عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 13 محرم 1432هـ/19-12-2010م, 06:58 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 27 إلى 31]

{وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28) وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31)}

تفسير قوله تعالى: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {واتل ما أوحي إليك من كتاب ربّك لا مبدّل لكلماته}
لا يحكم في الآخرة بخلاف ما قال في الدّنيا، هو كقوله: {ما يبدّل القول لديّ}.
قوله: {ولن تجد من دونه ملتحدًا}
قال قتادة: وليًّا ولا مولًى.). [تفسير القرآن العظيم: 1/180-181]

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ):
(وقوله: {ملتحداً...}
الملتحد: الملجأ). [معاني القرآن: 2/139]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({ملتحدا}
- قالوا: ملجأ.
- وقال بعضهم: معدلا مأخوذ من الإلحاد.). [غريب القرآن وتفسيره: 227]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ملتحداً} أي معدلا. وهو من ألحدت ولحدت: إذا عدلت). [تفسير غريب القرآن: 266]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {واتل ما أوحي إليك من كتاب ربّك لا مبدّل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا}
أي لن تجد معدلا عن أمره ونهيه، ولا ملجأ إلا إليه.
وكذلك: {لا مبدّل لكلماته} أي ما أخبر الله به، وما أمر به فلا مبدّل له). [معاني القرآن: 3/280]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا} قال مجاهد أي ملجأ أي يمنعك منه جل وعز.
قال أبو جعفر: وهو حسن في اللغة وأصله في اللغة من اللحد وهو من الميل والملحد المائل عن الحق العادل عنه فإذا ألحدت إلى الشيء فقد ملت إليه.). [معاني القرآن: 4/229]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({ملتحدا} أي: ملجأ). [ياقوتة الصراط: 324]

تفسير قوله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {واصبر نفسك مع الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ}
قال قتادة: وهما الصّلاتان: صلاة الفجر وصلاة العصر.

وإنّما فرضت الصّلوات قبل خروج النّبيّ من مكّة إلى المدينة بسنةٍ.
نزلت في سلمان الفارسيّ، وبلالٍ، وصهيبٍ، وخبّاب بن الأرتّ، وسالمٍ مولى أبي حذيفة.
قال المشركون للنّبيّ: إن أردت أن نجالسك فاطرد عنّا هؤلاء القوم؛ فأنزل اللّه: {ولا تطرد الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ} .
{يريدون وجهه ولا تعد عيناك} محقّرةً لهم إلى غيرهم.
{تريد زينة الحياة الدّنيا}
الخليل بن مرّة قال: سمعت معاوية بن قرّة يقول في هذه الآية: {واصبر نفسك مع الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ}، قال: في الصّلاة.
- الحسن بن دينارٍ، عن قتادة قال: لمّا نزلت: {واصبر نفسك مع الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ} قال رسول اللّه: ((الحمد للّه الّذي جعل في أمّتي من أصبر نفسي معه))، أو قال: ((من أمرت أن أصبر نفسي معه)).
- أشعث، عن يعلى بن عطاءٍ، عن عمرو بن عاصمٍ، عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((لذكر اللّه بالغداة والعشيّ أفضل من خطم السّيوف في سبيل اللّه ومن إعطاء المال سحًّا)).
- الحسن بن دينارٍ، عن قتادة، عن أنس بن مالكٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليهوسلّم أتى على سراقة بن مالكٍ وهو يحدّث أصحابه، فلمّا رأى النّبيّ أمسك، ورئي في نفسه أنّ النّبيّ أحقّ بالمجلس، فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ((حدّث فوالّذي نفسي بيده لأن أصبر نفسي مع قومٍ يذكرون اللّه من صلاة الصّبح حتّى تطلع الشّمس أحبّ إليّ من أن أعتق أربعةً محرّرين)).
- الرّبيع بن صبيحٍ، عن يزيد الرّقاشيّ، عن أنس بن مالكٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((لأن أجالس قومًا يذكرون اللّه بعد صلاة العصر حتّى تغيب الشّمس أحبّ إليّ من أن أعتق ثمانيةً من ولد إسماعيل)).
قوله: {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتّبع هواه}، يعني: شهوته. تفسير السّدّيّ.
{وكان أمره فرطًا} ضياعًا في تفسير مجاهدٍ والسّدّيّ.
وقال: كان مقصّرًا مضيّعًا وهو مثل قوله: {يا حسرتى على ما فرّطت في جنب اللّه} ، يعني: ضيّعت وقصّرت.
قال يحيى: ومثل قوله: {يا حسرتنا على ما فرّطنا فيها} ). [تفسير القرآن العظيم: 1/181-182]

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ):
(وقوله: {بالغداة والعشيّ...}

قرأ أبو عبد الرحمن السّلمي {بالغدوة والعشّي} ولا أعلم أحداً قرأ غيره. والعرب لا تدخل الألف واللام في الغدوة؛ لأنها معرفة بغير ألف ولام سمعت أبا الجراح.
يقول: ما رأيت كغدوة قطّ، يعني غداة يومه. وذاك أنها كانت باردة؛ ألا ترى أن العرب لا تضيفها فكذلك لا تدخلها الألف واللام.
إنما يقولون: أتيتك غداة الخميس، ولا يقولون: غدوة الخميس. فهذا دليل على أنها معرفة.
وقوله: {ولا تعد عيناك عنهم} الفعل للعينين: لا تنصرف عيناك عنهم. وهذه نزلت في سلمان وأصحابه.
وقوله: {وكان أمره فرطاً} متروكاً قد ترك فيه الطاعة وغفل عنها. ويقال إنه أفرط في القول فقال: نحن رءوس مضر وأشرافها، وليس كذلك. وهو عيينة بن حصن.
وقد ذكرنا حديثه في سورة الأنعام). [معاني القرآن: 2/140-139]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({ولن تجد من دونه ملتحداً} أي معدلاً واللّحد منه والإلحاد). [مجاز القرآن: 1/398]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ( {واصبر نفسك مع الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدّنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتّبع هواه وكان أمره فرطاً}
وقال: {ولا تعد عيناك عنهم} أي: العينان فلا تعدوان). [معاني القرآن: 2/76]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({ولا تعد عيناك}: أي لا تجاوز، من تعديت). [غريب القرآن وتفسيره: 227]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ولا تعد عيناك عنهم} أي لا تتجاوزهم إلى زينة الحياة الدنيا.
{وكان أمره فرطاً} أي ندما. [هذا] قول أبي عبيدة: وقول
المفسرين: سرفا. وأصله العجلة والسّبق. يقال: فرط مني قول قبيح: أي سبق. وفرس فرط: أي متقدم.
و(السّرادق) الحجرة التي تكون حول الفسطاط. وهو دخان يحيط بالكفار يوم القيامة. وهو الظل ذو الثلاث شعب، الذي ذكره اللّه في سورة والمرسلات عرفا). [تفسير غريب القرآن: 267-266]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {واصبر نفسك مع الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدّنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتّبع هواه وكان أمره فرطا}
وقرئت بالغدوة والعشي، وبالغداة والعشي أجود في قول جميع العلماء لأن " غدوة " معرفة لا تدخلها الألف واللام، والذين أدخلوا الألف واللام جعلوها نكرة،
ومعنى {يدعون ربهم بالغداة والعشي} أي: يدعونه بالتوحيد والإخلاص له، ويعبدونه يريدون وجهه، أي لا يقصدون بعبادتهم إلا إياه.
وقوله: {ولا تعد عيناك عنهم} أي: لا تصرف بصرك إلى غيرهم من ذوي الهيئات والزينة.
روي أن جماعة من عظماء المشركين قالوا للنبي عليه السلام،: باعد عنك هؤلاء الذين رائحتهم كرائحة الضّأن، وهم موال وليسوا بأشراف لنجالسك ولنفهم عنك، يعنون خبّابا، وصهيبا وعمّارا - وبلالا ومن أشبههم، فأمره اللّه بأن لا يفعل ذلك وأن يجعل إقباله على المؤمنين وألا يلتفت إلى غيرهم فقال: {ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدّنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتّبع هواه وكان أمره فرطا}أي كان أمره التفريط، والتفريط تقديم العجز). [معاني القرآن: 3/281-280]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (قوله جل وعز: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه}
روى ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر قال: الصلاة المكتوبة.
قال مجاهد وإبراهيم: الصلوات الخمس.). [معاني القرآن: 4/230]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا} أي لا تتجاوزهم إلى المترفين.
وروى عن الحسن أنه قرأ {ولا تعد عينيك عنهم} بتشديد الدال والنصب). [معاني القرآن: 4/231-230]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا} قال مجاهد: أي ضياعا.
قال أبو جعفر: وقيل إسرافا وقيل ندما وهذه الأقوال متقاربة وهو من الإفراط في الشيء والتجاوز فيه وبين هذا أن سفيان بن سعيد
قال: هو عيينة بن حصن، وقال غيره قال أنا أشرف مضر وأجلها فهذا هو التجاوز بعينه
وقال الفراء: فرطا متروكا قد تركت فيه الطاعة.). [معاني القرآن: 4/232-231]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ( {فرطا} أي: عجلة بغير تثبت). [ياقوتة الصراط: 324]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {ولا تعد عيناك} أي لا تتجاوز.
{فرطا} أي ندما، وقيل: سرفا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 143-142]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({ولا تَعْدُ}: لا تجاوز). [العمدة في غريب القرآن: 188]


تفسير قوله تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {وقل الحقّ من ربّكم} سعيدٌ، عن قتادة، قال: وهو القرآن.
قال: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} هذا وعيدٌ.
أي: من آمن دخل الجنّة، ومن كفر دخل النّار.
قال: {إنّا أعتدنا} أعددنا.
{للظّالمين} للمشركين.
{نارًا أحاط بهم سرادقها} سورها.
ولها عمدٌ، فإذا مدّت تلك العمد أطبقت على أهلها، وذلك حين يقول: {اخسئوا فيها ولا تكلّمون} فإذا قال ذلك أطبقت عليهم، وهو قوله: {إنّها عليهم مؤصدةٌ * في عمدٍ ممدّدةٍ} [الهمزة: 8-9].
قوله: {وإن يستغيثوا يغاثوا بماءٍ كالمهل}
- سعيدٌ، عن قتادة، قال: ذكر لنا أنّ عبد اللّه بن مسعودٍ هديت له سقاية ذهبٍ وفضّةٍ، فأمر بخدودٍ فخدّت في الأرض، ثمّ قذف فيها من جزل الحطب، ثمّ قذف فيها تلك السّقاية، حتّى إذا أزبدت وامّاعت، قال لغلامه: ادع من بحضرتنا من أهل الكوفة.
فدعا رهطًا، فلمّا دخلوا عليه قال: أترون هذا؟ قالوا: نعم، قال: ما رأينا في الدّنيا شبهًا للمهل أدنى من هذا الذّهب وهذه الفضّة حين أزبد وامّاع.
عثمان، عن زيد بن أسلم، قال: كعكر الزّيت.
وقال ابن مجاهدٍ، عن أبيه، قال: المهل: القيح والدّم.
قوله: {يشوي الوجوه} يحرق الوجوه إذا أهوى ليشربه.
{بئس الشّراب وساءت مرتفقًا} قال قتادة: منزلا ومأوًى، يعني النّار.
وقال مجاهدٌ، عن أبيه: {وساءت مرتفقًا} مجتمعًا.
وقوله: {وساءت} بئس المنزل والمأوى هي. وهذا وعيدٌ لمن كفر). [تفسير القرآن العظيم: 1/182-183]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {ولا تعد عيناك عنهم} جرم لأن مجازه مجاز النهى، والموضع: لا تجاوز عيناك، ويقال: ما عدوت ذلك أي ما جاوزته.

{وكان أمره فرطا} أي سرفاً وتضييعاً). [مجاز القرآن: 1/398]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ( {وقل الحقّ من رّبّكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنّا أعتدنا للظّالمين ناراً أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشّراب وساءت مرتفقاً}
وقال: {وقل الحقّ من رّبّكم} أي: قل هو الحقّ. وقوله: {وساءت مرتفقاً} أي: وساءت الدار مرتفقا). [معاني القرآن: 2/77]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ( {سرادقها}: مثل الحجرة التي تطيف بالفسطاط.
{المهل}: قالوا كدردي الزيت وقالوا كلما أذبته من نحاس أو رصاص أو فضة.
{مرتفقا}: متكأ يقال ارتفقت أي اتكأت على مرفقه). [غريب القرآن وتفسيره: 228-227]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( و (المهل) دردي الزيت. ويقال: ما أذيب من النّحاس والرّصاص.
{وساءت مرتفقاً} أي مجلسا. وأصل الارتفاق: الاتكاء على المرفق). [تفسير غريب القرآن: 267]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وقل الحقّ من ربّكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنّا أعتدنا للظّالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشّراب وساءت مرتفقا }
المعنى وقل الذي أتيتكم به الحقّ من ربّكم.
{فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}.
هذا الكلام ليس بأمر لهم، ما فعلوه منه فهم فيه مطيعون، ولكن كلام وعيد وإنذار قد بين بعده ما لكل فريق من مؤمن وكافر.
قال عزّ وجلّ: {إنا أعتدنا للظّالمين نارا}.
معنى أعتدنا جعلناها عتادا لهم كما تقول: جعلت هذا عدة لهذا.
والعتاد: الشيء الثابت اللازم.
وقوله: {أحاط بهم سرادقها} أي صار عليهم سرادق من العذاب، والسرادق كل ما أحاط بشيء نحو الشقة في المضرب والحائط المشتمل على الشيء.
وقوله: (كالمهل) يعنى أنهم يغاثون بماء كالرّصاص المذاب أي الصّفر والفضّة، وكل ما أذبته من هذه الأشياء فهو مهل.
وقيل المهل: درديّ الزّيت أيضا.
وقيل المهل صديد الجرح.
{يشوي الوجوه} أي إذا قدّم ليشرب أشوى الوجه من حرارته.
{بئس الشّراب وساءت مرتفقا}.
(مرتفقا) منصوب على التمييز، و (مرتفقا) منزلا.
وقال أهل اللغة (مرتفقا): متكأ.
وأنشدوا:

إني أرقت فبتّ الليل مرتفقا.......كأنّ عيني فيها الصّاب مذبوح).
[معاني القرآن: 3/283-281]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( ثم قال جل وعز: {وقل الحق من ربكم} المعنى وقل الذي جئتكم به الحق الحق من ربكم). [معاني القرآن: 4/232]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( ثم قال جل وعز: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}
هذا على التهديد). [معاني القرآن: 4/232]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( ثم قال جل وعز: {إنا أعتدنا للظالمين نارا}
أي جعلناها لهم عتادا والعتاد الثابت اللازم وهو مثل العدة). [معاني القرآن: 4/232]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( ثم قال جل وعز: {أحاط بهم سرادقها}
(السرادق) في اللغة: كل شيء محيط بشيء،
قيل إنه يراد به الدخان الذي يحيط بالكفار يوم القيامة وهو الذي ذكره الله في قوله سبحانه: {انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب} ). [معاني القرآن: 4/232-233]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( ثم قال جل وعز: {وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه}

- روى هشيم عن عوف عن الحسن قال جاء قوم إلى عبد الله بن مسعود يسألونه عن المهل فأخذ فضة فأذابها حتى انماعت ثم أذن لهم بالدخول فقال لهم هذا أشبه بالمهل.
- وروى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: المهل دردي الزيت.
- وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: المهل القيح والدم.
قال أبو جعفر: وهذه الأقوال متقاربة وإنما هو ما تمهل وسكن وأكثر ما يستعمل لدردي الزيت كما قال ابن عباس.). [معاني القرآن: 4/234-233]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( ثم قال جل وعز: {يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا} المعنى وساءت النار مرتفقا
قال مجاهد: أي مجتمعا.
وقال غيره أي مجلسا.

قال أبو جعفر: والمعروف في اللغة أن المرتفق المتكأ وأنشد أهل اللغة:
إني أرقت فبت الليل مرتفقا.......كأن عيني فيها الصاب مذبوح
قال أبو جعفر: ولا يمتنع أن يكون المعنى موضع مرتفق.). [معاني القرآن: 4/235-234]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} قال ثعلب: هذا تهدد ووعيد،
كما قال: {اعملوا ما شئتم} إنما هو تهديد ووعيد، وليس بأمر). [ياقوتة الصراط: 324]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({إنا أعتدنا} أي: أعددنا). [ياقوتة الصراط: 325]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ):{سرادقها} أي: سورها). [ياقوتة الصراط: 325]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({كالمهل}: المهل: المذاب من الرصاص). [ياقوتة الصراط: 325]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ((والسرادق) دخان يحيط بالكفار كسرادق الفسطاط، وهو الظل). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 143]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (والمهل) دردي الزيت. وقيل: هو ما أذيب من الرصاص والنحاس.
{وساءت مرتفقا} أي مجلسا، وأصل الارتفاق الجلوس والاتكاء على المرافق). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 143]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({السُّرَادِقُ}: حول الفسطاط.
{المُهْلِ}: النحاس.
{مُرْتَفَقاً}: متكأً). [العمدة في غريب القرآن: 188]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات إنّا لا نضيع...}
خبر {الّذين آمنوا} في قوله: {إنّا لا نضيع} وهو مثل قول الشاعر:
إن الخليفة إنّ الله سربله.......سربال ملك بها تزجى الخواتيم
كأنه في المعنى: إنا لا نضيع أجر من عمل صالحاً فترك الكلام الأول واعتمد على الثاني بنيّة التكرير؛ كما قال {يسألونك عن الشّهر الحرام} ثم قال {قتالٍ فيه} يريد: عن قتال فيه بالتكرير ويكون أن تجعل {إنّ الّذين آمنوا وعملوا} في مذهب جزاء، كقولك: إن من عمل صالحاً فإنا لا نضيع أجره، ب: فتضمر فتضمّن الفاء في قوله (فإنّا) وإلقاؤها جائز.
وهو أحبّ الوجوه إليّ.
وإن شئت جعلت خبرهم مؤخّرا كأنك قلت: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم جنّات عدن}).
[معاني القرآن: 2/140]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (إنّا أعتدنا) من العتاد وموضعه موضع أعددنا من العدة.
{أحاط بهم سرادقها} كسرادق الفسطاط وهي الحجرة التي تطيف بالفسطاط، قال رؤبة:
يا حكم بن المنذر بن الجارود.......أنت الجواد بن الجواد المحمود
سرادق المجــد إليــــك ممـدود....... . . . . . . . . . . . . . . . .
وقال سلامة بن جندل:
هو المولج النّعمان بيتاً سماؤه.......صدور بعد بيتٍ مسردق
أي له سرادق.
{يغاثوا بماءٍ كالمهل} كل شئ أذبته من نحاس أو رصاص ونحو ذلك فهو مهل، وسمعت المنتجع بن نبهان يقول: والله لفلانٌ أبغض إلىّ من الطّلياء والمهل،
فقلنا: وما هما فقال الجرباء والملّة التي تنحدر عن جوانب الخبزة إذا ملت في النار من النار كأنه مهلة حمراء مدقّفة فهي جمرة.
{وساءت مرتفقاً} أي متّكئاً، قال أبو ذؤيب الهذليّ:
إنّي أرقت فبتّ الليل مرتفقاً.......كأنّ عينيّ فيها الصاب مذبوح
وذبحه: انفجاره، قال: وهو شديد وحكى عن أبي عمرو بن العلاء أو غيره يقال: انفقأت واحدة فقطّرت في عيني فكأنه كان في عيني وتدٌ). [مجاز القرآن: 1/401-398]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات إنّا لا نضيع أجر من أحسن عملاً}
وقال: {إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات إنّا لا نضيع أجر من أحسن عملاً} لأنه لما قال: {لا نضيع أجر من أحسن عملاً} كان في معنى: لا نضيع أجورهم لأنهم ممن أحسن عملا). [معاني القرآن: 2/77]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (و(إنَّ الثقيلة) تزاد كقوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا}
وكذلك قوله: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ}.
وقال الشاعر:
إنَّ الخليفة إنَّ الله سَرْبَلَهُ.......سِرْبَالِ مُلْكِ به تُرجى الخواتيمُ).
[تأويل مشكل القرآن: 251]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات إنّا لا نضيع أجر من أحسن عملا }
خبر (إنّ) هنا على ثلاثة أوجه:
فأحدها: أن يكون على إضمار " إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا منهم" ، ولم يحتج إلى ذكر منهم لأن الله تعالى قد أعلمنا أنه يحبط عمل غير المؤمنين،
قال عزّ وجلّ: {وعد اللّه الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما}.
ويجوز أن يكون خبر (إنّ): {أولئك لهم جنّات عدن}
ويكون قوله: {إنّا لا نضيع أجر من أحسن عملا} قد فصل به بين الاسم وخبره، لأن فيه ذكر ما في الأول، لأن من أحسن
عملا بمنزلة الذين آمنوا.
ووجه ثالث، أن يكون الخبر {إنّا لا نضيع أجر من أحسن عملا} في معنى إنا لا نضيع أجرهم، لأن ذكر " من " كذكر الذي، وذكر حسن العمل كذكر الإيمان.
فيكون كقولك: إن الذين يعملون الصالحات إن الله لا يضيع أجر من آمن، فهو كقولك إن اللّه لا يضيع أجرهم). [معاني القرآن: 3/283]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل ذكره: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا}
قال أبو جعفر: حدثنا أبو عبد الله أحمد بن علي بن سهل قال: حدثنا محمد بن حميد قال: نا يحيى بن الضريس عن زهير بن معاوية عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال: (قدم أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع والنبي صلى الله عليه وسلم واقف بعرفات على ناقته الصهباء؛ فقال: إني رجل متعلم فأخبرني عن قول الله {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا}؛ قال النبي عليه السلام: ((يا أعرابي ما أنت منهم ببعيد وما هم منك ببعيد هؤلاء الأربعة الذين هم وقوف معي؛
أبو بكر وعمر وعثمان وعلي فاعلم قومك أن هذا الآية نزلت في هؤلاء الأربعة)) ) ). [معاني القرآن: 4/236-235]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (ثمّ أخبر بوعده لمن آمن فقال: {إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات إنّا لا نضيع أجر من أحسن عملا * أولئك لهم جنّات عدنٍ تجري من تحتهم الأنهار} قد فسّرناه قبل هذا الموضع.
قوله: {يحلّون فيها من أساور من ذهبٍ} ابن لهيعة، أنّ رسول اللّه قال: ((إنّ الرّجل من أهل الجنّة لو بدا إسواره لغلب على ضوء الشّمس)).
وأخبرني بعض أصحابنا، عن يحيى بن سعيدٍ، عن سعيد بن المسيّب، قال: ليس من أهل الجنّة أحدٌ إلا وفي يده ثلاثة أسورةٍ: إسوارٌ من ذهبٍ، وإسوارٌ من فضّةٍ، وإسوارٌ من لؤلؤٍ.
قال: وهو قوله: {يحلّون فيها من أساور من ذهبٍ ولؤلؤًا}، وقوله: {وحلّوا أساور من فضّةٍ}.
قوله: {ويلبسون ثيابًا خضرًا من سندسٍ وإستبرقٍ} سعيدٌ، عن قتادة، عن عكرمة قال: أمّا السّندس فقد رأيتموه.
قال يحيى: السّندس الّذي قال عكرمة يعمل بالسّوس، وهو الخزّ.
قال عكرمة: وأمّا الإستبرق: فالدّيباج الغليظ.
قال يحيى: سمعت بعض أهل الكوفة يقول: هي بالفارسيّة استبره.
- قوله: {متّكئين فيها على الأرائك} حدّثني أشعث، عن حصين بن عبد الرّحمن، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: على السّرر في الحجال.
قال يحيى: وبلغني عن سعيد بن جبيرٍ أنّها أيضًا مزمولةٌ بقضبان اللّؤلؤ الرّطب.
وقال الحسن: مرمولةٌ بالدّرّ والياقوت.
وحدّثني خالدٌ، عن ليث بن أبي سليمٍ، عن عبد الرّحمن بن سابطٍ، قال: يعانق الرّجل زوجته قدر عمر الدّنيا كلّه لا يملّها ولا تملّه.
- وبلغني عن أبان بن أبي عيّاشٍ، عن شهر بن حوشبٍ، عن معاذ بن جبلٍ قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((إنّ الرّجل في الجنّة ليتنعّم في تكاةٍ واحدةٍ سبعين عامًا)).
- وأخبرني رجلٌ من أهل الكوفة، عن الكلبيّ، عن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، أنّ الرّجل من أهل الجنّة يتّكئ على أحد شقّيه فينظر إلى زوجته كذا وكذا سنةً، ثمّ يتّكئ على الشّقّ الآخر فينظر إليها مثل ذلك في قبّةٍ حمراء من ياقوتةٍ حمراء ولها ألف بابٍ وله فيها سبع مائة امرأةٍ.
قوله: {نعم الثّواب وحسنت مرتفقًا} منزلا ومأوًى، يعني: الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 1/184-185]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {يحلّون فيها من أساور من ذهبٍ...}

لو ألقيت (من) الأساور كانت نصباً. ولو ألقيت (من) من الذهب جاز نصبه على بعض القبح، لأن الأساور ليس بمعلوم عددها، وإنما يحسن النصب في المفسّر إذا كان معروف العدد، كقولك: عندي جبّتان خزّا، وأسواران ذهباً، وثلاثة أساور ذهبا. فإذا قلت: عندي أساور ذهباً فلم تبيّن عددها كان بمن، لأن المفسّر ينبغي لما قبله أن يكون معروف المقدار.
ومثله قول الله تبارك وتعالى: {وينزّل من السماء من جبالٍ فيها من برد} المعنى: فيها جبال برد، فدخلت (من) لأن الجبال غير معدودة في اللفظ.
ولكنه يجوز كأنك تريد بالجبال والأساور الكثيرة، كقول القائل: ما عنده إلا خاتمان ذهباً قلت أنت: عنده خواتم ذهباً لمّا أن كان ردّا على شيء معلوم العدد فأنزل الأساور والجبال من برد على هذا المذهب.

فأمّا (يحلّون) فلو قال قائل: يحلون لجاز، لأن العرب تقول: امرأة حالية، وقد حليت فهي تحلى إذا لبست الحلي فهي تحلى حليّاً وحلياً.
وقوله: {نعم الثّواب} ولم يقل: نعمت الثواب، وقال {وحسنت مرتفقاً} فأنّث الفعل على معنى الجنّة ولو ذكّر بتذكير المرتفق كان صوابا، كما قال {وبئس المهاد} {وبئس القرار} {وبئس المصير} وكما قال {بئس للظالمين بدلاً} يريد إبليس وذرّيتّه، ولم يقل بئسوا.
وقد يكون (بئس) لإبليس وحده أيضاً. والعرب توحّد نعم وبئس وإن كانتا بعد الأسماء فيقولون: أمّا قومك فنعموا قوماً، ونعم قوماً، وكذلك بئس. وإنما جاز توحيدها لأنهما ليستا بفعل يلتمس معناه، إنما أدخلوهما لتدلاّ على المدح والذمّ، ألا ترى أن لفظهما لفظ فعل وليس معناهما كذلك، وأنه لا يقال منهما يبأس الرجل زيد، ولا ينعم الرجل أخوك، فلذلك استجازوا الجمع والتوحيد في الفعل. ونظيرهما {عسى أن يكونوا خيراً منهم} وفي قراءة عبد الله (عسوا أن يكونوا خيراً منهم) ألا ترى أنك لا تقول، هو يعسى كما لم تقل يبأس). [معاني القرآن: 2/140-142]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({أساور من ذهبٍ} واحدها: إسوار ومن جعلها سوار فإن جمعه سور وما بين الثلاثة إلى العشرة أسورة.
{متّكئين فيها على الأرائك} واحدتها أريكة وهي السّرر في الحجال قال ذو الرّمّة:
خدوداً جفت في السّير حتى كأنما.......يباشرن بالمعزاء مسّ الأرائك
وقال الأعشى:
الرّواق وجانبٍ من سترها.......منها وبين أريكة الأنضاد).
[مجاز القرآن: 1/401]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ( {الأرائك}: السرر في الحجال واحدتها أريكة). [غريب القرآن وتفسيره: 228]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {أساور} جمع: أسوار.
و(السّندس) رقيق الديباج.
و(الإستبرق) ثخينه. ويقول قوم: فارسي معرب، أصله: استبره، وهو الشديد.
و(الأرائك) السّرر في الحجال، واحدها أريكة). [تفسير غريب القرآن: 267]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ( {أولئك لهم جنّات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلّون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق متّكئين فيها على الأرائك نعم الثّواب وحسنت مرتفقا }
ومعنى {جنات عدن} جنات إقامة.
وقيل في التفسير جنات عدن، جنات من الأربع الجنان التي أعدها الله لأوليائه.
{يحلّون فيها من أساور من ذهب} أساور جمع أسورة، وأسورة جمع سوار.
يقال هو سوار في اليد بالكسر، وقد حكي سوار وحكي قطرب إسوار، وذكر أن أساور جمع إسوار، على حذف الياء، لأن جمع أسوار أساوير.
(ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق) والسندس والإستبرق نوعان من الحرير.
{متّكئين فيها على الأرائك نعم الثّواب وحسنت مرتفقا} الأرائك واحدتها: أريكة، والأرائك الفرش في الحجال.
و (مرتفقا) منصوب على التمييز وقد فسرنا المرتفق). [معاني القرآن: 3/283-284]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار} العدن الإقامة ثم قال تجري من تحتهم الأنهار أي ماء الأنهار). [معاني القرآن: 4/236]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {يحلون فيها من أساور من ذهب} أساور جمع أسورة وأسورة جمع سوار ويقال سوار
وحكى قطرب أن أساور جمع أسوار ولا يعرف ذلك). [معاني القرآن: 4/237-236]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( ثم قال جل وعز: {ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق} السندس رقيق الديباج والإستبرق ثخينه). [معاني القرآن: 4/237]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {متكئين فيها على الأرائك} وهي السرر في الحجال). [معاني القرآن: 4/237]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {نعم الثواب وحسنت مرتفقا} أي حسنت الجنة مرتفقا). [معاني القرآن: 4/237]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (السندس) رقيق الديباج.
(والإستبرق) ثخينه.
و{الأرائك} السرر في الحجال، واحدتها أريكة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 143]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الأَرائِك}: الأسرّة في الحجال). [العمدة في غريب القرآن: 189]


رد مع اقتباس