عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 22 شعبان 1435هـ/20-06-2014م, 09:34 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (69) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى كالّذين من قبلكم الآية، أمر الله نبيه أن يخاطب بها المنافقين فيقول لهم كالّذين من قبلكم، والمعنى أنتم كالذين أو مثلكم مثل الذين من قبلكم، وقال الزجّاج: المعنى وعدا كما وعد الذين من قبلكم فهو متعلق بوعد.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا قلق، ثم قال كانوا أشدّ منكم وأعظم فعصوا فأهلكوا فأنتم أحرى بالإهلاك لمعصيتكم وضعفكم، والخلاق الحظ من القدر والدين وجميع حال المرء وخلاق المرء الشيء الذي هو به خليق والمعنى عجلوا حظهم في دنياهم وتركوا باب الآخرة فاتبعتموهم أنتم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وأورد الطبري في تفسير هذه الآية قوله صلى الله عليه وسلم «لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه»، وما شاكل هذا الحديث مما يقتضي اتباع محمد صلى الله عليه وسلم لسائر الأمم، وهو معنى لا يليق بالآية جدا إذ هي مخاطبة لمنافقين كفار أعمالهم حابطة والحديث مخاطبة لموحدين يتبعون سنن من مضى في أفعال دنيوية لا تخرج عن الدين، وقوله خضتم كالّذي خاضوا أي خلطتم كالذي خلطوا، وهو مستعار من الخوض في المائعات، ولا يستعمل إلا في الباطل، لأن التصرف في الحقائق إنما هو على ترتيب ونظام، وأمور الباطل إنما هي خوض، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم «رب متخوض في مال الله له النار يوم القيامة»، ثم قال تعالى: أولئك حبطت أعمالهم في الدّنيا والآخرة فيحتمل أن يراد ب أولئك القوم الذين وصفهم بالشدة وكثرة الأموال والاستمتاع بالخلاق، والمعنى وأنتم أيضا كذلك يعتريكم بإعراضكم عن الحق، ويحتمل أن يريد ب أولئك المنافقين المعاصرين لمحمد صلى الله عليه وسلم، ويكون الخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم وفي ذلك خروج من خطاب إلى خطاب غير الأول، و «حبط العمل» وما جرى مجراه يحبط حبطا إذا بطل بعد التعب فيه، وحبط البطن حبطا بفتح الباء وهو داء في البطن، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم «إن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم»، وقوله في الدّنيا معناه إذا كان في المنافقين ما يصيبهم في الدنيا من المقت من المؤمنين وفساد أعمالهم عليهم وفي الآخرة بأن لا تنفع ولا يقع عليها جزاء، ويقوي أن الإشارة ب أولئك إلى المنافقين قوله في الآية المستقبلة ألم يأتهم فتأمله). [المحرر الوجيز: 4/ 358-359]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: ألم يأتهم نبأ الّذين من قبلهم قوم نوحٍ وعادٍ وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبيّنات فما كان اللّه ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون (70) والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعضٍ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصّلاة ويؤتون الزّكاة ويطيعون اللّه ورسوله أولئك سيرحمهم اللّه إنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ (71) وعد اللّه المؤمنين والمؤمنات جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيّبةً في جنّات عدنٍ ورضوانٌ من اللّه أكبر ذلك هو الفوز العظيم (72)
يقول عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم ألم يأت هؤلاء المنافقين خبر الأمم السالفة التي عصت الله بتكذيب رسله فأهلكها، وعادٍ وثمود قبيلتان، وقوم إبراهيم نمرود وأصحابه وتباع دولته، وأصحاب مدين قوم شعيب، والمؤتفكات أهل القرى الأربعة، وقيل السبعة الذين بعث إليهم لوط صلى الله عليه وسلم، ومعنى المؤتفكات المنصرفات والمنقلبات أفكت فانتفكت لأنها جعل أعاليها أسفلها، وقد جاءت في القرآن مفردة تدل على الجمع، ومن هذه اللفظة قول عمران بن حطان: [البسيط]
بمنطق مستبين غير ملتبس = به اللسان وإني غير مؤتفك
أي غير منقلب منصرف مضطرب ومنه يقال للريح مؤتفكة لتصرفها، ومنه أنّى يؤفكون [المائدة: 75، التوبة: 30، العنكبوت: 61، الزخرف: 87، المنافقون: 4] والإفك صرف القول من الحق إلى الكذب، والضمير في قوله أتتهم رسلهم عائد على هذه الأمم المذكورة، وقيل على المؤتفكات خاصة، وجعل لهم رسلا وإنما كان نبيهم واحدا لأنه كان يرسل إلى كل قرية رسولا داعيا، فهم رسل رسول الله ذكره الطبري، والتأويل الأول في عود الضمير على جميع الأمم أبين، وقوله بالبيّنات يريد بالمعجزات وهي بينة في أنفسها بالإضافة إلى الحق لا بالإضافة إلى المكذبين بها). [المحرر الوجيز: 4/ 359-360]


رد مع اقتباس