عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 25 ذو القعدة 1438هـ/17-08-2017م, 11:55 AM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

بسم الله الرّحمن الرّحيم
قال سيدنا ومولانا الشّيخ الإمام العالم العلامة جمال الدّين رحلة الطالبين أبو محمّد عبد الله بن يوسف بن هشام الأنصاريّ قدس الله روحه ونور ضريحه
المقدمة

قال عبد الله بن يوسف بن أحمد ابن هشام الأنصاري (ت: 761هـ): (أما بعد حمد الله على إفضاله والصّلاة والسّلام على سيدنا محمّد وعلى آله فإن أولى ما تقترحه القرائح وأعلى ما تجنح إلى تحصيله الجوانح ما يتيسّر به
[1/53]
فهم كتاب الله المنزل ويتضح به معنى حديث نبيه المرسل فإنّهما الوسيلة إلى السّعادة الأبدية والذريعة إلى تحصيل المصالح الدّينيّة والدنيوية وأصل ذلك علم الإعراب الهادي إلى صوب الصّواب وقد كنت في عام تسعة وأربعين وسبعمئة أنشأت بمكّة زادها الله شرفا كتابا في ذلك منورا من أرجاء قواعده كل حالك ثمّ إنّني أصبت به وبغيره في منصرفي إلى مصر ولما من الله تعالى عليّ في عام ستّة وخمسين بمعاودة حرم الله والمجاورة في خير بلاد الله شمرت عن ساعد الاجتهاد ثانيًا واستأنفت العمل لا كسلا ولا متوانيا ووضعت هذا التصنيف على أحسن إحكام وترصيف وتتبعت فيه مقفلات مسائل الإعراب فافتتحتها ومعضلات يستشكلها الطلاب فأوضحتها ونقحتها وأغلاطا وقعت لجماعة من المعربين وغيرهم فنبهت عليها وأصلحتها
فدونك كتابا تشد الرّحال فيما دونه وتقف عنده فحول الرّجال ولا يعدونه إذ كان الوضع في هذا الغرض لم تسمح قريحة بمثاله ولم ينسج ناسج على منواله
[1/54]
وممّا حثني على وضعه أنني لما أنشأت في معناه المقدمة الصّغرى المسمّاة بـ الإعراب عن قواعد الإعراب حسن وقعها عند أولي الألباب وسار نفعها في جماعة الطلاب مع أن الّذي أودعته فيها بالنّسبة إلى ما ادخرته عنها كشذرة من عقد نحر بل كقطرة من قطرات بحر وها أنا بائح بما أسررته مفيد لما قرّرته وحررته مقرب فوائده للأفهام واضع فرائده على طرف الثمام لينالها الطلاب بأدنى إلمام سائل من حسن خيمه وسلم من داء الحسد أديمه إذا عثر على شيء طغى به القلم أو
[1/55]
زلت به القدم أن يغفتر ذلك في جنب ما قربت إليه من البعيد ورددت عليه من الشريد وأرحته من التّعب وصيرت القاصي يناديه من كثب وأن يحضر قلبه أن الجواد قد يكبو وأن الصارم قد ينبو وأن النّار قد تخبو وأن الإنسان محل النسيان وأن الحسنات يذهبن السّيّئات
(ومن ذا الّذي ترضى سجاياه كلها ... كفى المرء نبلًا أن تعد معايبه)
وينحصر في ثمانية أبواب
الباب الأول في تفسير المفردات وذكر أحكامها
الباب الثّاني في تفسير الجمل وذكر أقسامها وأحكامها
الباب الثّالث في ذكر ما يتردّد بين المفردات والجمل وهو الظّرف والجار والمجرور وذكر أحكامهما
[1/56]
الباب الرّابع في ذكر أحكام يكثر دورها ويقبح بالمعرب جهلها
الباب الخامس في ذكر الأوجه الّتي يدخل على المعرّف الخلل من جهتها
الباب السّادس في التحذير من أمور اشتهرت بين المعربين والصّواب خلافها
الباب السّابع في كيفيّة الإعراب
الباب الثّامن في ذكر أمور كلية يتخرّج عليها ما لا ينحصر من الصّور الجزئيّة
واعلم أنني تأمّلت كتب الإعراب فإذا السّبب الّذي اقتضى طولها ثلاثة أمور
أحدها كثرة التّكرار فإنّها لم توضع لإفادة القوانين الكلية بل للكلام على الصّور الجزئيّة فتراهم يتكلّمون على التّركيب المعين بكلام ثمّ حيث جاءت نظائره أعادوا ذلك الكلام ألا ترى أنهم حيث مر بهم مثل الموصول في قوله تعالى {هدى للمتقين الّذين يؤمنون بالغيب} ذكروا أن فيه ثلاثة أوجه وحيث جاءهم مثل الضّمير المنفصل في قوله تعالى {إنّك أنت السّميع العليم} ذكروا فيه ثلاثة أوجه
[1/57]
وحيث جاءهم مثل الضّمير المنفصل في قوله تعالى {كنت أنت الرّقيب عليهم} ذكروا فيه وجهين ويكررون ذكر الخلاف فيه إذا أعرب فصلا أله محل باعتبار ما قبله أم باعتبار ما بعده أم لا محل له والخلاف في كون المرفوع فاعلا أو مبتدأ إذا وقع بعد إذا في نحو {إذا السّماء انشقت} أو إن في نحو {وإن امرأة خافت}
[1/58]
أو الظّرف في نحو (أفي الله شكّ) أو لو في نحو {ولو أنهم صبروا} وفي كون أن وأن وصلتهما بعد حذف الجار في نحو {شهد الله أنه لا إله إلّا هو} ونحو {حصرت صدورهم أن يقاتلوكم} في موضع خفض بالجار
[1/59]
المحذوف على حد قوله
أشارت كليب بالأكف الأصابع
أو نصب بالفعل المذكور على حد قوله:
فيه كما عسل الطّريق الثّعلب
[1/60]
وكذلك يكررون الخلاف في جواز العطف المجرور من غير إعادة الخافض وعلى الضّمير المتّصل المرفوع من غير وجود الفاصل وغير ذلك ممّا إذا استقصي أمل القلم وأعقب السأم
فجمعت هذه المسائل ونحوها مقررة محررة في الباب الرّابع من هذا
[1/61]
الكتاب فعليك بمراجعته فانك تجد به كنزا واسعًا تنفق منه ومنهلا سائغا ترده وتصدر عنه
والأمر الثّاني
إيراد مالا يتعلّق بالإعراب كالكلام في اشتقاق اسم أهو من السمة كما يقول الكوفيّون أو من السمو كما يقول البصريون والاحتجاج لكل من الفريقين وترجيح الرّاجح من القولين وكالكلام على ألفه لم حذفت من البسملة خطا وعلى باء الجرّ ولامه لم كسرتا لفظا وكالكلام على ألف ذا الإشارية أزائدة هي كما يقول الكوفيّون أم منقلبة عن ياء هي عين واللّام ياء أخرى محذوفة كما يقول البصريون
والعجب من مكي بن أبي طالب إذ أورد مثل هذا في كتابه الموضوع لبيان
[1/62]
مشكل الإعراب مع أن هذا ليس من الإعراب في شيء
وبعضهم إذا ذكر الكلمة ذكر تكسيرها وتصغيرها وتأنيثها وتذكيرها وما ورد فيها من اللّغات وما روي من القراءات وان لم ينبن على ذلك شيء من الإعراب
والأمر الثّالث إعراب الواضحات كالمبتدأ وخبره والفاعل ونائبه والجار والمجرور والعاطف والمعطوف وأكثر النّاس استقصاء لذلك الحوفي
وقد تجنبت هذين الأمرين وأتيت مكانهما بما يتبصر به النّاظر ويتمرن به
[1/63]
الخاطر من إيراد النّظائر القرآنية والشواهد الشعرية وبعض ما اتّفق في المجالس النحوية
ولما تمّ هذا التصنيف على الوجه الّذي قصدته وتيسر فيه من لطائف المعارف ما أردته واعتمدته سميته بـ مغني اللبيب عن كتب الأعاريب وخطابي به لمن ابتدأ في تعلم الإعراب ولمن استمسك منه بأوثق الأسباب ومن الله تعالى أستمدّ الصّواب والتوفيق إلى ما يحظيني لديه بجزيل الثّواب وإياه أسأل أن يعصم القلم من الخطأ والخطل والفهم من الزيغ والزلل إنّه أكرم مسؤول وأعظم مأمول). [مغني اللبيب: 1/53-64]


رد مع اقتباس