عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 15 ذو القعدة 1439هـ/27-07-2018م, 06:51 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك} الآية. "إن" هذه عند سيبويه هي المخففة من الثقيلة، واللام في قوله سبحانه: "ليفتنونك" لام تأكيد، و"إن" هذه عند الفراء بمعنى "ما"، واللام بمعنى "إنما"، والضمير في قوله تعالى: "كادوا" قيل: هو لقريش، وقيل: لثقيف، فأما لقريش فقال ابن جبير، ومجاهد: نزلت الآية لأنهم
[المحرر الوجيز: 5/518]
قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ندعك تستلم الحجر الأسود حتى تمس أوثاننا، على جهة التشرع بذلك، قال الطبري وغيره: فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يظهر لهم ذلك وقلبه منكر، فنزلت الآية في ذلك، قال الزجاج: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفسه: وما علي أن أفعل لهم ذلك والله تعالى يعلم ما في نفسي؟ وقال ابن إسحاق وغيره: إنهم اجتمعوا ليلة فعظموه وقالوا له: أنت سيدنا، ولكن: أقبل على بعض أمرنا ونقبل على بعض أمرك، فنزلت الآية في ذلك.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فهي في معنى قوله تعالى: {ودوا لو تدهن فيدهنون}. وحكى الزجاج أن الآية قيل: إنما هي فيما أرادوه من طرد فقراء أصحابه.
وأما لثقيف فقال ابن عباس رضي الله عنهما- وغيره: لأنهم طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤخرهم بعد إسلامهم سنة يعبدون فيها اللات، وقالوا: إنا نريد أن نأخذ ما يهدى لها، ولكن إن خفت أن تنكر ذلك عليك العرب فقل: أوحى الله ذلك إلي، فنزلت الآية في ذلك. ويلزم قائل هذا القول أن يجعل الآية مدنية، وقد روي ذلك، وروى قائلو الأقوال الأخر أنها مكية.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وجميع ما أريد من النبي صلى الله عليه وسلم بحسب هذا الاختلاف قد أوحى الله تعالى إليه خلافه، إما في معجز، وإما في غير معجز، وفعله هو -إن لو وقع- افتراء على الله، إذ أفعاله وأقواله إنما هي كلها شرع.
وقوله تعالى: {وإذا لاتخذوك خليلا} توقيف على ما نجاه الله تعالى منه من مخالفة الكفار والولاية لهم). [المحرر الوجيز: 5/519]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله: {لولا أن ثبتناك} الآية، تعديد نعمة على النبي صلى الله عليه وسلم، وروي أن رسول الله
[المحرر الوجيز: 5/519]
و "الركون": شد الظهر إلى الأمر، أو الحزم على جهة السكون إليه، كما يفعل الإنسان بالركن من الجدران، ومنه قوله تعالى حكاية: {أو آوي إلى ركن شديد}، وقرأ الجمهور: "تركن" بفتح الكاف، وقرأ ابن مصرف، وقتادة، وعبد الله بن أبي إسحاق: "تركن" بضم الكاف. ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يركن، لكنه كاد بحسب همه بموافقتهم طمعا منه في استئلافهم، وذهب ابن الأنباري إلى أن معناه: لقد كاد أن يخبروا عنك أنك ركنت، ونحو هذا، ذهب في ذلك إلى نفي الهم بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، فحمل اللفظ ما لا يحتمل. وقوله تعالى: {شيئا قليلا} يبطل ذلك. وهذا الهم من النبي صلى الله عليه وسلم إنما كانت خطرة مما لا يمكن دفعه، ولذلك قيل: "كدت"، وهي تعطي أنه لم يكن ركونا، ثم قيل: شيئا قليلا إذ كانت المقاربة التي تتضمنها "كدت" قليلة، خطرة لم تتأكد في النفس، وهذا الهم هو كهم يوسف عليه السلام، والقول فيهما واحد). [المحرر الوجيز: 5/520]

تفسير قوله تعالى: {إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {إذا لأذقناك} يبطل أيضا ما ذهب إليه ابن الأنباري.
وقوله تعالى: {ضعف الحياة وضعف الممات}، قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والضحاك: يريد: ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
على معنى أن ما يستحقه هذا الذنب من عقوبتنا في الدنيا والآخرة كنا نضعفه لك، وهذا التضعيف شائع مع النبي صلى الله عليه وسلم في أجره وألمه وعقاب أزواجه. وباقي الآية بين). [المحرر الوجيز: 5/520]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا}
قال حضرمي: الضمير في "كادوا" ليهود المدينة وناحيتها، كحيي بن أخطب وغيره، وذلك أنهم ذهبوا إلى المكر برسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن هذه الأرض ليست بأرض الأنبياء، وإنما أرض الأنبياء بالشام، ولكنك تخاف الروم، فإن كنت نبيا، فاخرج إليها فإن الله سيحميك كما حمى غيرك من الأنبياء، فنزلت الآية في ذلك، وأخبر الله تعالى أن رسوله لو خرج لم يلبثهم بعده إلا قليلا.
وحكى النقاش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج بسبب قولهم، وعسكر بذي الحليفة، وأقام ينتظر أصحابه، فنزلت الآية عليه فرجع.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا ضعيف، لم يقع في سيرة ولا في كتاب يعتمد عليه، وذو الحليفة ليس في طريق الشام.
وقالت فرقة: الضمير في "كادوا" هو لقريش، وحكى الزجاج أن استفزازهم هو ما كانوا أجمعوا عليه في دار الندوة من قتله، و"الأرض" -على هذا- عامة في الدنيا، كأنه قال: يخرجوك من الدنيا، وعلى سائر الأقوال هي أرض مخصوصة، إما مكة وإما المدينة، كما قال تعالى: {أو ينفوا من الأرض}، وإما معناه: من الأرض التي بها تصرفهم وتمتعهم. وقال ابن عباس، وقتادة: واستفزاز قريش هو ما كانوا ذهبوا إليه من إخراج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، كما ذهبوا قبل إلى حصره في الشعب. ووقع استفزازهم هذا بعد نزول الآية، وضيقوا عليه حتى خرج واتبعوه إلى الغار وغير ذلك، ونفذ عليهم
[المحرر الوجيز: 5/521]
الوعيد في أن لم يلبثوا خلفه إلا قليلا يوم بدر. وقال مجاهد: ذهبت قريش إلى هذا ولكنه لم يقع منها; لأنه لما أراد الله استبقاء قريش وألا يستأصلها أذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة، فخرج من الأرض بإذن الله تعالى لا بقهر قريش، واستبقيت قريش يسلم منها ومن أعقابها من أسلم، قال: ولو أخرجته قريش لعذبوا، فذهب مجاهد رحمه الله إلى أن الضمير في "يلبثون" عام في جميعهم. وفي مصحف عبد الله بن مسعود: "وإذا لا يلبثوا" بحذف النون وإعمال "إذا"، وسائر القراء ألغوها وأثبتوا النون. وقرأ عطاء بن أبي رباح: "يلبثون" بضم الياء وشد الباء وفتح اللام، وروي مثله عن يعقوب إلا أنه كسر الباء. وقرأ عطاء: "بعدك إلا قليلا"، وقرأ الجمهور: "خلفك"، وقرأ ابن عامر، وحمزة، الكسائي، وحفص عن عاصم: "خلافك"، والمعنى واحد، ومنه قول الشاعر:
عقب الرذاذ خلافها فكأنما ... بسط الشواطب بينهن حصيرا
ومنه قوله تعالى: {فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله}، على بعض تأويلاته، أي: بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه اللفظة قد لزم حذف المضاف; لأن التقدير في آياتنا: "خلاف خروجك"، وفي بيت الشاعر: "خلاف انبساط الشمس" أو نحوه.
قال أبو علي: أصابوا هذه الظروف تضاف إلى الأسماء الأعيان التي ليست أحداثا، فلم
[المحرر الوجيز: 5/522]
يستحبوا إضافتها إلى غير ما جرى عليه كلامهم، كما أنها لما جرت منصوبة في كلامهم تركوها على حالها إذا وقعت في غير موقع النصب، كقوله تعالى: {وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك}، وقوله تعالى: {يوم القيامة يفصل بينكم}.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله). [المحرر الوجيز: 5/523]

تفسير قوله تعالى: {سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا (77)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: "سنة" نصب على المصدر، وقال الفراء: نصبه على حذف الخافض; لأن المعنى: "كسنة"، فحذف الكاف ونصب.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويلزمه على هذا أن لا يقف على قوله: "قليلا".
ومعنى الآية الإخبار أن سنة الله تعالى في الأمم الخالية وعادته أنها إذا أخرجت نبيها من بين أظهرها نالها العذاب، واستأصلها الهلاك، فلم تلبث بعده إلا قليلا). [المحرر الوجيز: 5/523]

رد مع اقتباس