عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 13 محرم 1432هـ/19-12-2010م, 07:04 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 46 إلى 59]

{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46) وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47) وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48) وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50) مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51) وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا (52) وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (53) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا (55) وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آَيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا (56) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (58) وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا (59)}

تفسير قوله تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {المال والبنون زينة الحياة الدّنيا والباقيات الصّالحات} الصّلوات الخمس.
- حدّثني أبو الأسحم، عن أبي إسحاق، قال: سمعت عليًّا يقول: الباقيات الصّالحات هي: سبحان اللّه، والحمد للّه، ولا إله إلا اللّه، واللّه أكبر.
وبعضهم يقول: الصّلوات الخمس.
وبعضهم يجمعها جميعًا.هو قول ابن عبّاسٍ.
{خيرٌ عند ربّك ثوابًا}: عاقبةً.
{وخيرٌ أملا}: خير ما يأمل العباد في الدّنيا أن يثابوه في الآخرة). [تفسير القرآن العظيم: 1/189]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {والباقيات الصّالحات...}
يقال هي الصلوات الخمس ويقال هي سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.
وقوله: {وخيرٌ أملاً} (يقول خير ما يؤمل) والأمل للعمل الصّالح خير من الأمل للعمل السّيء). [معاني القرآن: 2/146]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {والباقيات الصّالحات} يقال: الصلوات الخمس. ويقال: سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر.
{وخيرٌ أملًا} أي خير ما تؤمّلون). [تفسير غريب القرآن: 268]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {المال والبنون زينة الحياة الدّنيا والباقيات الصّالحات خير عند ربّك ثوابا وخير أملا}
{الباقيات الصّالحات} هي الصلوات الخمس، - وقيل هي: سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر.
والباقيات الصّالحات - واللّه أعلم - كل عمل صالح يبقى ثوابه، فالصلوات الخمس وتوحيد اللّه وتعظيمه داخل في الباقيات الصّالحات، وكذلك الصدقات والصيام والجهاد وأعمال الخير والبر كلّها). [معاني القرآن: 3/292]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا}
قال أبو جعفر: حدثنا أبو بكر جعفر بن محمد قال: حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا خالد هو ابن عبد الله عن عبد الملك عن عطاء عن ابن عباس قال: (الباقيات الصالحات): سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.
-وحدثنا أبو بكر قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، عن مالك بن أنس، عن عمارة بن صياد، عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول في (الباقيات الصالحات) إنها قول العبد: سبحان الله والله أكبر والحمد لله ولا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.
قال أبو جعفر: وروى عن ابن عباس أيضا أنه قال: "الباقيات الصالحات": الصلاة، والصوم، والحج، والغزو، والتهليل، والتسبيح.
ولا يمتنع شيء من هذا عند أهل اللغة؛ لأنه كل ما بقي ثوابه جاز أن يقال له هذا). [معاني القرآن: 4/250-248]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {وخير أملا} أي خير ما يؤمل). [معاني القرآن: 4/250]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({والباقيات الصالحات} الصلوات الخمس. وقيل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 144]


تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ويوم نسيّر الجبال وترى الأرض بارزةً} مستويةً.
سعيدٌ، عن قتادة قال: ليس عليها بناءٌ ولا شجرٌ.
وقال ابن مجاهدٍ عن أبيه: ليس عليها خمرٌ ولا غيايةٌ.
قال: {وحشرناهم} ، يعني: وجمعناهم. وهو تفسير السّدّيّ.
{فلم نغادر منهم أحدًا}: أحضروا فلم يغب منهم أحدٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/189]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ):
(وقوله: {ويوم نسيّر الجبال...}

وقوله: {وترى الأرض بارزةً} يقول: أبرزنا أهلها من بطنها. ويقال: سيّرت عنها الجبال فصارت كلها بارزة لا يستر بعضها بعضاً.
وقوله: {فلم نغادر منهم} هذه القراءة (ولو قرئت "ولم نغدر" كان صواباً)، ومعناهما واحد، يقال: "ما أغدرت منهم أحداً"، و"ما غادرت"، وأنشدني بعضهم:

هل لك والعائض منهم عائض.......في هجمة يغدر منها القابض
* سدسا وربعا تحتها فرائض *
قال الفراء: سدس وربع من أسنان الإبل.). [معاني القرآن: 2/147-146]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وترى الأرض بارزةً} أي ظاهرة). [مجاز القرآن: 1/406]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({فلم نغادر منهم أحدا}: لم نترك). [غريب القرآن وتفسيره: 230]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فلم نغادر منهم أحداً} أي لم نخلّف. يقال: "غادرت كذا" و"أغدرته": إذا خلفته. ومنه سمي الغدير، لأنه ماء تخلّفه السيول). [تفسير غريب القرآن: 268]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ويوم نسيّر الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا}
(يوم) منصوب على معنى التلاوة والذكر، المعنى: واذكر يوم نسير الجبال.
ويجوز أن يكون نصبه على " والباقيات الصالحات خير يوم يسير الجبال" أي: خير في القيامة من الأعمال التي تبقى آثامها.
وقوله {وترى الأرض بارزة}، معناه ظاهرة، وقد سيّرت جبالها، واجتثت أشجارها، وذهبت أبنيتها فبقيت ظاهرة، وقد ألقت ما فيها وتخلت.
وقوله: {وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا}؛ أي: لم نخلّف أحدا منهم). [معاني القرآن: 3/292]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة} في قوله: {بارزة} قولان:
أحدهما: قد اجتثت ثمارها وقلعت جبالها وهدم بنيانها فهي بارزة أي ظاهرة وعلى هذا القول أهل التفسير وهو البين
والقول الآخر: إن معنى {بارزة}: قد أبرز من فيها من الموتى؛ فيكون هذا على النسب، كما قال كليني لهم يا أميمة ناصب). [معاني القرآن: 4/251-250]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا}
أي لم نبق). [معاني القرآن: 4/251]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({وترى الأرض بارزة}
قال أبو عبد الله: أي: ظاهره بلا جبل، ولا تل ولا رمل). [ياقوتة الصراط: 326]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({فلم نغادر}: فلم نترك). [ياقوتة الصراط: 326]

تفسير قوله تعالى: {وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({وعرضوا على ربّك صفًّا} صفوفًا.
وقال السّدّيّ: صفًّا، يعني: جميعًا.
- مندل بن عليٍّ، عن موسى الجهنيّ، عن الشّعبيّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لأصحابه ذات يومٍ: ((يسرّكم أن تكونوا ثلث أهل الجنّة؟))

قالوا: اللّه ورسوله أعلم.
قال: ((يسرّكم أن تكونوا شطر أهل الجنّة؟))

قالوا: اللّه ورسوله أعلم.
قال: فقال: ((النّاس يوم القيامة عشرون ومائة صفٍّ وأنتم منها ثمانون صفًّا)).
- المبارك بن فضالة، عن الحسن، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((عرضت عليّ البارحة الأنبياء وأممها فرأيت النّبيّ يتبعه من أمّته الثّلاثة، ورأيت النّبيّ يتبعه من أمّته العصابة، ورأيت النّبيّ يتبعه من أمّته الرّجلان، ورأيت النّبيّ يتبعه من أمّته الواحد، ورأيت النّبيّ لا يتبعه من أمّته أحدٌ، فاهتممت بأمّتي فقلت: أي ربّ، أمّتي)).
قال: [انظر هاهنا]؛ فرفعت رأسي فإذا الأفق سادٍّ.
قال: [أرضيت يا محمّد؟]، قلت: نعم.
قال: [انظر هاهنا]؛ فنظرت فإذا شعاب مكّة وظرابها مواشٍ ناسًا.
قال: [أرضيت يا محمّد؟]، قلت: نعم أي ربّ.
قال: [ومع هؤلاء سبعون ألفًا يدخلون الجنّة بغير حسابٍ].
فقال أصحاب رسول اللّه: ما ترون هؤلاء؟ هؤلاء قومٌ يولدون في الإسلام لم يشركوا باللّه شيئًا، لم يدركوا الجاهليّة ولا جهلها ولا ضلالتها.
فقال رسول اللّه: ما تقولون؟ فأخبروه، فقال: بل هم الّذين لا يسترقون ولا يكتوون، ولا يتطيّرون، وعلى ربّهم يتوكّلون.
فقام عكّاشة فقال: يا رسول اللّه، ادع اللّه أن يجعلني منهم، قال: اللّهمّ اجعله منهم.
ثمّ قال آخر: يا رسول اللّه ادع اللّه أن يجعلني منهم.
قال: سبقك بها عكّاشة.
- إبراهيم بن محمّدٍ، عن صفوان بن سليمٍ، عن عائشة، قالت: سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن الّذي يحاسب حسابًا يسيرًا، قال: «يعرف بعمله ثمّ يتجاوز اللّه عنه، ولكن من نوقش حسابًا فذلك الهالك».
- همّامٌ، عن قتادة، عن صفوان بن محرزٍ، قال: بينما أنا آخذٌ بيد ابن عمر إذ عرض له رجلٌ، فقال: يا أبا عبد الرّحمن كيف سمعت رسول اللّه يقول في النّجوى؟ فقال ابن عمر: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: " إنّ اللّه يدني منه المؤمن يوم القيامة حتّى يضع عليه كنفه ويستره من النّاس، فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم يا ربّ، أتعرف ذنب كذا؟
فيقول: نعم يا ربّ، أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم يا ربّ، حتّى إذا قرّره بذنوبه، ورئي في نفسه أنّه قد هلك قال: فإنّي سترتها عليك في الدّنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، ثمّ يعطى كتاب حسناته، وأمّا الكفّار والمنافقون فإنّه ينادي الأشهاد {هؤلاء الّذين كذبوا على ربّهم ألا لعنة اللّه على الظّالمين} [هود: 18] ".
قوله: {لقد جئتمونا كما خلقناكم أوّل مرّةٍ} حفاةً عراةً غرلا، أي: غلفًا غير مختّنين.
{بل زعمتم} يقول للمشركين.
{ألّن نجعل لكم موعدًا} أن لن تبعثوا.
- وبلغنا عن الحسن أنّ عائشة قالت: يا رسول اللّه، أما يحتشم النّاس يومئذٍ بعضهم من بعضٍ؟ قال: «هم أشغل من أن ينظر بعضهم إلى عورة بعضٍ».
حدّثني الأزهر بن عبد اللّه الأزديّ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا ذكر هذه الآية قالت عائشة: يا سوأتاه لك يا ابنة أبي بكرٍ.
فقال رسول اللّه: «النّاس يومئذٍ أشغل من أن ينظر بعضهم إلى بعضٍ؛ إنّ أوّل من يكسى إبراهيم خليل اللّه»). [تفسير القرآن العظيم: 1/189-191]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ):
({وعرضوا على ربّك صفّا لقد جئتمونا كما خلقناكم أوّل مرّة بل زعمتم ألّن نجعل لكم موعدا}

معناه أنهم كلهم ظاهرون للّه، ترى جماعتهم كما يرى كل واحد منهم، لا يحجب واحد واحدا.
وقوله: {لقد جئتمونا كما خلقناكم أوّل مرّة} أي بعثناكم كما خلقناكم.
وجاء - في التفسير أنهم يحشرون عراة غرلا حفاة.
معنى غرلا، جمع أغرل وهو الأقلف.
وقوله: {بل زعمتم ألّن نجعل لكم موعدا} أي: بل زعمتم أن لن تبعثوا، لأن الله جل ثناؤه، وعدهم بالبعث). [معاني القرآن: 3/292-293]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {وعرضوا على ربك صفا}
أي: لا يسترهم شيء ولا يحجبهم). [معاني القرآن: 4/251]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة}
قيل: معناه بعثناكم كما خلقناكم أول مرة.
وقيل: هو كما روى أنهم يحشرون حفاة عراة غرلا.). [معاني القرآن: 4/252]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {بل زعمتم أن لن نجعل لكم موعدا} أي كنتم تنكرون البعث). [معاني القرآن: 4/252]

تفسير قوله تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {ووضع الكتاب} ما كانت تكتب عليهم الملائكة في الدّنيا من أعمالهم.
{فترى المجرمين} المشركين.
{مشفقين} أي: خائفين.
{ممّا فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرًا} في كتبهم.
{ولا يظلم ربّك أحدًا}). [تفسير القرآن العظيم: 1/191]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ):
(وقوله: {ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين ممّا فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربّك أحدا }

معناه - والله أعلم - وضع كتاب كل امرئ بيمينه أو شماله.
{فترى المجرمين مشفقين ممّا فيه ويقولون يا ويلتنا}، كل من وقع في هلكة دعا بالويل.
{مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصاها}أي لا تاركا صغيرة.
{ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربّك أحدا} أي: إنما يعاقبهم فيضع العقوبة موضعها في مجازاة الذنوب.
وأجمع أهل اللغة أن "الظلم": وضع الشيء في غير موضعه). [معاني القرآن: 3/293]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {ووضع الكتاب} في الكلام حذف، والمعنى: ووضع الكتاب في يد كل امريء إما في يمينه وإما في شماله). [معاني القرآن: 4/252]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم يبين هذا بقوله: {فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها} أي تراهم خائفين وجلين مما فيه من أعمالهم السيئة ويقولون ما شأن هذا الكتاب لا يبقى صغيرة من ذنوبنا ولا كبيرة إلا حفظها وضبطها). [معاني القرآن: 4/253]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا} أي إنما تقع العقوبة على المجازاة وأصل الظلم في اللغة وضع الشيء في غير موضعه). [معاني القرآن: 4/253]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يُغادِرُ}: يترك). [العمدة في غريب القرآن: 190]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجنّ}
قال الحسن: وهو أوّل الجنّ، كما أنّ آدم من الإنس وهو أوّل الإنس.

- سعيدٌ، عن قتادة، قال: كان من الجنّ قبيلٌ من الملائكة يقال له "الجنّ".
قال وكان ابن عبّاسٍ يقول: (لو أنّه لم يكن من الملائكة لم يؤمر بالسّجود).
وكان على خزانة السّماء الدّنيا؛ في قول قتادة.
وقال قتادة: جنّ عن طاعة ربّه.
قال: وقال الحسن: أنحاه اللّه إلى نسبه.
قال: {ففسق عن أمر ربّه}: عصى أمر ربّه عن السّجود لآدم، تفسير ابن مجاهدٍ، عن أبيه: فكفر واستكبر.
قال: {أفتتّخذونه وذرّيّته}، يعني: الشّياطين الّذين دعوهم إلى الشّرك.
{أولياء من دوني وهم لكم عدوٌّ بئس للظّالمين بدلا}
سعيدٌ، عن قتادة قال: {بدلا} ما استبدلوا بعبادة ربّهم إذ أطاعوا إبليس فبئس ذلك لهم بدلا). [تفسير القرآن العظيم: 1/191-192]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ):
(وقوله: {ففسق عن أمر ربّه...}

أي خرج عن طاعة ربّه. والعرب تقول، "فسقت الرّطبة من (جلدها) وقشرها" لخروجها منه؛ وكأنّ الفأرة إنها سمّيت فويسقة لخروجها من جحرها على الناس). [معاني القرآن: 2/147]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({ففسق عن أمر ربّه}: جار عنه وكفر به، وقال رؤبة:
يهوين في نجدٍ وغوراً غائراً.......فواسقاً عن قصدها جوائرا).
[مجاز القرآن: 1/406]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لأدم فسجدوا إلاّ إبليس كان من الجنّ ففسق عن أمر ربّه أفتتّخذونه وذرّيّته أولياء من دوني وهم لكم عدوٌّ بئس للظّالمين بدلاً}
وقال: {ففسق عن أمر ربّه} يقول: عن ردّ أمر ربّه" نحو قول العرب: "أتخم عن الطّعام" أي: عن مأكله أتخم، ولما ردّ هذا الأمر فسق.
وقال: {بئس للظّالمين بدلاً} كما تقول: "بئس في الدّار رجلا"). [معاني القرآن: 2/78]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ففسق عن أمر ربّه}" أي خرج عن طاعته. يقال: "فسقت الرّطبة" إذا خرجت من قشرها). [تفسير غريب القرآن: 268]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله تعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلّا إبليس كان من الجنّ ففسق عن أمر ربّه أفتتّخذونه وذرّيّته أولياء من دوني وهم لكم عدوّ بئس للظّالمين بدلا}
قوله: {ففسق عن أمر ربّه} دليل على أنه أمر بالسجود مع الملائكة، وأكثر ما في التفسير أن إبليس من غير الملائكة وقد ذكره اللّه عزّ وجلّ أنه كان من الجن بمنزلة آدم من الإنس.
وقد قيل إن الجن ضرب من الملائكة، كانوا خزان الأرض، وقيل خزان الجنان.

فإن قال قائل: فكيف استثنى مع ذكر الملائكة، فقال {فسجدوا إلّا إبليس}، فكيف وقع الاستثناء وليس هو من الأول؟
فالجواب في هذا أنه أمر معهم بالسجود فاستثنى من أنه لم يسجد، والدليل على ذلك أنك تقول: أمرت عبدي وأخوتي فأطاعوني إلا عبدي، وكذلك قوله عزّ وجلّ: {فإنّهم عدوّ لي إلّا ربّ العالمين}، ورب العالمين ليس كمثله شيء، وقد جرى ذكره في
الاستثناء - وهو استثناء ليس من الأول.
ولا يقدر أحد أن يعرف معنى الكلام غير هذا.
{ففسق عن أمر ربّه} فيه ثلاثة أوجه:
-
يجوز أن يكون معناه: خرج عن أمر ربّه، يقال: فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرها.
-
وقال قطرب: يجوز أن يكون معناه فسق عن ردّ أمر ربّه.
-
ومذهب سيبويه والخليل وهو الحق عندنا أن معنى {فسق عن أمر ربّه} أتاه الفسق لما أمر فعصى، فكان سبب فسقه أمر ربّه، كما تقول أطعمه عن جوع وكساه عن عري،
المعنى: كان سبب فسقه الأمر بالسّجود لما كان سبب الإطعام الجوع، وسبب الكسوة العرى.
وقوله: {بئس للظّالمين بدلا}
معناه أنه بئس ما استبدل به الظالمون من رب العزة جلّ وعزّ، إبليس). [معاني القرآن: 3/294-293]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وإذ قلنا للملائكة أسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن} في هذا قولان:
أحدهما: أنه نسب إلى الجن لأنه عمل عملهم.
والقول الآخر: أنه منهم). [معاني القرآن: 4/253]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ففسق عن أمر ربه} أي فخرج وحكى الفراء فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها وقال رؤبة:
يهوين في نجد وغورا غائرا.......فواسقا عن قصدها جوائرا
وفي هذه الآية سؤال: يقال ما معنى {ففسق عن أمر ربه}؟
ففي هذا قولان:
أحدهما: وهو مذهب الخليل وسيبويه أن المعنى أتاه الفسق لما أمر فعصى فكان سبب الفسق أمر ربه كما تقول أطعمته عن جوع
والقول الآخر: وهو مذهب محمد بن قطرب أن المعنى ففسق عن رد أمر ربه). [معاني القرآن: 4/255-254]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو} أي عداء). [معاني القرآن: 4/256-255]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {بئس للظالمين بدلا} أي بئس ما اسبتدلوا من طاعة الله طاعة إبليس). [معاني القرآن: 4/256]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {ففسق عن أمر ربه} أي: خرج عن الطاعة). [ياقوتة الصراط: 326]

تفسير قوله تعالى: {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ما أشهدتهم خلق السّموات والأرض ولا خلق أنفسهم} وذلك أنّ المشركين قالوا: إنّ الملائكة بنات اللّه.
وقال في آيةٍ أخرى: {وجعلوا الملائكة الّذين هم عباد الرّحمن إناثًا أشهدوا خلقهم} أي: ما أشهدتهم شيئًا من ذلك، فمن أين ادّعوا أنّ الملائكة بنات اللّه؟ {وما كنت متّخذ المضلّين عضدًا} أعوانًا في تفسير قتادة.
وقال المعلّى، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ: ما كنت لأتولّى المضلّين.
قال يحيى: (سمعت من يقول: المضلّون: الشّياطين).). [تفسير القرآن العظيم: 1/192]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ):
({متّخذ المضلّين عضداً} أي أنصاراً وعزّاً وأعواناً، ويقال: فلان عضدي أي ناصري وعزّي وعوني،

ويقال: قد عاضد فلان فلاناً وقد عضده، أي قوّاه ونصره). [مجاز القرآن: 1/406]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({عضدا}: أنصارا. يقال "هو عضدي" و"قد عاضدت فلانا"). [غريب القرآن وتفسيره: 230]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ما أشهدتهم خلق السّماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متّخذ المضلّين عضدا}
أي لم يكونوا موجودين إذ خلقت السّماوات والأرض.
{وما كنت متّخذ المضلّين عضدا}.
ويقرأ {وما كنت متّخذ المضلّين} - بفتح التاء - المعنى في فتحها: ما كنت يا محمد لتتخذ المضلّين أنصارا، وضم التاء هي القراءة، وعليها المعنى.
يخبر اللّه عزّ وجلّ بقدرته، وأنه لا يعتضد فيها ولا في نصرته بالمضلّين والاعتضاد التقوى. وطلب المعونة، يقال: اعتضدت بفلان، معناه استعنت به.
و{عضدا} فيه خمسة أوجه:
وجهان منها كثيران جيّدان، وهما عضد بفتح العين وضم الضاد، وعضد - بضم العين والضاد -.
ويجوز عضدا، وعضدا،
بتسكين الضاد وضم العين وفتحها.
وقد رويت عضد بكسر الضّاد. ويجوز في عضد بكسر الضاد (عضدا) ). [معاني القرآن: 3/295-294]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم} أي لم يكونوا موجودين إذ ذاك). [معاني القرآن: 4/256]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {وما كنت متخذ المضلين عضدا} روى معمر عن قتادة قال أعوانا قال أبو جعفر وكذلك هو في اللغة يقال عضدني فلان وعاضدني أي أعانني وأعزني). [معاني القرآن: 4/256]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({عَضُداً}: أنصارا). [العمدة في غريب القرآن: 190]

تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا (52)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ويوم يقول نادوا شركائي الّذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقًا} وادٍ في جهنّم.
وقال بعضهم: موبقًا، مهلكًا.
يقول: جعلنا بينهم وصلهم الّذي كان في الدّنيا مهلكًا.
وقال قتادة: ذكر لنا أنّ نوفًا البكاليّ حدّث عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: هو وادٍ عميقٌ فرّق به يوم القيامة بين أهل الهدى وأهل الضّلالة.
وقال بعضهم: (أوبقناهم: أدخلناهم النّار)). [تفسير القرآن العظيم: 1/192]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ):
(وقوله: {وجعلنا بينهم مّوبقاً...}

يقال: جعلنا تواصلهم في الدنيا (موبقاً) يقول مهلكا لهم في الآخرة ويقال: إنه وادٍ في جهنم). [معاني القرآن: 2/147]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({وجعلنا بينهم موبقاً} أي موعداً، قال:
وحاد شروري والسّتار فلم يدع.......تعاراً له والواديين بموبق).
[مجاز القرآن: 1/406]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ويوم يقول نادوا شركائي الّذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم مّوبقاً}
وقال: {مّوبقاً} مثل {مّوعداً} من "وبق" "يبق" وتقول "أوبقته حتى وبق"). [معاني القرآن: 2/78]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({موبقا}: مهلكا ويقال قد أوبقت الرجل أي أهلكته ومنه {أو يوبقهن بما كسبوا}). [غريب القرآن وتفسيره: 231]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وجعلنا بينهم موبقاً} أي مهلكا بينهم وبين آلهتهم في جهنم.
ومنه يقال: أوبقته ذنوبه.
وقوله: {أو يوبقهنّ بما كسبوا}. ويقال: موعدا).
[تفسير غريب القرآن: 269]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ويوم يقول نادوا شركائي الّذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقا} أضافهم إليه على قولهم.
وقوله: {وجعلنا بينهم موبقا}
جعلنا بينهم من العذاب ما يوبقهم، أي يهلكهم، والموبق المهلك.
يقال "وبق الرجل يوبق، وبقا"، ويقال "ييبق، وبائق"، وفيه لغة أخرى "وبق يبق وبوقا، وهو وابق"، والأول هو وبق). [معاني القرآن: 3/295]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {ويوم يقول نادوا شركائي الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقا} وفي معناه أقوال:
- روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: مهلكا. وكذلك قال الضحاك.
- وروى معمر عن قتادة قال: هلاكا.
- وروى يزيد بن درهم عن أنس بن مالك في قوله تعالى:
{وجعلنا بينهم موبقا} قال: واديا من قيح ودم في جهنم.
- وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: واد في جهنم. وكذلك قال نوف، إلا أنه قال: يحجر بينهم وبين المؤمنين.
- وقال أبو عبيدة {موبقا}: موعدا.

- وقال عوف {موبقا}: أي جعلنا بينهم عداوة.
- قال أبو جعفر: وأصح هذه الأقوال: الأول؛ لأنه معروف في اللغة أن يقال "وبق يوبق ويابق وييبق"، ووبق يبق إذا هلك، وأوبقه الله أي أهلكه، ومنه {أو يوبقهن بما كسبوا}، ومنه أوبقت فلانا ذنوبه؛ فالمعنى: جعلنا تواصلهم في الدنيا مهلكا لهم في الآخرة، إلا أنه يجوز أن يسمى الوادي موبقا لأنه يهلك.).
[معاني القرآن: 4/258-257]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345 هـ): ({موبقا}كل شيء حاجز بين شيئين، فهو موبق). [ياقوتة الصراط: 327]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({موبقا} مهلكا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 144]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مَوْبِقا}: مهلكا). [العمدة في غريب القرآن: 190]

تفسير قوله تعالى: {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (53)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ورأى المجرمون} المشركون.
{النّار فظنّوا} فعلموا.
{أنّهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفًا} إلى غيرها). [تفسير القرآن العظيم: 1/192]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ):
(وقوله: {فظنّوا أنّهم مّواقعوها...}:
أي علموا). [معاني القرآن: 2/147]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ولم يجدوا عنها مصرفاً} أي معدلاً، وقال أبو كبير الهذليّ:
أزهير هل عن شيبةٍ من مصرف.......أم لا خلود لباذلٍ متكلّف).
[مجاز القرآن: 1/407]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({مصرفا}: معدلا). [غريب القرآن وتفسيره: 231]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فظنّوا أنّهم مواقعوها} أي علموا.
{ولم يجدوا عنها مصرفاً}: أي معدلا). [تفسير غريب القرآن: 269]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومن ذلك أن يسمّى المتضادّان باسم واحد، والأصل واحد؛ فيقال للصبح: صريم، ولليل: صريم...
ولليقين: ظنّ، لأنّ في الظن طرفا من اليقين. قال الله عز وجل: {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ}، أي يستيقنون.
وكذلك: {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ}، {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا}، و{إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ}، هذا كلّه في معنى (اليقين).
قال دريد بن الصّمة:
فقلتُ لهم: ظُنّوا بألفَي مُدجَّح.......سراتهم في الفارسيِّ المسرَّد
أي: تيقنوا بإتيانهم إيّاكم). [تأويل مشكل القرآن: 187-188] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ورأى المجرمون النّار فظنّوا أنّهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا}
القراءة (ورأى)، ويجوز "وراء" المجرمون مثل وراع، كما قال كثير:
وكل خليل راءني فهو قائل.......من أجلك هذا هامة اليوم أو غد
قوله: {فظنّوا أنّهم مواقعوها} معناه أيقنوا. وقد بيّنّا ذلك.
{ولم يجدوا عنها مصرفا} أي معدلا، قال أبو كبير:
أزهير هل عن شيبة من محرف.......أم لا خلود لباذل متكلّف).
[معاني القرآن: 3/296-295]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها}
روى معمر عن قتادة قال: أيقنوا.). [معاني القرآن: 4/258]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {ولم يجدوا عنها مصرفا}
قال أبو عبيدة: أي معدلا.). [معاني القرآن: 4/259]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مصرفا}: معدلا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 144]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مَصْرِفاً}: معدلاً). [العمدة في غريب القرآن: 190]


تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولقد صرّفنا في هذا القرءان للنّاس من كلّ مثلٍ}، كقوله: {ولقد صرّفنا للنّاس في هذا القرءان من كلّ مثلٍ} [الإسراء: 89].
{وكان الإنسان أكثر شيءٍ جدلا} يعني: الكافر يجادل في اللّه.
- الحسن، عن الحسن، قال: أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على بعض أهله وهو نائمٌ، فقال: «قم صلّه».
قال: فقال: كذا وكذا وتمطّى، وقال: (إنّما نصلّي ما قدّر لنا)، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: (({وكان الإنسان أكثر شيءٍ جدلا})).
- أبو الأشهب، عن الحسن، قال: أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على رجلٍ نائمٍ في المسجد فضربه برجله وقال: «قم صلّه».
فرفع رأسه وقال: إنّما نصلّي هكذا على ما قدّر لي.
فمضى نبيّ اللّه وهو يقول: (({وكان الإنسان أكثر شيءٍ جدلا})) ). [تفسير القرآن العظيم: 1/193]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله: {ولقد صرّفنا في هذا القرآن للنّاس من كلّ مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا}

أي من كل مثل يحتاجون إليه، أي بيّناه لهم.
وقوله: {وكان الإنسان أكثر شيء جدلا} معناه كان الكافر،
ويدل عليه قوله: {ويجادل الّذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحقّ}.
فإن قال قائل: وهل يجادل غير الإنسان؟
فالجواب في ذلك أن إبليس قد جادل، وأن كل ما يعقل من الملائكة والجنّ يجادل، ولكن الإنسان أكثر هذه الأشياء جدلا). [معاني القرآن: 3/296]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا}
- قيل: يراد بالإنسان ههنا الكفار، وهو في معنى جماعة كما قال تعالى: {إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات}.
-
وقيل: هو عام، وفي الحديث ما يدل على أنه عام؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما لام على بن أبي طالب رضي الله عنه وفاطمة معه في ترك الصلاة بالليل قال علي:(أنفسنا بيد الله إذا شاء أطلقها)، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول
: (({وكان الإنسان أكثر شيء جدلا})) ). [معاني القرآن: 4/259]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345 هـ): ({جدلا} أي: جدالا ومجادلة). [ياقوتة الصراط: 327]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا (55)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وما منع النّاس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربّهم} أي: من شركهم.
{إلا أن تأتيهم سنّة الأوّلين} ما عذّب اللّه به الأمم السّالفة.
{أو يأتيهم العذاب قبلا}: عيانًا. تفسير مجاهدٍ.
وقال ابن مجاهدٍ، عن أبيه: فجأةً.). [تفسير القرآن العظيم: 1/193]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وما منع النّاس أن يؤمنوا...}

يقال: الناس ها هنا في معنى رجل واحد.
وقوله: {إلاّ أن تأتيهم سنّة الأوّلين} أن في موضع رفع، وقوله: {سنّة الأوّلين} يقول: سنتنا في إهلاك الأمم المكذّبة.

وقوله: {أو يأتيهم العذاب قبلاً}: عياناً.
وقد تكون (قبلاً) لهذا المعنى. وتكون (قبلاً) كأنه جمع قبيل وقبل أي عذاب متفرق يتلو بعضه بعضاً).
[معاني القرآن: 2/147]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({أو يأتيهم العذاب قبلاً} أي أولاً يقال: من ذي قبلٍ، فإن فتحوا أولها فالمعنى: استئنافاً،
قال: لن يغلب اليوم جباكم قبلى؛ أي استئنافي، وإن ضمّوا أوّلها فالمعنى: مقابلة، يقال: أقبل قبل فلانٍ: انكسر، وله موضع آخر: أن يكون جميع قبيل فمعناه: أو يأتيهم العذاب قبلاً، أي قبيلاً قبيلاً، أي ضرباً ضرباً ولوناً لوناً). [مجاز القرآن: 1/407]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وما منع النّاس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربّهم إلاّ أن تأتيهم سنّة الأوّلين أو يأتيهم العذاب قبلاً}
وقال: {إلاّ أن تأتيهم سنّة الأوّلين} لأنّ "أن" في موضع اسم "إلاّ" إتيان سنّة الأوّلين). [معاني القرآن: 2/78]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({أو يأتيهم العذاب قبلا}: جمع قبيل والمعنى تأتيهم طوائف وضروب من العذاب.
قبلا قصدا وقبلا معاينة يأتيهم من قبلهم وقد يكون قبلا). [غريب القرآن وتفسيره: 231]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({إلّا أن تأتيهم سنّة الأوّلين} أي سنتنا في إهلاكهم.
{أو يأتيهم العذاب قبلًا} وقبلا أي: مقابلة وعيانا. ومن قرأ بفتح القاف والباء أراد استئنافا). [تفسير غريب القرآن: 269]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وما منع النّاس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربّهم إلّا أن تأتيهم سنّة الأوّلين أو يأتيهم العذاب قبلا}
موضع (أن) نصب.
المعنى: وما منع الناس من الإيمان {إلّا أن تأتيهم سنّة الأوّلين}.
المعنى إلا طلب أن تأتيهم سنّة الأوّلين -.
وسنّة الأوّلين أنهم عاينوا العذاب، فطلب المشركون أن قالوا:{اللّهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السّماء أو ائتنا بعذاب أليم}.
{أو يأتيهم العذاب قبلا}
ويقرأ قبلا - بكسر القاف وفتح الباء -، ويجوز قبلا - بتسكين الباء – ولم يقرا بها أحد.
وموضع (أن) في قوله (إلّا أن تأتيهم) رفع، وتأويل قِبَلا معاينة، وتأويل قُبُلاً جمع قبيل، المعنى أو يأتيهم العذاب أنواعا.
ويجوز أن يكون تأويل قبلا بمعنى من قبل أي مما يقابلهم). [معاني القرآن: 3/297-296]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين}
في الكلام حذف، والمعنى إلا طلب أن تأتيهم سنة الأولين، وسنة الأولين معاينة العذاب؛ لأنهم قالوا: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فطلبوا العذاب).
[معاني القرآن: 4/260]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {أو يأتيهم العذاب قبلا}
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: فجأة.

قال الكسائي: أي عيانا. والمعنيان متقاربان.
ويقرأ (قبلا) فأكثر أهل اللغة على أنه جمع "قبيل" أي: أنواعا وضروبا.
وقال بعضهم معنا يقابلهم كما يقال جاءه من قبل ومعنى "قبلا" أي استئنافا، كما يقال "لا أكلمك إلى عشر من ذي قبل".). [معاني القرآن: 4/261-260]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({سنة الأولين} أي سنتنا في إهلاكهم.
{قبلا} من كسر ومن ضم فمعناه: مقابلة وعيانا، ومن فتح أراد: استئنافا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 144]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({قُبُلاً}: قصدا.
{قِبَلاً}: مقابلة). [العمدة في غريب القرآن: 191]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آَيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا (56)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وما نرسل المرسلين إلا مبشّرين} بالجنّة.
{ومنذرين} من النّار.
ويبشّرونهم أيضًا بالرّزق في الدّنيا قبل الجنّة إن آمنوا. وقد فسّرناه قبل هذا الموضع.
وينذرونهم العذاب في الدّنيا قبل عذاب الآخرة إن لم يؤمنوا.
قوله: {ويجادل الّذين كفروا بالباطل ليدحضوا}: ليذهبوا.
{به الحقّ} فيما يظنّون ولا يقدرون على ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/193]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ):
({ليدحضوا به الحقّ} مجازه: ليزيلوا به الحق ويذهبوا به، ودحض هو، ويقال: "مكان دحضٌ"، أي مزلٌ مزلق، لا يثبت فيه خفّ ولا قدم ولا حافر، قال طرفة:

وردت ونحّى اليشكريّ حذاره.......وحاد كما حاد البعير عن الدّحّض).
[مجاز القرآن: 1/408]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({ليدحضوا به الحق}: ليزيلوا، يقال "مكان دحض"؛ أي زلق لا يثبت شيئا). [غريب القرآن وتفسيره: 231]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({ليدحضوا} أي: ليسقطوا، ومنه قوله - عز وجل: {حجتهم داحضة} أي: ساقطة). [ياقوتة الصراط: 327]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({ليُدْحِضوا}: ليزيلوا). [العمدة في غريب القرآن: 191]


تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {واتّخذوا آياتي وما أنذروا هزوًا * ومن أظلم} يقوله على الاستفهام، وهذا استفهامٌ على معرفةٍ.
{ممّن ذكّر بآيات ربّه فأعرض عنها} لم يؤمن بها.
{ونسي ما قدّمت يداه}، قال قتادة: أي ما سلف من الذّنوب الكثيرة.
قال: وقال الحسن: عمله السّوء.أي: لا أحد أظلم منه.
قوله: {إنّا جعلنا على قلوبهم أكنّةً} غلفًا.
{أن يفقهوه} ، يعني: لئلا يفقهوه.وهو تفسير السّدّيّ.
{وفي آذانهم وقرًا}، وهو الصّمم عن الهدى.
{وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذًا أبدًا} يعني: الّذين يموتون على شركهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/193-194]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله: {ومن أظلم ممّن ذكّر بآيات ربّه فأعرض عنها ونسي ما قدّمت يداه إنّا جعلنا على قلوبهم أكنّة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا}

{وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا}
هؤلاء قد أخبر اللّه عنهم أنهم من أهل الطبع فقال: {إنّا جعلنا على قلوبهم أكنّة أن يفقهوه}.
{أكنّة}: جمع كنانة، وهو الغطاء، وهو مثل عنان وأعنة.
فأعلم اللّه عزّ وجل أن هؤلاء بأعيانهم لن يهتدوا أبدا). [معاني القرآن: 3/297]

تفسير قوله تعالى: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (58)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({وربّك الغفور ذو الرّحمة} لمن آمن ولا يغفر أن يشرك به.
{لو يؤاخذهم بما كسبوا} بما عملوا.
{لعجّل لهم العذاب بل لهم موعدٌ لن يجدوا من دونه موئلا}
- قال الحسن: ملجأً.

- وقال قتادة: وليًّا ولا ملجأً.
- وقال المعلّى، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ: ما لهم ملجأٌ.
- وقال عاصم بن حكيمٍ وابن مجاهدٍ، عن أبيه: محرزًا.). [تفسير القرآن العظيم: 1/194]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {لّن يجدوا من دونه موئلاٍ...}

(الموئل المنجي) وهو الملجأ في المعنى واحد. والعرب تقول: إنه ليوائل إلى موضعه يريدون: يذهب إلى موضعه وحرزه.
وقال الشاعر:
لا وألت نفسك خلّيتها.......للعامريّين ولم تكلم
(يريد: لا نجت) ). [معاني القرآن: 2/148]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لن يجدوا من دونه موئلاً} مجازه منجىً، وهو من قولهم:
فلا وألت نفسٌ عليها تحاذر
أي: لا نجت.
وقال الأعشى:
وقد أخالس ربّ البيت غفلته.......وقد يحاذر منّي تم ما يئل
أي لا ينجو). [مجاز القرآن: 1/408]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وربّك الغفور ذو الرّحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجّل لهم العذاب بل لّهم مّوعدٌ لّن يجدوا من دونه موئلاً}
وقال: {موئلاٍ} من "وأل" "يئل" "وألاً"). [معاني القرآن: 2/78]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({موئلا}: ملجأ. يقال وألت إليه أي لجأت). [غريب القرآن وتفسيره: 231]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({لن يجدوا من دونه موئلًا} أي ملجأ. يقال: وأل فلان [إلى كذا وكذا]، إذا [لجأ].
ويقال: لا وألت نفسك، أي لا نجت. وفلان يوائل، أي: يسابق لينجو). [تفسير غريب القرآن: 269]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وربّك الغفور ذو الرّحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجّل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا}
الموئل: المنجا، يقال "وأل يئل" إذا نجا). [معاني القرآن: 3/297]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا}
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: ملجأ. وحكى أهل اللغة: وأل يئل إذا نجا). [معاني القرآن: 4/262-261]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({موئلا} ملجأ). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 144]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مَوئِلا}: ملجأ). [العمدة في غريب القرآن: 191]

تفسير قوله تعالى: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا (59)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وتلك القرى أهلكناهم لمّا ظلموا} لمّا أشركوا وجحدوا رسلهم.
وقال السّدّيّ: {أهلكناهم} يعني: عذّبناهم، {لمّا ظلموا} لمّا أشركوا.
{وجعلنا لمهلكهم موعدًا} الوقت الّذي جاءهم فيه العذاب.
وقال ابن مجاهدٍ، عن أبيه: موعدًا أجلا.
وقال السّدّيّ: {وجعلنا لمهلكهم موعدًا} يعني: لعذابهم موعدًا، يعني: أجلا ووقتًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/194-195]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ):
(وقوله: {لمهلكهم مّوعداً...}

يقول: لإهلاكنا إيّاهم (موعداً) أجلا وقرأ عاصم (لمهلكهم) فتح الميم واللام ويجوز (لمهلكهم) بكسر اللام تبنيه على هلك يهلك.
فمن أراد الاسم مّما يفعل منه مكسور العين كسر مفعلا.
ومن أراد المصدر فتح العين. مثل المضرب والمضرب والمدبّ والمدبّ والمفرّ والمفرّ فإذا كان يفعل مفتوح العين آثرت العرب فتحها في مفعل، اسماً كان أو مصدراً.
وربما كسروا العين في مفعل إذا أرادوا به الاسم. منهم من قال {مجمع البحرين} وهو القياس وإن كان قليلا.

فإذا كان يفعل مضموم العين مثل يدخل ويخرج آثرت العرب في الاسم منه والمصدر فتح العين؛ إلا أحرفاً من الأسماء ألزموها كسر العين في مفعل.
من ذلك المسجد والمطلع والمغرب والمشرق والمسقط والمفرق والمجزر والمسكن والمرفق من رفق يرفق والمنسك من نسك ينسك، والمنبت.
فجعلوا الكسر علامة للاسم، والفتح علامة للمصدر.
وربما فتحه بعض العرب (في الاسم) وقد قرئ مسكن ومسكن. وقد سمعنا المسجد والمسجد وهم يريدون الاسم، والمطلع والمطلع. والنصب في كلّه جائز وإن لم تسمعه فلا تنكرنه إن أتى.

وما كان من ذوات الياء والواو من دعوت وقضيت فالمفعل منه فيه مفتوح اسماً كان أو مصدراً، إلا المأقي من العين فإن العرب كسرت هذا الحرف.
وبعض العرب يسمّى مأوى الإبل مأوي فهذان نادران. وإنما امتنعوا من (كسر العين) في الياء والواو لأن الياء والواو تذهبان في السكت للتنوين الذي يلحق، فردّوها إلى الألف إذ كانت لا تسقط في السكوت.

وإذا كان المفعل من كال يكيل وشبهه من الفعل فالاسم منه مكسور، والمصدر مفتوح من ذلك مال مميلا وممالا تذهب بالكسر إلى الأسماء، وبالفتح إلى المصادر. ولو فتحتهما جميعاً أو كسرتهما في المصدر والاسم لجاز. تقول العرب: المعاش. وقد قالوا: المعيش.
وقال رؤبة ابن العجّاج:
إليك أشكو شدّة المعيش.......ومرّ أعوام نتفن ريشي

* نتف الحبارى عن قرا رهيش *
القرا: الظهر، وقال الآخر:
أنا الرجل الذي قد عبتموه.......وما فيكم لعيّاب معاب
ومثله مسار ومسير، وما كان يشبهه فهو مثله.
وإذا كان يفعل مفتوحاً من ذوات الياء والواو مثل يخاف ويهاب فالاسم والمصدر منه مفتوحان مثل المخاف والمهاب:
وما كان من الواو مضموماً مثل يقوم ويقول ويعود ويقود وأشباهه فالاسم والمصدر فيه مفتوحان، وإنما فتحوه إذا نووا الاسم ولم يكسروه كما كسر المغرب لأنهم كرهوا تحول الواو إلى الياء فتلتبس الواو بالياء.
وما كان أوّله واواً مثل وزنت وورثت ووجلت فالمفعل فيه اسماً كان أو مصدراً مكسور؛ مثل قوله: {أن لن نجعل لكم موعداً} وكذلك يوحل ويوحل المفعل منهما مكسور (في الوجهين) وزعم الكسائيّ أنه سمع موجل وموحل. ... ويمعت أنا موضع. وإنما كسروا ما أوّله الواو، لأن الفعل فيه إذا فتح يكون على وجهين. فأمّا الذي يقع فالواو منه ساقطة؛ مثل وزن يزن. والذي لا يقع تثبت واوه في يفعل. والمصادر تستوي في الواقع وغير الواقع. فلم يجعلوا في مصدريهما فرقاً، إنما تكون الفروق في فعل يفعل.
وما كان من الهمز فإنه مفتوح في الوجهين. وكأنهم بنوه على يفعل؛ لأن ما لامه همزة يأتي بفتح العين من فعل ومن فعل. فإن قلت: فلو كسروه إرادة الاسم كما كسروا مجمعاً.
قلت: لم يأت. وكأنهم أنزلوا المهموز. بمنزلة الياء والواو؛ لأن الهمز قد يترك فتلحقهما.
وما كان مفعل مشتقّاً من أفعلت فلك فيه ضمّ الميم من اسمه ومصدره. ولك أن تخرجه على أوّليته قبل أن تزاد عليه الألف. فتقول: أخرجته مخرجاً ومخرجاً، وأنزلته منزلاً ومنزلاً.
وقرئ {أنزلني منزلا مباركاً} {وأنت خير المنزلين} و{منزلا}.
وما كان ممّا يعمل به من الآلة مثل المروحة والمطرقة وأشباه ذلك مما تكون فيه الهاء أو لا تكون فهو مكسور الميم منصوب العين؛ مثل المدرع والملحف والمطرق وأشباه ذلك. إلا أنهم. قالوا: المطهرة والمطهرة، والمرقاة والمرقاة والمسقاة والمسقاة. فمن كسرها شبّهها بالآلة التي يعمل بها. ومن فتح قال: هذا موضع يفعل فيه فجعله مخالفاً ففتح الميم؛ ألا ترى أن المروحة وأشباهها آلة يعمل بها، وأن المطهرة والمرقاة في موضعهما لا تزولان يعلم فيهما.
وما كان مصدراً مؤنّثاً فإنّ العرب قد ترفع عينه؛ مثل المقدرة وأشباهه. ولا يفعلون ذلك في مذكّر ليست فيه الهاء؛ لأن الهاء إذا أدخلت سقط عنها بناء فعل يفعل فصارت اسماً مختلفاً، ومفعل يبنى على يفعل، فاجتنوا الرّفعة في مفعل، لأن خلقة يفعل التي يلزمها الضمّ كرم يكرم فكرهوا أن يلزموا العين من مفعل ضمّة فيظنّ الجاهل أن في مفعل فرقاً يلزم كما يلزم فعل يفعل الفروق، ففتحت إرادة أن تخلط بمصادر الواقع. فأمّا قول الشاعر:
* ليوم روعٍ أو فعال مكرم *
فإنه جمع مكرمة ومكرم. ومثله قول الآخر:
بثين الزمى لا إنّه إن لزمته.......على كثرة الواشين أي معون
أراد جمع معونة. وكان الكسائيّ يقول: هما مفعل نادران لا يقاس عليهما وقد ذهب مذهباً. إلاّ أني أجد الوجه الأول أجمل للعربية ممّا قال. وقد تقلب فيه الياء إلى الواو فيقال:
وكنت إذا جارى دعا لمضوفةٍ.......أشمّر حتى ينصف الساق مئزري
جعلها مفعلة وهي من الياء فقبلها إلى الواو لضمّة ما قبلها، كما قالوا: قد سور به.
وقد قالت العرب في أحرف فضمّوا الميم والعين، وكسروا الميم والعين جميعاً. فممّا ضمّوا عينه وميمه قولهم: مكحلة ومسعط ومدهن ومدقّ. ومما كسروا ميمه وعينه منخر ومنتن. ومما زادوا عليه ياء للكسر، وواواً للضم مسكين ومنديل ومنطق. والواو نحو مغفور ومغثور وهو الذي يسقط على الثمام ويقال للمنخر: منخور وهم طيّء. والذين ضمّوا أوله وعينه شبّهوا الميم بما هو من الأصل، كأنه فعلول. وكذلك الذين كسروا الميم والعين شبّهوه بفلعيل وفعلل.
وما كان من ميم زائدة أدخلتها على فعل رباعي قد زيد على ثلاثيّة شيء من الزيادات فالميم منه في الفاعل والمفعول به والمصدر مضمومة. من ذلك قولك رجل مستضربٌ (ومستضربٌ) ومستطعم ومستطعم. يكون المستطعم - بالفتح - مصدراً ورجلا وكذلك المضارب هو الفاعل والمضارب - بالفتح - مصدر ورجل. وكلّ الزيادات على هذا لا ينكسر، ولا يختلف فيه في لغات ولا غيرها؛ إلا أن من العرب - وهم قليل - من يقول في المتكبّر: متكبّر كأنهم بنوه على يتكبّر. وهو من لغة الأنصار وليس مما يبنى عليه.
- ... وحدّثت أن بعض العرب يكسر الميم في هذا النوع إذا أدغم فيقول هم المطّوّعة والمسّمع للمستمع. وهم من الأنصار. وهي من المرفوض.
وقالت العرب: موهب فجعلوه اسماً موضوعا على غير بناء، وموكل اسماً موضوعاً. ومنه موحد لأنهم لم يريدوا مصدر وحد، إنما جعل اسماً في معنى واحد مثل مثنى وثلاث ورباع. وأما قولهم: مزيد ومزود فهما أيضاً اسمان مختلفان على غير بناء الفعل؛ ولك في الاختلاف أن تفتح ما سبيله الكسر إذا أشبه بعض المثل، وتضمّ المفتوح أو تكسره إذا وجّهته إلى مثالٍ من أسمائهم كما قيل معفور للذي يسقط على الثمام وميمه زائدة فشبه بفعلول، وكما قالت العرب: (في المصير وهو من صرت مصران للجميع) ومسيل الماء وهو مفعل: مسلان للجميع فشبّهوا مفعلا بفعيل؛ ألا ترى أنهم قالوا سؤته مسائية وإنما هي مساءة على مفعلة فزيدت عليها الياء من آخرها كما تزاد على فعالة نحو كراهة وكراهية وطبانة وطبانية).
[معاني القرآن: 2/153-148]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ( {وتلك القرى أهلكناهم لمّا ظلموا وجعلنا لمهلكهم مّوعداً}
وقال: {وتلك القرى أهلكناهم لمّا ظلموا} يعني: أهلها كما قال: {وسأل القرية} ولم يجيء بلفظ "القرى" ولكن أجرى اللفظ على القوم وأجرى اللفظ في "القرية" عليها، إلى قوله: {الّتي كنّا فيها}، وقال: {أهلكناهم} ولم يقل "أهلكناها" حمله على القوم كما قال "وجاءت تميم" وجعل الفعل لـ"بني تميم" ولم يجعله لـ"تميم"، ولو فعل ذلك لقال: "جاء تميم"، وهذا لا يحسن في نحو هذا؛ لأنه قد أراد غير تميم في نحو هذا الموضع فجعله اسما ولم يحتمل إذا اعتل أن يحذف ما قبله كله يعني التاء من "جاءت" مع "بني"، وترك الفعل على ما كان ليدل على أنه قد حذف شيئا قبل "تميم"). [معاني القرآن: 2/79-78]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وتلك القرى أهلكناهم لمّا ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا}
المعنى وأهل تلك القرى أهلكناهم، يعنى به من أهلك من الأمم الخالية، نحو عاد وثمود وقوم لوط ومن ذكر بالهلاك.
وقوله: {وجعلنا لمهلكهم موعدا} أي أجلا، وفيها ثلاثة أوجهلـ"مهلكهم"، وتأويل المهلك على ضربين؛ على المصدر، وعلى الوقت، معنى المصدر لإهلاكهم، ومعنى الوقت لوقت هلاكهم. وكل فعل ماض على أفعل فالمصدر منه مفعل، أو إفعال، واسم الزمان منه مفعل،وكذلك اسم المكان، تقول أدخلته مدخلا، وهذا مدخله أي المكان الذي يدخل زيد منه، وهذا مدخله أي وقت - إدخاله.
ويجوز أن يقرأ (لمهلكهم) على أن يكون مهلك اسما للزمان على معنى هلك يهلك.

وهذا زمن مهلكه مثل جلس يجلس، إذا أردت المكان أو الزمان، فإذا أردت المصدر قلت مهلك بفتح اللام مثل مجلس، يقال: "أتت الناقة على مضربهاأي على زمان ضرابها، وتقول جلس مجلسا - بفتح اللام - ومثله هلك مهلكا أي هلكا.
وموضع {تلك القرى} رفع بالابتداء، والقرى صفة لها مبيّنة، وأهلكناهم خبر الابتداء. وجائز أن يكون موضع (تلك القرى) نصبا ويكون {أهلكناهم} مفسّرا للناصب،
ويكون المعنى وأهلكنا تلك القرى أهلكناهم). [معاني القرآن: 3/298-297]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا} والمعنى أهل القرى). [معاني القرآن: 4/262]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( ثم قال جل عز: {وجعلنا لمهلكهم موعدا} يجوز أن يكون المعنى لإهلاكهم فيكون مصدرا ويجوز أن يكون المعنى لوقت إهلاكهم ومن قرأ لمهلكهم ذهب إلى أن المعنى لهلاكهم كما يقال جلس مجلسا واسم الموضع المجلس وهلك مهلكا واسم الموضع المهلك
قال مجاهد موعدا أي أجلا). [معاني القرآن: 4/263-262]


رد مع اقتباس