عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 07:51 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({طبع} [النساء: 155]:«ختم»). [صحيح البخاري: 6/47] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله طبع ختم قال أبو عبيدة في قوله طبع اللّه على قلوبهم أي ختم). [فتح الباري: 8/257]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (طبع ختم
أشار به إلى قوله تعالى: {طبع الله على قلوبهم} (النّساء: 155) فسر طبع بقوله: ختم، وهكذا فسره أبو عبيدة). [عمدة القاري: 18/181]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (طبع) بضم الطاء وكسر الموحدة أي (ختم) يريد تفسير قوله تعالى: {طبع الله على قلوبهم} [النحل: 158] ولم يذكر المؤلّف حديثًا في هذا الباب.
قال الحافظ ابن كثير: فنذكر هنا عند تفسير آية الباب حديث عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- المتفق عليه حين بلغه أن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم طلّق نساءه فجاء من منزله حتى دخل المسجد فوجد الناس يقولون ذلك فلم يصبر حتى استأذن على النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فاستفهمه أطلقت نساءك؟ قال "لا" فقلت الله أكبر وذكر الحديث بطوله: وعند مسلم فقلت: أطلقتهن؟ فقال: "لا" فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي لم يطلق نساءه ونزلت هذه الآية {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} فكنت أنا أستنبط ذلك الأمر.
قال الحافظ ابن حجر: وهذه القصة عند البخاري لكن بدون هذه الزيادة فليست على شرطه فكأنه أشار إليها بهذه الترجمة اهـ.
وظاهر قول المفسرين السابق أن سبب نزول هذه الآية الإخبار عن السرايا والبعوث بالأمن أو الخوف وهو خلاف ما في حديث مسلم). [إرشاد الساري: 7/89-90]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات اللّه وقتلهم الأنبياء بغير حقٍّ وقولهم قلوبنا غلفٌ بل طبع اللّه عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلاّ قليلاً}
يعني جلّ ثناؤه: فبنقض هؤلاء الّذين وصفت صفتهم من أهل الكتاب ميثاقهم، يعني عهودهم الّتي عاهدوا اللّه أن يعملوا بما في التّوراة. {وكفرهم بآيات اللّه} يقول: وجحودهم بآيات اللّه، يعني: بأعلام اللّه وأدلّته الّتي احتجّ بها عليهم في صدق أنبيائه ورسله، وحقّيّة ما جاءوهم به من عنده. {وقتلهم الأنبياء بغير حقٍّ}
يقول: وبقتلهم الأنبياء بعد قيام الحجّة عليهم بنبوّتهم بغير حقٍّ، يعني: بغير استحقاقٍ منهم ذلك لكبيرةٍ أتوها ولا خطيئةٍ استوجبوا القتل عليها. وقولهم: {قلوبنا غلفٌ} يعني: وبقولهم: قلوبنا غلفٌ، يعني يقولون: عليها غشاوةٌ وأغطيةٌ عمّا تدعونا إليه، فلا نفقه ما تقول، ولا نعقله.
وقد بيّنّا معنى الغلف، وذكرنا ما في ذلك من الرّواية فيما مضى قبل.
{بل طبع اللّه عليها بكفرهم} يقول جلّ ثناؤه: كذبوا في قولهم قلوبنا غلفٌ، ما هي بغلفٍ ولا عليها أغطيةٍ؛ ولكنّ اللّه جلّ ثناؤه جعل عليها طابعًا بكفرهم باللّه.
وقد بيّنّا صفة الطّبع على القلب فيما مضى بما أغنى عن إعادته.
{فلا يؤمنون إلاّ قليلاً} يقول: فلا يؤمن هؤلاء الّذين وصف اللّه صفتهم في طبعه على قلوبهم، فيصدّقوا باللّه ورسله وما جاءهم به من عند اللّه إلاّ إيمانًا قليلاً يعني: تصديقًا قليلاً. وإنّما صار قليلاً لأنّهم لم يصدّقوا على ما أمرهم اللّه به ولكن صدّقوا ببعض الأنبياء وببعض الكتب وكذّبوا ببعض فكان تصديقهم بما صدّقوا به قليلاً لأنّهم وإن صدّقوا به من وجهٍ، فهم به مكذّبون من وجهٍ آخر.
وذلك من وجه تكذيبهم من كذّبوا به من الأنبياء وما جاءوا به من كتب اللّه ورسل اللّه يصدّق بعضهم بعضًا، وبذلك أمر كلّ نبيٍّ أمّته، وكذلك كتب اللّه يصدّق بعضها بعضًا ويحقق بعضٌ بعضًا، فالمكذّب ببعضها مكذّبٌ بجميعها من جهة جحوده ما صدّقه الكتاب الّذي يقرّ بصحّته فلذلك صار إيمانهم بما آمنوا من ذلك قليلاً.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل..
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، في قوله: {فبما نقضهم ميثاقهم} يقول: فبما نقضهم ميثاقهم لعنّاهم {وقولهم قلوبنا غلفٌ} أي لا نفقه بل طبع اللّه عليها بكفرهم ولعنهم حين فعلوا ذلك.
واختلف في معنى قوله: {فبما نقضهم} الآية، هل هو مواصلٌ لما قبله من الكلام، أو هو منفصلٌ منه؟ فقال بعضهم: هو منفصلٌ ممّا قبله، ومعناه: فبنقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات اللّه وقتلهم الأنبياء بغير حقٍّ {وقولهم قلوبنا غلفٌ بل طبع اللّه عليها بكفرهم} ولعنهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {فلا يؤمنون إلاّ قليلاً} لمّا ترك القوم أمر اللّه، وقتلوا رسله، وكفروا بآياته، ونقضوا الميثاق الّذي أخذ عليهم {طبع اللّه عليها بكفرهم} ولعنهم.
وقال آخرون: بل هو مواصلٌ لما قبله؛ قالوا: ومعنى الكلام: فأخذتهم الصّاعقة بظلمهم، فبنقضهم ميثاقهم، وكفرهم بآيات اللّه، وبقتلهم الأنبياء بغير حقٍّ وبكذا وكذا أخذتهم الصّاعقة، قالوا: فتبع الكلام بعضه بعضًا، ومعناه مردودٌ إلى أوّله، وتفسير ظلمهم الّذي أخذتهم الصّاعقة من أجله بما فسّر به تعالى ذكره من نقضهم الميثاق، وقتلهم الأنبياء، وسائر ما بيّن من أمرهم الّذي ظلموا فيه أنفسهم.
والصّواب من القول في ذلك أنّ قوله: {فبما نقضهم ميثاقهم} وما بعده منفصلٌ معناه من معنى ما قبله؛ وأنّ معنى الكلام: فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات اللّه، وبكذا وبكذا، لعنّاهم وغضبنا عليهم، فترك ذكر لعنّاهم لدلالة قوله: {بل طبع اللّه عليها بكفرهم} على معنى ذلك، إذ كان من طبع على قلبه فقد لعن وسخط عليه.
وإنّما قلنا ذلك أولى بالصّواب، لأنّ الّذين أخذتهم الصّاعقة إنّما كانوا على عهد موسى والّذين قتلوا الأنبياء والّذين رموا مريم بالبهتان العظيم، وقالوا: قتلنا المسيح، كانوا بعد موسى بدهرٍ طويلٍ، ولم يدرك الّذين رموا مريم بالبهتان العظيم زمان موسى ولا من صعق من قومه،
وإذ كان ذلك كذلك، فمعلومٌ أنّ الّذين أخذتهم الصّاعقة لم تأخذهم عقوبةً لرميهم مريم بالبهتان العظيم، ولا لقولهم: إنّا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم. وإذ كان ذلك كذلك، فبيّنٌ أنّ القوم الّذين قالوا هذه المقالة، غير الّذين عوقبوا بالصّاعقة. وإذا كان ذلك كذلك، كان بيّنًا انفصال معنى قوله: {فبما نقضهم ميثاقهم} من معنى قوله: {فأخذتهم الصّاعقة بظلمهم}). [جامع البيان: 7/645-648]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات اللّه وقتلهم الأنبياء بغير حقٍّ وقولهم قلوبنا غلفٌ بل طبع اللّه عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلّا قليلًا (155)
قوله تعالى: فبما نقضهم ميثاقهم.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد العزيز بن المغيرة، أنبأ يزيد بن زريعٍ ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: فبما نقضهم ميثاقهم يقول: فبنقضهم ميثاقهم.
قوله تعالى: وكفرهم بآيات اللّه.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا عبيد اللّه بن موسى عن إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ: الآيات: الطّوفان والجراد والقمل والضّفادع والدّم ويده وعصاه.
قوله تعالى: وقتلهم الأنبياء بغير حق.
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ، ثنا أبو داود، ثنا شعبة، عن الأعمش عن إبراهيم، عن أبي معمرٍ الأزديّ عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: كانت بنو إسرائيل في اليوم تقتل ثلاثمائة نبيٍّ، ثمّ يقوم سوقٌ لهم من آخر النهار.
قوله تعالى: وقولهم قلوبنا غلفٌ.
- حدّثنا أحمد بن سنان صلى الله عليه وسلم ثنا أسباط بن محمّدٍ، عن الأعمش، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: إنّما سمّي القلب لتقلّبه.
قوله تعالى: قلوبنا غلف.
[الوجه الأول]
- حدثنا أبو زرعة، منجاب بن الحارث، أنبأ بشرٌ، عن أبي روقٍ عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: قلوبنا قال: قالوا: قلوبنا مملوءةٌ علمًا لا نحتاج إلى علم محمّدٍ ولا غيره.
- حدّثنا محمّد بن عمّارٍ، قال: قرأنا على يحيى بن الضريس، عن فضيل ابن مرزوقٍ، عن عطيّة العوفيّ: قلوبنا غلفٌ قال: قلوبنا أوعيةٌ للعلم.
وروي عن عطاءٍ الخرساني مثله.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: وقالوا قلوبنا غلفٌ قال: في غطاءٍ.
وروي عن مجاهدٍ، وسعيد بن جبيرٍ، وعكرمة، والسّدّيّ، وقتادة في رواية معمرٍ نحو ذلك.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عبد الرّحمن العرزميّ، ثنا أبي، عن جدّي، عن قتادة، عن الحسن قوله: قلوبنا غلفٌ قال: لم تختن.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا، أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية:
قوله: قلوبنا غلفٌ أي لا تفقه. وروي عن قتادة في رواية ابن أبي عروبة عنه مثله.
والوجه الخامس:
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا أسباطٌ، عن فضيلٍ، عن عطيّة:
قلوبنا غلفٌ قال: أوعيةٌ للمنكر.
الوجه السّادس:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو أسامة، عن النّضر بن عربيٍّ، عن عكرمة: قلوبنا غلفٌ قال: عليها طابعٌ.
قوله تعالى: بل طبع اللّه عليها بكفرهم.
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى، ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ قوله: بل طبع اللّه يعني:
ختم اللّه.
- حدّثنا المنذر بن شاذان، ثنا هوذة، ثنا عوفٌ قال: بلغني في قول اللّه تعالى: وقالوا قلوبنا غلفٌ قال: قالوا: قلوبنا أوعيةٌ للخير فأكذبهم اللّه وقال:
بل طبع اللّه عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا.
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ، ثنا الحسين بن محمّدٍ، ثنا شيبان، عن قتادة قوله: بل طبع اللّه عليها بكفرهم قال: لمّا بدّل القوم أمر اللّه وقتلوا رسله وكفروا بكتابه ونقضوا الميثاق الّذي عليهم، طبع اللّه على قلوبهم حين فعلوا ذلك.
قوله تعالى: فلا يؤمنون إلا قليلا.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق، أنبأ معمرٌ، عن قتادة قال: لا يؤمن منهم إلا قليلٌ). [تفسير القرآن العظيم: 4/1107-1109]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة {ورفعنا فوقهم الطور} قال: جبل كانوا في أصله فرفعه الله فجعله فوقهم كأنه ظلة فقال: لتأخذن أمري أو لأرمينكم به فقالوا: نأخذه وأمسكه الله عنهم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في قوله: {وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا} قال: كنا نحدث أنه باب من أبواب بيت المقدس {وقلنا لهم لا تعدوا في السبت} قال: أمر القوم أن لا يأكلوا الحيتان يوم السبت ولا يعرضوا لها وأحلت لهم ما خلا ذلك وفي قوله {فبما نقضهم} يقول: فبنقضهم ميثاقهم {وقولهم قلوبنا غلف} أي لا نفقه {بل طبع الله عليها} يقول: لما ترك القوم أمر الله وقتلوا رسوله وكفروا بآياته ونقضوا الميثاق الذي عليهم طبع الله على قلوبهم ولعنهم حين فعلوا ذلك). [الدر المنثور: 5/96-97] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البزار والبيهقي في الشعب وضعفه عن ابن عمر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: الطابع معلق بقائمة العرش فإذا انتكهت الحرمة وعمل بالمعاصي واجترئ على الله بعث الله الطابع فطبع على قلبه فلا يقبل بعد ذلك شيئا). [الدر المنثور: 5/97]

تفسير قوله تعالى: (وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه في قول الله: {كان الناس أمة واحدة}، فهذا يوم آخذ ميثاقهم، لم يكونوا أمة واحدة غير ذلك اليوم، {فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين}، {فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه}، اختلفوا في يوم الجمعة، فاتخذ اليهود يوم السبت والنصارى يوم الأحد، فهدى الله أمة محمدٍ ليوم الجمعة؛ واختلفوا في القبلة، فاستقبلت النصارى المشرق، واليهود بيت المقدس، وهدى الله أمة محمدٍ للقبلة؛ واختلفوا في الصلاة، فمنهم من يركع ولا يسجد، ومنهم من يسجد ولا يركع، ومنهم من يصلي وهو يتكلم، ومنهم من يصلي وهو يمشي، فهدى الله أمة محمدٍ للحق من ذلك؛ واختلفوا في الصيام؛ فمنهم من يصوم بعض النهار، ومنهم من يصوم من بعض الطعام، فهدى الله أمة محمدٍ للحق من ذلك؛ واختلفوا في إبراهيم فقالت اليهود: كان يهوديا، وقالت النصارى: كان نصرانياً، وجعله الله حنيفاً مسلما، فهدى الله أمة محمدٍ للحق من ذلك؛ واختلفوا في عيسى بن مريم، فكفرت به اليهود وقالوا لأمه {بهتانا عظيما}، وجعلته النصارى إلها وولدا، وجعله الله روحه وكلمه، فهدى الله أمة محمدٍ للحق من ذلك). [الجامع في علوم القرآن: 1/149-150] (م)

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانًا عظيمًا}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: وبكفر هؤلاء الّذين وصف صفتهم {وقولهم على مريم بهتانًا عظيمًا} يعني: بفريتهم عليها، ورميهم إيّاها بالزّنى، وهو البهتان العظيم؛ لأنّهم رموها بذلك وهي ممّا رموها به بغير ثبتٍ ولا برهان بريئةً، فبهتوها بالباطل من القول.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {وقولهم على مريم بهتانًا عظيمًا} يعني أنّهم رموها بالزّنى.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: قوله: {وقولهم على مريم بهتانًا عظيمًا} حين قذفوها بالزّنى.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا يعلى بن عبيدٍ، عن جويبرٍ، في قوله: {وقولهم على مريم بهتانًا عظيمًا} قال: قالوا زنت). [جامع البيان: 7/649-650]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانًا عظيمًا (156)
قوله تعالى: وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانًا عظيمًا.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانًا عظيمًا يعني: أنّهم رموها بالزّنا.
وروي عن السّدّيّ، وجبيرٍ، ومحمّد بن إسحاق نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 4/1109]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا أبو معشر عن محمد بن كعب القرظي في قوله ويكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما قال هو قول من يقول منهم إن أمه جاءت به من غير عمل صالح). [تفسير مجاهد: 180]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وقولهم على مريم بهتانا عظيما} قال: رموها بالزنا
وأخرج البخاري في تاريخه والحاكم وصححه، عن علي، قال: قال لي النّبيّ صلى الله عليه وسلم: إن لك من عيسى مثلا أبغضته اليهود حتى بهتوا أمه وأحبته النصارى حتى أنزلوه المنزل الذي ليس له، والله تعالى أعلم). [الدر المنثور: 5/97-98]

تفسير قوله تعالى: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أخبرنا معمر عن قتادة في قوله تعالى وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم قال ألقى شبهه على رجل من الحواريين فقتل وكان عيسى عرض ذلك عليهم فقال أيكم ألقي عليه شبهي وله الجنة فقال رجل منهم علي). [تفسير عبد الرزاق: 1/177]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقولهم إنّا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول اللّه وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم وإنّ الّذين اختلفوا فيه لفي شكٍّ منه ما لهم به من علمٍ إلاّ اتّباع الظّنّ وما قتلوه يقينًا}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: وبقولهم {إنّا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول اللّه} ثمّ كذّبهم اللّه في قيلهم، فقال: {وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم} يعني: وما قتلوا عيسى وما صلبوه، ولكن شبّه لهم.
واختلف أهل التّأويل في صفة التّشبيه الّذي شبّه لليهود في أمر عيسى، فقال بعضهم: لمّا أحاطت اليهود به وبأصحابه، أحاطوا بهم، وهم لا يثبتون معرفة عيسى بعينه، وذلك أنّهم جميعًا حوّلوا في صورة عيسى، فأشكل على الّذين كانوا يريدون قتل عيسى، عيسى من غيره منهم، وخرج إليهم بعض من كان في البيت مع عيسى، فقتلوه وهم يحسبونه عيسى.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يعقوب القمّيّ، عن هارون بن عنترة، عن وهب بن منبّهٍ، قال: أتى عيسى ومعه سبعة عشر من الحواريّين في بيتٍ، وأحاطوا بهم، فلمّا دخلوا عليهم صوّرهم اللّه كلّهم على صورة عيسى، فقالوا لهم: سحرتمونا لتبرزنّ لنا عيسى أو لنقتلنّكم جميعًا، فقال عيسى لأصحابه: من يشتري نفسه منكم اليوم بالجنّة؟ فقال رجلٌ منهم: أنا فخرج إليهم فقال: أنا عيسى، وقد صوّره اللّه على صورة عيسى، فأخذوه فقتلوه وصلبوه، فمن ثمّ شبّه لهم وظنّوا أنّهم قد قتلوا عيسى، وظنّت النّصارى مثل ذلك أنّه عيسى، ورفع اللّه عيسى من يومه ذلك
وقد روي عن وهب بن منبّه غير هذا القول، وهو ما:
- حدّثني به المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: حدّثني عبد الصّمد بن معقل، أنّه سمع وهبًا، يقول: إنّ عيسى ابن مريم لمّا أعلمه اللّه أنّه خارجٌ من الدّنيا جزع من الموت وشقّ عليه، فدعا الحواريّين وصنع لهم طعامًا، فقال: احضروني اللّيلة، فإنّ لي إليكم حاجةً، فلمّا اجتمعوا إليه من اللّيل عشّاهم، وقام يخدمهم، فلمّا فرغوا من الطّعام أخذ يغسل أيديهم ويوضّئهم بيده ويمسح أيديهم بثيابه، فتعاظموا ذلك وتكارهوه، فقال: ألا من ردّ عليّ شيئًا اللّيلة ممّا أصنع فليس منّي ولا أنا منه، فأقرّوه حتّى إذا فرغ من ذلك، قال: أمّا ما صنعت بكم اللّيلة ممّا خدمتكم على الطّعام وغسلت أيديكم بيدي، فليكن لكم بي أسوةٌ، فإنّكم ترون أنّي خيركم، فلا يتعاظّم بعضكم على بعضٍ، وليبذل بعضكم لبعضٍ نفسه كما بذلت نفسي لكم، وأمّا حاجتي الّتي استعنتكم عليها، فتدعون لي اللّه وتجتهدون في الدّعاء أن يؤخّر أجلي. فلمّا نصبوا أنفسهم للدّعاء، وأرادوا أن يجتهدوا، أخذهم النّوم حتّى لم يستطيعوا دعاءً، فجعل يوقظهم ويقول: سبحان اللّه، أما تصبرون لي ليلةً واحدةً تعينوني فيها؟ قالوا: واللّه ما ندري ما لنا، لقد كنّا نسمر فنكثر السّمر، وما نطيق اللّيلة سمرًا وما نريد دعاءً إلاّ حيل بيننا وبينه. فقال: يذهب بالرّاعي وتتفرّق الغنم. وجعل يأتي بكلامٍ نحو هذا ينعى به نفسه، ثمّ قال: الحقّ ليكفرنّ بي أحدكم قبل أن يصيح الدّيك ثلاث مرّاتٍ، وليبيعني أحدكم بدراهم يسيرةٍ، وليأكلنّ ثمني، فخرجوا وتفرّقوا، وكانت اليهود تطلبه، فأخذوا شمعون أحد الحواريّين، فقالوا: هذا من أصحابه، فجحد، وقال: ما أنا بصاحبه، فتركوه، ثمّ أخذه آخرون، فجحد كذلك، ثمّ سمع صوت ديكٍ، فبكى وأحزنه. فلمّا أصبح أتى أحد الحواريّين إلى اليهود، فقال: ما تجعلون لي إن دللتكم على المسيح؟ فجعلوا له ثلاثين درهمًا، فأخذها ودلّهم عليه، وكان شبّه عليهم قبل ذلك، فأخذوه فاستوثقوا منه وربطوه بالحبل، فجعلوا يقودونه ويقولون له: أنت كنت تحيي الموتى وتنتهر الشّيطان وتبرئ المجنون؟ أفلا تفتح نفسك من هذا الحبل؟ ويبصقون عليه، ويلقون عليه الشّوك، حتّى أتوا به الخشبة الّتي أرادوا أن يصلبوه عليها، فرفعه اللّه إليه، وصلبوا ما شبّه لهم، فمكث سبعًا، ثمّ إنّ أمّه والمرأة الّتي كان يداويها عيسى فأبرأها اللّه من الجنون جاءتا تبكيان حيث كان المصلوب، فجاءهما عيسى، فقال: علام تبكيان؟ قالتا: عليك. فقال: إنّي قد رفعني اللّه إليه، ولم يصبني إلاّ خيرٌ، وإنّ هذا شيءٌ شبّه لهم، فأمرا الحواريّين أن يلقوني إلى مكان كذا وكذا. فلقوه إلى ذلك المكان أحد عشر، وفقد الّذي كان باعه ودلّ عليه اليهود، فسأل عنه أصحابه، فقالوا: إنّه ندم على ما صنع، فاختنق وقتل نفسه. فقال: لو تاب لتاب اللّه عليه، ثمّ سألهم عن غلامٍ يتّبعهم يقال له: يحنّى، فقال: هو معكم فانطلقوا فإنّه سيصبح كلّ إنسانٍ منكم يحدّث بلغة قومٍ، فلينذرهم وليدعهم.
وقال آخرون: بل سأل عيسى من كان معه في البيت أن يلقى على بعضهم شبهه، فانتدب لذلك رجلٌ، فألقي عليه شبهه، فقتل ذلك الرّجل ورفع عيسى ابن مريم عليه السّلام.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إنّا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول اللّه وما قتلوه وما صلبوه} إلى قوله: {وكان اللّه عزيزًا حكيمًا} أولئك أعداء اللّه اليهود ابتهروا بقتل عيسى ابن مريم رسول اللّه، وزعموا أنّهم قتلوه وصلبوه، وذكر لنا أنّ نبيّ اللّه عيسى ابن مريم قال لأصحابه: أيّكم يقذف عليه شبهي فإنّه مقتولٌ؟ فقال رجلٌ من أصحابه: أنا يا نبيّ اللّه. فقتل ذلك الرّجل، ومنع اللّه نبيّه ورفعه إليه.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة في قوله: {وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم} قال: ألقي شبهه على رجلٍ من الحواريّين فقتل، وكان عيسى ابن مريم عرض ذلك عليهم، فقال: أيّكم ألقي شبهي عليه وله الجنّةٌ؟ فقال رجلٌ: عليّ.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: أنّ بني إسرائيل، حصروا عيسى وتسعة عشر رجلاً من الحواريّين في بيتٍ، فقال عيسى لأصحابه: من يأخذ صورتي فيقتل وله الجنّة؟ فأخذها رجلٌ منهم. وصعد بعيسى إلى السّماء، فلمّا خرج الحواريّون أبصروهم تسعة عشر، فأخبروهم أنّ عيسى عليه السّلام قد صعد به إلى السّماء، فجعلوا يعدّون القوم فيجدونهم ينقصون رجلاً من العدّة، ويرون صورة عيسى فيهم، فشكّوا فيه، وعلى ذلك قتلوا الرّجل وهم يرون أنّه عيسى وصلبوه، فذلك قول اللّه تبارك وتعالى: {وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم} إلى قوله: {وكان اللّه عزيزًا حكيمًا}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ،، عن القاسم بن أبي بزّة: أنّ عيسى ابن مريم، قال: أيّكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني؟ فقال رجلٌ من أصحابه: أنا يا رسول اللّه. فألقي عليه شبهه، فقتلوه، فذلك قوله: {وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: كان اسم ملك بني إسرائيل الّذي بعث إلى عيسى ليقتله رجلاً منهم يقال له: داود، فلمّا أجمعوا لذلك منه لم يفظع عبدٌ من عباد اللّه بالموت فيما ذكر لي فظعه، ولم يجزع منه جزعه، ولم يدع اللّه في صرفه عنه دعاءه؛ حتّى إنّه ليقول فيما يزعمون: اللّهمّ إن كنت صارفًا هذه الكأس عن أحدٍ من خلقك فاصرفها عنّي، وحتّى إنّ جلده من كرب ذلك ليتفصّد دمًا. فدخل المدخل الّذي أجمعوا أن يدخلوا عليه فيه ليقتلوه هو وأصحابه، وهم ثلاثة عشر بعيسى، فلمّا أيقن أنّهم داخلون عليه، قال لأصحابه من الحواريّين وكانوا اثني عشر رجلا: فطرس، ويعقوب بن زبدي، ويحنّس أخو يعقوب، وأندرايس، وفيلبس، وأبرثلما، ومتى، وتوماس، ويعقوب بن حلقايا، وتداوسس، وفتاتيا، ويودس زكريّا يوطا.
قال ابن حميدٍ: قال سلمة: قال ابن إسحاق: وكان فيهم فيما ذكر لي رجلٌ اسمه سرجس، فكانوا ثلاثة عشر رجلاً سوى عيسى جحدته النّصارى، وذلك أنّه هو الّذي شبّه لليهود مكان عيسى. قال: فلا أدري ما هو من هؤلاء الاثني عشر أم كانوا ثلاث عشر، فجحدوه حين أقرّوا لليهود بصلب عيسى وكفروا بما جاء به محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم من الخبر عنه. فإن كانوا ثلاثة عشر فإنّهم دخلوا المدخل حين دخلوا وهم بعيسى أربعة عشر، وإن كانوا اثني عشر فإنّهم دخلوا المدخل حين دخلوا وهم بعيسى ثلاثة عشر.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حدّثني رجلٌ كان نصرانيًّا فأسلم أنّ عيسى حين جاءه من اللّه {ورافعك إليّ} قال: يا معشر الحواريّين، أيّكم يحبّ أن يكون رفيقي في الجنّة حتّى يشبّه للقوم في صورتي فيقتلوه مكاني؟ فقال سرجس: أنا يا روح اللّه. قال: فاجلس في مجلسي. فجلس فيه، ورفع عيسى صلوات اللّه عليه، فدخلوا عليه فأخذوه، فصلبوه، فكان هو الّذي صلبوه وشبّه لهم به، وكانت عدّتهم حين دخلوا مع عيسى معلومةً، قد رأوهم فأحصوا عدّتهم، فلمّا دخلوا عليه ليأخذوه وجدوا عيسى فيما يرون وأصحابه وفقدوا رجلاً من العدّة، فهو الّذي اختلفوا فيه، وكانوا لا يعرفون عيسى، حتّى جعلوا ليودس زكريّا يوطا ثلاثين درهمًا على أن يدلّهم عليه ويعرّفهم إيّاه، فقال لهم: إذا دخلتم عليه فإنّي سأقبّله، وهو الّذي أقبّل فخذوه، فلمّا دخلوا عليه، وقد رفع عيسى، رأى سرجس في صورة عيسى، فلم يشكّ أنّه هو عيسى، فأكبّ عليه فقبّله، فأخذوه فصلبوه، ثمّ إنّ يودس زكريّا يوطا ندم على ما صنع، فاختنق بحبلٍ حتّى قتل نفسه، وهو ملعونٌ في النّصارى، وقد كان أحد المعدودين من أصحابه، وبعض النّصارى يزعم أنّ يودوس زكريّا يوطا هو الّذي شبّه لهم فصلبوه، وهو يقول: إنّي لست بصاحبكم، أنا الّذي دللتكم عليه. واللّه أعلم أيّ ذلك كان.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ: بلغنا أنّ عيسى ابن مريم، قال لأصحابه: أيّكم ينتدب فيلقى عليه شبهي فيقتل؟ فقال رجلٌ من أصحابه: أنا يا نبيّ اللّه. فألقي عليه شبهه فقتل، ورفع اللّه نبيّه إليه.
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {شبّه لهم} قال: صلبوا رجلاً غير عيسى يحسبونه إيّاه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ولكن شبّه لهم} فذكر مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قال: صلبوا رجلاً شبّهوه بعيسى يحسبونه إيّاه، ورفع اللّه إليه عيسى عليه السّلام حيًّا.
قال أبو جعفرٍ: وأولى هذه الأقوال بالصّواب أحد القولين اللّذين ذكرناهما عن وهب بن منبّهٍ، من أنّ شبه عيسى ألقي على جميع من كان في البيت مع عيسى حين أحيط به وبهم، من غير مسألة عيسى إيّاهم ذلك، ولكن ليخزي اللّه بذلك اليهود وينقذ به نبيّه عليه السّلام من مكروهٍ ما أرادوا به من القتل، ويبتلي به من أراد ابتلاءه من عباده في قيله في عيسى وصدق الخبر عن أمره. أو القول الّذي رواه عبد العزيز عنه.
وإنّما قلنا: ذلك أولى القولين بالصّواب، لأنّ الّذين شهدوا عيسى من الحواريّين لو كانوا في حال ما رفع عيسى، وألقي شبهه على من ألقي عليه شبهه، كانوا قد عاينوا عيسى وهو يرفع من بينهم، وأثبتوا الّذي ألقي عليه شبهه، وعاينوه متحوّلاً في صورته بعد الّذي كان به من صورة نفسه بمحضرٍ منهم، لم يخف ذلك من أمر عيسى، وأمر من ألقي عليه شبهه عليهم مع معاينتهم ذلك كلّه، ولم يلتبس ولم يشكل عليهم وإن أشكل على غيرهم من أعدائهم من اليهود أنّ المقتول والمصلوب كان غير عيسى، وأنّ عيسى رفع من بينهم حيًّا. وكيف يجوز أن يكون قد أشكل ذلك عليهم، وقد سمعوا من عيسى مقالته: من يلقى عليه شبهي ويكون رفيقي في الجنّة؟ إن كان قال لهم ذلك، وسمعوا جواب مجيبه منهم: أنا، وعاينوا تحوّل المجيب في صورة عيسى بعقب جوابه، ولكنّ ذلك كان إن شاء اللّه على نحو ما وصف وهب بن منبّهٍ، إمّا أن يكون القوم الّذين كانوا مع عيسى في البيت الّذي رفع منه من حواريّه حوّلهم اللّه جميعًا في صورة عيسى حين أراد اللّه رفعه، فلم يثبتوا عيسى معرفةً بعينه من غيره لتشابه صور جميعهم، فقتلت اليهود منهم من قتلت وهم يرونه بصورة عيسى ويحسبونه إيّاه، لأنّهم كانوا به عارفين قبل ذلك، وظنّ الّذين كانوا في البيت مع عيسى مثل الّذي ظنّت اليهود، لأنّهم لم يميّزوا شخص عيسى من شخص غيره لتشابه شخصه وشخص غيره ممّن كان معه في البيت، فاتّفقوا جميعهم، أعني اليهود والنّصارى، من أجل ذلك على أنّ المقتول كان عيسى، ولم يكن به، ولكنّه شبّه لهم، كما قال اللّه جلّ ثناؤه: {وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم}.
أو يكون الأمر في ذلك كان على نحو ما روى عبد الصّمد بن معقلٍ، عن وهب بن منبّهٍ، أنّ القوم الّذين كانوا مع عيسى في البيت تفرّقوا عنه قبل أن يدخل عليه اليهود، وبقي عيسى، وألقي شبهه على بعض أصحابه الّذين كانوا معه في البيت بعد ما تفرّق القوم وبقى عيسى وغير الّذي ألقي عليه شبهه، ورفع عيسى، فقتل الّذي تحوّل في صورة عيسى من أصحابه، وظنّ أصحابه واليهود أنّ الّذي قتل وصلب هو عيسى لمّا رأوا من شبهه به وخفاء أمر عيسى عليهم؛ لأنّ رفعه وتحوّل المقتول في صورته كان بعد تفرّق أصحابه عنه، وقد كانوا سمعوا عيسى من اللّيل ينعى نفسه ويحزن لما قد ظنّ أنّه نازلٌ به من الموت، فحكوا ما كان عندهم حقًّا، والأمر عند اللّه في الحقيقة بخلاف ما حكوا، فلم يستحقّ الّذين حكوا ذلك من حواريّيه أن يكونوا كذبةً، إذ حكوا ما كان حقًّا عندهم في الظّاهر وإن كان الأمر عند اللّه في الحقيقة بخلاف الّذي حكوا). [جامع البيان: 7/650-660]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإنّ الّذين اختلفوا فيه لفي شكٍّ منه ما لهم به من علمٍ إلاّ اتّباع الظّنّ وما قتلوه يقينًا}
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {وإنّ الّذين اختلفوا فيه} اليهود الّذين أحاطوا بعيسى وأصحابه حين أرادوا قتله، وذلك أنّهم كانوا قد عرفوا عدّة من في البيت قبل دخولهم فيما ذكر؛ فلمّا دخلوا عليهم، فقدوا واحدًا منهم، فالتبس أمر عيسى عليهم بفقدهم واحدًا من العدّة الّتي كانوا قد أحصوها، وقتلوا من قتلوا على شكٍّ منهم في أمر عيسى.
وهذا التّأويل على قول من قال: لم يفارق الحواريّون عيسى حتّى رفع ودخل عليهم اليهود.
وأمّا تأويله على قول من قال: تفرّقوا عنه من اللّيل، فإنّه: وإنّ الّذين اختلفوا في عيسى، هل هو الّذي بقي في البيت منهم بعد خروج من خرج منهم من العدّة الّتي كانت فيه أم لا؟ لفي شكٍّ منه، يعني: من قتله، لأنّهم كانوا أحصوا من العدّة حين دخلوا البيت أكثر ممّن خرج منه ومن وجد فيه، فشكّوا في الّذي قتلوه هل هو عيسى أم لا من أجل فقدهم من فقدوا من العددة الّتي كانوا أحصوها، ولكنّهم قالوا: قتلنا عيسى لمشابهة المقتول عيسى في الصّورة. يقول اللّه جلّ ثناؤه: {ما لهم به من علم} يعني: أنّهم قتلوا من قتلوه على شكٍّ منهم فيه واختلافٍ، هل هو عيسى أم غيره؟ من غير أن يكون لهم بمن قتلوه علمٌ من هو، هو عيسى أم هو غيره؟ {إلاّ اتّباع الظّنّ} يعني جلّ ثناؤه: ما كان لهم بمن قتلوه من علمٍ، ولكنّهم اتّبعوا ظنّهم، فقتلوه ظنًّا منهم أنّه عيسى وأنّه الّذي يريدون قتله، ولم يكن به {وما قتلوه يقينًا} يقول: وما قتلوا ظنهم الّذي اتّبعوه في المقتول الّذي قتلوه وهم يحسبونه عيسى يقينًا أنّه عيسى، ولا أنّه غيره، ولكنّهم كانوا منه على ظنٍّ وشبهةٍ.
وهذا كقول القائل للرّجل: ما قتلت هذا الأمر علمًا وما قتلته يقينًا، إذا تكلّم فيه بالظّنّ على غير يقين علمٍ؛ فالهاء في قوله: {وما قتلوه} عائدةٌ على الظّنّ.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وما قتلوه يقينًا} قال: يعني: لم يقتلوا ظنّهم يقينًا.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا يعلى بن عبيدٍ، عن جويبرٍ، في قوله: {وما قتلوه يقينًا} قال: ما قتلوا ظنّهم يقينًا.
وقال السّدّيّ في ذلك ما:
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وما قتلوه يقينًا} وما قتلوا أمره يقينًا أنّ الرّجل هو عيسى، بل رفعه اللّه إليه). [جامع البيان: 7/660-662]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وقولهم إنّا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول اللّه وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم وإنّ الّذين اختلفوا فيه لفي شكٍّ منه ما لهم به من علمٍ إلّا اتّباع الظّنّ وما قتلوه يقينًا (157)
قوله تعالى: وقولهم إنّا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول اللّه
- حدّثنا أبي، ثنا عبد العزيز بن المغيرة، أنبأ يزيد، عن سعيدٍ عن قتادة قوله: وقولهم إنّا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول اللّه أولئك أعداء اللّه ابتهروا بقتل نبيّ اللّه عيسى، وزعموا أنّهم قتلوه وصلبوه.
قوله تعالى: وما قتلوه وما صلبوه.
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن الدّشتكيّ، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه عن الرّبيع بن أنسٍ، عن الحسن قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لليهود: إنّ عيسى لم يمت وإنّه راجعٌ إليكم قبل يوم القيامة.
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ الواسطيّ، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش عن المنهال بن عمرٍو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا أراد اللّه تعالى أن يرفع عيسى إلى السّماء،.، فخرج على أصحابه وفي البيت اثنا عشر رجلا من الحواريّين يعني فخرج عيسى من عينٍ في البيت ورأسه يقطر ماءً، فقال: إنّ منكم من يكفر بي اثنتي عشرة مرّةً بعد أن آمن بي، قال: أيّكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني ويكون معي في درجتي، فقام شابٌّ من أحدثهم سنًّا، فقال له: اجلس، ثمّ أعاد عليهم فقام الشّابّ، أنا، فقال: أنت هو ذاك فألقي عليه شبه عيسى ورفع عيسى من روزنةٍ في البيت إلى السّماء قال: وجاء الطّلب من اليهود فأخذوا الشّبه، فقتلوه ثمّ صلبوه، فكفر به بعضهم اثنتي عشرة مرّةً بعد أن آمن به، وافترقوا ثلاث فرقٍ. فقالت فرقةٌ: كان اللّه فينا ما شاء ثمّ صعد إلى السّماء، فهؤلاء اليعقوبيّة. وقالت فرقةٌ: كان فينا ابن ما شاء اللّه ثمّ رفعه إليه، فهؤلاء النّسطوريّة.
وقالت فرقةٌ: كان فينا عبد اللّه ورسوله ما شاء اللّه ثمّ رفعه اللّه إليه وهؤلاء المسلمون. فتظاهرت الكافرتان على المسلمة فقتلوها، فلم يزل الإسلام طامسًا حتّى بعث اللّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم.
قوله تعالى: ولكن شبّه لهم.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: ولكن شبّه لهم قال: صلبوا رجلاً غير عيسى (يحسبونه) إيّاه.
قوله تعالى: وإنّ الّذين اختلفوا فيه لفي شكٍّ منه.
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ، ثنا الحسين بن محمّدٍ، أنبأ شيبان عن قتادة قوله: وإنّ الّذين اختلفوا فيه لفي شكٍّ منه ما لهم به من علمٍ قال: أولئك أعداء اللّه اليهود الّذين ائتمروا بقتل نبيّ اللّه عيسى وزعموا أنّهم قتلوه وصلبوه.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن سلمة ثنا سلمة بن الفضل عن محمّد بن إسحاق قوله: وإنّ الّذين اختلفوا فيه لفي شكٍّ منه أي حين اختلفوا في العدّة من أصحابه.
قوله تعالى: ما لهم به من علمٍ إلا اتباع الظن.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد اللّه بن عمران، ثنا أبو داود، ثنا سهلٌ يعني ابن أبي الصّلت قال: سمعت الحسن يقول في قول اللّه: ما لهم به من علمٍ إلا اتّباع الظّنّ قال: ما استيقنته أنفسهم ولكن ظنًّاً منهم.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن سلمة ثنا سلمة بن الفضل عن محمّد بن إسحاق قوله: ما لهم به من علمٍ أي ما استيقنوا بقتله إلا اتّباع الظّنّ.
قوله تعالى: وما قتلوه يقينًا.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: وما قتلوه يقينًا يعني: لم يقتلوا ظنّهم يقينًا.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن سلمة ثنا سلمة بن الفضل عن محمّد بن إسحاق: وما قتلوه يقينًا عندهم علمهم). [تفسير القرآن العظيم: 4/1109-1111]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ولكن شبه لهم يقول صلبوا رجلا غير عيسى وهم يحسبون أنه عيسى عليه السلام شبه لهم). [تفسير مجاهد: 180]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج عبد بن حميد والنسائي، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس قال: لما أراد الله أن يرفع عيسى إلى السماء خرج إلى أصحابه وفي البيت إثنا عشر رجلا من الحواريين فخرج عليهم من غير البيت ورأسه يقطر ماء فقال: إن منكم من يكفر بي اثني عشر مرة بعد أن آمن بي ثم قال: أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني ويكون معي في درجتي فقام شاب من أحدثهم سنا فقال له: اجلس، ثم أعاد عليهم فقام الشاب فقال: اجلس، ثم أعاد عليهم فقام الشاب فقال: أنا، فقال: أنت ذاك فألقى عليه شبه عيسى ورفع عيسى من روزنة في البيت إلى السماء، قال: وجاء الطلب من اليهود فأخذوا الشبه فقتلوه ثم
صلبوه وكفر به بعضهم اثني عشر مرة بعد أن آمن به وافترقوا ثلاث فرق وقالت طائفة: كان الله فينا ما شاء ثم صعد إلى السماء فهؤلاء اليعقوبية، وقالت فرقة: كان فينا ابن الله ما شاء ثم رفعه الله إليه وهؤلاء النسطورية وقالت فرقة: كان فينا عبد الله ورسوله وهؤلاء المسلمون، فتظاهرت الكافرتان على المسلمة فقتلوها فلم يزل الإسلام طامسا حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم فأنزل الله {فآمنت طائفة من بني إسرائيل} يعني الطائفة التي آمنت في زمن عيسى وكفرت الطائفة التي كفرت في زمن عيسى {فأيدنا الذين آمنوا} في زمن عيسى بإظهار محمد دينهم على دين الكافرين.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة {وقولهم إنا قتلنا المسيح} الآية، قال: أولئك أعداء الله اليهود افتخروا بقتل عيسى وزعموا أنهم قتلوه وصلبوه وذكر لنا أنه قال لأصحابه: أيكم يقذف عليه شبهي فإنه مقتول قال رجل من أصحابه: أنا يا نبي الله فقتل ذلك الرجل ومنع الله نبيه ورفعه إليه.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في قوله {شبه لهم} قال: صلبوا رجلا غير عيسى شبه بعيسى يحسبونه إياه ورفع الله إليه عيسى حيا.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {وما قتلوه يقينا} قال: يعني لم يقتلوا ظنهم يقينا.
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في الآية قال: ما قتلوا ظنهم يقينا.
وأخرج ابن جرير مثله عن جويبر والسدي). [الدر المنثور: 5/98-100]

تفسير قوله تعالى: (بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {بل رفعه اللّه إليه وكان اللّه عزيزًا حكيمًا} أمّا قوله جلّ ثناؤه: {بل رفعه اللّه إليه} فإنّه يعني: بل رفع اللّه المسيح إليه، يقول: لم يقتلوه ولم يصلبوه، ولكنّ اللّه رفعه إليه، فطهّره من الّذين كفروا.
وقد بيّنّا كيف كان رفع اللّه إيّاه فيما مضى وذكرنا اختلاف المختلفين في ذلك، والصّحيح من القول فيه بالأدلّة الشّاهدة على صحّته بما أغنى عن إعادته.
وأمّا قوله: {وكان اللّه عزيزًا حكيمًا} فإنّه يعني: ولم يزل اللّه منتقمًا من أعدائه، كانتقامه من الّذين أخذتهم الصّاعقة بظلمهم، وكلعنه الّذين قصّ قصّتهم بقوله: {فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات اللّه} حكيمًا، يقول: ذا حكمةٍ في تدبيره وتصريفه خلقه في قضائه، يقول: فاحذروا أيّها السّائلون محمّدًا أن ينزّل عليكم كتابًا من السّماء من حلول عقوبتي بكم، كما حلّ بأوائلكم الّذين فعلوا فعلكم في تكذيبهم رسلي، وافترائهم على أوليائي. وقد:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق بن أبي سارة الرّؤاسيّ، عن الأعمش، عن المنهال، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {وكان اللّه عزيزًا حكيمًا} قال: معنى ذلك: أنّه كذلك). [جامع البيان: 7/662-663]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (بل رفعه اللّه إليه وكان اللّه عزيزًا حكيمًا (158)
قوله تعالى: بل رفعه اللّه إليه.
- ذكر الوليد بن مسلمٍ، ثنا صدقة بن يزيد الخرساني، حدّثني عبد اللّه بن عثمان بن خثيمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: حتّى إذا بلغ أشدّه قال:
ثلاثةً وثلاثين سنةً، وهو الّذي رفع عليه عيسى بن مريم عليه السلام.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: بل رفعه اللّه إليه رفع اللّه إليه عيسى حيًّا.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا زهير بن عبّادٍ الرّؤاسيّ، حدّثني رديح بن عطيّة، عن أبي زرعة الشّيبانيّ حدّثه أن عيسى بن مريم رفع من جبل طور زيتا، قال:
بعث اللّه ريحًا فخفقت به حتّى هرول، ثمّ رفعه اللّه إلى السّماء.
قوله تعالى: وكان اللّه عزيزًا حكيمًا.
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ الواسطيّ، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش عن المنهال ابن عمرٍو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: أتاه رجلٌ فقال: أرأيت قول اللّه وكان اللّه عزيزًا حكيمًا قال ابن عبّاسٍ: كذلك كان ولم يزل.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا إسحاق بن سليمان الرّازيّ، عن عمرو بن أبي قيسٍ عن مطرّفٍ، عن المنهال بن عمرٍو، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال:
أتاه رجلٌ فقال: سمعت اللّه تعالى يقول: وكان اللّه كأنّه شيءٌ كان. قال: أمّا قوله: وكان، فإنّه لم يزل ولا يزال وهو الأوّل والآخر، والظاهر والباطن... ، بكلّ شيءٍ عليمٌ.
- حدّثني أبي، ثنا حسين بن عيسى بن ميسرة، ثنا أبو زهيرٍ عبد الرّحمن بن مغراء، أنبأ مجمّع بن يحيى، عن عمّه، عن ابن عبّاسٍ قال: قال يهوديٌّ: إنّكم تزعمون أنّ اللّه كان عزيزًا حكيمًا، فكيف هو اليوم؟ قال ابن عبّاسٍ إنّه كان من نفسه عزيزًا حكيمًا). [تفسير القرآن العظيم: 4/1111-1112]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق وأحمد في الزهد، وابن عساكر من طريق ثابت البناني عن أبي رافع قال: رفع عيسى بن مريم وعليه مدرعة وخفا راع وحذافة يخذف بها الطير.
وأخرج أحمد في الزهد وأبو نعيم، وابن عساكر من طريق ثابت البناني عن أبي العالية قال: ما ترك عيسى بن مريم حين رفع إلا مدرعة صوف وخفي راع وقذافة يقذف بها الطير.
وأخرج ابن عساكر عن عبد الجبار بن عبد الله بن سليمان قال: أقبل عيسى ابن مريم على أصحابه ليلة رفع فقال لهم: لا تأكلوا بكتاب الله أجرا فإنكم إن لم تفعلوا أقعدكم الله على منابر الحجر منها خير من الدنيا وما فيها، قال عبد الجبار: وهي المقاعد التي ذكر الله في القرآن (في مقعد صدق عند مليك مقتد) (القمر الآية 55) ورفع عليه السلام.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن وهب بن منبه قال: إن عيسى لما أعلمه الله أنه خارج من الدنيا جزع من الموت وشق عليه فدعا الحواريين فصنع لهم طعاما فقال: احضروني الليلة فإن لي إليكم حاجة فلما اجتمعوا إليه من الليلة عشاهم وقام يحدثهم فلما فرغوا من الطعام أخذ يغسل أيديهم ويوضيهم بيده ويمسح أيديهم بثيابه فتعاظموا ذلك وتكارموه فقال: ألا من رد علي شيئا الليلة مما أصنع فليس مني ولا أنا منه فأقروه حتى فرغ من ذلك قال: أما ما صنعت بكم الليلة مما خدمتكم فلا يتعظم بعضكم على بعض وليبذل بعضكم نفسه لبعض كما بذلت نفسي لكم وأما حاجتي التي استعنتكم عليها فتدعون لي الله وتجتهدون في الدعاء أن يؤخر أجلي فلما نصبوا أنفسهم للدعاء وأرادوا أن يجتهدوا أخذهم النوم حتى لم يستطيعوا دعاء فجعل يوقظهم ويقول: سبحان الله، ما تصبرون لي ليلة واحدة تعينونني فيها قالوا: والله ما ندري ما كنا لقد كنا نسمر فنكثر السمر وما نطيق الليلة سمرا وما نريد دعاء إلا حيل بيننا وبينه فقال: يذهب بالراعي وتتفرق الغنم وجعل يأتي بكلام نحو هذا ينعي به نفسه ثم قال: الحق ليكفرن بي أحدكم قبل أن يصيح الديك ثلاث مرات وليبيعنني أحدكم بدراهم يسيرة وليأكلن ثمني فخرجوا وتفرقوا وكانت اليهود تطلبه فأخذوا شمعون أحد الحواريين فقالوا: هذا من أصحابه، فجحد وقال: ما أنا بصاحبه فتركوه، ثم أخذه آخرون كذلك ثم سمع صوت ديك فبكى وأحزنه فلما أصبح أتى أحد الحواريين إلى اليهود فقال: ما تجعلون لي إن دللتكم على المسيح فجعلوا له ثلاثين درهما فأخذها ودلهم عليه وكان شبه عليهم قبل ذلك فأخذوه واستوثقوا منه وربطوه بالحبل فجعلوا يقودنه ويقولون: أنت كنت تحيي الميت وتبرئ المجنون أفلا تخلص نفسك من هذا الحبل ويبصقون عليه ويلقون عليه الشوك حتى أتوا به الخشبة التي أرادوا أن يصلبوه عليها فرفعه الله إليه وصلبوا ما شبه لهم فمكث سبعا.
ثم إن أمه والمرأة التي كان يدوايها عيسى فأبرأها الله من الجنون جاءتا تبكيان حيث المصلوب فجاءهما عيسى فقال: علام تبكيان قالتا عليك، قال: إني قد رفعني الله إليه ولم يصبني إلا خير وإن هذا شيء شبه لهم فأمروا الحواريين أن يلقوني إلى مكان كذا وكذا فألقوه إلى ذلك المكان أحد عشر وقعد الذي كان باعه ودل عليه اليهود فسأل عنه أصحابه فقالوا: إنه ندم على ما صنع فاختنق وقتل قال: لو تاب تاب الله عليه ثم سألهم عن غلام يتبعهم يقال له يحنا فقال: هو معكم فانطلقوا فإنه سيصبح كل إنسان منكم يحدث بلغة فليتدبرهم وليدعهم.
وأخرج ابن المنذر عن وهب بن منبه قال: إن عيسى عليه السلام كان سياحا فمر على امرأة تستقي فقال: اسقيني من مائك الذي من شرب منه مات وأسقيك من مائي الذي من شرب منه حيي قال: وصادف امرأة حكيمة فقالت له: أما تكتفي بمائك الذي من شرب منه حيي عن مائي الذي من شرب منه مات قال: إن ماءك عاجل ومائي آجل، قالت: لعلك هذا الرجل الذي يقال له عيسى بن مريم قال: فإني أنا هو وأنا أدعوك إلى عبادة الله وترك ما تعبدين من دون الله عز وجل، قالت: فأتني على ما تقول ببرهان قال: برهان ذلك أن ترجعي إلى زوجك فيطلقك، قالت: إن في هذا لآية بينة ما في بني إسرائيل امرأة أكرم على زوجها مني ولئن كان كما تقول إني لأعرف أنك صادق، قال: فرجعت إلى زوجها وزوجها شاب غيور فقال: ما بطؤ بك قالت: مر علي رجل فأرادت أن تخبره عن عيسى فاحتملته الغيرة فطلقها فقالت: لقد صدقني صاحبي، فخرجت تتبع عيسى وقد آمنت به فأتى عيسى ومعه سبعة وعشرون من الحواريين في بيت وأحاطوا بهم فدخلوا عليهم وقد صورهم الله على صورة عيسى فقالوا: قد سحرتمونا لتبرزن لنا عيسى أو لنقتلكم جميعا فقال عيسى لأصحابه: من يشتري منكم نفسه بالجنة فقال رجل من القوم: أنا، فأخذوه فقتلوه وصلبوه فمن ثم شبه لهم وظنوا أنهم قد قتلوا عيسى وصلبوه فظنت النصارى مثل ذلك ورفع الله عيسى من يومه ذلك، فبلغ المرأة أن عيسى قد قتل وصلب فجاءت حتى بنت مسجدا إلى أصل شجرته فجعلت تصلي وتبكي على عيسى فسمعت صوتا من فوقها صوت عيسى لا تنكره: أي فلانة إنهم والله ما قتلوني وما صلبوني ولكن شبه لهم وآية ذلك أن الحواريين يجتمعون الليلة في بيتك فيفترقون اثنتي عشرة فرقة كل فرقة منهم تدعو قوما إلى دين الله فلما أمسوا اجتمعوا في بيتها فقالت لهم: إني سمعت الليلة شيئا أحدثكم به وعسى أن تكذبوني وهو الحق سمعت صوت عيسى وهو يقول: يا فلانة إني والله ما قتلت ولا صلبت وآية ذلك أنكم تجتمعون الليلة في بيتي فتفترقون اثنتي عشرة فرقة فقالوا: إن الذي سمعت كما سمعت فإن عيسى لم يقتل ولم يصلب إنما قتل فلان وصلب وما اجتمعنا في بيتك إلا لما قال نريد أن نخرج دعاة في الأرض فكان ممن توجه إلى الروم نسطور وصاحبان له فأما صاحباه فخرجا وأما نسطور فحسبته حاجة له فقال لهما: ارفقا ولا تخرقا ولا تستبطئاني في شيء فلما قدما الكورة التي أرادا قدما في يوم عيدهم وقد برز ملكهم وبرز وبرز معه أهل مملكته فأتاه الرجلان فقاما بين يديه فقالا له: اتق الله فإنكم تعملون بمعاصي الله وتنتهكون حرم الله مع ما شاء الله أن يقولا، قال: فأسف الملك وهم بقتلهما فقام إليه نفر من أهل مملكته فقالوا: إن هذا يوم لا تهرق فيه دما وقد ظفرت بصاحبيك فإن أحببت أن تحبسهما حتى يمضي عيدنا ثم ترى فيهما رأيك فعلت فأمر بحبسهما ثم ضرب على أذنه بالنسيان لهما حتى قدم نسطور فسأل عنهما فأخبر بشأنهما وأنهما محبوسان في السجن فدخل عليهما فقال: ألم أقل لكما ارفقا ولا تخرقا ولا تستبطئاني في شيء هل تدريان ما مثلكما مثلكما مثل امرأة لم تصب ولدا حتى دخلت في السن فأصابت بعدما دخلت في السن ولدا فأحبت أن تعجل شبابه لتنتفع به فحملت على معدته ما لا تطيق فقتلته ثم قال لهما: والآن فلا تستبطئاني في شيء ثم خرج فانطلق حتى أتى باب الملك وكان إذا جلس الناس وضع سريره وجلس الناس سمطا بين يديه وكانوا إذا ابتلوا بحلال أو حرام رفعوا له فنظر فيه ثم سأل عنه من يليه في مجلسه وسأل الناس بعضهم بعضا حتى تنتهي المسألة إلى أقصى المجلس وجاء نسطور حتى جلس في أقصى القوم فلما ردوا على الملك جواب من أجابه وردوا عليه جواب نسطور فسمع بشيء عليه نور وحلا في مسامعه فقال: من صاحب هذا القول فقيل: الرجل الذي في أقصى القوم، فقال: علي به، فقال: أنت القائل كذا وكذا قال: نعم، قال: فما تقول في كذا وكذا قال: كذا وكذا، فجعل لا يسأله عن شيء إلا فسره له، فقال: عندك هذا العلم وأنت تجلس في آخر القوم ضعوا له عند
سريري مجلسا ثم قال: إن أتاك ابني فلا تقم له عنه ثم أقبل على نسطور وترك الناس فلما عرف أن منزلته قد تثبتت قال: لأزورنه، فقال: أيها الملك رجل بعيد الدار بعيد الضيعة فإن أحببت أن تقضي حاجتك مني وتأذن لي فأنصرف إلى أهلي، فقال: يا نسطور ليس إلى ذلك سبيل فإن أحببت أن تحمل أهلك إلينا فلك المواساة وإن أحببت أن تأخذ من بيت المال حاجتك فتبعث به إلى أهلك فعلت فسكت نسطور، ثم تحين يوما فمات لهم فيه ميت فقال: أيها الملك بلغني أن رجلين أتياك يعيبان دينك قال: فذكرهما فأرسل إليهما فقال: يا نسطور أنت حكم بيني وبينهما ما قلت من شيء رضيت، قال: نعم أيها الملك هذا ميت قد مات في بني إسرائيل فمرهما حتى يدعوا ربهما فيحييه لهما ففي ذلك آية بينة قال: فأتي بالميت فوضع عنده فقاما وتوضآ ودعوا ربهما فرد عليه روحه وتكلم فقال: أيها الملك إن في هذه لآية بينة ولكن مرهما بغير ما أجمع أهل مملكتك ثم قل لآلهتك فإن كانت تقدر أن تضر هذين فليس أمرهما بشيء وإن كان هذان يقدران أن يضرا آلهتك فأمرهما قوي فجمع الملك أهل مملكته ودخل البيت الذي فيه الآلهة فخر ساجدا هو ومن معه من أهل مملكته وخر نسطور ساجدا وقال: اللهم إني أسجد لك وأكيد هذه الآلهة أن تعبد من دونك ثم رفع الملك رأسه فقال: إن هذين يريدان أن يبدلا دينكم ويدعوا إلى إله غيركم فافقأوا أعينهما أو اجذموهما أو شلوهما فلم ترد عليه الآلهة شيئا وقد كان نسطور أمر صاحبيه أن يحملا معهما فأسا فقال: أيها الملك قل لهذين أيقدران أن يضرا آلهتك قال: أتقدران على أن تضرا آلهتنا قالا: خل بيننا وبينها فأقبلا عليها فكسراها فقال نسطور: أما أنا فآمنت برب هذين وقال الملك: وأنا آمنت برب هذين وقال جميع الناس: آمنا برب هذين فقال نسطور لصاحبيه: هكذا الرفق
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {وكان الله عزيزا حكيما} قال: معنى ذلك أنه كذلك.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أن يهوديا قال له: إنكم تزعمون أن الله كان عزيزا حكيما فكيف هو اليوم قال ابن عباس: إنه كان من نفسه عزيزا حكيما). [الدر المنثور: 5/100-108]

تفسير قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (معمر عن الكلبي وقتادة في قوله تعالى وإن من أهل الكتب إلا ليؤمنن به قبل موته قال قبل موت عيسى إذا نزل آمنت به الأديان كلها). [تفسير عبد الرزاق: 1/177]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا إسرائيل بن يونس عن فرات القزاز عن الحسن في قوله تعالى وإن من أهل الكتب إلا ليؤمنن به قبل موته قال لا يموت منهم أحد حتى يؤمن بعيسى قبل أن يموت). [تفسير عبد الرزاق: 1/177]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أخبرني يحيى بن يعلى عن الكلبي عن شهر بن حوشب قال عرضنا الحجاج أعطياتنا بطابة وعلي ثياب لي رثة وتحتي فرس لي رثة فقال لي يا شهر ما لي أرى ثيابك رثة وفرسك رثة قال فقلت أما فرسي فقد ابتعتها ولم آل وأما ثيابي فبحسب المرء ما واري عورته قال لا ولكني أراك تكره لباس الخز قال قلت ما أكره قال فأمر لي بقطعة من خز وكساء خز وعمامة من خز ثم قال يا شهر آية من كتاب الله ما قرأتها إلا اعترض في نفسي منها شيء قول الله تعالى وإن من أهل الكتب إلا ليؤمنن به قبل موته وأنا أوتى بالأسارى فأضرب أعناقهم فلا أسمعهم يقولون شيئا قال قلت إنها رفعت إليك على غير وجهها إن النصراني إذا خرجت نفسه أو قال روحه ضربته الملائكة من قبله ودبره فقالوا أي خبيث إن المسيح ابن مريم الذي زعمت أنه الله وأنه ابن الله وأنه ثالث ثلاثة عبد الله وروحه وكلمته فيؤمن به
[تفسير عبد الرزاق: 1/178]
حين لا ينفعه إيمانه وإن اليهودي إذا خرجت نفسه ضربته الملائكة من قبله ودبره وقالوا أي خبيث إن المسيح الذي زعمت أنك قتلته عبد الله وروحه وكلمته فيؤمن به حين لا ينفعه إيمانه فإذا كان عند نزول عيسى آمنت به أحياؤهم كما آمنت به موتاهم فقال من أين أخذتها قال قلت من محمد بن علي قال لقد أخذتها من معدنها قال شهر وايم الله ما حدثتنيه إلا أم سلمة ولكني أحببت أن أغيظه). [تفسير عبد الرزاق: 1/179]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن أبي حصينٍ عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاسٍ {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمننّ به قبل موته} قال: قبل موت عيسى صلّى الله عليه [الآية: 159].
سفيان [الثوري] عن أبي هاشمٍ عن مجاهدٍ {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته} قلت: وإن وقع أحدهم من ظهر بيتٍ؟ قال: وإن وقع أحدهم من ظهر بيت). [تفسير الثوري: 98]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {وإن من أهل الكتاب إلّا ليؤمننّ به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عتّاب بن بشيرٍ، عن خصيف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ - في قوله عزّ وجلّ: {وإن من أهل الكتاب إلّا ليؤمنن به قبل موته} - قال: هي في قراءة أبيّ: {قبل موتهم}، قال: ليس يهوديٌّ يموت أبدًا حتّى يؤمن بعيسى عليه السّلام، فقيل لابن عبّاسٍ: أرأيت إن خرّ من فوق بيتٍ؟ قال: يتكلّم به في الهويّ، فقيل له: أرأيت إن ضرب عنق أحدهم؟ قال: يتلجلج بها). [سنن سعيد بن منصور: 4/1427-1428]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإن من أهل الكتاب إلاّ ليؤمننّ به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا}.
اختلف أهل التّأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: {وإن من أهل الكتاب إلاّ ليؤمننّ به} يعني بعيسى {قبل موته} يعني: قبل موت عيسى، يوجّه ذلك إلى أنّ جميعهم يصدّقون به إذا نزل لقتل الدّجّال، فتصير الملل كلّها واحدةً، وهي ملّة الإسلام الحنيفيّة، دين إبراهيم صلّى اللّه عليه وسلّم..
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي حصينٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وإن من أهل الكتاب إلاّ ليؤمننّ به قبل موته} قال: قبل موت عيسى ابن مريم.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن أبي حصينٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وإن من أهل الكتاب إلاّ ليؤمننّ به قبل موته} قال: قبل موت عيسى.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا حصينٌ، عن أبي مالكٍ، في قوله: {إلاّ ليؤمننّ به قبل موته} قال: ذلك عند نزول عيسى ابن مريم لا يبقى أحدٌ من أهل الكتاب إلا يؤمننّ به.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحجّاج بن المنهال، قال: حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن حميدٍ، عن الحسن، قال: {قبل موته} قال: قبل أن يموت عيسى ابن مريم.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن أبي رجاءٍ، عن الحسن، في قوله: {وإن من أهل الكتاب إلاّ ليؤمننّ به قبل موته} قال: قبل موت عيسى، واللّه إنّه الآن لحيّ عند اللّه، ولكن إذا نزل آمنوا به أجمعون.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، في قوله: {وإن من أهل الكتاب إلاّ ليؤمننّ به قبل موته} يقول: قبل موت عيسى.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: {وإن من أهل الكتاب إلاّ ليؤمننّ به قبل موته} قال: قبل موت عيسى إذا نزل آمنت به الأديان كلّها.
- حدّثنا أبو وكيعٍ قال: حدّثنا أبي، عن أبي جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن الحسن، قال: قبل موت عيسى.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو أسامة، عن عوفٍ، عن الحسن: {إلاّ ليؤمننّ به قبل موته} قال: عيسى ولم يمت بعد.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عمران بن عيينة، عن حصينٍ، عن أبي مالكٍ، قال: لا يبقى أحدٌ منهم عند نزول عيسى إلا آمن به.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن حصينٍ، عن أبي مالكٍ، قال: قبل موت عيسى.
- حدّثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {وإن من أهل الكتاب إلاّ ليؤمننّ به قبل موته} قال: إذا نزل عيسى ابن مريم فقتل الدّجّال لم يبق يهوديّ في الأرض إلاّ آمن به، قال: وذلك حين لا ينفعهم الإيمان.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وإن من أهل الكتاب إلاّ ليؤمننّ به قبل موته} يعني: أنّه سيدرك أناسٌ من أهل الكتاب حين يبعث عيسى، سيؤمنون به، ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن منصور بن زاذان، عن الحسن، أنّه قال في هذه الآية: {وإن من أهل الكتاب إلاّ ليؤمننّ به قبل موته} قال أبو جعفرٍ: أظنّه إنّما قال: إذا خرج عيسى آمنت به اليهود.
وقال آخرون: يعني بذلك: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمننّ بعيسى قبل موت الكتابيّ ذكر من كان يوجّه ذلك إلى أنّه إذا عاين علم الحقّ من الباطل، لأنّ كلّ من نزل به الموت لم تخرج نفسه حتّى يتبيّن له الحقّ من الباطل في دينه:
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وإن من أهل الكتاب إلاّ ليؤمننّ به قبل موته} قال: لا يموت يهوديّ حتّى يؤمن بعيسى.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ: {وإن من أهل الكتاب إلاّ ليؤمننّ به قبل موته} قال: لا تخرج نفسه، حتّى يؤمن بعيسى، وإن غرق، أو تردّى من حائطٍ، أو أيّ ميتةٍ كانت.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله: {إلاّ ليؤمننّ به قبل موته} كلّ صاحب كتابٍ ليؤمننّ به بعيسى قبل موته، موت صاحب الكتاب.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ليؤمننّ به} كلّ صاحب كتابٍ يؤمن بعيسى قبل موته، قبل موت صاحب الكتاب؛ قال ابن عبّاسٍ: لو ضربت عنقه، لم تخرج نفسه حتّى يؤمن بعيسى.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا أبو تميلة يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا الحسين بن واقدٍ، عن يزيد النّحويّ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: لا يموت اليهوديّ، حتّى يشهد أنّ عيسى عبد اللّه ورسوله، ولو عجل عليه بالسّلاح.
- حدّثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشّهيد، قال: حدّثنا عتّاب بن بشيرٍ، عن خصيفٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وإن من أهل الكتاب إلاّ ليؤمننّ به قبل موته} قال: هي في قراءة أبيٍّ: قبل موتهم ليس يهوديّ يموت أبدًا حتّى يؤمن بعيسى؛ قيل لابن عبّاسٍ: أرأيت إن خرّ من فوق بيتٍ؟ قال: يتكلّم به في الهويّ. فقيل: أرأيت إن ضربت عنق أحدٍ منهم؟ قال: يتلجلج بها لسانه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثني أبو نعيمٍ الفضل بن دكينٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن خصيفٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {وإن من أهل الكتاب إلاّ ليؤمننّ به قبل موته} قال: لا يموت يهوديّ حتّى يؤمن بعيسى ابن مريم، قال: وإن ضرب بالسّيف؟ قال: تكلّم به، قيل: وإن هوى؟ قال: يتكلّم به وهو يهوي.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثني محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن أبي هارون الغنويّ، عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ، أنّه قال في هذه الآية: {وإن من أهل الكتاب إلاّ ليؤمننّ به قبل موته} قال: لو أنّ يهوديًّا وقع من فوق هذا البيت لم يمت حتّى يؤمن به؛ يعني: بعيسى.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثني عبد الصّمد، قال: حدّثنا شعبة، عن مولًى، لقريشٍ، قال: سمعت عكرمة، يقول: لو وقع يهوديّ من فوق القصر، لم يبلغ إلى الأرض، حتّى يؤمن بعيسى.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي هاشمٍ الرّمّانيّ، عن مجاهدٍ: {ليؤمننّ به قبل موته} قال: وإن وقع من فوق البيت لا يموت حتّى يؤمن به.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عمرو بن أبي قيسٍ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ: {وإن من أهل الكتاب إلاّ ليؤمننّ به قبل موته} قال: لا يموت رجلٌ من أهل الكتاب حتّى يؤمن به، وإن غرق، أو تردّى، أو مات بشيءٍ.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ في قوله: {وإن من أهل الكتاب إلاّ ليؤمننّ به قبل موته} قال: لا تخرج نفسه حتّى يؤمن به.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن خصيفٍ، عن عكرمة: {وإن من أهل الكتاب إلاّ ليؤمننّ به قبل موته} قال: لا يموت أحدهم حتّى يؤمن به، يعني: بعيسى، وإن خرّ من فوق بيتٍ يؤمن به وهو يهوي.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو خالدٍ الأحمر، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، قال: ليس أحدٌ من اليهود يخرج من الدّنيا حتّى يؤمن بعيسى.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن إسرائيل، عن فراتٍ القزّاز، عن الحسن، في قوله: {وإن من أهل الكتاب إلاّ ليؤمننّ به قبل موته} قال: لا يموت أحدٌ منهم، حتّى يؤمن بعيسى، يعني: اليهود والنّصارى.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا إسرائيل، عن فراتٍ، عن الحسن في قوله: {وإن من أهل الكتاب إلاّ ليؤمننّ به قبل موته} قال: لا يموت أحدٌ منهم، حتّى يؤمن بعيسى قبل أن يموت.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا الحكم بن عطيّة، عن محمّد بن سيرين: {وإن من أهل الكتاب إلاّ ليؤمننّ به قبل موته} قال: موت الرّجل من أهل الكتاب.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وإن من أهل الكتاب إلاّ ليؤمننّ به قبل موته} قال: قال ابن عبّاسٍ: ليس من يهوديٍّ ولا نصرانيٍّ يموت حتّى يؤمن بعيسى ابن مريم. فقال له رجلٌ من أصحابه: كيف والرّجل يغرق، أو يحترق، أو يسقط عليه الجدار، أو يأكله السّبع؟ فقال: لا تخرج روحه من جسده حتّى يقذف فيه الإيمان بعيسى.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان قال: سمعت الضّحّاك يقول في قوله: {وإن من أهل الكتاب إلاّ ليؤمننّ به قبل موته} قال: لا يموت أحدٌ من اليهود حتّى يشهد أنّ عيسى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا يعلى، عن جويبرٍ، في قوله: {ليؤمننّ به قبل موته} قال: في قراءة أبيٍّ: قبل موتهم.
وقال آخرون: معنى ذلك: وإن من أهل الكتاب إلاّ ليؤمننّ بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم قبل موت الكتابيّ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحجّاج بن المنهال، قال: حدّثنا حمّادٌ، عن حميدٍ، قال: قال عكرمة: لا يموت النّصرانيّ واليهوديّ حتّى يؤمن بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، يعني في قوله: {وإن من أهل الكتاب إلاّ ليؤمننّ به قبل موته}
قال أبو جعفرٍ: وأولى الأقوال بالصّحّة بالصّواب قول من قال: تأويل ذلك: وإن من أهل الكتاب إلاّ ليؤمننّ بعيسى قبل موت عيسى.
وإنّما قلنا ذلك أولى بالصّواب من غيره من الأقوال، لأنّ اللّه جلّ ثناؤه حكم لكلّ مؤمنٍ بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم بحكم أهل الإيمان في الموارثة والصّلاة عليه وإلحاق صغار أولاده بحكمه في الملّة، فلو كان كلّ كتابيٍّ يؤمن بعيسى قبل موته، لوجب أن لا يرث الكتابيّ إذا مات على ملّته إلاّ أولاده الصّغار أو البالغون منهم من أهل الإسلام، إن كان له ولدٌ صغيرٌ أو بالغٌ مسلمٌ، وإن لم يكن له ولدٌ صغيرٌ ولا بالغٌ مسلمٌ، كان ميراثه مصرفًا حيث ينصرف إليه مال المسلم، يموت ولا وارث له، وأن يكون حكمه حكم المسلمين في الصّلاة عليه وغسله وتقبيره، لأنّ من مات مؤمنًا بعيسى فقد مات مؤمنًا بمحمّدٍ وبجميع الرّسل؛
وذلك أنّ عيسى صلوات اللّه عليه جاء بتصديق محمّدٍ وجميع المرسلين، فالمصدّق بعيسى والمؤمن به مصدّقٌ بمحمّدٍ وبجميع أنبياء اللّه ورسله، كما أنّ المؤمن بمحمّدٍ مؤمنٌ بعيسى وبجميع أنبياء اللّه ورسله، فغير جائزٍ أن يكون مؤمنًا بعيسى من كان بمحمّدٍ مكذّبًا.
فإن ظنّ ظانٌّ أنّ معنى إيمان اليهوديّ بعيسى، الّذي ذكره اللّه في قوله: {وإن من أهل الكتاب إلاّ ليؤمننّ به قبل موته} إنّما هو إقراره بأنّه للّه نبيّ مبعوثٌ دون تصديقه بجميع ما أتى به من عند اللّه، فقد ظنّ خطأً. وذلك أنّه غير جائزٍ أن يكون منسوبًا إلى الإقرار بنبوّة نبيٍّ من كان له مكذّبًا في بعض ما جاء به من وحي اللّه وتنزيله، بل غير جائزٍ أن يكون منسوبًا إلاّ الإقرار بنبوّة أحدٍ من أنبياء اللّه لأنّ الأنبياء جاءت الأمم بتصديق جميع أنبياء اللّه ورسله؛ فالمكذّب بعض أنبياء اللّه في بعض ماأتى به أمّته من عند اللّه مكذّبٌ جميع أنبياء اللّه فيما دعوا إليه من دين عباد اللّه. وإذ كان ذلك كذلك، وكان في إجماع الجميع من أهل الإسلام مجمعين على أنّ كلّ كتابيٍّ مات قبل إقراره بمحمّدٍ صلوات اللّه عليه وما جاء به من عند اللّه، محكومٌ له بحكم المسألة الّتي كان عليها أيّام حياته، غير منقولٍ شيءٌ من أحكامه في نفسه وماله وولده صغارهم وكبارهم بموته عمّا كان عليه في حياته، أدلّ الدّليل على أنّ معنى قول اللّه: {وإن من أهل الكتاب إلاّ ليؤمننّ به قبل موته} إنّما معناه: إلاّ ليؤمننّ بعيسى قبل موت عيسى، وأنّ ذلك في خاصٍّ من أهل الكتاب، ومعنيّ به أهل زمانٍ منهم دون أهل كلّ الأزمنة الّتي كانت بعد عيسى، وأنّ ذلك كائنٌ عند نزوله. كالّذي:
- حدّثني بشر بن معاذٍ، قال: حدّثني يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن عبد الرّحمن بن آدم، عن أبي هريرة، أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: الأنبياء إخوةٌ لعلاّتٍ أمّهاتهم شتّى ودينهم واحدٌ، وإنّي أولى النّاس بعيسى ابن مريم لأنّه لم يكن بيني وبينه نبيّ. وإنّه نازلٌ، فإذا رأيتموه فاعرفوه، فإنّه رجلٌ مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض، سبط الشّعر كأنّ رأسه يقطر وإن لم يصبه بللٌ، بين ممصّرتين، فيدقّ الصّليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال، ويقاتل النّاس على الإسلام حتّى يهلك اللّه في زمانه الملل كلّها غير الإسلام، ويهلك اللّه في زمانه مسيح الضّلالة الكذّاب الدّجّال، وتقع الأمنة في الأرض في زمانه حتّى ترتع الأسود مع الإبل والنّمور مع البقر والذّئاب مع الغنم، وتلعب الغلمان والصّبيان بالحيّات لا يضرّ بعضهم بعضًا، ثمّ يلبث في الأرض ما شاء اللّه وربّما قال: أربعين سنةً، ثمّ يتوفّى ويصلّي عليه المسلمون ويدفنونه.
وأمّا الّذي قال: عنى بقوله: {ليؤمننّ به قبل موته} ليؤمننّ بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم قبل موت الكتابيّ، فممّا لا وجه له مفهومٌ؛ لأنّه مع فساده من الوجه الّذي دلّلنا على فساد قول من قال: عنى به: ليؤمننّ بعيسى قبل موت الكتابيّ، يزيده فسادًا أنّه لم يجر لمحمّدٍ عليه الصّلاة والسّلام في الآيات الّتي قبل ذلك ذكرٌ، فيجوز صرف الهاء الّتي في قوله: {ليؤمننّ به} إلى أنّها من ذكره، وإنّما قوله: {ليؤمننّ به} في سياق ذكر عيسى وأمّه واليهود، فغير جائزٍ صرف الكلام عمّا هو في سياقه إلى غيره إلاّ بحجّةٍ يجب التّسليم لها من دلالة ظاهر التّنزيل أو خبرٍ عن الرّسول تقوم به حجّةٌ؛ فأمّا الدّعاوى فلا تتعذّر على أحدٍ.
فتأويل الآية إذ كان الأمر على ما وصفت: وما من أهل الكتاب إلا من ليؤمننّ بعيسى قبل موت عيسى، وحذف من بعد إلاّ لدلالة الكلام عليه، فاستغنى بدلالته عن إظهاره كسائر ما قد تقدّم من أمثاله الّتي قد أتينا على البيان عنها). [جامع البيان: 7/663-675]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: {ويوم القيامة يكون} عيسى على أهل الكتاب {شهيدًا} يعني: شاهدًا عليهم بتكذيب من كذّبه منهم، وتصديق من صدّقه منهم فيما أتاهم به من عند اللّه وبإبلاغه رسالة ربّه.
كالّذي:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ: {ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا} أنّه قد أبلغهم ما أرسله به إليهم.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا} يقول: يكون عليهم شهيدًا يوم القيامة، على أنّه قد بلّغ رسالة ربّه وأقرّ بالعبوديّة على نفسه). [جامع البيان: 7/675-676]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وإن من أهل الكتاب إلّا ليؤمننّ به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا (159)
قوله تعالى: وإن من أهل الكتاب.
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجابٌ، أنبأ بشرٌ بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ قوله: وإن من أهل الكتاب قال: اليهود خاصّةً.
والوجه الثّاني:
- حدّثني أبي، ثنا سعيد بن سليمان، ثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابتٍ البنانيّ قال: سمعت الحسن في قوله: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمننّ به قبل موته قال: النّجاشيّ وأصحابه.
قوله تعالى: إلا ليؤمننّ به قبل موته.
[الوجه الأول]
- حدّثني أبي، ثنا محمّد بن المثنّى أبو موسى، ثنا يزيد بن هارون ثنا سفيان ابن حسينٍ، عن الزّهريّ، عن حنظلة، عن أبي هريرة أن ّرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ينزل عيسى بن مريم فيقتل الخنزير ويكسر الصّليب، ويضع الجزية، وتضع الحرب أوزارها ويعطى المال حتّى لا يقبل، ويجمع له الصّلاة، ويأتي الرّوحاء فيحجّ منها أو يعتمر أو يجمعها اللّه له، ثمّ قرأ أبو هريرة: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمننّ به قبل موته قال: قبل موت عيسى. قال حنظلة: فلا أدري هذا أصله حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أو قولاًًًًًًًًًٌ من أبي هريرة.
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ، ثنا أبو داود، ثنا شعبة، عن هارون الغنويّ، سمع عكرمة، عن ابن عبّاسٍ في قوله: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمننّ به قبل موته قال: لو أنّ يهوديًّا وقع من حائطٍ إلى الأرض لم يمت حتّى يؤمن به يعني:
بعيسى عليه السلام.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا عليّ بن عثمان اللاحقيّ، ثنا جويرية بن بشيرٍ قال: سمعت رجلا قال للحسن: يا أبا سعيدٍ قول اللّه تعالى وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته قال: قبل موت عيسى إنّ اللّه رفع إليه عيسى، وهو باعثه قبل يوم القيامة مقامًا يؤمن به البرّ والفاجر.
- حدّثنا سليمان بن داود مولى عبد اللّه بن جعفرٍ، ثنا سهلٌ، ثنا المحاربيّ، عن أشعث، عن الحسن في قوله: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته.
قال: يؤمنون إيمانًا لا ينفعهم.
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن كثيرٍ، ثنا سليمان، عن حصينٍ، عن أبي مالكٍ قال: ليس أحدٌ من أهل الأرض يدركه نزول عيسى بن مريم إلا آمن به، وذلك قوله:
وإن من أهل الكتاب إلّا ليؤمننّ به قبل موته.
قوله تعالى: قبل موته.
[الوجه الأول]
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا عبد الرّحمن يعني ابن مهديٍّ، عن سفيان عن ابن حصينٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قوله: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته قال: قبل موت عيسى عليه السّلام.
وروي عن أبي هريرة، ومجاهدٍ، والحسن، وقتادة نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجابٌ، أنبأ بشرٌ، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ قوله: إلا ليؤمننّ به قبل موته قال: قبل موت اليهوديّ. وروي عن محمّد بن سيرين، والضّحّاك نحو ذلك،
قوله تعالى: ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد اللّه بن محمّدٍ بن عليّ بن نفيلٍ، ثنا عفيف بن سالمٍ المصلّي، عن القاسم بن الفضل قال: أرسل الحجّاج إلى عكرمة يسأله عن يوم القيامة، أمن الدّنيا هو أم من الآخرة؟ فقال: صدر ذلك اليوم من الدّنيا وآخره من الآخرة.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد العزيز بن المغيرة، أنبأ يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٍ عن قتادة قوله: ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا يقول: يوم القيامة على أنّه قد بلّغ رسالات ربّه وأقرّ بالعبوديّة على نفسه). [تفسير القرآن العظيم: 4/1112-1114]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن منصور عن مجاهد وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته قال لا يموت أحد منهم حتى يؤمن بعيسى عليه السلام وإن غرق أو تردى). [تفسير مجاهد: 180]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ليؤمنن به قبل موته قال كل صاحب كتاب فإنه يؤمن بعيسى قبل موت صاحب الكتاب ورفع الله عيسى حيا). [تفسير مجاهد: 180-181]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو عبد اللّه محمّد بن يعقوب الحافظ، ثنا عليّ بن الحسن بن أبي عيسى، ثنا عبد اللّه بن الوليد، ثنا سفيان، عن أبي حصينٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، " {وإن من أهل الكتاب إلّا ليؤمننّ به قبل موته} [النساء: 159] قال: خروج عيسى ابن مريم صلوات اللّه عليه «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/338]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج الفريابي، وعبد بن حميد والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته} قال: خروج عيسى بن مريم.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته} قال: قبل موت عيسى.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال: يعني أنه سيدرك أناس من أهل الكتاب حين يبعث عيسى سيؤمنون به.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وإن من أهل الكتاب} قال: اليهود خاصة {إلا ليؤمنن به قبل موته} قال: قبل موت اليهودي.
وأخرج الطيالسي وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته} قال: هي في قراءة أبي قبل موتهم، قال: ليس يهودي أبدا حتى يؤمن بعيسى، قيل لابن عباس: أرأيت إن خر من فوق بيت قال: يتكلم به في الهواء، فقيل: أرأيت إن ضرب عنق أحدهم قال: يتلجلج بها لسانه.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: لو ضربت عنقه لم تخرج نفسه حتى يؤمن بعيسى.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن ابن عباس قال: لا يموت يهودي حتى يشهد أن عيسى عبد الله ورسوله ولو عجل عليه بالسلاح.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته} قال: لو أن يهوديا ألقي من فوق قصر ما خلص إلى الأرض حتى يؤمن أن عيسى عبد الله ورسوله.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن ابن عباس في الآية قال: لا يموت يهودي حتى يؤمن بعيسى، قيل: وإن ضرب بالسيف قال: يتكلم به، قيل: وإن هوى قال: يتكلم به وهو يهوي.
وأخرج ابن المنذر عن أبي هاشم وعروة قالا: في مصحف أبي بن كعب: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موتهم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن شهر بن حوشب في قوله {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته} عن محمد بن علي بن أبي طالب هو ابن الحنيفة قال: ليس من أهل الكتاب أحد إلا أتته الملائكة يضربون وجهه ودبره ثم يقال: يا عدو الله إن عيسى روح الله وكلمته كذبت على الله وزعمت أنه الله إن عيسى لم يمت وإنه رفع إلى السماء وهو نازل قبل أن تقوم الساعة فلا يبقى يهودي ولا نصراني إلا آمن به.
وأخرج ابن المنذر عن شهر بن حوشب قال: قال لي الحجاج: يا شهر آية من كتاب الله ما قرأتها إلا اعترض في نفسي منها شيء قال الله {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته} وإني أوتى بالأسارى فأضرب أعناقهم ولا أسمعهم يقولون شيئا فقلت: رفعت إليك على غير وجهها وإن النصراني إذا خرجت روحه ضربته الملائكة من قبله ومن دبره وقالوا: أي خبيث إن المسيح الذي زعمت أنه الله أو ابن الله أو ثالث ثلاثة عبد الله وروحه وكلمته فيؤمن حين لا ينفعه إيمانه وإن اليهودي إذا خرجت نفسه ضربته الملائكة من قبله ومن دبره وقالوا: أي خبيث إن المسيح الذي زعمت أنك قتلته عبد الله وروحه فيؤمن به حين لا ينفعه الإيمان فإذا كان عند نزول عيسى آمنت به أحياؤهم كما آمنت به موتاهم، فقال: من أين أخذتها فقلت: من محمد بن علي، قال: لقد أخذتها من معدنها، قال شهر: وأيم الله ما حدثنيه إلا أم سلمة ولكني أحببت أن أغيظه.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة في قوله {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته} قال: إذا نزل آمنت به الأديان كلها {ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا} أنه قد بلغ رسالة ربه وأقر على نفسه بالعبودية.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته} قال: إذا نزل عيسى عليه السلام فقتل الدجال لم يبق يهودي في الأرض إلا آمن به فذلك حين لا ينفعهم الإيمان
وأخرج ابن جرير عن أبي مالك {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته} قال: ذلك عند نزول عيسى ابن مريم لا يبقى أحد من أهل الكتاب إلا آمن به.
وأخرج ابن جرير عن الحسن {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته} قال: قبل موت عيسى والله إنه الآن حي عند الله ولكن إذا نزل آمنوا به أجمعون.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن أن رجلا سأله عن قوله {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته} قال: قبل موت عيسى وإن الله رفع إليه عيسى وهو باعثه قبل يوم القيامة مقاما يؤمن به البر والفاجر.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد والبخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد حتى تكون السجدة خيرا من الدنيا وما فيها، ثم يقول أبو هريرة: واقرأوا إن شئتم {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا}.
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوشك أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا يقتل الدجال ويقتل الخنزير ويكسر الصليب ويضع الجزية ويفيض المال وتكون السجدة واحدة لله رب العالمين واقرأوا إن شئتم {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته} موت عيسى بن مريم ثم يعيدها أبو هريرة ثلاث مرات.
وأخرج أحمد، وابن جرير عن ابي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ينزل عيسى ابن مريم عليه السلام فيقتل الخنزير ويكسر الصليب ويجمع له الصلاة ويعطي المال حتى لا يقبل ويضع الخراج وينزل الروحاء فيحج منها أو يعتمر أو يجمعهما، قال: وتلا أبو هريرة {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا} قال أبو هريرة: يؤمن به قبل موت عيسى.
وأخرج أحمد ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليهلن عيسى بن مريم بفج الروحاء بالحج أو بالعمرة أو ليثنينهما جميعا.
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والبيهقي في الأسماء والصفات قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أنتم إذا نزل فيكم ابن مريم وإمامكم منكم.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود، وابن جرير، وابن حبان عن أبي هريرة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: الأنبياء أخوات لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد وإني أولى الناس بعيسى بن مريم لأنه لم يكن بيني وبينه نبي وإنه خليفتي على أمتي وأنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه رجل مربوع إلى الحمرة والبياض عليه ثوبان ممصران كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل فيدق الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويدعو الناس إلى الإسلام ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال ثم تقع الأمنة على الأرض حتى ترتع الأسود مع الإبل والنمار مع البقر والذئاب مع الغنم وتلعب الصيبان بالحيات لا تضرهم فيمكث أربعين سنة ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون ويدفنونه.
وأخرج أحمد عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إني لأرجو إن طال بي عمر أن ألقى عيسى بن مريم فإن عجل بي موت فمن لقية منكم فليقرئه مني السلام.
وأخرج الطبراني عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا إن عيسى بن مريم ليس بينه وبيني نبي ولا رسول إلا أنه خليفتي في أمتي من بعدي إلا أنه يقتل الدجال ويكسر الصليب ويضع الجزية وتضع الحرب أوزارها ألا من أدركه منكم فليقرأ عليه السلام.
وأخرج الطبراني عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ينزل عيسى بن مريم فيمكث في الناس أربعين سنة.
وأخرج أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ينزل ابن مريم إماما عادلا وحكما مقسطا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويرجع السلم وتتخذ السيوف مناجل وتذهب حمة كل ذات حمة وتنزل السماء رزقها وتخرج الأرض بركتها حتى يلعب الصبي بالثعبان ولا يضره ويراعي الغنم الذئب ولا يضرها ويراعي الأسد البقر ولا يضرها.
وأخرج أحمد والطبراني عن سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الدجال خارج وهو أعور عين الشمال عليها طفرة غليظة وأنه يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى ويقول: أنا ربكم، فمن قال: أنت ربي فقد فتن ومن قال ربي الله حي لا يموت فقد عصم من فتنته ولا فتنة عليه ولا عذاب فيلبث في الأرض ما شاء الله ثم يجيء عيسى بن مريم من المغرب، ولفظ الطبراني: من المشرق مصدقا بمحمد وعلى ملته فيقتل الدجال ثم إنما هو قيام الساعة.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقال: ما يبكيك قلت: يا رسول الله ذكرت الدجال فبكيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه يخرج في يهودية أصبهان حتى يأتي المدينة فينزل ناحيتها ولها يومئذ سبعة أبواب على كل نقب منها ملكان فيخرج إليها شرار أهلها حتى يأتي الشام مدينة بفلسطين باب لد فينزل عيسى بن مريم فيقتله ثم يمكث عيسى في الأرض أربعين سنة إماما عادلا وحكما مقسطا.
وأخرج أحمد، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يخرج الدجال في خفقة من الدين وإدبار من العلم فله أربعون ليلة يسيحها في الأرض اليوم منها كالسنة واليوم منها كالشهر واليوم منها كالجمعة ثم سائر أيامه كأيامكم هذه وله حمار يركبه عرض ما يبن أذنيه أربعون ذراعا فيقول للناس: أنا ربكم، وهو أعور وإن ربكم ليس بأعور مكتوب بين عينيه ك ف ر مهجاة يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب يرد كل ماء منهل إلا المدينة ومكة حرمهما الله عليه وقامت الملائكة بأبوابها ومعه جبال من خبز والناس في جهد إلا من اتبعه ومعه نهران أنا أعلم بهما منه نهر يقول الجنة ونهر يقول النار فمن دخل الذي يسميه الجنة فهي النار ومن دخل الذي يسميه النار فهي الجنة وتبعث معه شياطين تكلم الناس ومعه فتنة عظيمة يأمر السماء فتمطر فيما يرى الناس ويقتل نفسا ثم يحييه لا يسلط على غيرها من الناس فيما يرى الناس فيقول للناس: أيها الناس هل يفعل مثل هذا إلا الرب فيفر المسلمون إلى جبل الدخان بالشام فيأتهم فيحصرهم فيشتد حصارهم ويجهدهم جهدا شديدا ثم ينزل عيسى فينادي من السحر فيقول: يا أيها الناس ما يمنعكم أن تخرجوا إلى الكذاب الخبيث فيقولون: هذا رجل حي فينطلقون فإذا هم بعيسى فتقام الصلاة فيقال له: تقدم يا روح الله فيقول: ليتقدم إمامكم فليصل بكم فإذا صلوا الصبح خرجوا إليه فحين يراه الكذاب ينماث كما ينماث الملح في الماء فيمشي إليه فيقتله حتى إن الشجرة تنادي: يا روح الله هذا يهودي فلا يترك ممن كان يتبعه أحد إلا قتله.
وأخرج معمر في جامعه عن الزهري أخبرني عمرو بن سفيان الثقفي أخبرني رجل من الأنصار عن بعض أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال فقال: يأتي سباخ المدينة وهو محرم عليه أن يدخلها فتنتفض بأهلها نفضة أو نفضتين وهي الزلزلة فيخرج إليه منها كل منافق ومنافقة ثم يأتي الدجال قبل الشام حتى يأتي بعض جبال الشام فيحاصرهم وبقية المسلمون يومئذ معتصمون بذروة جبل فيحاصرهم نازلا بأصله حتى إذا طال عليهم الحصار قال رجل: حتى متى أنتم هكذا وعدوكم نازل بأصل جبلكم هل أنتم إلا بين إحدى الحسنيين بين أن تستشهدوا أو يظهركم فيتبايعون على القتال بيعة يعلم الله أنها الصدق من أنفسهم ثم تأخذهم ظلمة لا يبصر أحدهم كفه فينزل ابن مريم فيحسر عن أبصارهم وبين أظهرهم رجل عليه لأمة فيقول: من أنت فيقول: أنا عبد الله وروحه وكلمته عيسى إختاروا إحدى ثلاث: بين أن يبعث الله على الدجال وجنوده عذابا جسيما أو يخسف بهم الأرض أو يرسل عليهم سلاحكم ويكف سلاحهم فيقولون: هذه يا رسول الله أشفى لصدرونا فيومئذ ترى اليهودي العظيم الطويل الأكول الشروب لا تقل يده سيفه من الرعب فينزلون إليهم فيسلطون عليهم ويذرب الدجال حتى يدركه عيسى فيقتله.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والطبراني والحاكم وصححه عن عثمان بن أبي العاصي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يكون للمسلمين ثلاثة أمصار: مصر بملتقى البحرين ومصر بالجزيرة ومصر بالشام فيفزع الناس ثلاث فزعات فيخرج الدجال في عراض جيش فيهزم من قبل المشرق فأول مصر يرده المصر الذي بلمتقى البحرين فيصير أهلها ثلاث فرق: فرقة تقيم وتقول نشامه ننظر ما هو وفرقة تلحق الأعراب وفرقة تلحق بالمصر الذي يليهم ومع الدجال سبعون ألفا عليهم التيجان وأكثر من معه اليهود والنساء ثم يأتي المصر الذي يليهم فيصير أهله ثلاث فرق: فرقة تقول نشامه وننظر ما هو وفرقة تلحق بالأعراب وفرقة تلحق بالمصر الذي يليهم ثم يأتي الشام فينحاز المسلمون إلى عقبة أفيق فيبعثون بسرح لهم فيصاب سرحهم فيشتد ذلك عليهم وتصيبهم مجاعة شديدة وجهد شديد حتى إن أحدهم ليحرق وتر قوسه فيأكله فبينما هم كذلك إذ ناداهم مناد: من السحر أتاكم الغوث أيها الناس ثلاثا فيقول بعضهم لبعض: إن هذا لصوت رجل شبعان فينزل عيسى عند صلاة الفجر فيقول له أمير الناس تقدم يا روح الله فصل بنا فيقول: إنكم معشر هذه الأمة أمراء بعضكم على بعض تقدم أنت فصل بنا فيتقدم فيصلي بهم فإذا انصرف أخذ عيسى حربته نحو الدجال فإذا رآه ذاب كما يذوب الرصاص فتقع حربته بين تندوته فيقتله ثم ينهزم أصحابه فليس شيء يومئذ يجن أحدا منهم حتى إن الحجر ليقول: يا مؤمن هذا كافر فاقتله والشجر يقول: يا مؤمن هذا كافر فاقتله.
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي الطفيل قال: كنت بالكوفة فقيل: قد خرج الدجال فأتينا حذيفة بن أسيد فقلت: هذا الدجال قد خرج فقال اجلس فجلست فنودي أنها كذبة صباغ فقال حذيفة: إن الدجال لو خرج زمانكم لرمته الصبيان بالخزف ولكنه يخرج في نقص من الناس وخفة من الدين وسوء ذات بين فيرد كل منهل وتطوى له الأرض طي فروة الكبش حتى يأتي المدينة فيغلب على خارجها ويمنع داخلها ثم جبل إيليا فيحاصر عصابة من المسلمين فيقول لهم الذي عليهم: ما تنتظرون بهذا الطاغية أن تقاتلوه حتى تلحقوا بالله أو يفتح لكم فيأتمرون أن يقاتلوه إذا أصبحوا فيصبحون ومعهم عيسى بن مريم فيقتل الدجال ويهزم أصحابه.
وأخرج مسلم والحاكم وصححه عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يخرج الدجال فليبث في أمتي ما شاء الله يلبث أربعين ولا أدري ليلة أو شهرا أو سنة، قال: ثم يبعث الله عيسى بن مريم كأنه عروة بن مسعود الثقفي فيطلبه حتى يهلكه ثم يبقى الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة ثم يبعث الله ريحا باردة تجيء من قبل الشام فلا تدع أحدا في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلا قبضت روحه حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل لدخلت عليه حتى تقبضه سمعت هذه من رسول الله صلى الله عليه وسلم كبد جبل ثم يبقى شرار الناس من لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا في خفة الطير وأحلام السباع فيجيئهم الشيطان فيقول: ألا تستحيون فيقولون ما تأمرنا فيأمرهم بعبادة الأوثان فيعبدونها وهم في ذلك دار رزقهم حسن عيشهم ثم ينفخ في الصور.
وأخرج أبو داود، وابن ماجه عن أبي أمامة الباهلي قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أكثر خطبته حديثا حدثناه عن الدجال وحذرناه فكان من قوله أن قال: إنه
لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال وإن الله لم يبعث نبيا إلا حذر من الدجال وأنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم وهو خارج فيكم لا محالة فإن يخرج وأنا بين ظهرانيكم فأنا حجيج لكل مسلم وإن يخرج من بعدي فكل حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم وإنه يخرج من خلة بين الشام والعراق فيعيث يمينا ويعيث شمالا يا عباد الله فاثبتوا وإني سأصفه لكم صفة لم يصفها إياه نبي قبلي، إنه يبدأ فيقول: أنا نبي ولا نبي بعدي ثم يثني فيقول: أنا ربكم ولا ترون ربكم حتى تموتوا وإنه أعور وإن ربكم عز وجل ليس بأعور وإنه مكتوب بين عينيه كافر يقرأه كل مؤمن كاتب وغير كاتب وإن من فتنته أن معه جنة ونارا فناره جنة وجنته نار فمن ابتلي بناره فليستعن بالله وليقرأ فواتح الكهف فتكون عليه بردا وسلاما كما كانت النار على إبراهيم وإن من فتنته أن يقول لأعرابي: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك أتشهد أني ربك فيقول له: نعم، فيمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه فيقولان: يا بني اتبعه فإنه ربك، وإن من فتنته أن يسلط على نفس واحدة فيقتلها ينشرها بالمنشار حتى يلقى شقتين ثم يقول: انظروا إلى عبدي هذا فإني أبعثه الآن ثم يزعم أن له ربا غيري فيبعثه الله فيقول له الخبيث: من ربك فيقول: ربي الله وأنت عدو الله الدجال والله ما كنت أشد بصيرة بك مني اليوم، وإن من فتنته أن يأمر السماء أن تمطر فتمطر ويأمر الأرض أن تنبت وإن من فتنته أن يمر بالحي فيكذبونه فلا يبقى لهم سائمة إلا هلكت وإن من فتنته أن يمر بالحي فيصدقونه فيأمر السماء أن تمطر ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت حتى تروح مواشيهم من يومهم ذلك أسمن ما كانت وأعظمه وأمده خواصر وأدره ضروعا وأنه لا يبقى من الأرض شيء إلا وطئه وظهر عليه إلا مكة والمدينة فإنه لا يأتيها من نقب من نقابها إلا لقيته الملائكة بالسيوف صلته حتى ينزل عند الظريب الأحمر عند منقطع السبخة فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات فلا يبقى منافق ولا منافقة إلا خرج إليه فتنقي الخبث منها كما ينقي الكير خبث الحديد ويدعى ذلك اليوم يوم الخلاص، فقالت أم شريك بنت أبي العسكر: يا رسول الله فأين العرب يومئذ قال:
هم قليل وجلهم ببيت المقدس وإمامهم رجل صالح فبينما إمامهم قد تقدم يصلي الصبح إذ نزل عليهم عيسى بن مريم الصبح فرجع ذلك الإمام يمشي القهقرى ليتقدم عيسى يصلي فيضع عيسى يده بين كتفيه ثم يقول له تقدم فصل فإنها لك أقيمت فيصلي بهم إمامهم فإذا انصرف قال عيسى: أقيموا الباب فيفتح ووراءه الدجال معه سبعون ألف يهودي كلهم ذو سيف محلى وساج فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء وينطلق هاربا ويقول عيسى: إن لي فيك ضربة لن تسبقني بها فيدركه عند باب لد الشرقي فيقتله فيهزم الله اليهود فلا يبقى شيء ما خلق الله يتوارى به يهودي إلا أنطق الله الشيء لا حجر ولا شجر ولا دابة ولا حائط إلا الغرقدة فإنها من شجرهم لا تنطق إلا قالت: يا عبد الله المسلم هذا يهودي فتعال فاقتله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وإن أيامه أربعون سنة السنة كنصف السنة والسنة كالشهر والشهر كالجمعة وآخر أيامه كالشررة يصبح أحدكم على باب المدينة فلا يبلغ بها الآخر حتى يمسي فقيل له: يا رسول الله كيف نصلي في تلك الأيام القصار قال: تقدرون فيها للصلاة كما تقدرون في هذه الأيام الطوال ثم صلوا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليكونن عيسى بن مريم في أمتي حكما عدلا وإماما مقسطا يدق الصليب ويذبح الخنزير ويضع الجزية ويترك الصدقة فلا يسعى على شاة ولا بعير وترفع الشحناء والتباغض وتنزع حمة كل ذات حمة حتى يدخل الوليد يده في في الحية فلا تضره وينفر الوليد الأسد فلا يضره ويكون الذئب في الغنم كأنه كلبها وتملأ الأرض من المسلم كما يملأ الإناء من الإناء وتكون الكلمة واحدة فلا يعبد إلا الله وتضع الحرب أوزارها وتسلب قريش ملكها وتكون الأرض كثاثور الفضة تنبت نباتها كعهد آدم حتى يجتمع النفر على القطف من العنب يشبعهم ويجتمع النفر على الرمانة فتشبعهم ويكون الثور بكذا وكذا من المال ويكون الفرس بالدريهمات، قيل: يا رسول الله وما يرخص الفرس قال: لا يركب لحرب أبدا، قيل له: فما يغلي الثور قال: لحرث الأرض كلها، وإن قبل خرج الدجال ثلاث سنوات شداد يصيب الناس فيها جوع شديد يأمر الله السماء أن تحبس ثلث مطرها ويأمر الأرض أن تحبس ثلث نباتها ثم يأمر السماء في السنة الثانية فتحبس ثلثي مطرها ويأمر الأرض فتحبس ثلثي نباتها ثم يأمر السماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها كله فلا تقطر قطرة ويأمر الأرض فتحبس نباتها كله فلا تنبت خضراء فلا تبقي ذات ظلف إلا هلكت إلا ما شاء الله، قيل: فما يعيش الناس في ذلك الزمان قال: التهليل والتكبير والتسبيح والتحميد ويجري ذلك عليهم مجرى الطعام
وأخرج أحمد ومسلم، عن جابر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة قال: فينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم: تعال صل بنا، فيقول: لا إن بعضكم على بعض أمير تكرمه الله هذه الأمة.
وأخرج الطبراني عن أوس بن أوس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ينزل عيسى بن مريم عند المنارة البيضاء في دمشق.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن عبد الرحمن بن سمرة قال: بعثني خالد بن الوليد بشيرا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مؤتة فلما دخلت عليه قلت: يا رسول الله فقال: على رسلك يا عبد الرحمن أخذ اللواء زيد ابن حارثة فقاتل حتى قتل رحم الله زيدا ثم أخذ اللواء جعفر فقاتل فقتل رحم الله جعفرا ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة فقاتل فقتل رحم الله عبد الله ثم أخذ اللواء خالد ففتح الله لخالد فخالد سيف من سيوف الله فبكى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم حوله فقال: ما يبكيكم قالوا: وما لنا لا نبكي وقد قتل خيارنا وأشرافنا وأهل الفضل منا فقال: لا تبكوا فإنما مثل أمتي مثل حديقة قام عليها صاحبها فاجتث زواكيها وهيأ مساكنها وحلق سعفها فأطعمت عاما فوجا ثم عاما فوجا ثم عاما فوجا فلعل آخرها طعما يكون أجودها قنوانا وأطولها شمراخا والذي بعثني بالحق ليجدن ابن مريم في أمتي خلفا من حواريه.
وأخرج ابن أبي شيبة والحكيم الترمذي والحاكم وصححه عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي عن أبيه قال: لما اشتد جزع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على من قتل يوم مؤتة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليدركن الدجال من هذه الأمة قوما مثلكم أو خيرا منكم ثلاث مرات ولن يخزي الله أمة أنا أولها وعيسى بن مريم آخرها قال الذهبي: مرسل وهو خبر منكر.
وأخرج الحاكم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيدرك رجال من أمتي عيسى بن مريم ويشهدون قتال الدجال.
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليهبطن ابن مريم حكما عدلا وإماما مقسطا وليسلكن فجا حاجا أو معتمرا وليأتين قبري حتى يسلم علي ولأردن عليه، يقول أبو هريرة: أي بني أخي إن رأيتموه فقولوا: أبو هريرة يقرئك السلام.
وأخرج الحاكم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أدرك منكم عيسى بن مريم فليقرئه مني السلام.
وأخرج أحمد في الزهد عن أبي هريرة قال: يلبث عيسى بن مريم في الأرض أربعين سنة لو يقول للبطحاء سيلي عسلا لسالت.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وصححه عن مجمع بن جارية سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليقتلن ابن مريم الدجال بباب لد.
وأخرج أحمد عن ثوبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عصابتان من أمتي أحرزهم الله من النار: عصابة تغزو الهند وعصابة تكون مع عيسى بن مريم.
وأخرج الترمذي وحسنه عن محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبيه عن جده قال: مكتوب في التوراة صفة محمد وعيسى بن مريم يدفن معه.
وأخرج البخاري في تاريخه والطبراني عن عبد الله بن سلام قال: يدفن عيسى بن مريم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه فيكون قبره رابعا). [الدر المنثور: 5/108-127]


رد مع اقتباس