكون قوله تعالى: {إنكم لفي قول مختلف} للكفار فقط، وهذا وجه حسن لا يخل به، إلا أن عرف الاستعمال في "أفك" إنما هو في الصرف من خير إلى شر، وتأمل ذلك تجدها أبدا في المصروفين المذمومين، وحكى أبو عمرو عن قتادة أنه قرأ: "من أفك" بفتح الهمزة والفاء). [المحرر الوجيز: 8/ 64-65]

تفسير قوله تعالى: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: "قتل الخراصون" دعاء عليهم، كما تقول: قاتله الله، وقتله الله، وعقرى حلقى، وقال بعض المفسرين: معناه: لعن الخراصون، وهذا تفسير لا تعطيه اللفظة، و"الخراص": المخمن القائل بظنه وتقديره، فتحته الكاهن والمرتاب ونحوه ممن لا يقين له، والإشارة إلى مكذبي محمد صلى الله عليه وسلم على كل جهة من طرقهم). [المحرر الوجيز: 8/ 65]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ (11) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و"الغمرة" ما يغشي الإنسان ويغطيه كغمرة الماء، والمعنى: في غمرة من الجهالة، و"ساهون" معناه: عن أنهم في غمرة وعن غير ذلك من وجوه النظر). [المحرر الوجيز: 8/ 65]

تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {يسألون أيان يوم الدين} معناه: يقولون: متى يوم الدين؟ على معنى التكذيب، وجائز أن يقترن بذلك من بعضهم هزؤ وألا يقترن، وقرأ السلمي، والأعمش: "إيان" بكسر الهمزة وفتح الياء مخففة.
وقوله تعالى: {يوم هم على النار يفتنون}، قال الزجاج: نصبوا "يوم" على الظرف من مقدر تقديره; هو كائن يوم هم على النار، أو نحو هذا، وقال الخليل وسيبويه: نصبه على البناء لما أضيف إلى غير متمكن، قال بعض النحاة: وهو في موضع رفع على البدل من "يوم الدين"، و"يفتنون" معناه: يحرقون ويعذبون في النار، قاله ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، والجميع، ومنه قيل للحرة: فتين، كأن الشمس أحرقت حجارتها، ومنه قول كعب بن مالك:
معاطي تهوى إليها الحقو ... ق يحسبها من رآها الفتينا
وفتنت الذهب: أحرقته، ولما كان لا يحرق إلا لمعنى الاختبار قيل لكل اختبار: فتنة، واستعملوا افتتن بمعنى اختبر، و"على" هنا موصلة إلى معنى "في".
وفي قوله تعالى: {ذوقوا فتنتكم} إضمار، أي: يقال لهم: ذوقوا حرقكم وعذابكم، قاله قتادة وغيره، والذوق استعارة، و"هذا" إشارة إلى حرقهم، واستعجالهم هو قولهم: {أيان يوم الدين} وغير ذلك من الآيات التي تقتضي استعجالهم على جهة التكذيب منهم). [المحرر الوجيز: 8/ 65-66]

رد مع اقتباس